أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - -اخضرار الياسمين-،














المزيد.....

-اخضرار الياسمين-،


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8470 - 2025 / 9 / 19 - 04:51
المحور: الادب والفن
    


في هذا المساءِ الخريفيِّ من دمشق التي تتهامسُ أزقّتُها بالحكايات، وتغشاها رطوبةُ بردى، وما يفتأ الخريفُ يُناوشُ صهدَ الصيفِ المراوغ، أزورُ قاسيون كمن يطرقُ باباً لا يجيب. ألقيتُ نفسي هناكَ بلا موعد، بلا رفيق، إلا انتظاري الذي اعتاد أن يسبقني.
أجيءُه غِبًّا، وأجلسُ تحتَ ظلِّ الياسمين الذي لا يعرف ذبولاً في دمشق، وأتأملُ كيف تزحفُ الشمسُ نحو مغيبٍ أُقحوانيّ، لا تزالُ أشعتُه داميةً عند أفقٍ غباريّ بعيد. أسألُ القلب: علامَ تسعى من حينٍ لآخر؟ ألترى طيرانَ الحمامِ فوق السطوح، أم لتسمع هديلَها إذ تحطُّ على خفقِ اليسار؟
لعلَّني يا قلبُ عندَ اخضرارِ الياسمينِ أنساني، كي أتذكّرها أمامي، فأستنشقُ عطرَها الشافي، ثم أعود أدراجي، كأنّ دمشقَ التي عرفتها مذ الصِّبا تبتعدُ عنّي شيئاً فشيئاً، وتظلُّ كسرابٍ يُغوي ولا يُدرك. أكانَ المكانُ الذي جالستَني فيه مكاني حقّاً؟


يا ياسمينَ الشامْ
عطرُكِ في ليلِ الغيابْ
يعيدُني طفلًا،
إلى الدروبِ المبلّلةْ
بخطواتِ مَن رحلوا.
وهكذا وجدتُني، بين دروب الشام التي تتلوى كأفاعٍ من نور وظل، أستمع إلى حكايات البيوت القديمة التي تحفظ همس العابرين كما تحفظ الأمهات سرَّ الحليب في صدورهن. كل حجر هنا ينطق، كل نافذة تختزن في شقوقها أسرار العشاق والغرباء والجنود الذين مرّوا ولم يعودوا. وفي الفيحاء، تلك التي تفترش أهدابها زهر الياسمين وتغطي جراحها برائحة الخبز الساخن، كنت أتعلم أن الغربة ليست في مكانٍ آخر، بل قد تسكن قلبك وأنت في وطنك.
أدركت أن الطفولة ليست ذكرى وحسب، بل لعنة ونعمة في آن، وأن الأم التي خنقتني بحبها كانت في سرّها تسلمني إلى الحياة كما يسلم البحر نهرًا صغيرًا إلى مصبه المجهول. في دمشق، تماهى صمتي مع أصوات الأسواق المكتظة، وانعكس وجهي على صفائح النهر البارد، فتساءلت: هل أنا التي تعيش حياتي، أم أن الحياة هي التي تعيشني؟
كنت أمشي، لا لأن الطريق ممتد، بل لأنني صرت أنا الطريق، صرتُ المنعطفات والالتفافات، صرتُ السؤال الذي لا جواب له. وفي النهاية لم أخرج من دمشق كما دخلتها، بل خرجتْ دمشق مني، متشظيةً إلى مرايا لا تنكسر، كل مرآة تحمل وجهاً كنتُه أو سأكونه، لتظل الفيحاء، إلى الأبد، موضع حنينٍ لا يكتمل.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الانطفاء الأخير-
- المقامة الفاسدة
- الأدب الياباني: مرايا الروح بين البساطة والعمق
- التي جعلت إبليس يعيد التفكير في كل شيء
- صراع وصفقات وضياع شعب
- «سكن الليل وفي ثوب السكون تختبئ الأحلام» – جبران خليل جبران
- نقد النقد: المفهوم والتطبيق في ضوء المقاربات الأدبية – قراءة ...
- تانكا من نبض القلب
- -الأبدية في رسائل لم تُرسل- -حين تلتف الكلمات حول عنق الذاكر ...
- في رمزية الهايكو وتجلياتها
- -حين عبرت عائدة، ابتسمت دمشق-
- حين ابتسمت الخلايا… وابتدأتُ أنا
- تأملات فلسفية ونفسية في مشوار العمر والشيب-
- الزواج: ميثاق المحبة والسكينة بين الروح والجسد
- الأكسجين والغباء في منظور إنساني وفلسفي -
- طهي الثوم والبصل: مخاطر الحرارة العالية وحلول صحية
- وكان صوتًا… لا يُشبه الأصوات
- مزامير الفصول
- من ثدي واحد: مسرح الأدوار وتواطؤ الغايات
- الألم كجمالية وجودية: دراسة فلسفية وفكرية واجتماعية


المزيد.....




- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...
- فيلم -ذا روزز- كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية
- فيلم -البحر- عن طفل فلسطيني يفوز بـ-الأوسكار الإسرائيلي- ووز ...
- كيف تراجع ويجز عن مساره الموسيقي في ألبومه الجديد -عقارب-؟
- فرنسا تختار فيلم -مجرد حادث- للإيراني بناهي لتمثيلها في الأو ...
- فنانة تُنشِئ شخصيات بالذكاء الاصطناعي ناطقة بلسان أثرياء الت ...
- فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي يمثل فرنسا في تر ...
- غداً في باريس إعلان الفائزين بجائزة اليونسكو – الفوزان الدول ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - -اخضرار الياسمين-،