السلبيات والحلول الممكنة لمشكلة الملل والتسرب المدرسي

محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 03:56
المحور: قضايا ثقافية
    

التسرب المدرسي هو مشكلة تؤثر بشكل كبير على تطور الأفراد والمجتمعات. إذ يعاني الطلاب من الملل وضعف الحافز الدراسي، مما يدفعهم إلى ترك التعليم والابتعاد عن بيئة التعلم. تعد هذه الظاهرة ذات تأثيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة، ما يجعل من الضروري تحليل الجوانب السلبية لهذه المشكلة وتقديم حلول مستندة إلى دراسات علمية وأكاديمية.
السلبيات المترتبة على الملل والتسرب المدرسي
1. انخفاض التحصيل العلمي والمستوى المهني الطلاب الذين يتركون المدرسة غالبًا ما يعانون من ضعف في التحصيل العلمي، مما يؤدي إلى انخفاض فرصهم في الحصول على وظائف ذات مستوى جيد في المستقبل. دراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أظهرت أن الأشخاص الذين يتركون المدرسة قبل الحصول على الشهادة الثانوية يحصلون على رواتب أقل بنسبة تصل إلى 20% مقارنةً بمن يكملون تعليمهم (OECD, 2015).
هذه النتائج تعززها دراسة نُشرت في Journal of Vocational Behavior، حيث أكدت أن التعليم المتقدم يزيد من فرص الأفراد في الحصول على وظائف مستدامة وأفضل من الناحية الاقتصادية. وبالتالي، يؤدي التسرب المدرسي إلى ضعف المهارات الأكاديمية والمهنية الضرورية لسوق العمل (Belfield & Levin, 2007).
2. زيادة معدلات البطالة والجريمة هناك علاقة واضحة بين التسرب المدرسي وارتفاع معدلات البطالة والجريمة. الأفراد الذين يتركون المدرسة بدون إكمال تعليمهم يكونون أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات منحرفة مثل الجريمة أو العنف. دراسة أجريت في Journal of Youth and Adolescence أوضحت أن الشباب الذين يتسربون من التعليم يعانون من عدم القدرة على الحصول على وظائف جيدة، ما يجعلهم عرضة للانحراف الاجتماعي والجريمة (Loeber & Farrington, 2001).
كما أظهرت دراسة في الولايات المتحدة أن المتسربين من المدرسة يشكلون نسبة كبيرة من الأفراد الموجودين في السجون، حيث يكون الأفراد المتسربون أكثر عرضة للمشاكل القانونية بنسبة تصل إلى 70% أكثر من أقرانهم الذين أكملوا تعليمهم (Harlow, 2003).
3. التكاليف الاقتصادية المرتفعة على المجتمع التسرب المدرسي ليس مجرد مشكلة تؤثر على الأفراد فحسب، بل يترتب عليها تكاليف اقتصادية واجتماعية كبيرة على مستوى المجتمع ككل. دراسة أجرتها Brookings Institution بينت أن كل طالب يتسرب من المدرسة يساهم في تكبد المجتمع تكاليف اقتصادية نتيجة فقدان الإنتاجية والتكاليف الإضافية المرتبطة بالرعاية الاجتماعية والصحية (Levin & Belfield, 2007).
دراسة أخرى نشرتها "مؤسسة RAND" أكدت أن التسرب المدرسي يرفع من التكاليف المرتبطة بالرعاية الاجتماعية، ويزيد من الاعتماد على الدعم الحكومي، مما يضع ضغطًا اقتصاديًا إضافيًا على الحكومة (Karoly, Kilburn & Cannon, 2005).
4. التأثيرات النفسية والاجتماعية السلبية التسرب المدرسي لا يؤثر فقط على الحياة المهنية للطلاب بل يمتد ليشمل الجانب النفسي والاجتماعي. دراسة نُشرت في Journal of Educational Psychology أكدت أن الطلاب الذين يعانون من الملل ويفقدون الحافز الدراسي يعانون من تدني تقدير الذات والشعور بالعجز، مما يؤدي إلى مشاكل نفسية طويلة الأمد (Pekrun et al., 2002).
كما أن الأفراد الذين يتسربون من المدرسة غالبًا ما يشعرون بالعزلة الاجتماعية، حيث يكونون أقل اندماجًا في المجتمع وأكثر عرضة لمشاكل صحية نفسية مثل الاكتئاب والقلق. هذه النتائج أكدتها دراسة نُشرت في Psychological Bulletin التي أشارت إلى أن عدم إكمال التعليم يزيد من خطر الإصابة بالأمراض النفسية (Kessler et al., 1995).
