|
التألق في مجموعة من تحت الركام كاملة صنوبر
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8463 - 2025 / 9 / 12 - 14:55
المحور:
الادب والفن
كثرة مشاهد الموت والتدمير تجعلنا نعزف عن متابعتها، فلم نعد نحتمل المزيد، وأن تأتي مجموعة قصصية بعنوان (منفر): "من تحت الركام" وتجعلنا نقرأها في جلسة واحدة، فهذا هو التألق بعينه، خاصة إذا علمنا أن هذه المجموعة الأولى للقاصة "كاملة صنوبر" فهذه البداية المتألقة تبشرنا بميلاد موهبة قصصية فلسطينية سيكون لها مكانتها في القصة القصيرة. قبل الدخول إلى المجموعة أنوه إلى أن القاصة تعيش في الضفة الغربية، وليس في غزة، بمعنى أنها لم تعش الأحداث بواقعية، لكن أحداث/ شخصيات المجموعة تشير إلى أن القاصة لا يمكن أن تأتي بمثل هذه التفاصيل، دون أن تكون قد عاشتها ومرت بها، فكيف حدث هذا؟ وكيف استطاعت جذبنا إلى أحداث دامية وإقناعنا (بحقيقة/ واقعية) الأحداث والشخصيات؟ الإجابة نجدها في قصة "صدفة صوت" حيث تقول: "مأساة الفلسطينيين في الشتات الذين يعيشون بأجسادهم في أماكن مختلفة، لكن قلوبهم ظلت رهينة الحصار والقصف" ص120، هذه الحقيقة أكدتها القاصة الأردنية "ميسون حنا" في "بكائيات غزة" فمن يقرأ المجموعة لا يمكنه الشك بتاتا أنها صدرت من خارج غزة، وهنا يكمن إبداع الأديب/ة الذي يتماهي مع قضايا شعبه وأمته متناولا ما تمر به. فشرط الكتابة الوطنية الإبداعية لا يعتمد على عيش المأساة حقيقة، بل على يعتمد على الانتماء/ التوحد/ التماهي مع القضايا الوطنية/ القومية، وتقديمها بصيغة أدبية، وبلغة سلسة، وبأسلوب جاذب للقارئ، وهذا ما نجده في مجموعة "من تحت الركام" التي تقرأ في جلسة واحدة، رغم ما فيها من ألم وقسوة، تمسنا كفلسطينيين، توجعنا إن كانا في فلسطين أم في خارجها. الشخصيات إذا ما تتبعنا شخصيات كل قصص المجموعة نجدها بمجملها تتكون من شخصيتين تربطهما علاقة ما، أب/ أم وابن، زوج وزوجة، مريض وطبيب، الجار وجاره، الصديق وصديقه/ الزميل وزميلة، بمعنى أنها شخصيات تُكمل بعضها، ولا يوجد بينها صراع، بمعنى أن القاصة قدمت شخصيات (مثالية) ـ وهذا يتنافى مع طبيعة الأدب الذي من المفترض أن يكون الصراع أحد شروطه ـ لكن إبداع القاصة جاء من خلال جعل الشر/ القبح/ الإجرام يأتي من خلال صورة: "في زاوية الحياة المظلمة، حيث يتلاشى كل شيء بسرعة تحت ازيز الطائرات وصوت الانفجارات، وتحت السماء التي تنشر الموت، كانت فتاة صغيرة لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها تقف وتنظر إلى السماء، لحظات كانت فيها الحياة مجرد حلم بسيط، لكن الحرب جلبت لها كوابيس لا تنتهي" ص45، فالصراع نجده بين الطفلة وبين الطائرات والانفجارات، بمعنى أن القاصة قدمت صراع الإنسان مع الآلة الصماء التي لا تعرف الرحمة، وتقوم بكل ما يطلب منها، فهي (آلة) ليس لها مشاعر/ إحساس أو أرادة لترفض أو تتردد، إلا إذا حدث (عطل) فيها، في برمجتها، أو موت من يشغلها/ يعطيها أوامر التنفيذ. وإذا ما توقفنا عند هذا