أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الطيبة بلا عقل نار تلتهم صاحبها














المزيد.....

الطيبة بلا عقل نار تلتهم صاحبها


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 00:59
المحور: الادب والفن
    


لم تفهم ليان يومًا سرَّ انجذابها للنار. منذ طفولتها وهي تجلس أمام المدفأة المتهالكة في بيتهم الصغير، تحدّق في اللهيب وهو يلتهم الحطب بشراهة. سألت أمها ذات ليلة:

– “لماذا كل ما يدفّئنا ينطفئ سريعًا؟”

أجابت الأم بابتسامة يائسة:

– “ونحن نُشعل غيره يا ابنتي.”



كبرت ليان على هذا الدرس: أن تمنح لتُبقي الآخرين دافئين. أن تُعطي حتى وإن لم يتبقَّ لها شيء.

في الجامعة، التقت بآدم. لم يكن الأجمل، لكنه كان يملك حضورًا يفرض نفسه. ابتسامته تشبه وعدًا غامضًا، وصوته يترك صدى لا يزول سريعًا. اقترب منها خطوة خطوة، حتى صار وجوده جزءًا من يومها. كان يردّد على مسامعها:

– “أنتِ تكتبين من قلبك… لكن القلب لا يحمي أحدًا.”



ابتسمت في كل مرة، وظنّت أنها وجدت من يحمي قلبها.



لكنها لم تدرك أن الحماية التي وُعدت بها ليست سوى وهم. كان بارعًا في الأخذ أكثر من العطاء. وحين سألته: “ما نحن؟” أجاب ضاحكًا:

– “لماذا نبحث عن الأسماء؟ الحرية أجمل.”



صدّقته، ولم تعرف أن الحرية عنده باب خلفي للهروب.

انكشف كل شيء في عام التخرج. وقفت وحدها على المنصة لتعرض مشروعًا كان يفترض أن يقدّماه معًا، بينما هو مشغول “بلقاء مهم”. وبعد أيام قليلة، عرفت أنه أعلن ارتباطه بغيرها.



انهارت ليان، ووجدت نفسها تحترق ببطء. جلست مع صديقتها ندى، تحكي بصوت مكسور. قالت لها ندى بحزم:

– “ليان، لا تكوني طيبة في زمن المصالح.”

– “كنت أظنه مختلفًا.”

– “لا، هو مثلهم. مشكلتك أنك لا تعرفين أن تقولي (لا).”



ترددت الكلمات في رأسها طويلًا: أن تقول لا… أن تحمي نفسها.

عملت بعد التخرج في مكتبة صغيرة. المكان كان بسيطًا، لكنه أنقذها من العزلة. رائحة الورق، خطوات القرّاء، وصوت صاحب المكتبة وهو يقرأ العناوين بصوت مسموع، كانت جميعها تبني جدارًا من الهدوء حول قلبها.



لكن الماضي لا يترك أصحابه بسهولة. عاد آدم، كما يعود دخان قديم من بين الشقوق. دخل المكتبة وقال لها ببرود:

– “اشتقت.”

أجابت وهي تعيد ترتيب الكتب:

– “المكتبة لا تحتفظ بالذكريات.”



ضحك، ثم عرض عليها عملًا جديدًا معه. ترددت، لكن حاجتها للمال دفعتها إلى القبول. امتحان أخير للنار.

في أحد الاجتماعات، قدّمها أمام الآخرين بجملة باردة:

– “هذه كاتبة متعاونة.”

لم يسمّها، لم يمنحها اعترافًا بدورها. مجرد “كاتبة حرة”. شعرت أن سنواتها معه تُختصر في لقب عابر. تلك الليلة، كتبت له:

“أنجزت آخر مهمة. بعد اليوم… لن أستمر.”



اتصل بها سريعًا:

– “لماذا الدراما يا ليان؟”

– “لأنني أريد أن أحمي ما تبقّى مني.”