الحلول الممكنة لمواجهة الملل والتسرب المدرسي
1. تحسين البيئة التعليمية
لتحسين البيئة التعليمية وجعلها أكثر جذبًا وتحفيزًا للطلاب، يجب تطوير المناهج التعليمية لتكون أكثر تفاعلية وملائمة لحاجات الطلاب المختلفة. دراسة أجرتها جامعة ستانفورد أظهرت أن الطلاب الذين يتعرضون لتعليم يعتمد على الأنشطة التفاعلية يكونون أقل عرضة للتسرب، حيث يتم تحفيزهم من خلال الأنشطة التي تحفز التفكير الإبداعي والنقدي (Steinberg, 2008).
الابتكار في أساليب التدريس من خلال تقنيات التعلم الحديث، مثل التعليم الرقمي والتعلم التفاعلي، يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الطلاب الذين يعانون من الملل. دراسة نُشرت في Computers & Education أظهرت أن استخدام التكنولوجيا التفاعلية في الفصول الدراسية يحسن من تحفيز الطلاب بنسبة 25% مقارنة بالطرق التقليدية (Zhao, 2010).
2. توفير الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب يجب أن تكون المدارس قادرة على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب، خاصة أولئك الذين يعانون من صعوبات نفسية أو اجتماعية. برنامج "المدارس كبيئات داعمة" الذي تم تنفيذه في الولايات المتحدة، أثبت فعاليته في تقليل معدلات التسرب بنسبة تصل إلى 30%، حيث يتلقى الطلاب الدعم النفسي والاجتماعي المناسب (Adelman & Taylor, 1997).
دور المستشارين التربويين يجب أن يكون محورياً في توجيه الطلاب وتقديم الدعم المناسب لهم في مواجهة تحدياتهم الأكاديمية والاجتماعية. دراسة أجرتها American Counseling Association وجدت أن الطلاب الذين يحصلون على دعم مستشار تربوي في المدرسة يكونون أكثر قدرة على التغلب على التحديات وتقليل احتمالات التسرب (Gysbers et al., 2017).
3. تعزيز العلاقة بين الطالب والمعلم العلاقة الإيجابية بين الطالب والمعلم تساهم بشكل كبير في تعزيز الرغبة في التعليم والحد من التسرب. دراسة أجرتها جامعة فرجينيا أوضحت أن الطلاب الذين يشعرون بدعم معلميهم يظهرون التزاماً أعلى بالتعلم ويكونون أقل عرضة للابتعاد عن المدرسة (Pianta et al., 2012). ولذلك، يجب تدريب المعلمين على تطوير مهاراتهم في التعامل مع الطلاب بشكل داعم ومحفز.
التدريب المستمر للمعلمين على كيفية بناء علاقات إيجابية مع الطلاب وتحفيزهم يمكن أن يساهم في تحسين الأداء الأكاديمي للطلاب وتقليل معدلات التسرب. هذه الفرضية دعمتها دراسة نُشرت في Educational Leadership التي أظهرت أن المعلمين الذين يخضعون للتدريب المستمر يكونون أكثر قدرة على دعم طلابهم وتحفيزهم بشكل فعّال (Marzano, 2003).
4. دعم الأسر ماليًا واقتصاديًا يجب أن يتم تقديم دعم مالي للأسر التي تعاني من ضغوط اقتصادية، بحيث لا يضطر الطلاب إلى ترك المدرسة للمساعدة في إعالة عائلاتهم. دراسة أجرتها اليونسكو في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أظهرت أن توفير الدعم المالي للأسر مثل المنح المدرسية أو المساعدات المالية المباشرة يساهم في تقليل معدلات التسرب بنسبة تصل إلى 40% (UNESCO, 2012).
كما يجب أن تشمل برامج الدعم تعزيز توجيه الأسرة حول أهمية التعليم، حيث يمكن لبرامج توعوية أن تساهم في تغيير وجهات نظر الأسر تجاه التعليم وأهمية استكمال الدراسة.
تعد مشكلة الملل والتسرب المدرسي من القضايا الاجتماعية والنفسية التي تتطلب تدخلاً شاملاً على عدة مستويات. من خلال تحسين البيئة التعليمية، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب، وتعزيز العلاقة بين المعلم والطالب، يمكن تقليل هذه الظاهرة بشكل كبير. كما أن تقديم الدعم المالي للأسر يمكن أن يكون حلاً فعالاً لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تدفع الطلاب لترك الدراسة.

#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل