أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - -الأبدية في رسائل لم تُرسل- -حين تلتف الكلمات حول عنق الذاكرة-














المزيد.....

-الأبدية في رسائل لم تُرسل- -حين تلتف الكلمات حول عنق الذاكرة-


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8465 - 2025 / 9 / 14 - 09:33
المحور: الادب والفن
    


"الأبدية في رسائل لم تُرسل"
"حين تلتف الكلمات حول عنق الذاكرة"
لم أكن أعلم أن الكلمات التي لا تُقال تتحول إلى سلاسل، وأن الرسائل التي لا تُرسل تصبح قضبانًا لسجنٍ نبنيه بأيدينا. أكتب منذ اللحظة التي غادرتَ فيها، ربما لأنني لم أجرؤ على مواجهة الفراغ الذي تركته خلفك. الفراغ ليس مجرد غياب؛ إنه كتلة ضخمة تضغط على صدري كلما حاولت التنفس، وكلما واجهت فكرة أنك لن تعود أبدًا.
الحب، في بدايته، بدا لي كضوءٍ دافئ يملأ عالمي. لكن النور كان يحمل ظلالًا لم أكن أراها. كنتُ أُعمى، أو ربما اخترت أن أكون كذلك، لأنني أردت أن أصدق أنك الأمان الذي لطالما بحثت عنه. لكنك لم تكن أمانًا؛ كنت عاصفة اجتاحت كل شيء، وتركتني أحاول جمع ما تبقى من حطام روحي وحدي.
كل صباح، أفتح عيني وأواجه الحقيقة ذاتها: أنت لست هنا، ولن تكون. أكتب لك، ليس لأني أفتقدك، بل لأن الكلمات هي الطريقة الوحيدة التي أملكها لفهم الألم الذي أحدثه غيابك. أكتب لك عن الصباحات الباردة، عن القهوة التي فقدت طعمها، وعن الليل الذي ينهش أطرافي بلا رحمة. أكتب لأنني، رغم كل شيء، لا أستطيع التوقف.
أحيانًا، عندما أمسك بالقلم، أشعر وكأنني أنبش في داخلي. الكلمات تنساب كأنها شظايا تخرج من جرحٍ عميق. أكتب عن تفاصيل كنت أعتقد أنها غير مهمة: عن طريقتك في الضحك، عن صوت خطواتك على الأرضية الخشبية، عن الأغنية التي كنت تغنيها في الحمام. لكنها التفاصيل الصغيرة التي تُذكرني أنني فقدت أكثر مما ظننت.
ذات مرة كتبت:
"كيف استطعت أن تأخذك معها وتترك خلفك كل هذا الدمار؟ هل تعلم أنني أصبحت أخاف النوم؟ لأنني في كل مرة أغمض عيني، أراك. في البداية، أراك كما كنت: بضحكتك الساخرة ونظراتك الواثقة. ثم تتحول تدريجيًا إلى ظلٍ يطاردني، يهمس لي بما كنت أعرفه طوال الوقت: أنك لم تكن لي يومًا."
كل كلمة أكتبها تحملني إلى عالم آخر، عالم تتداخل فيه الذكريات بالخيال. أحيانًا أشعر أنك أقرب إليّ في هذه اللحظات، لكنني أدرك أيضًا أنني أبتعد أكثر عن الواقع. الرسائل لم تكن لك، بل لي. كنتُ أكتب لأبقيك حيًا في داخلي، حتى وأنا أعلم أنك قد نسيتني منذ زمن.
الخيانة ليست مجرد فعل، إنها شبح يظل يلاحقك، فكرة تنمو داخلك حتى تتغلغل في أعمق زوايا روحك. كنتُ أكتب عن الخيانة، عن تلك الليلة التي اكتشفت فيها أنك كنت تُقسم لي بالحب بينما كنتَ مع أخرى. كتبت:
"هل كنتَ صادقًا ولو للحظة؟ أم أنني كنتُ مجرد محطة على طريقك؟ أحيانًا ألوم نفسي. ربما كنتُ ساذجة، أو ربما أردتُ أن أصدق أنك لي، رغم أن كل شيء كان يقول العكس."
لم أكن أكتب لألومك فقط، بل لأفهم. كيف يتحول الحب إلى شيء آخر؟ كيف تتحول الوعود إلى أكاذيب؟ كيف يمكن لشخصٍ أن يخون منحه قلبه؟ كنت أحاول أن أستوعب الحقيقة التي لم أكن مستعدة لمواجهتها: أنك كنتَ وهمًا، وأنا صدّقته.
أدركت لاحقًا أنني لم أكن أسجنك بهذه الرسائل، بل كنتُ أسجن نفسي. كل كلمة كتبتها كانت تضع جدارًا جديدًا بيني وبين العالم، تَحُدّني داخل قفصٍ من الذكريات. كنتُ أعتقد أنني أحتفظ بك من خلال هذه الرسائل، لكنني كنتُ في الواقع أحتفظ بألمي.