التكامل سنجد فيه ـ دعوة غير مباشرة ـ إلى إعادة اللحمة الاجتماعية، فما يتعرض له الفلسطيني من قتل وتهجير وتدمير يفرض عليه اللجوء إلى اللحمة الاجتماعية، لأنها ملاذه ضد الطائرات والانفجارات، ودون هذا الملاذ لا يمكنه مواجهة عدوه أو الصمود أمام بطشه. ونلاحظ أن القاصة تناولت العديد من شخصيات وشرائح المجتمع، الأب، الأم، الطفل الرضيع، الصبي، الفتى، الطبيب، الصحفي، الزوج وزوجته، النساء، المرأة الحائض، العجوز المقعدة، الفتاة، بمعنى أنها أعطتنا صورة شاملة عن حياة الفلسطيني في ظل الإبادة التي يتعرض لها أهلنا في غزة، إن كانوا مسلمين أم مسيحيين الذي خصتم القاصة بقصتين: "تكبير صليب، آهات المعمداني" وهذه بحد ذاته يمثل تأكيد للوحدة الاجتماعية التي تجمع الفلسطينيين، وتأكيد على طبيعة عدوهم الذي يريد فنائهم وتدمير بيوتهم وأحيائهم ومدنهم. ونلاحظ أن العديد من الشخصيات تم تسميتها "محمد، هند، أمير، ياسمين" وهذا يشير إلى شخصيات المجموعة شخصيات إنسانية، فلسطينية، لها أسماء، ولها أحلام/ طموح، لها هدف في الحياة، وليست جمادات، منكرة، صماء، وعندما يتم قتلها أو أصابتها جسديا أو نفسيا فهذا يعتبر جريمة ويجب/ يفترض محاكمة من أقترفها، أو ساعد على فعلها، أو لم يبلغ عنها. وإذا ما توقفنا عند طريقة تقديم العدو، الشرير/ المجرم سنجد أن القاصة تتجنب الحديث عنه مباشرة، وجعلته نكره، وكتفت بتناول أفعاله/ أعماله/ أدواته التدميرية، الآلات/ المعدات التي يستخدمها، وكأنها بهذا (الإهمال) تقول لنا إنها لا تريد حضوره، لا تريده أن يلوث/ يدمر/ يقتل مجموعتها "من تحت الركام" كما دمر غزة وقتل أهلها في غزة. لغة القص نلاحظ أن القاصة تستخدم لغة أدبية لافتة: "في ليلة لم يكن القمر فيها حاضرا، فتحت السماء أبوابها لوحوش من نار، طائرات ليست كتلك التي حلمت بقيادتها، بل طائرات تعوي وتمطر الأرض موتا، لم تحمل مسافرين، ولم تطلق صفارات الإقلاع، بل كانت تسقط قنابلها بلا رحمة، وتحول البيوت إلى قبور، والطرقات إلى رماد" ص81، فبدت القاصة من خلال اللغة وكأنها تريد التخفيف على القارئ ـ قدر الإمكان ـ من قسوة الأحداث، فاللغة الجميلة تمتع القارئ، وهذا ما ساعده على (تجاوز) الأحداث الدامية في المجموعة. ونلاحظ أن العديد من القصص استخدمت فيها القاصة اللغة المحكية: "بابا... وين رجلي؟" ص99، وهذا ما جعل الشخصيات حية وقريبة من القارئ الذي يشعر بالحميمية تجاه تلك الشخصيات التي تتحدث لغته. طريقة القص استخدم القاصة القص الخارجي في غالبية المجموعة، واستخدمت أنا القاصة/ (الساردة) في قصة: "حين خذلتني السماء" وقصة "الناجي الوحيد" التي قسمت القص فيها بين الزوج والزوجة، وهذا (الشح) في استخدام أنا القاص/ة يقودنا إلى أن تقمص الشخصية المتألمة والتحدث بصوتها يزيد الألم/ القسوة على الأديبة، مما جعلها تلجأ إلى القص الخارجي. ملاحظات على المجموعة أعتقد أن هناك قصص جاءت فيها الخاتمة زائدة على أحداث القصة، مثلا قصة "محراب الألم" كان يمكن أن تنتهي القصة عند هذه الفقرة: "كان صوت الشيخ يختفي بين صرخات الأطفال" ص6 دون وجود الفقرة الأخيرة التي بدت وكأنها توضيح (زائد) للقصة، وفي قصة "غصة في الروح" كان يمكن أن تنتهي عند فقرة: "رغم كل شيءـ لا تزال تحلم" ص102، فالفقرة الأخيرة التي تبعها: "الحلم لا يحتاج إلى أكثر من لحظة ليصبح كابوسا... والبيت لا يحتاج إلى أكثر من صاروخ ليكون مقبرة" ص102 كانت دون داع، وبدت وكأنها زائدة عن الحاجة. كما نجد هفوات في صف ومونتاج المجموعة، فجاءت بعض تكملة القصص في وسط الصحة كما هو الحال في قصص: "ابتسامة حزن، ملك تائه، مأساة كاتب، رحلة في ظلال الموت، أنا خايفة، غصة في الروح، تكبيرة الصليب" ونجد بعض القصص لم تأت بصفحة جديدة، كما هو الحال في قصتي: "الناجي الوحيد، غصة في الروح" المجموعة من منشورات مكتبة دار الإعلام، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى 2025.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأدب المنتمي في -الخيمة في الغابة- باسل عبد العال
-
الأدب والمنتمي في -الخيمة في الغابة- باسل عبد العال
-
الإيمان في -يا رب الأرباب- أمين الربيع
-
الشكل والمضمون في مجموعة -ما وراء الغموض- أحمد دياب
-
كتاب -كن جرينا- همام الطوباسي
-
المنطقة العربية في رواية اشتباك حسين ياسين
-
التخفي في قصيدة -متى تصفو السماء- سامي عوض الله البيتجالي
-
رواية توابيت وقبر واحد عمر أبو الهيجاء
-
الشكل والمضمون في رواية توابيت وقبر واحد عمر أبو الهيجاء
-
لصوت الندي في ميزان النقد: هل يعكس النقد شخصية الناقد؟ فراس
...
-
-من غزة إلى الشتات... نقش فلسطيني يجمع أطياف الشعر- تقرير: ف
...
-
الحب والحرب في ديوان صهيل السنابل جميل طرايره
-
مجموعة -الكوخ- محمد حافظ
-
ديوان مرقى الغزالة مراد السوداني
-
ديوان غزة قصائد الصهيل والهديل سامي عوض الله البيتجالي
-
رواية قطة فوق صفيح ساخن مراد ساره
-
رواية أبناء السماء يحيى القيسي
-
رواية نهر يستحم في البحيرة يحيى يخلف
-
الأعداد في قصيدة الطوفان صلاح أبو لاوي الطوفان
-
الثورة في قصيدة -يأتي الصباح- سامي عوض الله (البيتجالي)
المزيد.....
-
يُرجح أنه هجوم إيراني.. عشرات الممثلين الإسرائيليين يقعون ضح
...
-
غزة... حين تعلو نغمات الموسيقى على دوي الانفجارات والرصاص
-
غزة: الموسيقى ملاذ الشباب الفلسطيني وسط أجواء الحرب والدمار
...
-
سياسي من ديمقراطيي السويد يريد إيقاف مسرحية في مالمو – ”تساه
...
-
وزير الثقافة الإيراني: سيتم إعداد فهرس المخطوطات الفارسية في
...
-
رشيد حموني يساءل السيد وزير الشباب والثقافة والتواصل حول أدو
...
-
-الحياد ليس خيارا-: لماذا يتحدث عدد كبير من الفنانين الآن عن
...
-
فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يطالب بعقد اجتماع للجنة
...
-
نادية سعد الدين: الفكر الفلسفي يرفد شبابنا بسلاح العقل
-
وَهبُ الذي وهبَ سفن المعنى ضوءا في مرافئ الأدب والنقد
المزيد.....
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|