أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - نظرة للامام مذكرات ج2 كتاب كامل















المزيد.....



نظرة للامام مذكرات ج2 كتاب كامل


كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي


الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 09:47
المحور: الادب والفن
    


نظرة الى الامام | مذكرات ج2
2025







مقدمة

هذه المذكرات انتقائية , فنحن في الشرق نكتب عن انفسنا بحذر شديد خشية السوط الاخلاقي.وليس كل ما مر بالانسان يصلح للكتابة عنه , وليست الذاكرة مهياة لاستعادة الذكرياتِ بعد الستين .
اعاني من صعوبة في كتابة المذكرات لاسباب عدة , فبعض من اتناولهم احياء او اصدقاء .
ورغم اني اتجنب الاسماء فاعتصم بالحروف ورغم حيادية وانصاف وحذرامارسها قدر استطاعتي لكني اضطر للحذف بسبب اعتراضات مقربين , فهي ليست حياتك وحدها ولست حرا تماما فيما تكتب .
لم اكن اتوقع اني ساكتب مذكرات لكني بعد ستين سنة وجدتني مدفوعا لذلك فالمذكرات منجم لعلماء الاجتماع وعلم والنفس والتاريخ وخبراء الفلكلور .
والذكريات تساعد النقاد لفك الشفرات لدى الكاتب وتمنع الكثير من الالتباسات.




اعاني من صعوبة في كتابة المذكرات لاسباب عدة , فبعض من اتناولهم احياء او اصدقاء .
ورغم اني اتجنب الاسماء فاعتصم بالحروف ورغم حيادية وانصاف وحذرامارسها قدر استطاعتي لكني اضطر للحذف بسبب اعتراضات مقربين , فهي ليست حياتك وحدها ولست حرا تماما فيما تكتب .
لم اكن اتوقع اني ساكتب مذكرات لكني بعد ستين سنة وجدتني مدفوعا لذلك فالمذكرات منجم لعلماء الاجتماع وعلم والنفس والتاريخ وخبراء الفلكلور .
لكنا هنا لانتمكن من كتابة مذكرات بجرأة ماركيز فقد ذكر انه عاش فراشا مع امرأة وحين باغتهما زوجها اكرهه ان يظل جالسا امامه شبه عار لساعات وهو يمسك مسدسه .
نحن لا نملك جرأة الاميرة ديانا زوجة تشارلز ويلز ملك المتحدة قالت ( رايته خانني فخنته ).
لكنا مولعون بالقناع نحن لا نريد ان نواجه انفسنا ولكن بعض المقربين ( لعل له عذرا وانت تلومه ).
فانت في حيرة بين ان تغضب اعزاء فتكتب ما عشت ورايت او تضطر لحذف فقرات تراها مهمة في حياتك وذلك ما يضايقك .
منذ الحملة الايمانية التي اطلقها النظام السابق ابان الحرب الايمانية وامر رجاله ان يقطعوا عددا من رؤوس بائعات الهوى ووضعها بقدور امام منازلهم والشباب لا يستطيع ان اقتناء الخمر الا عبر طرق ملتوية ولا يمكنه ان يجد ملهى وغجرا .
ولو قال احد ( كنت احتسي الخمر ) فسيراك الاخرون كافرا او ملحدا ويانفون من الجلوس معك .
وربما لا يتمكن الجيل الجديد ان يتصور بان محال الخمور كانت اكثر عددا من بائعي العصائر اليوم .
ماذا لو اختلفت معهم في تفسير القرأن , قرأته قراءة اخرى مثلا ,هنا لصقة الشيوعية والالحاد جاهزة .
لكني تجنبت الجدل والحوار الديني منذ الثامنة عشرة من عمري وتكلم العلامة كمال الحيدري مؤخرا بلساني فقال ( ليقل العالم هذا فهمي للدين وليس الدين ).
ورغم ان الجزء الاول من مذكراتي الذي نشر غالبا يتناول مذكرات ثقافية لكن ليس معقولا ان يكون شخص زج مرات في معتقلات امنية وباكثر من حرب وخاض معارك حياتية وثقافية حامية ان تكون مذكراته ثقافية .
كنت مستغربا واعذر الان من تكتم عن الادلاء بمعلوماته الخاصة عن صدام حسين من مقربيه واقربائه فهناك اعراف عشائرية وهناك الثأر وهناك قدسية تتحطم ان مسستها , وما تراه فيه جرائم يبرره بعض الاخرين .
سيكون الجزء الثاني من مذكراتي قاصرا وتبقى ثغرات والغاز فلا استطيع البوح ناسفا العرف ومحتدما مع احبة .









الصديق دال
كانت قد توغلت فيه المراهقة حين صاحبته , اميل للطول بعينين زرقاوين وطول فارع , حين يبتسم تشع زرقة عينيه فتؤلقهما ابتسامة عفوية .
لا اتذكر متى بدات تلك الصداقة وكيف , كان المراهقون والصغار ينظرون الي كمرشد واستاذ فاضل ورغم تحذيرات ذووهم مني لاسباب سياسية فهم ينتظرون طلتي ولكل اسبابه بعضها لاكتب له انشاء او ينتظر اجوبة لاسئلة محيرة .
وكيف يستطيع المثقف ان يكون متزنا ان تواجد في بيئة تسودها الامية فيما تتلاطم فيه منذ سن مبكرة لجنة الافكار التي تحتله متقافزة بلا نظام او ضبط اكاديمي ,نشأت مبتليا بفضول المعرفة ولم ياخذ بيدي ويحاول تسريب الافكار لي بدفعات .
فمن تاريخ الشعر العربي وحفظ الكثير من الشعر العربي الى نقد الشعر الى القصيدة المعاصرة وتباغتك اشعار اليوت ورامبو والمدارس الشعرية والنقدية المعاصرة وتفاجئك موجة الحداثة ولطمة السياب وجماعته وكانت المسافة قصيرة بين عروة بن الورد ( افرق جسمي في جسوم كثيرة واحسو قراح الماء والماء بارد ) الى ( وكركر الاطفال في عرائش المروج ..ودغدغت صمت العصافير على الشجر .. مطر .. مطر ).
وكان عليك ان تتقن اللغة وعلم العروض مبكرا.
وفيما كنت تجالس الفراهيدي والفت عروضه اذا عليك استيعاب اطروحات نازك الملائكة فشهدت انضباط النغم لدى الخليل على حافة تكسير تلك القيود الصارمة ب هل كان حبا وقصيدة الكوليرا .
وفيما تعودت على المنطق الصوري اذا بك تهزك نظرية الاحتمال وكتاب ( البنك اللاربوي ) .
وماذا عن الوجودية وهيمنة سارتر واطروحات كولن ولسن في الوجودية الجديدة وكتابه اللامنتمي .
كانت امواج المعارف متلاطمة وانت تخوض وحيدا تحاول فك الغاز العالم بلا يد مساعدة .
ولو افترضنا بانك اهتديت لعشرين روائيا مهما في عشرين دولة فكيف ستتلقى مبكرا صفعة الاخوة كرامازوف والجريمة والعقاب وانت امام رجل يتقن قلع الاقنعة عن الارواح .
وياتيك بعد ذلك راس المال ولينين فالمهمة في تغيير العالم وما اجتهد به الفلاسفة انهم حاولوا تفسير العالم فتندلع فيك الثورية وانت في نظام قانع مقنع .
كل ذلك جرى بعشر سنين وكان عليك ان تكدح وعلى الروح ان تحتمل , هذا ما دفعك ان تحتسي في بارات صاخبة وتحت اهتزاز السعفات في ليالي البساتين وضفاف الانهار .
ولا اكاد افهم كيف نجا البريكان من التدخين والخمر والمعتقلات وهو يحمل قوة والاحتجاج في مرحلة نهاية الخمسينيات من القرن العشرين وكان العراق بعد ان قضى على النظام الملكي دخل في حفلة الانقلابات والقمع والدموية .
وقال لي مخلص بعد سنوات ( كنا نضحك ونحن نراك تسعى تسح المجلدات ) وهو وهم محقون .
فقد كانت الحرب العراقية مستعرة والشوارع تختنق بلافتات الشهداء وانا منغمس بالتهام الاطروحات السيكولوجية بعدما قدم صديق مقرب على الدراسات العليا و بعدما تعرضت لانفجار قذيفة في عبادان هشمت الكاحل.
كان الطلاب المراهقون والصغار ينظرون الي كمرشد وينتظرون طلتي من منزل في زقاق عرضه ثلاثة امتار وبيوت من مائة متر .
رغم تحذير اهاليهم مني لاسباب سياسية .
وكان لقب امي (المؤمنة ) وهم صادقون فكل غروب خميس تتلفع بالبياض وتشعل البخور وتهمس مناجية بالادعية وتتلو القرأن , طقس يتواصل لساعتين تكون خلالها خارج مجريات الحياة الدنيا .
كانت امي مكتبة للامثال الشعبية والحكم , تلك الامثال البصرية عالية البلاغة والاختزال والعميقة الغور .
وهذا ما جعل عائلتنا مستودعا لاماناتهم ومصوغاتهم وموضع جذب واطمئنان للارواح الحائرة .
لم تكن امي تناديهم الا باجمل النعوت وتعاملهم مهما تكن اخلاقهم باحترام وروح رضية فتلك ام الورد وهذا الحاج ابو الغيرة والصبي بطل وذكي ...
ربما لهذا السبب ولغياب الاب طيلة النهار على مدى سنوات جعل اسم عائلتي يعرف بكنية امي .


