أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي النفري - القصيدة وما بعدها














المزيد.....

القصيدة وما بعدها


مهدي النفري
شاعر ومترجم

(Mahdi Alnuffari)


الحوار المتمدن-العدد: 8463 - 2025 / 9 / 12 - 14:55
المحور: الادب والفن
    


حينما يمتلك القارئ النص، يُقال إن القصيدة لا تنتمي للشاعر نفسه أبدًا بعد أن تُكتب وتخرج للملأ. هذه المقولة التي قد تبدو للوهلة الأولى مجرد عبارة أدبية، تحمل في طياتها حقيقة عميقة عن طبيعة الفن والإبداع، وعن العلاقة المعقدة بين المبدع وعمله بعد أن يلامس عيون الآخرين.

يكتسب النص حياة مستقلة بمجرد أن يخط القلم آخر حرف، أو تضغط يد المبدع على زر النشر. يتحرر العمل الفني من قيود صاحبه، فلم يعد مجرد كلمات أو ألوان أو نوتات موسيقية نشأت في ذهن شخص واحد، بل يصبح كيانًا مستقلاً ينتقل من رحم الخيال الفردي إلى فضاء الوعي الجمعي. هنا يكتسب العمل حياة خاصة به، ويبدأ القراء أو المتلقون في التفاعل معه بتفسيراتهم وتجاربهم الذاتية. إنهم يمنحونه معاني قد تختلف تمامًا عما قصده المبدع الأصلي، وقد يكتشفون فيه أبعادًا لم تخطر بباله. هذا التفاعل المستمر هو ما يبرز جمال الفن وديناميكيته، فهو ليس كيانًا ثابتًا بل يتطور ويتجدد مع كل عين تقرأه أو أذن تسمعه، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من وجدان كل متلقٍ.

مفارقة التوقعات صدمة التلقي

من أغرب المفارقات التي يواجهها الكثير من الكتاب والمبدعين هي التباين الصارخ بين توقعاتهم لأعمالهم وبين رد فعل الجمهور عليها. كم من مرة يكتب المبدع نصًا ويقول لنفسه (هذا نص سيثير كل من يقرأه)، سيهز الوجدان ويحدث ضجة، لكن الواقع غالبًا ما يكون عكس ذلك تمامًا، لا يجد النص أي اهتمام يذكر ويمر مرور الكرام.

في المقابل قد يخط المبدع “خربشات” عابرة، جملًا بسيطة كتبها في لحظة صفاء أو شرود، ربما اعتبرها مجرد فضفضة أو تدريبًا لا قيمة له. ومع ذلك يفاجأ بأن هذه “الخربشات” تلقى رواجًا غير متوقع، يرى القارئ يعطيها قيمة تفوق كل تصور ويستحسنها لدرجة تحسد نفسك أنك كتبتها.

لماذا تحدث هذه المفارقة؟

هذه الظاهرة التي قد تبدو محيرة تفسرها عدة عوامل:

الذاتية مقابل العالمية: قد يكتب الكاتب نصًا يعتبره عميقًا ومؤثرًا لأنه يلامس تجربة شخصية شديدة الخصوصية لديه، ولكن قد لا يكون لهذه التجربة نفس الصدى العالمي الكافي لتلامس قلوب الكثير من القراء بنفس الدرجة.
قوة البساطة والصدق: غالبًا ما تكون النصوص التي يصفها المبدع بـ”الخربشات” أكثر عفوية، بساطة، وصدقًا. هذا الصدق والبساطة يمكن أن يخترقا حواجز التعقيد والتكلف ويلامسا القراء بشكل أعمق، لأنهم يرون جزءًا من أنفسهم في هذه النصوص المتجردة.
التحرر من ضغط التوقعات: عندما لا يتوقع المبدع الكثير من نص معين، فإنه غالبًا ما يكون أكثر حرية في الكتابة. يكتب دون قيود، لا يفكر في “كيف سيتلقاها الآخرون؟” أو “هل ستعجبهم؟”. هذا التحرر من ضغط التوقعات يمكن أن يؤدي إلى إنتاج أعمال أكثر أصالة وعمقًا، والتي يكتشفها القارئ ويقدرها بطريقة غير متوقعة.
عامل التوقيت والسياق: أحيانًا يكون لتلقي النص علاقة مباشرة بالتوقيت والسياق الثقافي أو الاجتماعي الذي يُنشر فيه. قد يجد نص معين صدى كبيرًا في لحظة تاريخية معينة، أو ظرف مجتمعي خاص، بينما قد لا يلقى نفس الاهتمام في ظرف آخر.
في الختام هذه المفارقة بين نية المبدع وتلقي القارئ تذكرنا بأن القيمة الحقيقية للعمل الفني لا تكمن فقط في الكلمات المكتوبة، أو الألوان المرسومة، بل في الرابط الذي تخلقه مع الآخرين، وكيف يتردد صداها في نفوسهم، وكيف تصبح ملكًا لهم بعد أن يمنحوها جزءًا من روحهم.



#مهدي_النفري (هاشتاغ)       Mahdi_Alnuffari#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على ضفاف الراين
- لكنني بلا قصيدة
- لعبة المزاج
- جناحان من نبضٍ، وسماءٌ من حنين
- كلب ميت بجناحين
- الديمقراطية
- الضوء، الفراغ، الجسد
- السقوطُ… أولُ المعاني للحقيقة
- خطيئة تتكرر
- في قلبي يخفقُ الشكُ كنبضةٍ مخدرةٍ
- وجه آخر لهذا الظل
- مختارات من الأدب الهولندي -9-
- مختارات من الادب الهولندي-8-
- القربان
- مختارات من الادب الهولندي(6)
- أشدُ بياضًا من علامةِ استفهام
- من اجل هذا العكاز صرت راعيا لقطيع من النسيان
- رجل يحتضر قبل الولادة
- لا تثق بالوقت والخلود
- مختارات من الأدب الهولندي-4-


المزيد.....




- يُرجح أنه هجوم إيراني.. عشرات الممثلين الإسرائيليين يقعون ضح ...
- غزة... حين تعلو نغمات الموسيقى على دوي الانفجارات والرصاص
- غزة: الموسيقى ملاذ الشباب الفلسطيني وسط أجواء الحرب والدمار ...
- سياسي من ديمقراطيي السويد يريد إيقاف مسرحية في مالمو – ”تساه ...
- وزير الثقافة الإيراني: سيتم إعداد فهرس المخطوطات الفارسية في ...
- رشيد حموني يساءل السيد وزير الشباب والثقافة والتواصل حول أدو ...
- -الحياد ليس خيارا-: لماذا يتحدث عدد كبير من الفنانين الآن عن ...
- فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يطالب بعقد اجتماع للجنة ...
- نادية سعد الدين: الفكر الفلسفي يرفد شبابنا بسلاح العقل
- وَهبُ الذي وهبَ سفن المعنى ضوءا في مرافئ الأدب والنقد


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي النفري - القصيدة وما بعدها