ذات ليلة، أمسكْتُ بإحدى الرسائل. كانت الرسالة التي كتبتها في يوم اكتشفت خيانتك. قرأتها بصوتٍ عالٍ، ثم مزقتها. شعرت وكأنني أمزق جزءًا من نفسي، لكنني لم أتوقف. كنت أعلم أن التحرر لن يأتي إلا إذا حطّمت هذا السجن الذي صنعته بنفسي.
اليوم، جلست أمام نافذتي وأمسكت القلم. كتبتُ رسالة جديدة، لكنها لم تكن لك. كتبت لنفسي:
"لقد أحببتِ، وقد خُنتِ نفسك حين اخترتِ التمسك بما كان يؤذيك. الآن، لديك خيار آخر. لديك قلم، ولديك شجاعة. لا تكتبي عن الماضي؛ ابدئي من هنا."
وضعت الرسالة في ظرف، وكتبت عليه: "إلى الحرية". أغلقت دفتر الرسائل للأبد، وأدركت أنني لن أكون حرّة ما لم أقرر أن أتحرر من ذكراك.
الحب والخيانة، كلاهما يعيدان تشكيلنا، لكن بطرق مختلفة. الرسائل التي لم تُرسل لم تكن محاولةً لإبقاء الحب حيًا، بل وسيلة لفهم الألم ومواجهته. في النهاية، التحرر ليس فعلًا خارجيًا؛ إنه قرار داخلي يبدأ بالاعتراف بأننا نستحق السلام، حتى بعد كل الخسارات.
الكتابة لك ليست فعلًا عاطفيًا فقط. إنها جزءٌ من سجنٍ داخلي لا أستطيع الهروب منه، لكنها أيضًا المفتاح الوحيد الذي قد يحررني يومًا ما. في هذه الرسائل التي لن تصل إليك، أكتب لأقول وداعًا، لكنني في الحقيقة أقول وداعًا لنفسي القديمة، لنفسي التي لم تعد قادرة على الحب.
هل يمكن للرسائل أن تُنهي الألم؟ أم أنها وسيلتي للبقاء عالقة بين الماضي والحاضر، بينك وبيني؟
ربما، يومًا ما، سأكتشف الجواب.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في رمزية الهايكو وتجلياتها
- -حين عبرت عائدة، ابتسمت دمشق-
- حين ابتسمت الخلايا… وابتدأتُ أنا
- تأملات فلسفية ونفسية في مشوار العمر والشيب-
- الزواج: ميثاق المحبة والسكينة بين الروح والجسد
- الأكسجين والغباء في منظور إنساني وفلسفي -
- طهي الثوم والبصل: مخاطر الحرارة العالية وحلول صحية
- وكان صوتًا… لا يُشبه الأصوات
- مزامير الفصول
- من ثدي واحد: مسرح الأدوار وتواطؤ الغايات
- الألم كجمالية وجودية: دراسة فلسفية وفكرية واجتماعية
- تأملات في فلسفة الحديث مع النفس
- اهتمامات المرأة بين البناء الذاتي والتحديات المجتمعية: قراءة ...
- -ملهمة الفجر وإشراقة الروح-
- الكذب القهري: مقاربة نفسية لاضطراب الميثومانيا-
- الدكتور الذي يعرف كل شيء
- -السكر: المتهم الأول في قائمة أمراض العصر-
- ظلال الخرسانة: حين يُبنى الشك
- الأدب الأفريقي: ذاكرة تتكلّم بلسان الأسطورة وصوت الأرض
- الحاج مراد: أسير التوقعات بين أنين الروح وشهقات الزمن


المزيد.....




- فرقة صابرين.. تجربة موسيقية ملتزمة في خدمة الهوية والثقافة ا ...
- بانكسي فنان بريطاني مجهول يناضل بالرسم على جدرن العالم
- الموت يغيّب الفنان والمخرج عباس الحربي في استراليا
- حملة عالمية لمقاطعة سينما إسرائيل تتضاعف 3 مرات خلال أيام
- تعهد دولي بمقاطعة سينما إسرائيل يثير ضجة كبرى في العالم
- فنانون أتراك يدعمون حملة -جسر القلوب من أوسكودار إلى غزة-
- أمل مرقس: -في فلسطين الغناء لا يوقف الحروب، لكنه فعل صمود وم ...
- عُمرٌ مَجرورٌ بالحياةِ
- إشهار كتاب ( النزعة الصوفية والنزعة التأملية في شعر الأديب ا ...
- باراماونت تنتقد تعهد فنانين بمقاطعة شركات سينمائية إسرائيلية ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - -الأبدية في رسائل لم تُرسل- -حين تلتف الكلمات حول عنق الذاكرة-