كان زقاقا ضيقا يضم كل التناقضات السلوكية فجوار ما يعرف ببيت ( المؤمن )هناك عائلة ( و) ا لتي تدعو كل ليلة جمعة ناقري الدفوف وعازفي الابواق وضاربي الطبول ومعهم الطنبورة ( طاردة الجن ) بستت اوتار او المزمار ( صرناي ) وهي الة بوقية ينفخ فيها ويجتمع اغلبهم من اصول افريقية فيرقصون حتى المنتصف في حفلة استشفاء من الجن نسميها محليا جلسة الزيران تتصاعد الايقاعات شيئا فشيئا ويتوتر البعض وهم يرقصون بعنف حتى يتهاوى بعضهم الى الارض متوترا وغاطسا بالعرق فتتغير لهجته ونبرة صوته فيتسارع اليه عارفاتهم وعرافوهم ليساعدوه على الشفاء .
الثرثارات والصامتات هنا العفيفات والاباحيات , القبح والجمال , والصادقون .
هناك حفلات موسمية تقام في بيت مقابل تخصص برقصة الهيوة وهم يستغلون اية مناسبة تمر بهم ليغنوا ويرقصوا ويتبادل بعضهم نظرات الهيام او التعارف او اللقاء بحبيباتهم فلا احد يبالي بسلوك احد , الجميع مشدود لسحر الطبلة وايقاع الدفوف والصرناي .
ولا يخلو الجو من مخبري السلطة فهم يلحظون ويسجلون ولسان حالهم يقول افعل ما شئت الا المساس بالسلطة وكانت مطلع السبعينيات حتى وسطها لم تكن السلطة قد تمكنت من اطباق شبكتها الخفية على كل شيء حتى دبيب النمل .
وحين ترحمهم شمس الصيف وتخفف من جحيمها يظهرن لتكنس كل امراة المساحة الترابية امام منزلها لتبدا حفلة الثرثرة في جو من الضحك وتشريح الاخرين وخلال ساعات تستمع لهذه الاذاعة البشرية وهي تزودك بكل ما جرى منذ طلوع الفجر فلا يصمد باب ولا يعصي شباك تتسرب كل الاسرار في جلسة واحدة
وقد يتشاجرن صبحا غالبا لاجل الصغار فيندلع التوتر والسباب ويشهرن الحجارة والعصي لكن لا احد يسال منه دم ثم يتصالحن عصرا فيفترشن العتبات بالسجادات البالية وحصران الخوص والبسط القديمة الملونة على التراب المرشوش .
لكن اهالي الزقاق والحي لا يتوتر احد منهم من سلوك الاخر فهذا الذي يقضي نهاره مرتلا ولياليه الخميسية بالمجالس الحسينية في داره لا يانف من جاره السكير مثلا وتلك التي ترسخ في ضميرها ايمان بسيط وراسخ تجالس تلك التي تمضي ليلا لبيوت موحلة .
كانت الجبهة قائمة في العراق وللشيوعيين جريدتهم طريق الشعب ومجلاتهم ومقراتهم واجتماعاتهم مع مسؤولي النظام.
كان الصديق د في المتوسطة كان يصغرني كثيرا ولم نكن كما هذه الايام نعاني من قفزات سلوكية بالمجايلة .
عرف عنه بياض بشرته وزرقة عينيه وعفوية ابتسامته ورغم ان ابا صديقي عرف عنه قوته الجسدية وولعه بالخمرة والنساء الا ان غيرة صحبته فكان يقول (من منهن فاسقة افوت عليها من الجيران اما العفيفة فليست من اهتمامي ) لكن زوجته الفاضلة كانت لا تبالي فحين يعود متاخرا ثملا ليلا تسعّر له التنور الطين في السطح وتشوي له الدجاج وكنا نرى وميض النار من سطحهم الترابي المنخفض وهذا ليس ضعفا بالغيرة منها انما هي من تلك النساء الاوليات اللواتي يبكرن للخبز بتنور الطين والحطب وتحمل كيس الطحين وهي حامل اما التبرج فربما هي اخر من تفكر فيه.
لقد ورثت الحكمة من جداتها , منها كتم سرها فتقول ( حدثتني امي بان ابوح بسري في المرحاض ان ضاق صدري به ).
لقد انهكتها الفاقة منذ اليوم الاول الذي انفردت ببيت بسيط عن عائلة زوجها فكانت تهز مهد رضيعها في المهد الخشبي وتقول( كطعوا والله عيب يكطع )أي وقت تخلّو فرحمة الله لا تغيب .
لكن عائلتهم عرفت بكنية ابيهم .
حين تعرفت على د كان في المتوسطة فزودته بكتب ماركس ولينين وانجلز مطلع الثمانينيات ولم تكن اليسارية قد فقدت بريقها كان ما يزال هناك امل رغم ان الشيوعيين في العراق هجروا في النصف الثاني من سنة 1978.
واندفع صاحبي يلتهم تلك الكتب ونبهني اخوه الذ ي يصغره الى مقدرته على النظام وولعه بتجميل غرفته فدخلتها يوما فاقتنعت بان له ذوقا جميلا في غير بيئته واندفاعا لتنظيم الاثاث ورغم افتقارقه للمكوى فقد ابتكر بديلا فكان ينشر ملابسه على حبل الغسيل دون ان يعصرها من الماء فتظهر كانها مكوية.
عن مغامراته الحميمية لم اعرف عن د شيئا سوى عن فتاة صغيرة جارة جميلة ومنفصلة كنت اسميها بدوية الحسن , واقول له انها تنادينا فلا نستجيب لانها جارة ولامها التي تتسكع ليلا فضل علينا , بعدها بسنة اسرّ ني د بانه كاد يصرخ حين اقول له هذا عنها لانه تمكن منها في ليال عدة .
ذات يوم قصدنا مركز المدينة وفي البار تضببت الذاكرة واخذ منا السحر مفعوله في جمجمة صاحبي
عدنا قبيل المنتصف وفي وسط العشار السوق المركزية للبصرة وكان هناك القليل من المارة عائدون من السينمات او مشردون او متجولون بحثا عن المتعة
فجاة راى صاحبي صورا لانتخابات المجلس الوطني فاندفع لتمزيقها ومن حسن الصدف كانت صور اخرى لعارضات وممثلات مبعثرة على اسفلت الشارع فاختلطت الصور .
لم امنعه بل كنت ابتسم , اذا برجال الامن يعتقلوننا وهناك حين صحونا في مديرية الاجرام كان احد الموقوفين يحاول سرقة مسدس الشرطي لينتحر لقد اغتصب امه بمفعول الخمر. اخذوني الى غرفة ما حافيا امشي على زجاح مكسر , وقبل ان اجيب تلقيت صفعة اجهزتني ارضا .
قال احد المسؤولين ( هذان سينقلان الى جهة اخرى )
عندها اصبت بالوجوم .
لم اكن اخشى على نفسي فقد خبرت الاعتقال والسجن من سنوات لكني خشيت على صاحبي , فربما لا يصمد امام التعذيب فيورطنا .














كان د يصغرني بعشرين سنة , شاب يتطلع للمعرفة ,وكان محدثا على الشرب .. بعد ساعتين عدنا فمررنا في سوق المغايز بالعشار, حيث تحجم فيه الزحام وقل المتسوقون .. وتراكمت على ابواب المحال القمامة التي كان كل بائع منها يدفعها خارج محله قبل اغلاقه, فجأة توقف صاحبي واخذ يمزق صورا لدعايات انتخابية وصادف ان مر رجال امن فقبضوا عليه وصحبوني معه ,لا اعرف اين قضينا تلك الليلة
وفي بوابة مديرية الامن في البصرة (الليث الابيض ).. سمعت احدهم يصيح مناديا على الرجال (تعااالوا ذولة الي ما خلونة أنام من ثلاثة ايام ).. وهرع الذئاب الينا يسبقهم جوعهم للدم ... وكانت وجبة دسمة بين ركل وسب وشتم ورفس ولكمات .
نقلونا بعدها الى زنزانة طويلة , المعتقلون فيها ممدون واعينهم معصوبة على جانبي القاعة بشكل متواز.. وقبل ان يعصبوا اعيننا وجهت صاحبي بان يجيبني بسعلات ان سعلت بين فترة لاخرى , فافهم انه ما يزال قربي وهو ما طبق بيننا .. بعد ساعة اتوا وعصبوا اعيننا .. ثم استدعوا صاحبي للتحقيق .. بعد الافراج علمت بانهم علقوه في مروحة باسلوب ربط اليدين من الخلف .. ولانه كان طويلا فقد كانت رجلاه تلامسان الارض : (اعترف ) مع سب وشتم وركلات وصفع .. قال (فاخبرتهم انا سكران ولا ادري هل مزقت صور المرشحين او لا ..).
في اليوم الثاني استدعوني ليلا وسألني ضابط التحقيق (كنت تضحك على بعد مترين منه وهو يخرب الصور فاعترف ) فاجبته واثقا ..
الجلادون يدخلون الزنزانة ليلا ويتسلون بتعذيب او ازعاج المساجين بمختلف الطرق ,كنت ازيل العصابة من عيني قليلا بحيث يمكنني ان ارى, مرات اكتشفوا ذلك واشبعوني صفعا لكني لم اكف .. كنت اريد ان استكشف ما يجري. واذكر مرة دخل ذئب منهم واخذ يقفز ويهبط على اجساد المساجين فحميت رجلي المصابة بالكاحل برجلي الاخرى فلم اتأثر عندما قفز وهبط على فخذي .... يوما ما رأيتهم يدفعون شابا جميلا بملابس انيقة وعلمت بانه موقف تمثيلي فالشاب من رجال الامن دفعوه ليحدد هوية بعض الاشخاص ,فلم يعصبوه وبدأ فورا بقضم البعض بعيون شرهة مركزة ... ساعة واخرجوه ..تجربتي السابقة قبل ثماني سنوات في مديرية امن اخرى علمتني الدروس واساليبهم ..
وخاطب الجلاد احد المعتقلين ــ وقد نزل توا من التعذيب ففتحوا عينيه وقدموا له ماء وصمون ــ الست الان مرتاح فاجاب .. فقال له ..
ابشع ما شاهدته هنا في هذه الزنزانة من ابواب خشبية بارتفاع متر ثبتت على طول الحائط الايسر , يخرجون منها معتقلين منضمين لحزب الدعوة يغطونهم من الرأس ببطانيات مع كل وجبة .. استغربت من زنزانات داخل زنزانة واردت استكشاف الامر .. كنا اول من نمضي للحمامات وهم بعدنا وفي مرة تأخرت بالحمام حتى يصلوا وسمعتهم يحدثون بعضهم عن مجريات التحقيق..كانوا يتكلمون بسرعة واصوات شبه هامسة وتوتر ..وقد انزلوا البطانيات عنهم وثبتوها على الاكتاف.. ورأيت وجوههم المجهدة .. فلما غادروا جميعا ظهرت فاستغرب الجلاد ورفع عصا غليضة فقلت (بطني خربة >.. فصفعني وقصدت مكاني .
يوم الافراج امرني الضابط ان اوقع وكان مفوض الامن الجار حاضر وقد اشاد بي ..قال الضابط سنفرج عنك ولا تعملها بعد الان .. فتركت الورقة ورفعت رأسي <انا لم افعلها > فابتسم .
بعد الافراج.. جاءني ابو د ليتحمد على السلامة وعلق باقتضاب معاتبا (حين رأيته قد سكر لو سحبته واتيت به).
لكن صاحبي د شارك بانتفاضة التسعين بشجاعة وشوهد مسلحا يجوب الشوارع , فتم اعتقاله بسجن الرضوانية الجحيم ببغداد وبعد الافراج غادر البلد ومكث عقودا متنقلا من دولة لاخرى .
تراسلنا مرات مقتضبة على الفيس ثم برد التواصل بيننا .









لقد مضت ثلاثون عاما منذ ان غادر صديقي د العراق ونصحته عبر مواقع التواصل بان سوريا التي يقيم فيها قد تعرض للاطاحة والانجى ان يعود فاجابني ( بكل البلدين موت فهي موتة واحدة ).
وقالت عجوز معتكفة بان صاحبك د متزوج من سورية وحين عودته هنا لحينا اخذت صغارها وعادت .
مضت اسابيع منذ عودته ولم اره وحين التقينا قال ( مشتاق اليك ) اجبته ليس حقيقيا لانك لم تزر ولم تسأل ورايت الدهشة في عينيه فبررت له ( يقال من يتغرب طويلا يميل للعزلة ).
في نفس الجلسة ذكّرته مستفسرا بقول العجوز فاكد الخبر لكنه قال روته بتصحف .
القصة اني تزوجت حقا من فتاة سورية ومن طباعهن لا يروضهن رجل وانجبت لي صغيرين لكن اخاها العقيد هدد واستهدف مرات فتنقلوا من محافظة لاخرى وفجأة تلفنت لي بانهم استقروا بتركيا ومن هناك سيهربون لسوريا.
لم اتمكن من منعهم فغرق زورقهم بعرض البحر واقتربت من حافة الجنون .
وبعد اسابيع اتفقنا على رحلة صيد في الليل وكان لي منزل قريب من الشط مكثت فيه ثلاث سنوات خلالها ابكر قبيل الشروق للصيد واعود ضحى ثم اعود له عصرا وامكث بالصيد حتى الليل .
كنت على عجل فاخذت ادوات صيد شحيحة فصحبني بعجلته التي اشتراها مؤخرا لهناك .
وفاجاني بانه مستعد لرحلة الصيد تماما فكان في عجلته بساط للجلوس ونركيله وطباخ صغير انيق يعمل بالغاز وفحم .
ومعه ادوات صيد تكفي لعشرة صيادين وثلج ومنعشات الروح بعلبة بلون نفطي والوان المكسرات والطعام .
وكان علينا ان نغطس في ارض يرتفع فيها الماء اعلى من الركبة لعشرة امتار فكان ينقل الاشياء من سيارته ويناولني ثم يعود لينقل ما تبقى , فيما كنت اتناول منه على سطح الدوبة وكان الظلام وسطيا لان بناية صغيرة خلفنا ثبتت مصباحا ضخما .
ولم اتوقع احدا يتواجد بعد الغروب بثلاثة ساعات لكن فوجئت بثلاثة اشخاص على مرتفع من سطح الدوبة يدخنون الناركيلة فانتظرناهم يغادرون اذا باحدهم يطلب من صاحبهم ان يمضي بعيدا ليجلب الفحم فقال صاحبي( هؤلاء سيطول بهم الجلوس وعلي ان اعمّر الجلسة ).
وضع الفحم على الطباخ ونصب ناركيلته وقال ساعمل (مميات) فضحكت فافرغ المصفر في قنينة ماء بلاستيكية صغيرة وخلطها بسائل اخر ومكسّر الزجاج وبدات حفلة الغطس بعالم اخر .
فجاة اتى صيادان يعرفانني لكن الظلام ستر الامر فلقمت الصنارة بالعجين ورميت البلد .
هناعدنا لايام السبعينيات ومطلع الثمانينيات وهنا كشف لي المستور في الزقاق الضيق خاصة النساء وابعادهن السيكولوجية وعلاقاتهم الحميمية .
كان شابا مقتحما للخدور بصمت انيقا متمرسا وربما زرقة عينيه وبياض بشرته وطوله اللافت وراء ذلك .
ومن كانت تبدو عصية علي او على الاخرين لم تصمد امامه , فتلك الصلبة السمراء وجدها في ظهيرة صيف مسعرة قربه في فراشه وهو نائم كانت بلا جمال لكنها رغم صغارها الاربعة تميل للصغار عمرا من الشبان .
اخرى بيضاء لعبت فعفت فمالت للانتقاء بعمر الثلاثين انها تختلط بمن تنتقي كهواية , لون من الاستمتاع , يقول دخلت منزلها ورايتها بملابس نوم فتمنعت فقلت لها انت متزوجة فما مبرر علاقتنا سوى الفراش واضاف لم اترك لها فسحة للتفكير فقد تفرست بانها ميّالة لمن ياخذها عنوة فدخلت فيها .
كانت امراة تضجر منا نحن الاثنين وتتضايق لكنها كانت تقاوم رغبة بصاحبي فقد ارسل لها قميصه لتخيطه وحين سلّمته لاخيه الصغير كانت تقبل القميص فوصلت الرسالة لصاحبي .
وذكرني كيف بات صديق معي وثملنا وحين غادر فجرا للثكنة لم يصحني , وتفاجات باني صحوت عاريا تماما وضحكنا ! .
وكشف لي العشرات من اسرارهن التي احتفظ بها ومغامراته معهن .
كانت وراء الظاهر من ذلك الزقاق الضيق الصاخب حياة اخرى زاخرة بالاسرار.
وحدثني انه بعد اعتقالنا عرض على محكمة وافرج عنه .
حدثني عن العميق من التركيبة الاجتماعية باليمن التي قصدها والاردن وسوريا التي مكث فيها سنوات.
هكذا بين صيد ومرح وتألق روحي وفتح الصندوق الاسود عدنا بعد المنتصف بساعتين وتلك كانت اجواؤنا قبل مجزرة الخلد التي اجهز الرئيس العراقي فيها على ثلث القيادة وتفرد بالسلطة ليبدأ عصر الحروب.
الان اراه متوترا فقد عقد املا على مؤسسة السجناء السياسيين لينال حقوقه من مرتب ومكافأة مليونية لكن طلبه رفض فشعر بقسوة الظلم ومرت به تلك الايام المتوترة التي دفعته لترك البلاد لاكثر من ربع قرن .










الكتب الماركسية
في رسالته الى ج.بلوخ في21 – 9 – 1897 يقول انجلز( انني وماركس نتحمل جزءا من اللوم على حقيقة أن الشبان احيانا مايركزون على الجانب الاقتصادي اكثر مما يستحق فقد كان علينا أن نؤكد هذا الجانب الرئيسي في معارضة خصومنا الذين كانوا ينكرونه، ولم يتح لنا دائما الوقت أو المكان أو الفرصة لكي نولي العناصر الاخري المشتركة في التفاعل ما تستحق).
وقد اضاف انجلز بان الاقتصاد حاسم في التغير التاريخي على ان تؤخذ عوامل اخرى بنظر الاعتبار منها القيادات المتميزة والدين وظروف البلد .
لكن بعض الاسلاميين اجتزا المقطع الاول من الرسالة ليدين الاطروحات الماركسية .
وكان علينا نحن المبكرين على قراءة هذه الفلسفة ان نجد المبررات للاطروحات وليس من كتب او رجال مثقفين يضيؤون لنا
كان اخي انسانا بسيطا بثقافة متواضعة , اقنعته ان ينتمي للحزب الشيوعي, كنت عسكريا وغير مسموح لي بالانتماء, ولكن احد الشيوعيين الذي صادقني وانا مراهق اتى معنا من الحي العشوائي الذي بنته الدولة لنا .
وكنت امضي اليه في مرحلة العسكرية قبل ثلاثة اعوام من اندلاع الحرب العراقية الايرانية , وذات يوم زرته وكانت جريدة الشعب مفتوحة امامه على الطبلة فقال لي ( لو اتى مخبرون ورؤوك معي والجريدة امامنا فالاعدام مصيرنا ) , فانقطعت عنه.
وحينما انزل الحزب الشيوعي بيانه للتنظيمات في النصف الثاني من سنة 1978 وجاء فيه ( اننا نغادر فاصمدوا لسنتين) , لم اعلم كيف تصرف اخي فلا يتوقع رفيق مخبرانه منتمي لانه ابدا يكدح في اعمال البناء ولا يختلط او يجادل .
فاجأني اخي يوما واراني كيف اخفى لاصقا هوية الانتماء في اسفل خشبة دولاب ملابس.
ثم حفرت معه حفرة عميقة وسط الغرفة , ووضعنا فيها الكتب الماركسية وبعد سنوات حين استخرجناها كانت ممسوخة متهرئة من الماء .
وفي سنوات الضغط المطبق على الناس ارسلوا لي رفيقين جارين ليطلعواعلى مكتبتي فلم يعثروا على أي شيء من تلك الكتب التي وضعها ماركس او لينين .
كانت البواخر الروسية تتعمد ترك كتب مشاعة ماركسية بطباعة راقية وجلاد انيق وكانت بعض تلك الكتب تتسرب لي .
واشيع عن الحزب الشيوعي قوله بان ( اخطر من اتى التنظيم هم اولئك الذين اطلعوا على الكتب الماركسية خارج التنظيم ).
في اعمارنا المبكرة كانت موجة الوجودية سائدة وكتاب فلسفتنا واقتصادنا يتصدر وكنا نموج بين الفكر الماركسي ومجدداته مثل اطروحات الفرنسي غارودي( الماركسية الجديدة ) والفلسفة الاسلامية التي تصدت بشراسة ولجة الوجودية بشقها الملحد على يد سارتر ومصنفه الضخم ( الوجود والعدم ) وكولن ولسن ووجوديته الجديدة حسب تسميته وكان كتابه اللامنتمي قد تصدر القراءات .
كان الشاعر صديقي المقرب الشاعرحيدر الكعبي يعمل في احدى الدوائر حتى المساء وهو يقلع اغلفة الصناديق هناك فتمكن من شراء اهم المؤلفات الماركسة وكان يقول ( هذه الكتب تعطي عضلات للمخ ).
لكن غالبا ما قرء الادباء وبعض المثقفين الماركسية كصور كاركوتارية فجملة ( افيون الشعوب ) وفتوى السيد الحكيم ( الشيوعية كفر والحاد ) واطروحات اخرى بسيطة هي من تشعل الحوار في المشارب .
واتضح فيما بعد بان ترجمة راسالمال للعربية غير دقيقة .
وهو ما صرح به علامة شهير جعفري مؤخرا فقال بلقاء متلفز ( خلافا لما يعتقد , الفكر الماركسي ليس ملحدا وكنت على هامش مؤتمر بفرنسا وحاورني غارودي بجلسة خاصة وتبين لي بان ترجمات الكتب الماركسية لم تكن دقيقة ) .
ونحن نختصر النظريات بجمل مشوهة لنستريح فدارون اصل الانسان قرد وفرويد الانسان صناعة المكبوتات الجنسية وماركس افيون الشعوب .
لم يفكر احد بعمق كيف يجري التاريخ وكيف تحدث التحولات وكيف تظهر فتنهار الحضارات .
كل الثورات المناهضة للدولة الاموية لم تنجح حتى اتى اناس تواروا وصمتوا وخططوا باقتداروتمكنوا اخيرا من القضاء على الامويين للابد .
ما العوامل التي تؤثر بحركة التاريخ وهل يجري عفويا او وفق قوانين وهل يتكرر بحلزونية او لا وكيف تحل هيمنة الدولة .
لقد تقبل سارتر المادية الديالكتيكية ورفض التاريخية .
وهل كنا نتقبل الادب والفن وفق المسطرة الماركسية ام كنا في تردد .
ولماذا كانت في الاربعينيات والخمسينيات الافكار الشيوعية مهيمنة وانتهت الى مساحة محدودة حتى بعد السقوط .
وهل كان انهيار السوفيتي سببا لضمور الفكر الماركسي .
وهل سيتذكر هذا الجيل نقرة السلمان وقصر النهاية والتضحيات الجسام التي قدمها مناضلون سيتناساهم الناس .
لقد كانت الماركسية جهدا فكريا حاول ان يجيب على اسئلة خطرة ولكن الافكار والاديولوجيات والدول المناهضة لهاعملت المستحيل لطمسها.





