أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - حين ابتسمت الخلايا… وابتدأتُ أنا














المزيد.....

حين ابتسمت الخلايا… وابتدأتُ أنا


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 04:51
المحور: الادب والفن
    


"في اللحظة التي بدا فيها كل شيء هشًا…
ابتسمت الخلايا.
لم يكن الشفاء وعدًا، بل قرارًا.
ولم أكن أخاف الموت، بل أن أرحل دون أن أبدأ حقًا."

شعرت ليلى بوخزة خفيفة في صدرها، كأن يدًا صغيرة تعبث به بفضول. تبسّمت في سرّها، ثم تابعت يومها كأن شيئًا لم يحدث.
لكن الإحساس عاد. لم يكن مؤلمًا… بل غريبًا، مُلحًّا، كأنه صوت داخلي يناديها.
ذات مساء، وقفت أمام المرآة، شعرها منسدل، وثوب نومها الأبيض يشفّ عن أنوثة ساكنة. بدأت تتحسّس صدرها كما اعتادت في كل شهر… احتياطًا.
لامست أصابعها شيئًا صلبًا، صغيرًا، كحجر غريب دفن في لحم طريّ. شهقت، وسحبت يدها، ثم وضعتها على قلبها الذي بدأ يخفق بقلقٍ لم تعهده.
نظرت في المرآة، شاحبة، والخدّان اللذان كانا يتوردان بسهولة… خاليان من الحياة.
"هل أصابني؟ هل هو…؟"
لم تُكمل السؤال. أمسكت الهاتف واتصلت بكريم، زوجها.

ليلى (بهمس مرتجف): "كريم… هل يمكنك الحضور حالًا؟ فقط… من دون أسئلة."
وصفت له ما شعرت به، فأجاب بصوت ثابت: "سآتي فورًا. لا تخافي… ولكن لا تؤجلي مواجهة الحقيقة."
في صمت موحش، ألبسا يوسف، وسلّماه إلى والدتها. همست ليلى لطفلها:
"اذهب إلى النوم يا حبيبي… ستعود أمك قريبًا."
لم تُخبر والدتها بشيء، فقط قبّلت جبين يوسف وابتسمت له… ابتسامة تختزل وداعًا لا يُقال، وخوفًا لا يُرى.
في الطريق، كانت المدينة تمضي من حولهما بلا ملامح. الضوء خافت، كأن الليل انبثق من داخلها.

في المستشفى، كل شيء أبيض، بارد، مسكون بالصمت.
كريم إلى جوارها، يعتصر يدها، وهي تحدّق في صورة الأشعة… الصورة التي لا ترحم.
دخل الطبيب، بملف في يده، ونظرة متحفّظة في عينيه:
"الورم موجود. حجمه متوسط، لكنه نشِط. سنجري خزعة لتحديد طبيعته بدقّة."
كلمات كثيرة انسكبت، لكن عبارة واحدة التصقت بروحها:
"ورم… نشط."

في يوم الخزعة، تمددت على السرير الطبي. قالت الممرضة بلطف:
"لا تقلقي، الإبرة صغيرة… لكن النتائج عظيمة."
ابتسمت ليلى بخفة باهتة: "أنا لا أخاف من الإبرة… بل من الكلمة."
في الليل، وضعت يدها على قلبها، وهمست:
"يا رب… إن كان هذا قدري، فامنحني القوّة… لأكون أمًّا لا تنهار، وامرأة لا تنكسر."

دخل الطبيب قائلًا:
"سرطان الثدي. المرحلة الثالثة. سنبدأ بخطة علاج كيميائي مكثفة. الوقت ثمين."
كأن صوتًا ما انفجر داخلها… ثم ساد الصمت.
أرادت أن تسأل: هل سأموت؟ هل سأفقد أنوثتي؟ هل سيخافني طفلي؟ هل سأظل امرأة؟
لكن الكلمات علقت في حلقها، كما تعلق الدمعة حين تخونها الطريق.
اقترب كريم، همس:
"أنا معكِ… وإن صرتِ رمادًا، سأكون هواءكِ."

عادت إلى منزلها. ركض يوسف نحوها، ضاحكًا: "أمي، اشتقت إليكِ!"
ضمّته بشدة، كأنها تخشى أن يذوب بين ذراعيها.
همست له: "أمك ستكون متعبة بعض الشيء هذه الأيام… لكنها تحبك كثيرًا، أكثر من أي وقت مضى."
نظر إليها ببراءة وقال: "عندما تتعبين… سأكون طبيبك، حسنًا؟"
في جلسات العلاج، جلست على الكرسي الأبيض، والمصل يتدلّى، والدواء يتسلّل إلى عروقها.
حرارة… غثيان… رعشة.
أغمضت عينيها، وتذكّرت يوسف يركض حافي القدمين: "أمي، انظري… فراشة!"
كانت الفراشات ترمز للربيع… وهي كانت تبحث عن ربيع ينبت في جسدها.

في أحد الصباحات، علقت خصلة شعر كاملة بين أصابعها.
دخل كريم، سألها برقة: "هل تودين أن نحلقه معًا؟"
في المساء، جلسا في الحمام. حلق شعرها، خصلة بعد خصلة، وكل خصلة كانت تُسقِط قيدًا… خوفًا… قناعًا.
وحين انتهى، قبّل رأسها وقال:
"أنتِ جميلة… أكثر من أي وقت مضى."
بعد الجلسة الرابعة، عادت مرهقة. فتحت الباب، فوجدت والدتها تحمل وشاحًا جديدًا.
ارتمت في حضنها قائلة:
"أمي… أنا مرهقة جدًا."
فأجابت الأم:
"ابكي يا صغيرتي… لكن لا تستسلمي."
قالت ليلى:
"كلما نظرت إلى يوسف، شعرت وكأنني أسير فوق حبل معلق فوق الجحيم."
فردّت:
"لن يسقط… لديه أم ملاك. وأنا معكِ."

بعض الأصدقاء ابتعدوا… وآخرون اقتربوا.
ممرضة تبتسم، امرأة تواسي، كلمات دعم تُكتب وتُقرأ وتُحسّ.
بدأت تكتب:
"أنا لا أنتظر الشفاء… أنا أصنعه. جلسة بعد جلسة، دمعة بعد ابتسامة."
ثم جاء الطبيب وبشرها:
"الورم تراجع بشكل ممتاز… نحن على الطريق الصحيح."
شهقت نفسًا عميقًا، كأنها تنفّست الحياة لأول مرة بعد غرق طويل.

في المساء، قالت لكريم:
"كنت أركض لإرضاء الجميع… ونسيت نفسي."
فأجاب: "خفت من تغيركِ… لكنكِ صرتِ أبهى."
قالت: "بكيت كثيرًا… ولم أبكِ في حضنك قط."
ردّ: "اليوم بكينا معًا… وسنبدأ معًا من جديد."
عاد يوسف من الروضة، نظر إلى وجهها، وسأل:
"أمي… هل أصبحتِ بخير؟"
أمسكت بيده، وضعت رأسها على صدره، وقالت:
"لست فقط بخير… بل أقوى. لأجلك."
ضحك يوسف، وأخرج ورقة رسمها: وجهها دون شعر، وفوقه تاج.
ابتسمت… لم يكن الشفاء توقيعًا من الطبيب، بل لحظة صامتة، حين نظرت إلى ندبتها، لا كنقص… بل كوسام.

كتبت في دفترها:
"كنت أظن أن الحياة تُقاس بالشَعر الطويل، بالملامح المنسّقة، بالخطط المتقنة.
ثم جاء الورم، فحطّم كل شيء… لكنه فتح نافذة في قلبي لم أكن أعلم بوجودها.
لم أعد أبحث عن الكمال… بل عن الصدق، عن اللحظات الصغيرة،
عن العيون التي لا تخاف من العُريّ،
عن الوجوه التي ترى الجمال في منابت الوجع.
أنا… امرأة خرجت من رمادها، وعلى صدرها ندبة، وفي عينيها فجر."
حين ابتسمت الخلايا… وابتدأتُ أنا.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات فلسفية ونفسية في مشوار العمر والشيب-
- الزواج: ميثاق المحبة والسكينة بين الروح والجسد
- الأكسجين والغباء في منظور إنساني وفلسفي -
- طهي الثوم والبصل: مخاطر الحرارة العالية وحلول صحية
- وكان صوتًا… لا يُشبه الأصوات
- مزامير الفصول
- من ثدي واحد: مسرح الأدوار وتواطؤ الغايات
- الألم كجمالية وجودية: دراسة فلسفية وفكرية واجتماعية
- تأملات في فلسفة الحديث مع النفس
- اهتمامات المرأة بين البناء الذاتي والتحديات المجتمعية: قراءة ...
- -ملهمة الفجر وإشراقة الروح-
- الكذب القهري: مقاربة نفسية لاضطراب الميثومانيا-
- الدكتور الذي يعرف كل شيء
- -السكر: المتهم الأول في قائمة أمراض العصر-
- ظلال الخرسانة: حين يُبنى الشك
- الأدب الأفريقي: ذاكرة تتكلّم بلسان الأسطورة وصوت الأرض
- الحاج مراد: أسير التوقعات بين أنين الروح وشهقات الزمن
- -فضول الإنسان: بين الحاجة المعرفية وانتهاك الحريات-
- من خدش بسيط إلى عدوى خطيرة: أمراض قد تنقلها القطط للبشر
- الخطوة الأخيرة: حين ابتلعني ظلّي


المزيد.....




- أحمد الفيشاوي يعلن مشاركته بفيلم جديد بعد -سفاح التجمع-
- لماذا لا يفوز أدباء العرب بعد نجيب محفوظ بجائزة نوبل؟
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم
- مشاهدة الأعمال الفنية في المعارض يساعد على تخفيف التوتر
- تل أبيب تنشر فيلم وثائقي عن أنقاض مبنى عسكري دمره صاروخ إيرا ...
- قراءة في نقد ساري حنفي لمفارقات الحرية المعاصرة
- ليبيريا.. -ساحل الفُلفل- وموسيقى الهيبكو
- بطل آسيا في فنون القتال المختلطة يوجه تحية عسکرية للقادة الش ...
- العلاج بالخوف: هل مشاهدة أفلام الرعب تخفف الإحساس بالقلق وال ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - حين ابتسمت الخلايا… وابتدأتُ أنا