محمد بسام العمري
الحوار المتمدن-العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 00:13
المحور:
الادب والفن
من دفتره المهترئ، كتب إبليس في هامش الصفحة المرقّمة بـ(لا أحد):
"ليلة البارحة... لم أنم.
رأيت نفسي في هيئة العاجز.
رأيت الخوف يرتدي معطفي."
لم تكن هي الأجمل، ولا الأذكى، ولا الأكثر حديثًا عن النور.
لكنها كانت تعرف طريق العودة إلى الظلام،
وتعرف كيف تعيد ترتيب الخراب دون أن تهدم شيئًا.
قال لها متحديًا:
– "أنا من قال في البدء: لن أسجد، وهاهم يسجدون لي."
ابتسمت، ونظرت في عينيه كمن يرى وراء الكلمة نواياها المهزومة:
– "وأنا من لم يسجد لك... بل جعلتك تركع داخلك."
حين غادر مجلسها،
شعر أنه لا يعرف لماذا قال ما قال،
ولا كيف سُحب الكلام من لسانه دون أن يدري.
أمضى ليلته أمام مرآته، يتأمل وجهه الذي كان يومًا معيارًا للتمرد،
الآن يبدو عليه الشك.
نظر إلى رف كتبه القديمة، مملوءة بعناوين من زمن البدء:
فنون الإغواء – أسرار النفس البشرية – الحِيَل الخفية – كيف تحرك الظلال؟
ضحك، ثم تمتم:
– "كل هذا... ولم أنجُ من سؤال امرأة واحدة."
في صباح اليوم التالي،
قدّم طلبًا رسميًا للالتحاق بـ "أكاديمية المكر العالي"،
ثم كتب على بابها الخارجي بخط يده:
"من لا تتفوق عليه امرأة، لا يستحق لقب شيطان."
بدأ دراسته من جديد.
أعاد قراءة فرويد، ثم مزّقه.
أعاد تحليل يونغ، فوجد فيه شيئًا من خجله.
قرأ نيتشه، فاهتز في داخله شيء يشبه الإعجاب.
ثم قال لنفسه:
– "كل هؤلاء عرفوا الألم، لكنهم لم يعرفوا المرأة… تلك، التي خلقتني من جديد."
في أولى محاضراته بعد الماجستير الأول،
وقف أمام المرآة لا ليستعد، بل ليسألها:
– "هل كنت أستاذًا... أم طالبًا طيلة الوقت؟"
مرت سنوات.
ماجستير أول في الفقد.
ماجستير ثانٍ في الحيلة.
ماجستير ثالث في التحولات الصامتة.
ثم دكتوراه في الدهشة الراجعة.
وأخيرًا، علّق على باب الجحيم الجديد لافتة تقول:
"هنا إبليس… عميد كلية ما بعد الإغواء."
لكنّه لا ينام قبل أن يتفقّد دفتره كل ليلة،
فيه حكاية واحدة…
عنوانها بخطها:
"حين جعلتك تُعيد اختراعك."
#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