|
رسائل من الميّت الحيّ
فتحي البوكاري
كاتب
(Boukari Fethi)
الحوار المتمدن-العدد: 8463 - 2025 / 9 / 12 - 02:48
المحور:
الادب والفن
مكاتيب أملتها روح من عالم البرزخ دوّنتها إلسا باركر، ونقلها فتحي البوكاري إلى العربية
إلسا باركر ELSA BARKER كاتبة أمريكية جمعت بين الرواية والقصة القصيرة والشعر، غير أنّ شهرتها الكبرى لم تتحقق إلا مع ثلاثيتها الروحانية الفريدة: «رسائل من الميت الحي»(1914)، «رسائل الحرب من الميت الحيّ» (1915)، و«الرسائل الأخيرة من الميت الحيّ» (1919)، وهي نصوص زعمت المؤلفة أنّها ثمرة الكتابة التلقائية، كتبها كائن ميتٌ عبر يدها، وهو ما جعل باركر تحتلّ موقعًا فريدًا في مشهد الأدب الروحاني في أوائل القرن العشرين. وُلدت باركر عام 1869 في مدينة ليستر بولاية فيرمونت، من والدين فقدتهما في صغرها، ما تركها أمام اختبارٍ مبكر لفقد سيظلّ يتردّد صداه في أعمالها اللاحقة، وتوفيت في 31 أوت 1954. عملت أولًا في الصحافة والتعليم، ثم اتجهت إلى التحرير الأدبي، فكانت ضمن هيئة تحرير «الموسوعة الموحّدة» سنة 1901، ثم عملت محاضِرة في مجلس التعليم بنيويورك بين 1904 و1905، كما التحقت بالهيئة التحريرية لمجلّة Hamptons (1909-1910)، كما كتبت مسرحية عمالية بعنوان «المتمرّد» عُرضت في نيويورك وبوسطن بين 1904 و1906 عكست انشغالها المبكر بالقضايا الاجتماعية. أمّا أولى رواياتها «ابن ماري بثل» (1909) فقد كشفت عن حسٍّ إصلاحي واهتمام بالقيم الروحية. عاشت في أوروبا بين 1910 و1914 متنقلة بين باريس ولندن، وكانت في العاصمة البريطانية عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، وفي باريس، عام 1912، حين اعترتها – كما قالت – قوّة غامرة دفعتها إلى الإمساك بالقلم والكتابة، ثم ختمت النصّ بحرف «X» من غير أن تدري مغزاه. أخبرها بعضهم أنّه كنية القاضي الأمريكي ديفيد هاتش من لوس أنجلِس، ولم تلبث أن اكتشفت أنّ هاتش قد مات قبل أن تتلقّى هي ذلك «التخاطر». سنة 1914 نشرت باركر تلك الرسائل، مؤكدةً أنّها رسائل حقيقية من روح هاتش، وهو ما أيّده أيضًا ابن القاضي. ثمّ أتبعت ذلك بالجزأين الثاني والثالث. انتمت باركر إلى الجمعية الثيوصوفية، كما انتسبت إلى أخوية الوردة والصليب، فوجدت في التصوف الغربي والرمزية الباطنية إطارًا ساهم في بلورة رؤيتها الروحانية. هذا الميل ظهر جليًا في مشروعها الأشهر سابق الذكر. ومع انشغالها بالرسائل، اتجهت باركر نحو التحليل النفسي، فبلغ شغفها به حدّ الدراسة أربع عشرة ساعة يوميًا بحلول 1919. هذا التداخل بين الروحاني والتحليل النفسي يعكس انتقال الثقافة الغربية آنذاك من التفسير الصوفي للعالم إلى محاولات تفسيره عبر العلم النفسي الحديث. لقد أثرت باركر في الأدب الروحاني من خلال كتاباتها التي تجمع بين: الرؤى الروحانية والاتصال بالعالم الآخر، والبنية الأدبية السردية التي تضمن الرسائل في سياق قصصي أو شبه قصصي، والجمع بين البعد النفسي والتحليل الذاتي للمتلقّي والكاتبة معًا. وتأتي هذه الكاتبة في سياق أدباء مطلع القرن العشرين الذين استثمروا في شغف الجمهور بالخوارق والظواهر النفسانية. فقد مهّدت الحروب الكبرى وما خلّفته من جراحات نفسية لمناخٍ تتقاطع فيه الروحانيات مع التحليل النفسي، ومع الأدب التجريبي الذي سعى إلى تجاوز حدود الواقع. ومن هنا يمكن قراءة باركر باعتبارها جسرًا بين التجربة الغيبية والفكر الأدبي، متفوقةً على كثير من المعاصرين الذين درسوا الظواهر الخارقة إما علميًا أو أدبيًا فقط، مثل ويليام جيمس وآرثر كونان دويل. أعمالها تمثل نموذجًا للتقاطع بين الأدب، الروحانيات، والتحليل النفسي، ظلت مرجعًا لفهم شغف القرن العشرين بالخوارق والبحث عن حياة ما بعد الموت. وبوصفها شاهدًا على ذلك المنعطف الثقافي: فهي لم تكتف بكتابة القصص أو الشعر، بل جسّدت في مشروعها الروحاني رغبة جيلها في سدّ الفجوة بين الحياة والموت، بين المرئي واللامرئي. من مؤلفاتها: الكأس المتجمّدة وقصائد أخرى (1910)، قصص من العهد الجديد للأطفال (1911)، كتاب الحب (1912)، أناشيد الملاك الشريد (1916)، فيلدينغ سارجنت (1922)، شمعدان الكوبرا (1928)، المفتش الجنائي ديكستر دريك (1929)، جريمة كهف الرجل الأحمر. (1930). أمّا بخصوص رواية «رسائل من الميت الحي» فهي تُعدّ من أبرز أعمال إلسا باركر الروحانية في الأدب الأمريكي المبكر، وهي أولى أجزاء ثلاثيتها الشهيرة التي توثّق ما تصفه الكاتبة بأنه تواصل مباشر مع عالم الأرواح عبر الكتابة التلقائية. هذه التجربة الروحانية لم تكن مجرد خيال سردي، بل مشروعًا حاولت فيه باركر تقديم شهادة حية على استمرار الوعي بعد الموت، من خلال رسائل يُمليها كيان متوفى على يديها. تتميز الرواية بكونها وثيقة شبه يومية تتناول حوارات ورسائل بين الكاتبة والميت الحيّ، في إطار أدبي يمزج بين السرد الروحي، التأمل الفلسفي، والوصف النفسي. تنقل لنا النصوص إحساسًا بالاتصال العميق بالعالم الآخر، وتثير أسئلة وجودية حول الموت، الخلود، وطبيعة الروح البشرية. كما تكشف الرواية عن اهتمام باركر بالتحليل النفسي، والوعي الباطني، إذ كان التواصل الروحي الذي توثقه يثيرها على صعيد الفكر والتجربة الشخصية معًا. تأتي «رسائل من الميت الحي» في سياق تاريخي وثقافي اتسم بازدياد الاهتمام بالظواهر الخارقة، الروحانية، وسعي الإنسان المستمر للتواصل مع الموتى وفهم عالم ما بعد الحياة. لا سيما بعد الحروب الكبرى وما خلّفته من صدمات نفسية. وقدمت باركر في هذا العمل نموذجًا للأدب الروحاني الذي يقترب من اليقين الفلسفي، بعيدًا عن التخييل الخالص، حيث يُنظر إلى الرسائل كحقيقة شخصية تتطلب من القارئ التأمل والتفكير في طبيعة الحياة والموت. باختصار، تقدم هذه الرواية تجربة فريدة بين الأدب الروائي والفكر الروحاني، فتدعو القارئ إلى تجاوز حدود المادة، والتأمل في عالم اللامرئي، مع الاحتفاظ بعمق إنساني وأدبي يميّز أسلوب باركر في التعبير عن الغيب والروح. فتحي البوكاري مقدّمة الكاتبة في ليلةٍ من ليالي العام المنصرم، وأنا بباريس، هاجت في نفسي هاجسة عجيبة، وألحت عليّ إلحاحاً شديداً أن أتناول قلماً وأخطّ كلاماً، من غير أن يكون لي أدنى فكرة عمّا سأكتب عنه ولا وجهة أقصدها. فلما استجبت لذلك الدافع الغامض، شعرتُ بيدي كأن قوة خارجية قد استحوذت عليها من دون إرادتي، فإذا برسالة عجيبة ذات طابع شخصي تتشكل تحت أناملي من تلقاء نفسها، وفي خاتمتها توقيع باسم "س". وكان مضمون الرسالة واضحاً، غير أنّ التوقيع أربكني وأثار حيرتي. فلما كان الغد عرضتُ هذه الكتابة على صديقة لي، وسألتها: "هل تعرفين من يكون هذا "س"؟" فأجابتني متعجبة: "أو ما علمتِ أنّ هذا هو الاسم الذي ندعو به السيد ... .... دائماً؟" ولم أكن أعلم. وكان السيد ... .... بعيداً عن باريس مسيرة ستة آلاف ميل، نحسبه حياً بين الأحياء. غير أنه لم تمضِ أيام قلائل حتى وردني خطاب من أمريكا يخبرني أن السيد ... .... قد فارق الحياة في إحدى الولايات الغربية، وذلك قبل أيّام قليلة من تلقي تلك الرسالة التلقائية الموقّعة باسمه. وبقدر ما أعلم، كنت أول شخص في أوروبا يُبلَّغ بخبر وفاته. فسارعتُ إلى صديقتي لأخبرها أنّ "س" قد رحل عن دار الفناء. فما أبدت جزعاً ولا عجباً، بل قالت: "قد كنتُ على يقين من ذلك منذ أيام، لما أريتني الرسالة الأولى، لكنها آثرت الصمت حينها." وكان طبيعياً أن تستولي عليّ رهبة من هذا الحادث الغريب. وليس "س" من أهل الروحانيات، ولا أنا من المهتمين بها أو السالكين سبيلها. وما أذكر أنني جربت مثل هذا الأمر إلا مرتين من قبل، حين كتبت يدي، بغير قصد مني، رسائل قصيرة منسوبة إلى أرواح مفارقة، وذلك في حضرة بعض من أوتوا نزعةً وسيطة. . وكانت تلك الرسائل قصيرة، ولم أُولِها اهتماماً كبيراً. أما في صباي فقد وضعتُ يدي غير مرة على أداة الرّقيم الوجداني مع يد شخص آخر، فكانت تكتب من الترهات ما يُكتب في العادة. وذات مرة، قبل رسالة "س" الأولى بأشهر، وضعت يدي على الرّقيم الوجداني مع يد وسيط غير محترف، فخرجت نبوءة بحريق في منزلي في شهر معين من السنة التالية، على زعم أن روح صديق راحل هو الذي كتبها. ثم لم تلبث النبوءة أن تحققت على وجهها، وإن لم يكن الحريق في منزلي الخاص ولا بفعل يدي. وشهدتُ قبل سنوات، بعض الجلسات لأهل الوساطة الروحية، بدعوة من أصدقاء، وشاهدت ما يُسمّى بـالـ "تجسّدات". ورأيت أيضاً بعض الظواهر التي لم أستطع تفسيرها إلا على أنها بعض تمظهرات لحضور الموتى. ومع ذلك كله، فقد ظللت شديد اللامبالاة إزاء فكرة الاتصال بين العالمين، لم يكن لعلم الأرواح أي وقع في نفسي، ولم أقرأ حتى الكتب الشائعة فيه. غير أنّني أنّي كنت أرى على الدوام رؤى قبل النوم، تُسمى "الرؤى النعاسيّة"، كثيراً ما حملت في طياتها طابع نبوءة مدهش. ولعل التفسير الذي قدّمه بعد ذلك "س" لهذه الظواهر هو الأقرب إلى الصواب. وبعد استلامي خطاب من أمريكا ينعى السيد ... ...، جلست مساءً مع صديقتي التي أخبرتني أوّل مرة بهويته، فقالت: "لماذا لا تدعوه ليكتب مرة أخرى، إن استطاع؟" فوافقت، إرضاءً لها أكثر من رغبة في نفسي. فإذا برسالة جديدة تنساب من يدي مبتدئة بقولها: "أنا هنا، فلا تشكّي." جاءت على فترات وانقطاعات، وحروفها كبيرة ملتوية، ولكنها خرجت تلقائية كما في المرّة الأولى. وكان الضغط على يدي شديداً حتى إنني أصبت في الغد بوجع في اليد والذراع. ثم توالت رسائل عدّة موقّعة باسمه في الأسابيع التالية. ولم أندفع إليها حماسة، بل أحسست نفوراً شديداً من هذا النوع من الكتابة، وما أقدمت على المواصلة إلا بإلحاح صديقتي التي رأت أني إنما حُظيت بفضل عظيم إذ أتيح لي أن أكون واسطةً لرسالة يريد "س" أن يبعث بها إلى الدنيا. ولم يكن "س" شخصاً عادياً، لقد كان محامياً معروفاً، في السبعين من عمره تقريباً، متعمقاً في الفلسفة، وصاحب مؤلفات، رفيع المبادئ، محباً للكمال، ملهمًا لمن عرفه. وكانت داره بعيدة عني، ولم ألقه إلا في فترات متباعدة. ولا أذكر أننا خضنا يوماً في مسألة الوعي بعد الموت. ومع مرور الأيام، وبعد أن غلبت كراهيتي للكتابة التلقائية، وجدتني مأخوذة بما يُمليه عليّ "س" عن الحياة بعد القبر. ولم أكن قد قرأت شيئاً يذكر في هذا الباب، حتى الكتب الشائعة كـ"رسائل جوليا" لم أطّلع عليها. فدخلت التجربة خالية الذهن، بلا أفكار مسبقة. وكانت الرسائل تتتابع، فزالت عرج اليد والذراع، وانتظمت خطوط الكتابة شيئاً فشيئاً، وإن لم يكسب الوضوح الكافي قطّ. وكان يكتب أحياناً في حضرة صديقتي، ثم صار يجيء كلما خلوت بنفسي، في باريس أو لندن على السواء، إذ كنت أتنقل بين المدينتين. أحيانًا كان يحلّ عدة مرات في الأسبوع، وأحيانًا يمر قرابة الشهر دون أن أشعر بحضوره. ولم أستدعِه قطّ، ولا فكرت فيه كثيراً بين زياراته. فخلال معظم الوقت كانت قلمي وأفكاري منشغلة بأمور أخرى. قبل بدء الكتابة، لم يكن لي أي فكرة عما ستحتويه الرسائل إلا في حالة واحدة فقط. ففي ليلةٍ ما حين أمسكت بالقلم، عرفت ما سيكتب عنه ”س“، ومع ذلك، ومع تذكري لتلك الحادثة، قد نسيت أي رسالة كانت التي أشار إليها. وأنا أكتب هذه الرسائل كنت في حالة شبه وعي، بحيث لم يكن لدي إلا تصور غامض لما تحويه الرسائل إلا حين أراجعها لاحقًا. وفي بعض الحالات كنت قريبًا من غياب الوعي، حتى إنني حين وضعت القلم لم أكن أدرك شيئًا مما كتبت، ولكن هذا لم يكن يحدث كثيرًا. حين اقترح لأول مرة أن تُنشر هذه الرسائل مع مقدمة مني، لم أتحمس للفكرة. فكوني مؤلفًا لعدة كتب، معروفة بعضها أكثر من بعض، كان لي قليل من الغرور بالنسبة لثبات سمعتي الأدبية. لم أرغب أن يُعرف عني أنني غريب الأطوار أو ”شاذ“. ولكنني وافقت على كتابة مقدمة أذكر فيها أن الرسائل كُتبت بطريقة تلقائية في حضوري، وهو ما كان صادقًا، وإن لم يكن الصدق كله. هذا الأمر رضي به صديقي، لكن مع مرور الوقت لم أرضَ به أنا، إذ بدا لي أنه ليس صادقًا بالكامل. ناقشت الأمر مع نفسي. قلت: إذا نشرت هذه الرسائل دون مقدمة شخصية، فسوف تُؤخذ على أنها عمل خيالي أو خيال، وفقدت العبارات المذهلة التي تحتويها كل قوتها كأدلة على حقائق الحياة الأخرى. وإذا كتبت مقدمة أذكر فيها أنها جاءت بواسطة الكتابة التلقائية في حضوري، فسوف يُثار السؤال تلقائيًا عن يد من جاءت الرسائل، وسأضطر إلى التهرب. أما إذا اعترفت صراحة بأنها جاءت عبر يدي، وذكرت الحقائق كما هي، فلن يبقى أمام القارئ سوى احتمالين: الأول أنها اتصالات حقيقية من الكيان المنفصل عن الجسد، والثاني أنها مجرد إنتاجات لعقلي الباطن. ولكن هذا الاحتمال الأخير لا يفسر الرسالة الأولى الموقعة بـ ”س“، التي جاءت قبل أن أعلم أن صديقي قد مات، فلا يفسرها إلا إذا افترضنا أن عقل كل شخص الباطن يعلم كل شيء. وفي هذه الحالة، لماذا يشرع عقلي الباطن في خداع طويل ومجهد لي، على أساس لم يقترحه عقلي الواعي، أو عقل أي شخص آخر؟ أن يُتهم أحدهم بالخداع المتعمد أو بالخيال في مسألة جدية كهذه لم يبدو لي محتملًا آنذاك، ولا يبدو الآن، إذ كان لي منفذ آخر مشروع لإبداعي في الشعر والخيال. ربما كُتبت ثلثا الرسائل قبل أن يُحسم هذا السؤال نهائيًا، وقررت أنه إن نشرت الرسائل، فسأنشرها مع مقدمة صريحة أذكر فيها الظروف الدقيقة لتلقيها. امتدت فترة الكتابة الفعلية أكثر من أحد عشر شهرًا. ثم ظهرت مسألة التحرير. ماذا أترك؟ وماذا أضمّن؟ قررت ألا أترك شيئًا إلا الإشارات الشخصية إلى شؤون ”س“الخاصة، وإلى شؤوني، وإلى شؤون أصدقائه. لم أضف شيئًا. أحيانًا، حين كان الأسلوب الأدبي لـ ”س“متعثرًا، أعيد صياغة جملة أو أحذف تكرارًا، لكنني أخذت حرية أقل بكثير مما اعتدت أن أفعل كمحرر مع المخطوطات العادية. أحيانًا يكون ”س“عاميًا جدًا، وأحيانًا يستخدم ألفاظ القانون أو العامية الأمريكية. كثيرًا ما ينتقل من موضوع إلى آخر، كما يحدث في المراسلات الودية، ثم يعود إلى موضوعه الأصلي دون جملة رابط. قدّم بعض التصريحات المتعلقة بالحياة الآتية مخالفة لما كنت أعتقده دائمًا. وقد بقيت هذه التصريحات كما كُتبت. كثير من مقارباته الفلسفية كانت جديدة عليّ تمامًا. أحيانًا لم أفقه عمقها إلا بعد شهور. لا أعتذر عن نشر هذه الرسائل. فهي على الأرجح وثيقة مثيرة للاهتمام، مهما كان مصدرها، وأهديها للعالم بلا خوف أكثر مما شعرت حين مدت يدي لـ ”س“في كتابتها. إذا سُئلت عن رأيي الشخصي في صحة كون هذه الرسائل اتصالات حقيقية من العالم الخفي، فسأجيب أنني أعتقد ذلك. ففي الأجزاء الشخصية والمكبوتة وردت إشارات إلى أحداث سابقة وممتلكات لم أكن أعلم بها، وقد تأكدت هذه الإشارات. هذا لا يمس نظرية التخاطر عن بعد المفضلة لدى علماء النفس. لكن إذا كانت هذه الرسائل قد أُرسلت لي عبر التخاطر، فمن الذي أرسلها؟ ليس صديقي الذي كان حاضرًا عند كتابة العديد منها، فقد كانت محتوياتها مفاجأة لها كما كانت لي. أود أن أؤكد أنني لا أطرح أي ادعاءات علمية حول هذا الكتاب، فالعلم يتطلب اختبارات وبراهين. باستثناء الرسالة الأولى الموقعة بـ ”س“ قبل أن أعلم وفاة السيد ... ...