أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوكاري - باغ وبهار:حكايات الدراويش الأربعة لأمير خُسرو الدِّهلَوي -ج2















المزيد.....



باغ وبهار:حكايات الدراويش الأربعة لأمير خُسرو الدِّهلَوي -ج2


فتحي البوكاري
كاتب

(Boukari Fethi)


الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 23:44
المحور: الادب والفن
    


باغ وبهار أو البستان والربيع، نقلها إلى العربية : فتحي البوكاري
***************
حكاية الدرويش الأول
فجلس الدرويش الأول القرفصاء وقال: "حسنا، وجّهوا سمعكم إليّ، واسمعوا ما أقصّه عليكم من محنتي! هذه قصتي فاصغوا إليّ: لقد قلبني الدهر ظهراً لبطن، وجرّعني من كأسه أمرّ ما فيها، فاسمعوا حديثي حرفاً بحرف..."
يا إخوة الطريق! إن منشئي ومسقط رأسي أرضُ اليمن، ووالدي – رحمه الله – كان خواجة أحمد، الملقب بملك التجار، لا نظير له في عصره ثروةً وجاهاً، كانت له في أكثر الأمصار دورٌ ووكالاتٌ للبيع والشراء، ومئات الألوف من الدنانير والدراهم وسلعٌ من أصناف البلاد بين يديه. وُلِد له ولدان: هذا الفقير الذي يخاطبكم الآن في ثوب الكفن بين أيدي المرشدين، وأختٌ واحدة زُوِّجت في حياة الوالد من ابن تاجر عظيم المقام، فأقامت في دار زوجها. فمن كان هذا حاله وثروته، فكيف تظنون يكون دلاله على ولده ووفر عنايته به؟
نشأتُ في ظل والدين رؤوفين، وتربيتُ على النعمة والدلال، أتعلم الخطّ والحساب وفنون الفروسية ومهارة التجارة وتقييد الحسابات اليومية. حتى بلغتُ أربع عشرة سنة لا أعرف همًّا ولا غمًّا. وإذا بالقضاء المحتوم ينزل فجأة في عام واحد، فيقبض روحي والديّ كليهما. فكان المصاب جللاً لا تسع العبارة وصفه، وصرتُ بين عشية وضحاها يتيماً لا عائل لي ولا كبير ألجأ إليه. مكثتُ أربعين يوماً لا يقر لي قرار، لا طعام ولا شراب، أذرف الدمع ليلاً ونهاراً. حتى جاء يوم الأربعين، فاجتمع الأقارب والأباعد، فلما فُرغ من قراءة الفاتحة والتعزية ألبسوني عمامة أبي وقالوا: "اصبر يا فتى، فالموت سبيل كل أحد، وما أنت بدائم في الدنيا. لقد صرتَ بعد أبيك سيد الدار، فاشدد عزمك على تدبير تجارتك، وأدر شأنك بحزم". ثم تفرقوا مودعين.
حينئذ أقبل وكلاء التجارة والخدم يسلمون عليّ ويقدمون نذورهم ويقولون: "انظر بعينك إلى الخزائن المملوءة نقداً وبضاعة". فلما وقع بصري على ذلك المال الجمّ، انفتحت عيني على الدنيا، وأمرتُ بتهيئة الديوان العام، ففرشت الفرش الفاخرة، ونصبت الستور المزخرفة، وجمعت الخدم والأتباع، وأعددت الثياب الموشاة بالذهب. وجلستُ على المسند محاطاً بالمترفين، فجاءني أهل اللهو والهوى – أصدقاء السوء – يعاشرونني الليل والنهار، يحدثونني بكل لغوٍ وباطل، ويقولون: "يا فتى، هلا طلبتَ الخمرة أو ماء الورد، واستدعيت الغواني والظرفاء تأنس بهم وتلهو؟"
وما زالوا يوسوسون لي إلى أن زلّ طبعي، فشربت الخمر، وخالطت أهل الرقص والقمار، حتى صرتُ ناسياً لتجارتي، عاكفاً على اللهو والبذل بلا حساب. وأمام إهمالي وغفلتي، غنم الخدم والرفاق ما طاب لهم من ثروتي، والمال الحرام سريع النفاد، فلو كان كنز قارون ما وسع ذاك الإسراف. وفي بضع سنين تلاشى مالي حتى لم يبق لي غير قلنسوة ومئزر. أما الرفاق الذين كانوا يزعمون المودة ويقاسمونني اللقمة، فقد تفرقوا، بل إذا لقيني أحدهم في الطريق أعرض عني وأدار وجهه. وترك الخدمُ والخاصة خدمتي، فلم يبق من يسأل عن حالي.
ضاقت بي الأرض حتى إنّي لم أجد كسرةً أمضغها أو قطرةً أبلّ بها ريقي. جاع البطن أيّامًا وليالي حتى لم أطق صبرًا. فجمعت نفسي وقالت لي وقاحتي: "اذهب إلى أختك". لكنني استحييتُ، إذ منذ موت والدنا لم أصل رحمها، ولم أجب رسائل تعزيتها واشتياقها، غير أني لم أجد ملجأً سواها، فمشيتُ راجلاً مُتعَب الجسد خاوي اليدين حتى بلغتُ بلدتها، ووقفت على باب دارها، فلما رأتني شهقت وبكت، وضمتني إلى صدرها، وجعلت تذرف الدموع وتقول: "ما هذا الذي صار إليك يا أخي؟". فلم أجد جواباً إلا الصمت والدموع.
بادرتْ فجهزت لي ثياباً جديدة وأرسلتني إلى الحمام، وهيأت لي بجوارها داراً مريحة، وصارت تقدم لي طعام الصباح من شرابٍ وحلوى ولوزٍ وسمن، وفي المساء من الفاكهة الطازجة والمجفّفة، وفي الليل والنهار الأطعمة الشهية من أرزّ ولحوم وكباب. فشكرتُ الله على على هذه النعمة بعد الشدة.
ومكثتُ شهوراً وأنا لا أبرح الدار، ثم قالت لي أختي يوماً: "يا أخي، أنت قرة عيني وذكرى والديّ. ولكن الرجال لم يُخلقوا للقعود في البيوت عالة على غيرهم. إن بقيتَ عاطلاً، عابك الناس وقالوا: أضاع مال أبيه وجاء يأكل من بيت أخته. وهذا عار علينا وعليك، وسبة لاسم والدينا. فانْهض إلى السفر، لعل الله يفتح لك باب الرزق، فتستعيد عزك وشرفك". فوافقتُ رأيها وقلت: "أنتِ بمنزلة أمّي، وما تأمرين به أفعله."
فدخلت دارها وأحضرت خمسين كيساً من الذهب، وقالت: "قافلة من التجار ستتجه إلى دمشق، فاشترِ بهذه النقود بضاعة، وسلّمها إلى تاجر أمين بعقد موثق، وسافر معه، فإذا وصلتَ دمشق بسلام فبع متاعك واقبض ربحه بنفسك". فذهبت إلى السوق، واشتريت السلع وسلّمتها إلى تاجر كبير موثوق، وسافر هو في البحر، وهيّأت نفسي للسفر في البر. ولما ودعتني أختي أهدتني سيفاً مرصعًا وفرساً مطهماً، وحملت لي الطعام والماء، وربطت في ذراعي رقية الأمان تبركًا وحفظًا، ومسحت جبيني بقطعة من اللبن، وقالت وهي تبلع دموعها: "الله يحفظك يا أخي، وأرجو أن تعود إليّ بسلام."
سرتُ حتى بلغت دمشق عند منتصف الليل، فوجدت أبوابها مغلقة وحراسها يمنعون الدخول، فاستعطفتهم فلم يفتحوا وقالوا: "ليس من عادة الحراس فتح الباب ليلاً". فنزلت عن فرسي وجلست تحت سور المدينة أنتظر الفجر. وبينما أنا كذلك إذا بصندوق خشبي يُدلى من أعلى السور حتى استقر على الأرض! فتعجبت، وقلت: "لعل الله رق لحالي فساق إليّ كنزاً من الغيب". فلما فتحته وجدت فيه فتاة كالبدر في تمامه، مضرجة بالدم، تفتح شفتيها بضعف وتقول بصوت خافت: "يا شقيّ يا غادر! هكذا جزيتني على وفائي! زدني ضربةً أخرى، فقد وكلتُك إلى الله". ثم وضعت طرف خمارها على وجهها ولم تلتفت إليّ.
وقفتُ مبهوتاً أقول في نفسي: "أي قلب هذا الذي أراق دم هذا الحسن الفاتن؟" وبينما أنا أحدث نفسي إذ فتحت عينيها ونظرت إليّ نظرة كادت تزهق روحي، فقويت نفسي وسألتها: "من أنتِ وما شأنك؟ حدّثيني لتسكن نفسي". فقالت بصوت متقطع: "شكراً لك، ولكن جراحي أثقلتني ولن أبقى إلا ساعة. فإذا خرجت روحي فادفنّي في هذا الصندوق لئلا يعيّرني الناس، ولك الثواب عند الله". ثم أطبقت جفنيها.
فلما أرخى الليل سدوله، لم أجد لي حيلة ولا رأياً، فحملت الصندوق إلى مأواي، وأخذت أعد الساعات مترقّباً انبلاج الصبح، عسى أن أتمكن من دخول المدينة فأصنع لتلك الجارية ما يسّره الله على قدر طاقتي. وكانت بقية الليل طويلة كأنها جبل، يضيق بها الصدر وتكلّ فيها الأنفاس. حتى إذا تنفّس الفجر وصاحت الديكة، وقام الناس من مضاجعهم، توضأتُ وأقمت الصلاة، ثم شددتُ الصندوق في خُرْجي، وما هو إلا أن فُتح باب المدينة حتى دخلتها، أبحث عن دار خالية أستأجرها. فما زلت أسأل حتى وقعت على منزل حسن البناء رحب الفناء، فاكتريته ونزلت فيه، وأخرجت الحسناء من الصندوق، وفرشت لها فراشاً وثيراً من القطن، وأسندتها في ناحية منه، وأودعتها عند رجل ثقة، وانطلقت أفتش عن جرّاح أمين.
كنت أسأل الناس: "من في هذه البلدة من الأطباء الجراحين الماهرين؟" حتى دلني أحدهم على حجام يُدعى عيسى، قد جمع بين صناعة الجراحة وفن الحكمة، حتى قيل فيه: "إن عيسى لو عالج الميت لبعثه الله حياً." فما إن سمعت بهذا البشرى حتى سارعت إلى داره، فإذا هو شيخ أبيض اللحية جالس على العتبة، وحوله غلمان يهيئون العقاقير. فحييته بأدب، وشرحت له أمري قائلاً: "إني خرجت من وطني للتجارة، وأصحابي معي، حتى إذا دنونا من هذه البلدة حلّ بنا الليل، فآثرنا النزول تحت شجرة في الفضاء. فإذا بقطاع طريق يهجمون علينا، فنهبوا المال ومتاع السفر، واعتدوا على رفيقتي طمعاً في حليها، فجرحوها جراحاً بليغة. لم أجد لي حيلة في ظلمة الليل، فجئت مع الفجر إلى هذه البلدة واكتريت منزلاً، وأسرعت إليك راجياً معونتك. إن كتب الله لها الحياة فلك عليّ الجميل والولاء ما حييت."
فرقّ قلب ذلك الرجل الصالح، وقام معي إلى الدار، فلما نظر إلى الجراح قال مطمئناً: "بفضل الله ستبرأ هذه الجارية في أربعين يوماً، وسأصنع لها غسل الشفاء." ثم غسل جراحها بماء النيم حتى طهرت، وخاط ما استوجب الخياطة، ووضع على سائر القروح من الأدوية ما يلائمها، وأوصاني قائلاً: "سأعود إليك صباحاً ومساءً لمتابعة علاجها، فإياك أن تحركها حركة عنيفة فتفسد الغُرَز، وأسقها مرق الدجاج بدلاً من الطعام، وأكثر لها من ماء الورد ممزوجاً بعصارة الصفصاف حتى يقوى بدنها."
شكرتُه أعظم الشكر، ورجوته دوام العناية، وقمت على خدمة تلك الحسناء ليلاً ونهاراً، أدعو الله لها بالعافية. وما هي إلا أيام حتى عاد التاجر الذي حمل مالي وأمانتي، فسلمها إليّ، فبعتها بثمن بخس وصرفت مدخولها على علاجها. وكان عيسى الجراح لا ينقطع عن زيارتنا حتى التأمت الجراح وغسلها غسل البرء، ففرحت فرحاً عظيماً، وأهديت للجراح خلعة نفيسة ودنانير كثيرة، وأجلست الحسناء على مسند فاخر، وتصدقت على الفقراء والمساكين صدقات جليلة، وشعرت يومئذ كأن ملك الدنيا بأسرها قد آل إليّ.
وما إن برئت حتى ازداد جمالها إشراقاً، وصار وجهها يبرق كالشمس، حتّى كاد النظر يعجز عن ثباته أمام حسنها. غير أنها كانت في عزة نفس وزهو ملكي، تأمرني فلا أراجعها، وتقول: "إياك أن تخالف لي أمراً، أو تعارضني في قول، إن كنتَ تحرص على مودّتنا، فما آمرك به فافعله من غير عذر ولا تلكؤ، وإلا ندمت." وكان واضحًا من سلوكها أنها كانت راضية حقًا عن خدمتي وطاعتي. فقد كنت أقبل أوامرها بعين الرضا، ولا أعمل شيئاً إلا بإذنها.
ومضت مدة ونحن على هذه الحال، ألبّي كل رغبة لها حتى نفدت النفقة وضاق صدري بالفاقة، فبدت عليّ أمارات الهم والاصفرار. فعلمت هي بحالي، وقالت: "لقد استقرت خدمتُك في قلبي كالنقش في الحجر، غير أني لا أملك الآن ما أجزيك به. فإن احتجتَ إلى نفقة، فلا تقلق، هات دواة وورقة وقلم." فأيقنت أنها من بنات الملوك. كتبت رقعة بخطها وأعطتني إياها قائلة: "اذهب إلى قصر سيدي بهار عند باب القلعة، وسلّمه هذه الرقعة."
ذهبت كما أمرت، فاستقبلني شاب حبشي وسيم، أخذ الرقعة ودخل القصر، ثم خرج يحمل إحدى عشرة صرّة مختومة بالذهب، فسلمها إليّ دون أن يسألني كلمة. حملتها إلى الحسناء فقالت: "هذه إحدى عشرة بدرة من الذهب، أنفق منها على نفقتنا."
أخذت المال وشرعتُ أنفق من ذلك الذهب، فسكنت النفس قليلاً، ولكن كان في القلب وسواس: ما هذه الحكاية؟ ومن هذا الرجل الذي يعطي مالاً جزافاً لغريب بلا سؤال لمجرد ورقة؟ غير أني لم أجرؤ على استفهام الحسناء إذ كانت نهتني عن السؤال.
وبعد أيام قالت لي: "إن الله قد منح الإنسان كسوة الإنسانية لا تَبلى ولا تتّسخ، وإن كانت الثياب القديمة لا تنقص من آدمية المرء شيئا، فعلى الرجل أن يحفظ هيئته ويجمّل مظهره. خذ هذين الكيسين من الذهب واشتر بهما شيئاً من الجواهر وثوبين فاخرين من دكان يوسف الصائغ في وسط السوق."