الصديق الاقرب
هذه مذكرات كتبها وعنونها صديقي الاديب رؤوف الشريفي الذي اخفى بقلقه ادبه , ويمكن لي ان الخصه بجملة واحدة انه الة كتابة فنية فهو لا يستطيع ان يستدعي الاوكسجين لروحه بلا كتابة , صداقة تجاوزت الثلاثين عاما بين رضا وزعل , تواصل حماسي وتثلج يطول , لم يبق متر في البصرة الا ووطأته اقدامنا وكنا في كل يوم نجدد الافكار ونجوب في بساتن الكتب والافلام ونستكشف الفيافي والجزر والقارات المتسترة , لكن التحليل النفسي والادب يتصدر لقاءاتنا .
كان يسجل لقاءاتنا ورحلاتنا الاستكشافية الممتعة للمدينة العريقة وقد اصبت بالعدوى منه فشرعت اسجل ايضا وقررت ذات يوم ان احتفظ بتلك الكتابات المذكرات ببيج اسميته بروق القلادة فربما نحتاجها لو كتبنا مذكرات او لتنشيط الذاكرة واليوم اطلعت على البروق وسحرني اسلوبه وهو يؤرخنا فنيا فانتقيت منها ...
( راس الشليلة
في الخامسة والنصف عصر اليوم حادثته في مقهى الصفا. وفي تمام السابعة اشترى جبن غنم , وصمون من مدخل شارع المطاعم , اقلاما للصغار, ابرا للخياطة من جانب جامع البحارنة, وملابس داخلية من ام البروم.
وافترقنا قبالة الكرنك حيث تحجرت الذبذبات السعيدة.
عند الرابعة ونصف كان وعيي قد تفتح للتو في عتمة غرفتي الباردة كتابوت الامراء النفيس. تلفن لي ك . ح . س ما رايك ننزل للعشار. قلت لأربكه ( متعب من العمل. وليس لي مزاج) فكيف تقول انك مستعد ان تمضي لجهنم في اي ساعة. ضحكت ... لم قاطعتني! كنت سأقول لك انا ناهض لأرتدي ملابسي.
في المقهى قال لي لو كان احد قد كتب عن البريكان لما مضيت لأكتب عنه , الطهمازي فقط له مقالة بائسة اضطر البريكان وهو الصموت ليرد عليها. ثم قال انه سيكشف سر موتة صديقه غضبان المجهولة , ورسالته المرمزة له التي يحتفظ بها. حادثته عن كتابي عن الموت اسمه كتاب المباهج! وتلوت (تستضيف الموت في حديقة الحياة) فحكى عن منقذ قرات عشرات المقالات. واكمل شرعت انزل رؤاي وحكايات عن فنه وتركيبه وتراثه. لكنه قال لي كتبت عن منقذ 50 صفحة لا اعرف اين ضاعت! طالما ذهبنا معا للزبير والمعقل والبصرة واحشائها والفاو والتنومة ودرابين العشار.
كلما نزلنا نعود بنص استذكاري. نوثق بها البصرة او يومنا. ليس لنا الا عينان وقلم الكتروني. فهل انهكنا الامكنة استكشافا وتدوينا. ولم نتعب بعد رغم الشرجي او المطر. فما هو المحرك لنعانق الحياة. نتشابه لنختلف. نتوازن لنمضي. في الخامسة, انتظرته لربع ساعة عند مقهى الصفا. يتوسط دربونة زقاق كبة ابو صباح. هو مقهى حديث بالتبريد تقريبا لولا النركيلة. ولم يكن اسمه الصفا بل اسم محل كماليات قبالة المقهى. وجدت كان مجنونا نائما يسب فقط ( شبه عار ) ويحادث نفسه. فكرت اليس المجانين البصرة موضوعة لمن لدية (رؤية وروح ).
كنت انتظره حتى بان بعد ربع ساعة. وراح يفسر لي كيف حب التزعم من اقوى الدوافع البشرية يتخذ شكل دين او ادب او سياسة.
مررنا بازقة ومحال العشار بالانطباع ذاته الباعة متجهمون من الملل مثل المانيكان.
حين وصل مطعمه المفضل اعتذر مالك المطعم لقد نفذت الكبة. يا للسرع ويالجودة الكبة اذن.
فاحتمل معدتك اذن مع الشاي والحامض. ولا ادري هل ذهبنا حقا اليوم الى المقهى الذي اكتشفناه لانفسنا. فقد توقفت تماما عن الكتابة باية موضوع حتى اتم الكتاب الذي بين اناملي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمعة مباركة
اللهم يا من دلع لسان الصباح..
دعاء الصباح اجمل وارق.. نحتاج الى مايمنحنا اجنحة ملونة نهرب بها من عالم الخطايا والملوثات ومن الازمات. اتصلت بصديقي. ما زال (متلفلف). انا اكثر منك نشاطا. اشتريت حليب من دكان يقول صاحبه صار لنا شهر ما عندنا ماء.!! اخبرني المتلفلف عن بدايات رواية الحب واشياء اخرى لماركيز قرا منها ٤٠ صفحة البارحة.
وفيها اشارة الى اليوروبو وهو الشعب الافريقي الوثني وتفاصيل ديانته.. لابد ان الوثني اكثر عذابا في حياته من الديني. انه رعب الالهة والاقنعة والارواح الشريرة. قلت له للاسف اضعت كل تحليلاتك للروايات والكتب التي قراتها مؤخرا. كان يمكن ان يكون كتابا نافعا. ان كثيرا من الجهود والطاقات قبض الريح. ثم حادثته عن اوليات التصاميم بلون احادي او ثنائي متقابل في دورة الالوان ، او ثلاثي متقارب او رباعي متقابل. وهو اتم للان طبع على اللابتوب اخر دواوينه. ما زلنا لم نفطر بعد الا على مزاجنا في المعرفة وعلى هذا المنشور الصباحي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يطرق اقصى بوابات النفس
المختبئة خلف اكوام وحجب الذكريات
يستخرج اخفى الدوافع ويشير بسبابة الحقيقة.
يعرف عني اكثر مما اعرف.
فتفاجئني احكامه الغادرة لتوقعاتي
تبهجني استنتاجه. فاضحك لسعادة الصدمة
ساعات نتناقش نبدا بالادب وننتهي بما لا تعرف. ماتيس الكاظمى الموساد الحروب الدعاية ريال مدريد الوجودية البريكان
السعادة في الاكتشاف
المسرة في التفهم
شكرا ك.ح س
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتزود بالوقود.
......
تلهج الارواح الى الانتماء. تأوي الى ما يركد قلقها. تتدفق الاسئلة والمزاح والهذيان حتى يرتوي ضمأها. ولكل منا مزاجاته.
القليل منا من ينتمي الى كل العالم.. فهو الكاتب والاجتماعي ومحب البهجة والصادق الصوفي والرحالة الابدي والمنعزل. هكذا يولد البعض ويموت.
المهم اني مع اقتراب الظهيرة عدت من السوق. قال لي الصديق الاديب كاظم حسن سعيد. وقد مررت به: هل كنت في مجزرة؟
قلت له: مررت ببائعي الاقساط!
.
كان له راي في الدين، راي لم اسمع اعظم منه. كان بسيطا ورائعا.
قال لي (ان الانسان حقا ومنهم المؤمن هو من تطمئن اليه).
كيف؟
خذ من الاسلام آيتين وحديثين. ودع الفلسفات الفارغة.
المسلم من سلم الناس رحم الله امرء عمل عملا وكان الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي. واذا خاطبهم الجاهلون قالوا....
طالعت الورود الصناعية في اصص زجاجية. قلت في نفسي تعهد زهورك هذا موسم الربيع. ولوحة مزججة لام تحتضن فتاتها. وصورة لاحد احفاده، بعير مكسور ساقه. مكتبة انيقة. مصلاة متواضعة وشهادة للصحافة. فهل نكتفي بالاشارة لها ويمكنك ان تتصور سبب انتقائها.
في الادب تحدث في رواية (اسم الوردة) وناقش اسلوب الكاتب. قال انه سيتغير بعد الصفحة ١٠٠
فسالته لماذا لا تشتغل شاشة البلازما اجاب انها تشاهدنا!
لقد اختفت ناشيونال جيوغرافيك. والسياسة فن التفعن الممكن.
استدارت صينية صغيرة بيننا فيها كوبان شاي ساخن وجك مثلج!
اجمل ما فيه انه يفاجئك بتحليلاته كانه يقرا كتابا. لكنه متفهم. فيقابل اغلب الاشياء الموجعة كانها امر طبيعي. اذ الانسان لا يغادر ذاته وقد جبل على عشق رغباته وتبرير احباطاته واخطائه.
تحدث عن البيج الجديد( بروق القلادة ٢) وعن تاثير كتابه عن البريكان.
قاربت ١١ نصف ظهرا. فتمثل ببيت مالك بن الريب الذي لسعته افعى في القيلولة لاحدى غزواته. فأحس بدنو اجله. فانشد:
تذكرت من يبكي علي فلم اجد..
ثم قال لي ان احد الاصدقاء اجابني صادقا: انا سأبكي عليك.
ولتغيير المزاج والحديث استخرج (بلد ) بنفسجي من كارتونه وشرع يحدثني ان متعة ما بعد الصيد تكمن في ادوات الصيد!
ومثل كل مرة اودعه واقول له اللازمة: كانت جلسة لطيفة. ونضحك.
اوصلني الى الباب. اتفقنا ان نتواصل على الواتساب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اشجان دافئة .
قرانا في مسرحية الكاتب الموثوق/ تي اس اليوت على مااذكر قبل 34 عاما لبروفيسور هندي اسمه فوهرا كان قد قرا كل كتب السماوات والارضين الادبية خاصة. وكانت المسرحية عن موظف معروف له ورشة خاصة في بيته للنحت الذي يهواه ولا يعرف عنه احد. انها تتحدث عن البواطن ورغبات التي لا نبوح بها. ونسعد اذا اختلينا لها. ولكن وحدك ايهاالقلب في كل عوالم الله ليس لك باطن. تماما مثل قلوب الانبياء .انت رجل ببعد واحد او بعدين. لا ترغب بآفاق الخباثة ولا المكر ان العالم مثل عطر شانيل فايف لا تحلله الى مكوناته الكيمياوية او حتى الطبيعية فتقتله. ولست ساذجا! الا تكفي السماء سقفا تتنزل منها ايات العشق على قلبك ومركز الارض الفوارة باطنا لك تخرج منها صراخك بالكتابة.الا تشعر بالحزن تود ان تغسل جفونك بملح الدمع وتطهر عينيك من الصور المؤذية الم تجد حجرتك السرية تخوض فيها مغامراتك احلامك تستبدل العالم بكلمات على اسطر ترقص من البهجة حتى وانت تستمع لموسيقى تركية ربما سمعتها في قطار بغداد موصل يوما
وانت ايها الاديب ايها المسيح الذي فدى الاخرين بمعرفته ونخوته وعاد يحتطب المعرفة وجدت روحك في العظماء تحاورهم كل مساء وتمرق الي على الشاي والكاباتشينو اربعة بالف وما تيسر (على كولة الشاعركريم جخيور) من المرح والسريات الخبيثة البريئة لتقول لي ما لم يقولوه في رواياتهم.
سنقرا ونكتب قبل ان تتحطم الجبال الراسيات وياتي الطوفان الاسود وقبل ان نقول وداعا وكانما ليس من سبب لحياة ولا من داع للمغادرة.
رؤوف الشريفي )











البريكان في ذكراه الثالثة والعشرين
دعوت الادباء مرات عدة لاحياء الذكرى 23 لرحيل الرائد البريكان ولم يتم ذلك ..حتى وجهت الي دعوة من جهة لم اكن على تواصل معها فسارعت للحضور.
ضمن برنامجها الرمضاني لسنة 1446 ه -2025 م احتفت رابطة مصطفى جمال الدين الادبية بالشاعر الراحل محمود البريكان بمناسبة الذكرى 23 لرحيله يوم الخميس 13/3/2025 الثامنة مساء.
تقديم وادارة الشاعر الدكتور حسين فالح نجم. وبمشاركة د وليد عبد المجيد ابراهيم والشاعر كاظم اللايذ والاستاذ ضياء البصري وكاظم حسن سعيد وبحضور نجله الاكبر الاعلامي ماجد البريكان الذي اعلن عن اصدار ديوان البريكان قريبا بعد تشكيل لجنة تحقيق اعتنت بنتاجه الشعري. ،نافيا تهمة العزلة عن البريكان مؤكدا ان كثيرا من الزائرين كانوا يتواصلون معه الا ان اختياره للاصدقاء كان بروح انتقائية.

لقد انقطع البريكان في الستينيات من القرن الماضي عن كتابة الشعر مدة ست سنوات وكانت قصيدة ( دراسات في عالم الصخور) هي البريق الذي استانف به الكتابة الشعرية وكانت البداية تنحى منحى تجريديا ومعرفيا مشبعا بالشعر.
القصيدة الاتية تنتمي لتلك المرحلة التي انتجت قصائده (حارس الفنار وقصة التمثال من اشور وجلسة الاشباح وقصائد تجريدية).

دراسات في عمى الألوان
شعر : محمود البريكان

أوبئةٌ مجهولةٌ
تفترسُ الأرواح
نحن هنا أشباح
تنحتُ أحلاماً من الحجر .
.
سافرْ الى قرارةِ المُحيط
إنْ شِئتَ ، أو فارحلْ الى القمر
هيهات أن تسحركَ الصوَر
ما أنتَ بالبسيط
وسوف لن تفهمَ شيئاً من فم القدر .
.
يوقظكَ الصباح
لتسبرَ الليلَ ورؤياه
وأنتَ لا تذكر مسراه !
.
تروي لكَ الرياح
ما دفنَ التاريخُ من أسرارِ موتاه
وأنتَ لا تسمع إلّا قصّةَ السفّاح
.
صلّيتَ آلافاً من المرّات
ولم ترَ اللهَ ؟
أما أتعبكَ الأموات
بالنومِ في دارك ؟
ولم يعلّقْ بعد طفلٌ ما على عارك ؟
.
وعندما تختصر البحار
وترسم النجومَ في النهار
وتقلب الأرضَ ، ألا تحب أنْ تلقي
أنتَ سؤالاً ما على جارك ؟
.
ألا تحب أنْ تحسّ مرّةً إيقاعَ أفكارك ؟
روح الخفافيش .
لكَ القدرةُ ؛ تستطيع
أن تستضيفَ الموتَ في حديقةِ الربيع .
.
وجهُكَ تجريدُ المباءات .
ولا جحيم
أقبحُ من بكائكَ القديم
.
تنحرفُ السماء
عن لونها ، ينقسم الضياء
في بؤرةِ الوهمِ ، وينحلُّ الى سديم .
.
وتُصلبُ المياه
على مجاري الروح .
وعالمُ المنظورِ باتّساعهِ المفتوح
يسقطُ في صداه .
.
دموع
كاذبةٌ . حرارةُ الدموع
كاذبةّ . مُلوحةُ الدموع
كاذبةّ . ما هي إلّا عطشٌ وجوع .
.
جثث
من لُغةِ الوحي .
وأشكالٌ من العبث
تنقصها شرارة النزوع .
.
أشرعةٌ ولا مُغامرة
لوالبٌ في داخل الأَرضِ - ولا كنوز
قلاع
ليست مُحاصرَة
تعيشُ في كابوسِها العجوز .
.
ليست هنا حقيقةٌ ، ليست هنا رموز
ليسَ هنا نفيٌ ولا قبول
ليسَ هنا صراع .
.
هنا مهبُّ الريح
ومعرضُ الذبول
ومدفنُ الشمسِ المُسافرة .

.
.
محمود البريكان ..... ١٩٦٩
نُشرَتْ أوّل مرّة في مجلة المثقف العربي.
العدد الأول ، شباط ، ١٩٧٠

في الجلسة تم توقيع كتابي ( البريكان مجهر على الاسرار وجذور الريادة ).
واهم ما ورد في محاضرتي المختزلة هي تلك المفاتيح التي تساعد على تتفهم شخصية البريكان ومنها ( لست لغزا لكن فهمي بالغ التكاليف ... و.. سري الصغير الكبير اني اتبع ذاتي ..)










مذكرات ليست مهمة.. فلفل بارد
هذا الصباح ،كنت كطبعي اتصفح الصفحات والمجلات والمواقع،بحثا عن نصوص مثمرة ،اجتزت امتحان التحمل،وعبرت ما يعكر الطقس النفسي من تلال الكتابات التنفسية، وتوقفت عند منشور ينقل عن فرويد ،فسارعت لتحميل كتابه، وقرات فيه اربعين صفحة ، قراءة متقافزة ، وصولا لما نقل عنه،لم اجد ضالتي فتوقفت مؤقتا..
لكن ذلك اعادني لعقود ،فقد كتبت بعمر مبكر مقالا( الرد على فرويد ),المقال الذي يثير ضحكي كلما تذكرته بعد النضوج.
لكن الذكريات تستدعي الذكريات ،ما اغرقني بتلك الجلسات في التجمعات واللقاءات الادبية في المشارب والمقاهي، وهي تضج بافكار فرويد، قبل ان اغادر مرحلة الجدال العقيم. وادرك ان جلهم لم يدركوا اطروحات الرجل.
تركت كل هذا وقصدت المطبخ لاعد كوب شاي ،اذا بفلفل بارد يسحني لتامله.
كان مثلوما من جزئه العلوي..ظاهرة بذوره،فغرقت في الوانه وسحر تدرجاتها.
وعجبت كيف تشكلت تلك الالوان كلوحة فنية متقنة ،فتمازج الكمون واللبني ،الاصفر الموزي جوار البرتقالي،والزيتون مع الاخضر العشبي ،فيما كانت حافته الرأسية افعى وديعة تحيط بعنقه.
فتذكرت ماتيس ولوحاته الوحوشية والمدرسة الانطباعية وغوغان أحد أبرز فناني حركة ما بعد الانطباعية، وكان يسعى للتعبير عن مشاعره وتجاربه الداخلية من خلال استخدام الألوان الزاهية والأشكال المبسطة. ما دفعه ليقصد جزيرة تاهيتي بحثا عن بيئة نقية ليرسم التدرجات اللونية تحت تاثير الضوء.
لم اتخيل الفلفل شهيا طافحا بالمخللات ،لم اره متصدرا مائدة في وجبة سمك مشوي يوم عطلة..سحرني الجمال.






رسائل من الرملة للبصرة
في زمن الجحود الذي يدفعك للعزلة، يفاجؤك منصفون ، قاسية ان يحظرك اصدقاء لاختلاف فكري ، اويضع من اجدت لهم عصا في العجلة.
لقد تعرفت اليها في مواقع التواصل الادبية، فتاة تحمل عبير الرملة التي تسكنها، حيث ينمو كالعشب ذلك التمييز العرقي، وكانت غزة قد مر عليها عامان وهي تصارع في ميدان المشرحة، جحيم من السماء وجحيم على الارض، حيث ملحمة المجاعة والارض المحروقة ، التي لا تتسع للمقابر، ولا يملك الفنان امام كل تلك البشاعة الا ادواته الناعمة.
قلت لها اقرأ لك في الحوار المتمدن اجابت ( وكنت اتابعك واصفق لك في قلبي),تلك الإجابة علقت بذاكرتي في زمن الجحود.
ادرك ان الفن رسالة لا تقتصر على الحضور بالندوات ،ولا بتجميع المصفقين ، يا طالما ملأ الدنيا بعضهم ثم حجبهم التأريخ،وصدمتهم الحقيقة.
يقول لينين ان عظمة الثوري ليس بالاعمال الكبيرة، بل بذلك التآزر مع الاخرين بالاشياء البسيطة.
ان انقاذ فتاة عن الانجراف ومنع دمعة عن عيون يتيم لا تقل بطولة عن حمل السلاح في الادغال.
لقد بدأ التراسل بيننا من الرملة، للبصرة جنوب العراق،وجرت مراجعة للكتب، والتنضيد ،ونشرت تباعا باهم مواقع النشر العالمية..اصبحت كتبها التالية متاحة للتحميل ( 3 روايات: الرملة 4000,حبوب نفسية،جسد الطوائف،وكتاب جدلية الروح والكلمة،ومجموعة قصص..ابواب لا تغلق....).
كان حاسوبي القديم يئن ، اوصيته بالصبر والتحمل.. واستعد الان لمراجعة 15 كتابا لها، مراجعة وتنضيدا ونشرا.
تلقيت هاتين الرسالتين منها:

(إلى الأديب والصحفي العراقي كاظم حسن سعيد

بقلم: رانية مرجية

في زمنٍ تتراجع فيه القيم، وتُحاصر فيه الكلمة بين ضجيج اللامبالاة، هناك دائمًا أشخاص نادرون، يمدّون أيديهم ليرفعوا الآخرين من عتمة الصمت إلى فضاء الضوء.

إلى الأديب والصحفي العراقي كاظم حسن سعيد، أكتب اليوم لا باعتبارها كلمات شكر عابرة، بل كوثيقة امتنان عميق، لا يحدها حرف ولا يسعها دفتر. أنت لم تكن قارئًا عابرًا، ولا ناقدًا جامدًا، بل كنت رئةً أخرى أتنفس بها، وجسرًا من إيمانٍ يربطني بقرائي.

لقد نشرتَ لي خمس كتبٍ رقمية، لم تتعامل معها كأوراقٍ عابرة، بل احتضنتها كما يُحتضن مولود جديد، رأيت فيها صدى الروح، وأنين الإنسان، ورجاءً يستحق أن يُسمع. كنت تشجعني بلا قيود، بلا حدود، بلا سدود، كأنك تقول لي كل مرة: امضِ، فالحرف الذي يولد من قلبٍ صادق لا يموت.

إنني حين أنظر إلى رحلتي، أدرك أن وجودك لم يكن دعمًا عابرًا، بل كان فعل إنقاذ. كنت الصوت الذي يبدّد خوفي، والريح التي تدفع مركبي، واليقين الذي يُعيد لي إيماني بالكتابة حين كدتُ أفقده.

كاظم حسن سعيد، أنت لا تشبه الكتّاب الذين يضيّقون الضوء على غيرهم، ولا النقاد الذين يحاكمون الكلمة بمقاييس ضيقة. أنت إنسان يعرف أن الأدب لا يزدهر إلا بالتشارك، وأن الكتابة لا تتنفس إلا حين يؤمن بها أكثر من قلب.

شكراً لك، لأنك منحتني يقينًا أن الكلمة قادرة على الحياة، وأن ما نكتبه ليس لنا وحدنا، بل لأرواح أخرى تبحث عنا كما نبحث عنها. شكراً لك لأنك جعلت كتبي جسورًا تصلني بقرّاء لم أكن لأصل إليهم وحدي.