– “أنتِ تبالغين.”

– “ربما. لكن هذه المرة… اخترت نفسي.”



وأغلقت الهاتف. لأول مرة، شعرت أن قول “لا” ليس قسوة، بل نجاة.

مرت شهور، تعلّمت خلالها أن تقرأ لنفسها لا للآخرين. وفي أمسية ثقافية بالمكتبة، وقفت أمام جمهور صغير لتقرأ نصها الأول بعنوان “احتراق”. قالت بصوت ثابت:



“الطيبة ليست ضعفًا، لكنها تتحول إلى حطب إن لم نحطها بوعي وحدود. كل نار تحتاج إلى دائرة من الحجارة تحميها. ليست قسوة، بل حفاظ على الشعلة.”



ساد الصمت لحظة، ثم ارتفعت التصفيقات. رأت في عيون الحضور شيئًا من التصديق، ورأت في عيني ندى دموعًا دافئة.



تلك الليلة، جلست أمام مرآتها، رأت في انعكاسها امرأة مختلفة: لم تعد النار عدوّها، بل صارت صديقة. نار تمنح دفئًا… لا احتراقًا.



كتبت في دفترها:

“لم أنطفئ… لقد ولدت من الرماد.”



النهاية.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الانطباع إلى التحليل: رحلة سامية عرموش مع السينما كأداة ل ...
- ✦ الصراع… جرح البشرية الأزلي وإمكانية الخلاص
- قراءة أدبية في قصيدة -رسائل إلى غَيْدي- بقلم الناقد والدكتور ...
- عندما أموت
- دراسة في رواية -الانفجار- – للكاتبة الفلسطينية رانية مرجية ب ...
- كلما زادت معرفتي للبشر… زاد احترامي للكلاب
- قراءة نقدية لقصة انتقام الصمت للاديبة بسمة الصباح
- إلى الأديب والصحفي العراقي كاظم حسن سعيد
- البعد النفسي والوجداني في الكتابة: دراسة تحليلية
- أتعبنا النفاق
- حكايات إنسانية
- جميل السلحوت: بين التوثيق والخيال الروائي – دراسة نقدية في ج ...
- قراءة ادبية لرواية -جسد الطوائف- ‏للكاتبة -رانية مرجية- ‏بقل ...
- في حضرة الجرح: اعترافات موجِّهة وإعلامية بين الفلسطيني والإس ...
- قراءة ادبية لرواية -جسد الطوائف- ‏للكاتبة -رانية مرجية- ‏ ‏- ...
- ‏قراءة أدبية في رواية -حبوب نفسية- للكاتبة رانية مرجية بقلم ...
- ابنة الزيتون التي جعلت من الألم قصيدة
- محمود البريكان بين العُزلة والتأمّل ، قراءة مُنمَّقة في كتاب ...
- قصة إنسان – سفر الثورة والخلود
- ذاكرة الموج


المزيد.....




- طبيبة تمنح مسنة لحظة حنين بنغمةٍ عربية، فهل تُكمل الموسيقى م ...
- عبد الكريم البليخ في -بكاء الحقل الأخير-... ثلاثون قصة عن ال ...
- استقالة مفاجئة لأشرف زكي من نقابة المهن التمثيلية استعدادا ل ...
- سعيد يقطين: أمريكا توجه دفة الإبادة والتطهير العرقي بدعمها ل ...
- افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن ...
- -شومان- تستعيد أمجد ناصر: أنا هنا في لغتكم
- افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن ...
- سطو -سينمائي- بكاليفورنيا.. عصابة تستخدم فؤوسا لسرقة محل مجو ...
- فيلم -ني تشا 2-.. الأسطورة الصينية تعيد تجديد نفسها بالرسوم ...
- تعاطف واسع مع غزة بمهرجان سان سباستيان السينمائي وتنديد بالح ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الطيبة بلا عقل نار تلتهم صاحبها