، أو قبل أن أعرف من هو ”س“، لم يُكتب الكتاب في ظروف اختبارية كما يفهمها علماء النفس. كدليل على بقاء الروح بعد الموت الجسدي، يجب على كل فرد قبوله أو رفضه وفق مزاجه وتجربته وقناعته الداخلية بصحة محتواه. في غياب ”س“ وبدون كيان آخر على الجانب الخفي للطبيعة أكن له ثقة مماثلة، لم أكن لأتمكن من إنتاج وثيقة أخرى من هذا النوع. وما زلت أحتفظ بتحفظ شديد ضد الوساطة العشوائية، إذ أدرك مخاطرها من حيث الهوس والخداع. لكن لإيماني بـ ”س“ وإيمان صديقي الباريسي بي، لم يكن هذا الكتاب ليُكتب أبدًا. فشكّك في المؤلف الخفي أو في الوسيط المرئي ربما كان سيشل كليهما عن غرض الكتابة. أثر هذه الرسائل عليّ شخصيًا كان إزالة أي خوف من الموت كنت أشعر به، وتقوية إيماني بالخلود، وجعل الحياة بعد القبر واقعية وحيوية كما هي الحياة هنا في الشمس. وإذا استطاعت أن تمنح شعور الخلود المبهج لشخص آخر واحد كما منحتني، سأعتبر جهدي قد أُوفِي. لمن قد يلومني على نشر هذا الكتاب أقول إنني كنت دائمًا أحاول أن أقدم أفضل ما عندي للعالم، وربما تكون هذه الرسائل من أصدق ما يمكنني أن أقدمه.
إلسا باركر لندن، 1913
#فتحي_البوكاري (هاشتاغ)
Boukari_Fethi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
باغ وبهار:حكايات الدراويش الأربعة لأمير خُسرو الدِّهلَوي -ج2
-
باغ وبهار:حكايات الدراويش الأربعة لأمير خُسرو الدِّهلَوي -ج1
...
-
ليلة عاصفة، الفصل الأول من رواية -فتاة البحّار- لإيما ليزلي
-
الإبحار الأخير للقارب -الدولفين-
-
أطلقوا قارب النجاة! (ج1)
-
حوار مع الفنان التشكيلي عمّار بوكيل: حين يتكلم الجدار بلغة ا
...
-
ميراث البحر
-
الفصل الأول من رواية ماري جونستون -1492-
-
بئر السّاراسين
-
تحطُّم منارة وينستانلي
-
منارة إدستون: تاريخ هندسي ومغامرة بشرية
-
في حضرة السرد وسحر الحكاية: قراءة في الخصال الأدبيّة لمحسن ب
...
-
كنز القراصنة، مذكرات طبيب سفينة هولندي، لجورج غارتنر ج2
-
كنز القراصنة، مذكرات طبيب سفينة هولندي، لجورج غارتنر - ج1
-
وما زال الصوت يصرخ عاليا
-
التعبير عن المقاومة الثقافيّة والبيئيّة في شعر محمد العروسي
...
-
الشعبويّة في السلطة: تهديد أم تصحيح للديمقراطية؟
-
أدب الأطفال في العصر الرقمي: دراسة السرد التفاعلي في كتب الأ
...
-
مناورة
-
في موقد تحت التحميص
المزيد.....
-
-بوصلة السراب- متحف سردي لثقافة القرية العُمانية
-
الموسوعة السعودية للسينما تطلق إصدارات جديدة بدعم من -ترجم-
...
-
اقتراح ايراني بايجاد الية لتجارة النتاجات الثقافية للدول الم
...
-
وعد بنسف الرواية الحكومية.. الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون ي
...
-
أرونداتي روي: ما يحدث في غزة إبادة جماعية
-
يعود بفيلم -Anemone-.. دانيال داي لويس يوضح أسباب تراجعه عن
...
-
وهل غيرها أنهكتْني؟
-
تجسيد زنا المحارم في مسرحية -تخرشيش- يثير الجدل في المغرب
-
مهرجان الفيلم العربي يعود إلى ستوكهولم بدورته السادسة
-
أيادي الشباب تعيد نسج خيوط التراث المنسي في -بيت يكن- بالقاه
...
المزيد.....
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|