أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - «سكن الليل وفي ثوب السكون تختبئ الأحلام» – جبران خليل جبران














المزيد.....

«سكن الليل وفي ثوب السكون تختبئ الأحلام» – جبران خليل جبران


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 02:47
المحور: الادب والفن
    


فيروز: فلسفة الليل وحكايا الحب والشوق
فيروز، صوت لبنان وأيقونة الشرق، تجسد في أغانيها رحلة فريدة تجمع بين الموسيقى والشعر والفلسفة. منذ بداياتها مع الأخوين رحباني، كانت أغانيها تتجاوز حدود الكلمة لتصبح نافذة تطل على عوالم شاسعة من الحلم والحنين. لقد استطاع الأخوان رحباني، بشاعريتهما ورؤيتهما الموسيقية المبتكرة، أن يصنعا لفيروز إطارًا فنيًا يختزل مشاعر الإنسان ويعبر عن تناقضاته، من الفرح إلى الحزن، ومن الحب إلى الفراق. كانت أغانيها بمثابة مرآة للروح، تلامس القلوب وتبعث فيها شوقًا إلى ما وراء الزمن.
ومع ابنها زياد الرحباني، أخذت رحلتها الفنية منحى مختلفًا؛ حيث غاصت في عمق التجربة الإنسانية بفلسفة جديدة، مزجت فيها بين العاطفة والواقعية، وبين الحنين وصرامة الحياة. زياد، بروحه المتمردة وألحانه الجريئة، أضاف بعدًا فلسفيًا ومعاصرًا لأغاني والدته، ليحوّلها إلى تأملات موسيقية تطرح أسئلة الوجود وتجسد الصراع بين الماضي والحاضر، وبين الثبات والتغير.
لكن محطة فارقة أخرى لا يمكن تجاهلها في مسيرتها كانت تعاونها مع الموسيقار محمد عبد الوهاب. فبعد حرب 1967، ذهب عبد الوهاب، ككثير من الفنانين المصريين، إلى لبنان، حيث غنى أغنية «حي على الفلاح» من تأليف مشترك مع الأخوين رحباني. وكان وجوده هناك فرصة ذهبية ليجدد تعاونه مع صوت فيروز، بعد أن كان قد لحن لها عام 1961 أغنية «سهار بعد سهار»، وهو لحن جميل لكنه لم يبرز كل ما يمكن لصوتها أن يبلغه من آفاق.
هذه المرة، وقع اختياره على قصيدة جبران خليل جبران «سكن الليل»، وقرر أن يلحنها بأسلوبه الشرقي الخاص الذي يمزج بين التعبير العاطفي والتطريب الرصين. فجاء اللحن ليكشف عن أبعاد جديدة في صوت فيروز، يمكن تلمّسها بوضوح في مقاطع مثل: «علنا نطفئ بذياك العصير.. حرقة الأشواق»، و**«نسمة الريحان»، و«فعروس الجن في كهفها المسحور»**. كان هذا التعاون بمثابة لقاء بين فلسفتين موسيقيتين، صهرهما الأداء الفيروزي في حالة من الصفاء النغمي والتعبير العميق.
قصيدة «سكن الليل» في أصلها رحلة شعرية تمزج بين الصور الحسية والرموز الفلسفية. يبدأ جبران بوصف لحظة انطفاء ضوضاء النهار:
«سكن الليل وفي ثوب السكون تختبئ الأحلام»
في هذه اللحظة، يهدأ العالم، وتصبح الطبيعة كأنها كائن حي يتهيأ للبوح بأسراره في همس الليل.
ثم ينتقل إلى دعوة الحبيب:
«هلمي نخترق ظل الغياب، علّنا نطفئ بذياك العصير حرقة الأشواق»
هنا تتحول الكرمة إلى رمز للقاء العاطفي والروحي، حيث تمتزج المشاعر بالنكهة العطرية للنبيذ، في حالة من الصفاء الحسي.
وتتوالى صور الطبيعة الحية:
«هاكِ أنغام البلابل في الحقول، ونسمة الريحان في التلال»
البلابل ليست مجرد طيور، بل رسل عشق تنقل رسالة العاشقين، والريحان نسيم يحمل عبير الحب عبر التلال المضيئة بنور القمر.
ثم يدخل عالم الأسطورة:
«فعروس الجن في كهفها المسحور، ومليك الجن يمر صامتًا»
هذه الرموز تمنح القصيدة بعدًا غامضًا، حيث يمتزج الواقع بالخيال، والحب بقوى كونية خفية تحكم مسار العواطف.
ويختم جبران بمشهد تتآمر فيه الطبيعة لحماية العشاق:
«والنجوم تكتم السر، وضباب الليل يغمر الكروم»
في هذا المشهد، يتحول الليل إلى حارس للأحلام، وستار يحجب العاشقين عن عيون العالم.
في هذا السياق، يصبح الليل مرآة للتجربة الإنسانية: مزيج من الحلم والحنين، من الحب والرغبة، ومن التأمل في سر الوجود. جبران يجعل من عناصر الطبيعة – البدر، الكروم، البلابل، النسيم – شخصيات مشاركة في الحكاية، لكل منها دور في صنع تلك اللحظة التي تجمع الأرواح قبل أن يبددها الصباح.
وهنا تتجلى عبقرية الجمع بين شعر جبران ولحن عبد الوهاب وصوت فيروز: جبران منح النص روح التأمل الفلسفي التي تسبح في عوالم الليل والوجود، وعبد الوهاب أضفى عليه دفء الشرق وإيقاعه البطيء الذي يواكب نبض القلب، فيما جاءت فيروز لتجسد المزج بين الحلم والحقيقة، وبين الحنين واللحظة الراهنة. لقد تحولت «سكن الليل» بهذا الثالوث الإبداعي إلى أكثر من أغنية؛ صارت مساحة للتأمل في معنى الحياة، ودعوة لأن نجد في الليل مرآة لذواتنا، ورفيقًا صامتًا في رحلة العمر.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد النقد: المفهوم والتطبيق في ضوء المقاربات الأدبية – قراءة ...
- تانكا من نبض القلب
- -الأبدية في رسائل لم تُرسل- -حين تلتف الكلمات حول عنق الذاكر ...
- في رمزية الهايكو وتجلياتها
- -حين عبرت عائدة، ابتسمت دمشق-
- حين ابتسمت الخلايا… وابتدأتُ أنا
- تأملات فلسفية ونفسية في مشوار العمر والشيب-
- الزواج: ميثاق المحبة والسكينة بين الروح والجسد
- الأكسجين والغباء في منظور إنساني وفلسفي -
- طهي الثوم والبصل: مخاطر الحرارة العالية وحلول صحية
- وكان صوتًا… لا يُشبه الأصوات
- مزامير الفصول
- من ثدي واحد: مسرح الأدوار وتواطؤ الغايات
- الألم كجمالية وجودية: دراسة فلسفية وفكرية واجتماعية
- تأملات في فلسفة الحديث مع النفس
- اهتمامات المرأة بين البناء الذاتي والتحديات المجتمعية: قراءة ...
- -ملهمة الفجر وإشراقة الروح-
- الكذب القهري: مقاربة نفسية لاضطراب الميثومانيا-
- الدكتور الذي يعرف كل شيء
- -السكر: المتهم الأول في قائمة أمراض العصر-


المزيد.....




- -الكشاف: أو نحن والفلسفة- كتاب جديد لسري نسيبة
- -هنا رُفات من كتب اسمه بماء- .. تجليات المرض في الأدب الغربي ...
- اتحاد أدباء العراق يستذكر ويحتفي بعالم اللغة مهدي المخزومي
- -ما تَبقّى- .. معرض فردي للفنان عادل عابدين
- فنانون إسبان يخلّدون شهداء غزة الأطفال بقراءة أسمائهم في مدر ...
- فنانون إسبان يخلّدون شهداء أطفال غزة بقراءة أسمائهم في مدريد ...
- الفنان وائل شوقي : التاريخ كمساحة للتأويل
- الممثلة الأميركية اليهودية هانا أينبيندر تفوز بجائزة -إيمي- ...
- عبث القصة القصيرة والقصيرة جدا
- الفنان غاي بيرس يدعو لوقف تطبيع رعب الأطفال في غزة.. الصمت ت ...


المزيد.....

- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - «سكن الليل وفي ثوب السكون تختبئ الأحلام» – جبران خليل جبران