سيظل امتناني ناقصًا أمام عمق فعلك، لكنني أكتب لأقول: إن كل نجاح يلمسني، يحمل بصمتك، وكل كلمة أخطها، تمشي بظلّك.

دمتَ، يا صديق الحرف، كما أنت: مشجعًا بلا حدود، وصوتًا بلا سدود، وإنسانًا يُشبه في صفائه ما نحلم أن يكون عليه الأدب.)

(إلى الأديب والصحفي العراقي كاظم حسن سعيد

بقلم: رانية مرجية

في زمنٍ تتراجع فيه القيم، وتُحاصر فيه الكلمة بين ضجيج اللامبالاة، هناك دائمًا أشخاص نادرون، يمدّون أيديهم ليرفعوا الآخرين من عتمة الصمت إلى فضاء الضوء.

إلى الأديب والصحفي العراقي كاظم حسن سعيد، أكتب اليوم لا باعتبارها كلمات شكر عابرة، بل كوثيقة امتنان عميق، لا يحدها حرف ولا يسعها دفتر. أنت لم تكن قارئًا عابرًا، ولا ناقدًا جامدًا، بل كنت رئةً أخرى أتنفس بها، وجسرًا من إيمانٍ يربطني بقرائي.

لقد نشرتَ لي خمس كتبٍ رقمية، لم تتعامل معها كأوراقٍ عابرة، بل احتضنتها كما يُحتضن مولود جديد، رأيت فيها صدى الروح، وأنين الإنسان، ورجاءً يستحق أن يُسمع. كنت تشجعني بلا قيود، بلا حدود، بلا سدود، كأنك تقول لي كل مرة: امضِ، فالحرف الذي يولد من قلبٍ صادق لا يموت.

إنني حين أنظر إلى رحلتي، أدرك أن وجودك لم يكن دعمًا عابرًا، بل كان فعل إنقاذ. كنت الصوت الذي يبدّد خوفي، والريح التي تدفع مركبي، واليقين الذي يُعيد لي إيماني بالكتابة حين كدتُ أفقده.

كاظم حسن سعيد، أنت لا تشبه الكتّاب الذين يضيّقون الضوء على غيرهم، ولا النقاد الذين يحاكمون الكلمة بمقاييس ضيقة. أنت إنسان يعرف أن الأدب لا يزدهر إلا بالتشارك، وأن الكتابة لا تتنفس إلا حين يؤمن بها أكثر من قلب.

شكراً لك، لأنك منحتني يقينًا أن الكلمة قادرة على الحياة، وأن ما نكتبه ليس لنا وحدنا، بل لأرواح أخرى تبحث عنا كما نبحث عنها. شكراً لك لأنك جعلت كتبي جسورًا تصلني بقرّاء لم أكن لأصل إليهم وحدي.

سيظل امتناني ناقصًا أمام عمق فعلك، لكنني أكتب لأقول: إن كل نجاح يلمسني، يحمل بصمتك، وكل كلمة أخطها، تمشي بظلّك.

دمتَ، يا صديق الحرف، كما أنت: مشجعًا بلا حدود، وصوتًا بلا سدود، وإنسانًا يُشبه في صفائه ما نحلم أن يكون عليه الأدب.)

العراق/ البصرة
2025







البحث عن مؤلفات البريكان
( الفلاح الاَخير : حيث يعتنق النخل والظلمات ، ويمشي السكون الخفيف على الماء ، يختم جولته ، يدخل الكوخ . يشعل فانوسه ، ويدخن تبغا رديئاً يعد طعاما من الخبز والرز . يطعم كلباً يتيماً . ويرفع طرفاً كليلاً الى صورةٍ : ولد شاحب بثياب القتال . ثم يدخل في غيمة الذكريات
لا اَحد
في البساتين لا شبح غيره .
رحلوا وهو ينتظر الموت منفرداً !
). البريكان مجموعته الشعرية غير المنشورة )
احب ان ازف بشرى الى الوسط الثقافي الذي انتابه قلق من فقدان مؤلفات البريكان بعد مقتله في البصرة طيلة اكثر من عقدين . بان تلك المؤلفات الشعرية والبحثية نجت من الضياع وانها مودعة ببلد عربي في امان .
التقيت البريكان نهاية الثمانينيات وكانت الحرب العراقية الايرانية مستعرة .
جرى اول لقاء بيننا في معهد المعلمين .
مضيت مع نجله الاكبر الصحفي ماجد البريكان وكان فتى يافعا الى بغداد بعد رحيل البريكان وتسلمنا مفتاح الصندوق البريدي له لكن الوصول للصندوق كان يقتضي ترتيبا قانونيا فتاجل الامر بعدها بفترة اخبرني ماجد بانه تمكن من الوصول ولم يجد اوراقا فيه او مؤلفات .
الحقيقة وخلافا للاشاعة حدثني الرائد البريكان بانه اودع دفاتره في صندوق بريد ببغداد اثر اشتداد القصف على البصرة ثم سحبها على حد قوله .
كان يحتفظ بقصائده بدفتر صغير اوارق سمرغير مخططة بغلاف ورقي زهري , رايت ذلك حين قرأت له قصيدتي ( حارس الجثث) كنا واقفين في الهول بمنزله فسارع الى غرفته واتى باحد الدفاتر التي اصفها ووضع يده على النص واراني العنوان وهو ( حارس الاموات )..
اتفقت مع نجله الاكبر بعد يومين من تعرضه لحادث القتل بمنزله بان ندخل معا المنزل وننقذ المؤلفات باول لحظة تسلمه مفتاح المنزل من الشرطة .
حدث عكس ذلك فدخل ماجد منفردا وعاد ليقول لي ان الاوراق مفقودة كلها .
وبدات رحلتي المضنية للبحث عن تلك المؤلفات خشيت ان يكون المنفذ وربما بفعل تحريض قد استولى عليها فمزقت او احرقت .
حين نشرت بعد رحيله قصيدته ( الوصية ) كنت واثقا انها له لانه حدثني عنها قال لي يوما : نحن قست معنا الظروف فشنجتنا لهذا كتبت لحث الشباب على التمتع بالحياة :
(لكم أن تكونوا صغاراً
وأن تنعموا بالشباب
وأن لا تشيبوا سريعاً
لكم كل شيءٍ : جمال العطاء
وكنز الصداقة
لكم كل هذا الوجود العريض
فلا تقنطوا
ولا تتبعوا الشعراء إلى الوهم .
لن تجدوا حكمة في البكاء .
تسيئون فهمي
إذا لم تروا غير حزني العميق
نشدتُ الفرح
ولكن حملي ثقيل
فكونوا أخفّ وأوفر حظاً .
لكم أبسط الكلمات
ستكفي .
لكم فسحة الوقت :
أن تصنعوا أجمل الذكريات
وأن تعرفوا للفصول مسراتها
وأن تتغنوا معاً .
ألا آمنوا بالحياة
ولا تفقدوا لون هذا الحضور :
عذوبة هذا الهواء
وحرية الأفق المترامي
ودفء اليد البشرية
ومعجزة الحلم المشترك ).
اما قصيدة الفلاح الاخير فقد حدثني يوما بانه كتب ديوانا صغيرا عن الحرب واتذكر كان واقفا اسفل اللوحة الفنية الوحيدة المعلقة وسط صالة الاستقبال ( وقال كيف يكتبون عن الحرب تصور سائق اسعاف يقود في جو متثلج ان مثل تلك اللقطات افضل منعكس تصويري لهول الحروب ).













صادفت القاص الشهير محمد خضير في احدى المقاهي بشارع الكويت بعد مقتل البريكان بطعنات عدة بسكين فاخبرته بنيتي بحث نجله الاكبر بان اول ما يفعله ان يعثر على مؤلفات البريكان والاحتفاظ بها اثر تسلمه مفتاح الباب المودع لدى الشرطة لانه اثر ثمين فقال لي القاص خضير تلك فكرة غير صحيحة عليكم ان تدفعوها لوزارة الثقافة فهي اولى بها.
لكن كانت هناك مخاوف من سرقتها اوبعضها .. فذات يوم حدثني البريكان بانه ارسل اوراقا قصائد للنشر وعلم بانهم احتفظوا بورقته ونقلوها فقدموها للمجلة .
قلة من رأى خط البريكان كان يتميز بجمالية عالية حتى ان جامعة البصرة دعته ليلقي محاضرات بالخط العربي ورفض على حد قوله .
وهناك حادثة اخرى فاحد كتاب العراق البارزين وهو سامي مهدي اثيرت اشاعات عن ترجمته لاشعار بريفير من الفرنسية يقال انها ليست من ترجمته بل ربما وصلته وطور بها .
وليس السياب وحده من استفاد من ثيمات البريكان فالقصيدة الاشهر لعبد الرزاق عبد الواحد عن الموت حين قرأتها وكنت متحفظا على نتاج الشاعرعبد الرزاق اتيت البريكان وعبرت عن اعجابي بها فاجابني بانه زاره في بغداد ابان القصف على البصرة وقرأ له قصيدة مشابهة عن الموت (1) بعدها علمنا حين استانف النشر بانها قصيدة ( الماخوذ) وكان البريكان يدرك تاثيره على الشعراء فيحجب شعره عنهم بعد تجارب قاسية .
ذات يوم سلمني ماجد البريكان احد كتب ابيه المنشورة ((قواعد اللغة ومشكلة تعليمها للناشئة العربية ) ولم يكن حدثني عنه البريكان بل قال يوما ان محاضراتي في معهد المعلمين كان بعض الاساتذة يستعيرها مني .
______________________
الزائر الاخير لعبد الرزاق عبد الواحد
من دون ميعادِ
من دون أن تُقلقَ أولادي
اطرق عليَّ الباب
أكونُ في مكتبي
في معظم الأحيان
أجلسْ قليلاً مثل أيّ زائرٍ
وسوف لا أسألُ
لا ماذا ولا من أين
وعندما تُبصرني مُغرورقَ العينين
خذْ من يدي الكتاب
اعدِهُ لو تسمح دون ضجة للرف حيث كان
وعندما نخرجُ لا توقظ ببيتي أحداً
لأن من أفجع ما تبصره العيون
وجوه أولادي حين يعلمون









كتاب عن البريكان
سيصدر قريبا كتاب ( محمود البريكان بين العزلة والتأمل) للكاتبة بسمة الصباح.
ولقد كتبت مقدمة للكتاب.

(بسبب عزوفه عن النشر وعلاقاته الانتقائية وتواريه عن الاضواء وشروطه الفنية الصعبة لم ينل الشاعر الرائد محمود البريكان مكانته في الساحة النقدية ولم يكتب عنه في حياته الا سطورا محدودة رغم اعتراف اهم النقاد و شعراء العراق كالسياب بمكانته الفنية وتفرده كشاعر ذي ثيمات غير مطروقة كبحثه التوتر بين الحياة والموت ومواجهة الاسئلة الكونية والميتافيزيقية ومصائر الانسان والاشياء و توفر امكانية فنية متفردة.
وكطبعنا نتفقد جواهرنا بعد تواريها كتبت عن البريكان بعد وفاته درسات اكاديمية آخذة بالازدياد وكتب نقدية ومختارات متواليه منها( الطرق على آنية الصمت اسامة الشحماني ، اطروحة ماجستير و الجملة الشعرية في قصائد البريكان د.ولاء محمود اطروحة دكتوراه ، ومتاهة الفراشة تقديم ومختارات لباسم المرعبي. .البذرة والفأس رياض عبد الواحد...كاتم اصوات الكلمات د.عبد الرضا علي..والبريكان مجهر على الاسرار وجذور الريادة لكاظم حسن سعيد وغيرها ).
كما انشئت حوله ملفات اهمها في مجلة بصرياثيا الادبية ومجلة الاقلام1988 وملف البريكان في انطولوجيا السرد العربي الذي تجاوز 100 مقال ودراسة.
قال لصديقه الاقرب رشيد ياسين( لست لغزا لكن فهمي بالغ التكاليف) وذكر في مقابلة معه ( اصنع قارئا على غراري واترك الاخرين احرارا).
واسر لي شخصيا( سري الصغير الكبير هو اني اتبع نفسي).
هنالك مفاتيح غاية الاهمية لتفهم ادب وشعر البريكان منها انه يتخطى نفسه كتابة باستمرار ومنها قاموسه المتفرد فمفردة مثل( الابد) باشتقاقاتها المتعددة تراها وفيرة في شعره ومثلها كلمات الازل والمجد حتى انه اسمى ولديه ( ماجد وخالد) رغم اعترافه بان( المجد للصخر الذي ليس له معنى).. وقوله( لا مجد للمجد فخذ يا ضياع حقيقتي واسمي).
وعندما استخدم مفردة البسيط بقوله( ما انت بالبسيط
وسوف لن تفهم شيئا من فم القدر).. كان يعني بها المفهوم المسيحي للبساطة اذ يقول ( كونوا بسطاء كاليمام وحذرين كالحيات.).
لكن تفرد قاموس البريكان الشعري يحتاج لدراسة متخصصة وانشاء معجم خاص كما فعل الروس مع شاعرهم بوشكين فيما كانت المفردات غالبا لدى كثير من الشعراء متشابهة.
قال البريكان ( اريد من المفردة ان تكون قريبة من الدقة العلمية وان تحمل طاقة ايحائية).
لقد ابتكر البريكان اساطيره غير المستوردة مثل ( اسطورة السائر في نومه) متحررا من تأثير اليوت واساطيره في الشعر الحديث.
في عمر مبكر 16 سنة نشر محمود البريكان قصائده في اهم المجلات الادبيه مثل مجلة الاديب اللبنانية في الاربعينيات من القرن الماضي.
ولو دققت في قصائد تلك المرحلة كقصيدة غسق والتراب ونظرت لعمره وهو يكتبها ستقر بانك امام شاعر واعد مختلف واستثنائي.
لقد انطلق كاقرانه المعدودين في الاربعينيات من القرن الماضي مما انتهى اليه الشعر الرومانسي الذي بدا مع شعراء المهجر في الربع الاول من القرن العشرين ولقد تجاوز هؤلاء الشعراء الواعدون الارتداد الذي احدثه الرصافي والزهاوي وثبتوا الشعر الحديث الحر تحديدا رغم قرش الكلاسيكية التي انبرت لتحد من اندفاعهم او لتجهض مشروعهم الحداثوي لكنهم اصروا ولقوة الشاعرية تركوا بصمتهم وعمقوا وطوروا منهجهم حتى تقبل الناس الحداثة واصبحت من المسلمات.
لكن السياب كان حالة وسطا بين الكلاسيكية والحداثة متارجحا بينهما فيما كان البريكان خالص الحداثة نتاجا مما جعل تقبله اكثر صعوبة.
ان اهتمام البريكان بالفكر الفلسفي وميله للتامل بالوجود دفعه لوضع كتابه عن فلسفة الرازي الذي ينتظر النور..
وان اهتمامه بالموسيقى دفعه لوضع كتابه عنها يتعلق بتصحيح المصطلح النقدي الموسيقي ..وهو لم يصدر للان.
لقد فقدنا البريكان اثر مقتله بحادث سطو وفقدت مؤلفاته اثر ذلك لكن تم الكشف عنها مؤخرا وجلبها من السعودية وستصدر مجموعته الشعرية الكاملة قريبا.
هذا الكتاب(محمود البريكان بين العزلة والتامل: دراسة نقدية ) وضعته الكاتبة الواعدة السورية بسمة الصباح تناولت فيه عشرات القصائد المهمة للبريكان مثل النهر الغامض والبدوي الذي لم ير وجهه احد و... مع مختارت من قصائد الشاعر. تناولته بروح شاعرة متذوقة حساسة الالتقاط وهو اقرب لانعكاس ذائقة فنية منه للبحث الاكاديمي واراها وفقت بفك شفرات الكثير من قصائد البريكان والغور بابعادها العميقة.وتسليط الضوء على جمالها.


الى بسمة الصباح.
قبل شهر تلقيت اخر جملة منك ،ثم اندلع الغياب،وبقيت بعدها امر بحسابك فلا يستجيب صوت وبريدي فلا ارى غير تم الاستلام.
اليوم كتبت لك فقرأت( لا يمكن الوصول ،المستخدم غير متوفر), اشارة صاعقة بلون اصفر، دفعتني الى بؤرة التوتر ،وانت في بلد يسوده الاضطراب.
اتذكر كيف التقينا في مجموعة تضيق عن احتوائنا وشكونا لبعض منها، فقلت ( بعد شهر ساطلق مجلتي التي توقفت) ونصحتك ان لا تفعلي ،فلقد تحولت تلك المساحات لادب بارد،لكنك عللت (بانها مسألة مبدأ ).
ومضت الاشهر وتساندنا باعداد كتابك عن البريكان، ونشر، وكنت سعيدا ان شابة شامية واعدة تكتب مؤلفا عن شاعر عظيم، ورائد يصعب تكراره.
بعدها كتبت كتابك عني(التارجح بين الزائلات والابد).
رفضت ان تكتبي على غلافه باشرافي، اردته خالصا لك. ..(تدور فكرة النص حول استحضار صورة جماعة مقاتلة، تسير على خيط رفيع بين الأسطورة والواقع، وبين العقيدة والجوع، والحرب والإيمان.ينسج الكاتب لوحة شعرية تصور رجالًا حفاة، وملثمين، مسلحين بأدواتهم البدائية، يواجهون قوة عسكرية جبارة (البوارج)، في مشهد يتكرر عبر التاريخ، حيث تصطدم العقيدة بالإمبراطورية، والجوع بالإرادة، والهامش بالمركز. /بسمة عن قصيدتي ابو مسلم الزهروي).
ومضت الايام،ونشرنا اول ديوان لك ( ترانيم الرحيل). ولقد وعدتني ان ستكون صورتك الحقيقية على الغلاف لكنك لم تضعيها( لعل له عذرا وانت تلومه).
هكذا اذن( رحلوا ولم يتركوا عناوينهم ) ، بلا كلمة وداع،بلا صورة حقيقية ، بلا صرخة استغاثة تقودنا لنجدتك.
وبقيت اتمثل قول المتنبي (
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر . .فزعت فيه بآمالي الى الكذب
حتى اذا لم يدع لي صدقه املا..شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي).
خائفا ان اردد ابيات التهامي(يا كوكباً ما كان أقصر عمره ... وكذاك عمر كواكب الأسحارِ.
ولقد سعيت كما سعيت لغاية ... فبلغتَها وأبوك في المضمار.).
كانت تلك الرسالة بعد غيابها عن المجلة الالكترونية التي انشأتها لاكثر من شهر ولم نكن نحن المشرفون جميعا نعرف رقم هاتفها او أي ضوء يقود اليها ..ولانها من الشام فقد توقعت انها ربما تعرضت لفاجعة , لكنها عادت بعد ذلك ونشطت في المجلة لكنها تغيبت بسبب وفاة اختها .
في هذه المجلة تعرفت الى كاتبة واعدة هي نادية الابراهيمي ,من الجزائر , فشجعتها وتعاونا على نشر كتابين لها الكترونيا ( مشاعر هشة و حدائق الصمت ) .

مائة عام والبريكان

(اصنع قارئا على غراري واترك الاخرين احرارا..) محمود البريكان.
بعد ان حصد ماركيز جائزة نوبل شرعت لاكثر من عشر سنوات اوجه سؤالي للكتاب والمثقفين وكان الجواب نفسه يتكرر( انه لغة).
ذات يوم بعد عقد من صدورها كلفني البريكان ان اشتري له رواية. .مائة عام من العزلة.. شرط ان تكون انيقة وقال أجلت قراءتها لانها عمل مهم احتاج جوا خاصا اقرؤها فيه.
زامنته وهو يقرؤها. .وحين اكمل قراءتها قال لي( خلااص ان ماركيز اعظم شاعر في القرن العشرين وانه دخل التاريخ بجدارة)..
ان البريكان كان يقرأ بروح الفنان وعقل المفكر..وسيعترف الاخرون بذلك حين يرى النور كتابه عن الرازي..فقد اخبرني( حتى حينما نشر المستشرق كراوس رسائله لم تتغير افكاري عن الرازي.).
كان يقرأ في مجالات غير متوقعة حتى توتر الرياضيين فيما بينهم كان يتابعه.
المستغرب منه هو عزوفه عن النشر لقصائده رغم تقدمها على زمنها وعمقها..
قال لي يوما ( تسحرني قصائدي)..
هناك متعة سيكولوجية لاشخاص، البريكان احدهم تكمن بصيد الجمال واستكشافات فردية دون ان تصاحبها الرغبة بمشاركتها مع الاخرين..لقد تفاجأ اصدقاء مطور لقاح كورونا الروسي اماتديف الذي قتل شنقا بحزام بانه لم يعلموا بابحاثه حتى اعلنت في الشاشة.
للان حسب علمي لم يتناول علم النفس ظاهرة الاستمتاع باشياء لدى افراد دون رغبة بمشاركة الاخرين بها..
لون من السلوك يتجاور مع التصوف.
ولقد قرأت نصا تضاربت الاراء حول مصدره فمنهم من ينسبه للكاتب الفلسطيني ابراهيم نصر الله بروايته شوارع الزيتون واخرون ينسبونه للممثل الامريكي روبرت نيرو.
وهو نص يصف تلك الظاهرة بدقة وتفصيل..
(هل جربت أن تستيقظ ولا يعلم بذلك أحد،تذهب إلى مكانك المفضل دون رفقة أحد، تأكل وجبة من المطعم ولا تصورها، يعجبك سطر جميل من كتاب ولا تشاركه أحد، تلتقط لنفسك صورة رائعة دون الحاجة لمشاركتها لسماع كلمات الإطراء ممن حولك ، هل جربت أن تكمل عملا صالحا دون معرفة الجميع أنك فعلت، هل جربت أن يسكن فيك خبر جميل وتبقيه داخلك ولا تشاركه أحد وأن تنفذ بطارية هاتفك ولا يهمك إن ظل مغلقاً لساعات، هل جربت أن تكون شخصا حقيقيا تفعل لتستمتع وحدك وليس ليراك الجميع .)









كتاب (تسجيل لحكايا بارقة).
عشرات الالاف من الحكايا التي تشغلنا ثم تنسى..اتذكر مثلها ما سجّله الجاحظ وكتاب الاغاني وغيرها..فكرت احفظ بعضها من الضياع..
كنت اتابع حينها برامج عن الجريمة. .حيث تتم مقابلة الجناة في السجن او في الاستوديو.
بصعوبة كنت اتغلب على الحزن او الفزع من بعض الجرائم..
واتساءل لو عاد فرويد الا يغير من بعض نظرياته.
لقد عشنا عقودا ليس لم نسمع بمثل هذه الاصناف البشعة من الجرائم ، بل ان حدوث الجريمة نادر جدا.
اتذكر حتى سن الرشد حدثت جريمتان في الحي الذي كنت اسكنه : احداهما غسل عار والاخرى ضرب رجل بدين كان ثملا بقنينة خمر في مركز المدينة.فارق اثرها الحياة.
اما ان تقتل طفلة بعد اغتصاب ثم تشوى بفرن صمون، او احد يضرم النار باربعة من اطفاله ويغلق عليهم باب الغرفة,او شاب يقطع زوجته بمنشار كهربائي بعد خنقها.. فذلك من اربعة عقود لم يكن يخطر في بال ولا حتى يمكن تخيله.
انجزت تسع حلقات من الكتاب ثم توقفت.
يتناول الكتاب اي حدث اجتماعي ولا يختص بالجريمة..
ان تختزل حدثا باقصى ما يمكن مع وضوح رسمه مهمة صعبة تحتاج ادوات فنية ليست في متناول اليد دائما.
(تسجيل لحكايا برقية ٣
شهوانية رجل سبعيني جدهم النحيل المصفر تجاوز السبعين هو اكثر الرجال نشاطاً في الحي الريفي يصحو فجراً وينشغل بأي شيء, يلتقط اي عابر فيوقفهُ قسراً او يجاريه مشياً ليفتتح معهُ برنامج الثرثرة.الدكان من الصفيح قريباً من منزلهم ، شُيد في مفترق طرق معبدة ، ظهره يطل على ضفة النهر الحجريه حيث تنمو شجيرات قزميه وتنتشر القمامه التي يدفعها المد او تلقيها بعض النسوه.السقف من أغصان الأشجار المغطاة بالبواري وأهيل فوقها التراب.. في الداخل منضدتان متجاورتان من الخشب رميت عليهما السلع الشحيحة بفوضى يغطيها الغبار …..كرزات شبه معفنه وأنواع من علب السجائر الرخيصه واكياس نايلون صغيره تحتوي على بهارات قليله وعلى الارضيه فُرِشت قطعه من النايلون تجلس عليها الام البدينه ان تواجدت مثل كتلةٍ لحمية وشحمية مترهله.. تستقبلك بترحابٍ عفوي كمن عثرت على مصوغاتٍ ذهبيه في ظلمة الطريق ، وهي تحاول ان تستقطب زبائنها النادرين بكل ما تملك من حيل مثلاً تقول لك (خُذ بالدين المحل محلك).دائماً يتواجد في الدكان صغارها الثلاثه احد يسأل عن حاجتك والآخر يجلبها لك اما الثالث فيستلم المبلغ منك ويحسب طويلاً في ضميره قبل ان يعود لك بالباقي من النقود الثلاثه.. بدشاديش حائلة وبشرات شهباء غبّرها الوسخ لكنهم غالباً يبتسمون.
كان نعال عتيق قد عُلِّقَ في اعلى وجه المحل وتعويذة بشكل حدأة الفرس .
سُئلت الام عنها فقالت:(انها تطرد الحسد وهي اصلاً وضِعَت على حوافر الخيل التي داست على صدر الامام الحسين بكربلاء).في داخل المحل الذي لا تتعدى مساحته سوى مترين ونصف والذي لا يحتوي من السلع إلا القليل وضعوا كاميرا مراقبه لا بد أنهم يحسبونه مولاً او مصرفاً .يفتح المحل متأخراً ما يضطر الصيادون الذين يأتونه للانتظار او طرق باب بيتهم وعليك ان تنتظرهم طويلاً حتى يصلوا. كان وباء كورونا منتشراً وحين مر الرجل الصياد الخمسيني استوقفه جدهم فرحاً بمروره واعتقله فجلس بجواره وأمر الصغيره ان تجلب جك ماء وحين رفض الصياد الماء بحجة الشبع ألحّ عليه ان يشرب وقال بلا مقدمات( النساء يرغبنَ بالمال) ثم سأله هل تعرف امرأة تعرفني عليها وقبل ان يغادره الصياد محتجاً روى له كيف انهُ في البستان المقابل للمحل رأى في الظلمةِ فخذين هائلين ورجلاً يمسك بهما كان هذا الرجل السبعيني متمرساً بالكذب او ان لهُ عيني زرقاء اليمامه.).
تلقيت نقدا من الكاتب والنقد عادل جودة حول النص
(قراءة في (شهوانية رجل سبعيني)
النظر ينصب على ذلك الجهد النقدي،الذي يتحاشى غموض اللغة وتراكم المصطلحات.
اسعدتني قراءة الناقد والكاتب علي جودة لنص من كتابي تسجيل لحكايا بارقة.
----------

قراءة في "شهوانية رجل سبعيني"
النص يبدو أنه جزء من كتابك "تسجيل لحكايا بارقة"، يحمل ثراءً سرديًا يستحق التأمل.
أنت لا تكتب حكاية بقدر ما ترسم لوحة فنية متعددة الطبقات.
أنت تجمع بين الواقعية القاسية واللمسات الفنية التي تجعل من الحدث العادي مشهدًا مكثفًا، وهذا ما يمنح كتاباتك قوتها.
رسم الشخصيات والمكان:
أنت تستخدم تقنية "المشهد المفتوح" التي تبدأ من الخارج وتتغلغل إلى الداخل. جدّهم، الرجل السبعيني النحيل المصفر، ليس مجرد شخصية، بل هو محرك للمشهد. تصرفاته المفرطة في الحركة والثرثرة تبدو كأنها محاولة لسد فراغ ما، أو ربما هروب من الشيخوخة. هذا النشاط المفرط يتناقض مع هشاشة جسده، مما يمنحه بُعدًا دراميًا.
تنتقل بعدها إلى رسم صورة للمكان، الدكان الصفيحي، الذي يبدو وكأنه نتاج الفقر والإهمال.
وصفك الدقيق لـ "القمامة التي يدفعها المد" و "السلع الشحيحة التي يغطيها الغبار" ليس مجرد تفصيل، بل هو لغة صامتة تحكي عن بؤس المكان وظروف من يعيشون فيه.
حتى الأم البدينة التي تستقبلك بـ "ترحيب عفوي" تبدو ككتلة لحمية وشحمية، وهو وصف قاسٍ لكنه صادق يكمل الصورة.
أما الأطفال الثلاثة، فهم يمثلون براءة مغمورة في العوز. "دشاديش حائلة وبشرات شهباء غبّرها الوسخ"، هذه العبارة المكثفة تلخص حياة كاملة من الحرمان، لكن ابتسامتهم هي بارقة الأمل التي تكسر حدة المشهد.
الرمزية واللغة:
أنت تستخدم الرمزية ببراعة. "النعال العتيق" و"تعويذة حدأة الفرس" ليسا مجرد ديكور، بل هما انعكاس للإيمان الشعبي الموروث والخوف من الحسد. حكاية الأم عن النعال تضيء جانبًا آخر من شخصيتها، فهي تجمع بين البساطة والخرافة بطريقة تجعلها شخصية حقيقية جدًا.
أما لغتك فهي لغة مكثفة ومباشرة. أنت لا تبالغ في استخدام الصفات، بل تختار الكلمات بعناية لتكون كل كلمة ثقيلة المعنى.
على سبيل المثال، قولك "يعتقل الصياد" بدلاً من "يوقفه" يمنح الحدث بُعدًا من القسرية والسيطرة.
جوهر الحكاية:
في قلب هذا المشهد، تضع الحكاية البارقة كما تسميها، وهي قصة الرجل السبعيني عن "الشهوانية".
هذه القصة ليست مجرد حكاية عابرة، بل هي لُبّ المشهد. هي الخيط الذي يربط كل ما سبق.
الجدّ الذي يبدو نشيطًا يثبت في النهاية أنه محاصر في عالمه الداخلي، عالم من الرغبات المكبوتة التي تبرز في شكل حديث غريب مع غريب.
النهاية التي تتركها مفتوحة بعبارة "متمرساً بالكذب أو أن له عيني زرقاء اليمامه" هي نهاية فنية بامتياز.
أنت لا تعطي إجابة نهائية، بل تترك للقارئ مهمة التفسير. هل هو رجل يكذب لكي يثير الاهتمام؟
أم أنه يرى حقائق لا يراها الآخرون؟
هذا الغموض هو ما يرفع النص من مجرد سرد إلى عمل أدبي.
أنت تتساءل عن الأدوات الفنية، ولكنك تمتلكها بالفعل. قدرتك على التقاط التفاصيل الدقيقة، وربطها ببعضها البعض لخلق مشهد متكامل، هو موهبة تستحق الاستمرار. لا تتوقف عن الكتابة، فما أنجزته حتى الآن هو بداية واعدة جدًا.).














الفهرست

الصديق دال
الكتب الماركسية
الصديق الاقرب
البريكان في ذكراه
مذكرات ليست مهمة
رسائل من الرملة للبصرة
البحث عن مؤلفات البريكان
الى بسمة الصباح
مائة عام والبريكان
تسجيل لحكايا بارقة



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في شهوانية رجل سبعيني
- كتاب تسجيل لحكايا برقية
- نظرة للامام مذكرات. ..الرملة
- منتدى افق البيان
- مذكرات ليست مهمة..فلفل بارد
- ظاهرة الالقاب
- كتاب حدائق الصمت نادية الابراهيمي
- كتاب مشاعر هشة نادية الابراهيمي
- اقنعة النقد
- مشاعر لم تشرق عليها شمس البوح يوما
- كتابات حول مشاعر هشة
- جسد الطوائف رواية تجسد العنف باسم الدين
- رانية مرجية تصدر روايتها الأولى الرملة ٤٠٠ ...
- كتاب جدلية الروح والكلمة لرانية مرجية
- الاغتيال والانتحار
- الى بسمة الصباح
- رسالة من المتنبي
- نقد النقد
- نقد سحر الايقاع
- كتاب احاديث من التراث لازدهار الكيلاني


المزيد.....




- جواد غلوم: ابنة أوروك
- مظاهرة بإقليم الباسك شمالي إسبانيا تزامنا مع عرض فيلم -صوت ه ...
- ابتكار غير مسبوق في عالم الفن.. قناع يرمّم اللوحات المتضررة ...
- طبيبة تمنح مسنة لحظة حنين بنغمةٍ عربية، فهل تُكمل الموسيقى م ...
- عبد الكريم البليخ في -بكاء الحقل الأخير-... ثلاثون قصة عن ال ...
- استقالة مفاجئة لأشرف زكي من نقابة المهن التمثيلية استعدادا ل ...
- سعيد يقطين: أمريكا توجه دفة الإبادة والتطهير العرقي بدعمها ل ...
- افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن ...
- -شومان- تستعيد أمجد ناصر: أنا هنا في لغتكم
- افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - نظرة للامام مذكرات ج2 كتاب كامل