ذهبت إليه فرأيت شاباً مليحاً عليه حُلّة زعفرانية، جالسًا على وسادة، والناس حوله يعجبون من بهائه. اشتريت المطلوب، ولم تكن لهجتي كلهجة أهل هذه المدينة، فسألني عن بلدي وعن سبب مقامي، فتملصت من الجواب وأخفيتُ خبري، فوجدته يلح عليّ ويقول: "أيها السيد، إذا كنتَ تُضمر هذه الجفوة فلماذا أظهرتَ أولاً حرارة المودة؟ إن بين أهل المروءة للسلام حقاً." فرضخت له وجلست قليلاً، فابتهج ودعاني إلى ضيافته في بستانه، فأبيت خوفاً على ترك الحسناء وحدها، فألزم عليّ القسم حتى وعدته بالعودة بعد إيصال المشتريات.
رجعت إلى الحسناء وأخبرتها الخبر، فأمرتني بالوفاء بالوعد وقالت: "قبول الدعوة من سنن الكرام. ونحن في حفظ الله، فاذهب وأوفِ بوعدك." فقلت: "لا يطيب لي أن أتركك وحدك، ولكن ما دام الأمر أمرُك فإني مضطر إلى الذهاب، وما دام قلبي عندك فلن يهنأ لي مقام". ثمّ ذهبت إلى يوسف الصائغ، فاستقبلني وأخذني إلى بستان نضير، فيه أنهار وفواكه وأنغام طيور، وأعد مجلساً للشراب والطرب، ثم قام الغلام هُنيهة، وغاب عن ناظري، فما أسرع ما عاد في حُلّةٍ أبهى وزينةٍ أكمل، حتى إذا وقع بصري عليه قلت: "سبحان من صوّرك، ما شاء الله!". فابتسم وقال: "أليس من المناسب أن يغيّر الضيفُ ثوبه أيضًا؟". فاستحييت وأبدلتُ ثيابي، فلما جلستُ جاء السقاة بالكؤوس البلورية، والجواري والغلمان يحيون المجلس بالغناء، حتى طرب كل من فيه، وإذا بيوسف الصائغ في غمرة الأنس يرق قلبه وتدمع عيناه، وقال لي: "قد صارت بيننا الآن خلة صادقة، ومن حق الصديق ألا يخفي سره عن خليله. إن لي معشوقة، فهل تأذن أن أستدعيها إلى هذا المجلس لأقضي معها ساعة أنس؟ ففراقها أضناني."
نطق بهذه الكلمات بشغف شديد، حتى إن قلبي مال إلى رؤيتها دون أن أعرفها، فقلت: "إن سعادتي في سعادتك، وما أبلغ من ذلك؟ فعجّل بها إذن ولا تأخر، فإن الحقّ أنّه لا شيء يطيب بلا المحبوب." فأشار بيده نحو ركن، فإذا بامرأةٍ تظهر، سوداء قبيحة، كأنها عفريت جلست إلى جانبه، فارتعد قلبي من رؤيتها، وقلت في سري: "أهذه هي الداهية التي أشاد بها ذلك الشاب الفاضل وأبداها اشتياقه؟" ثم تمتمت ببعض التعويذات، ولزمت الصمت.
وعشنا ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ في مجلس الشراب والغناء هذا، حتى إذا كانت الليلة الرابعة، غلبت النشوة والنوم على الجميع، وغفوت مغلوبًا على أمري. وعند الصباح أيقظني الشاب، وقدّم لي عدة كؤوس من مشروب كاسرة للخمار، ثم التفت إلى معشوقته وقال: "لقد آن أن نُريح ضيفنا ولا نثقل عليه أكثر من ذلك."
فقمتُ أطلب الإذن بالانصراف، فأذنت لي المعشوقة بكل سرور، فارتديتُ ثيابي القديمة وأتجهتُ إلى منزلي، ثم حضرتُ لخدمة تلك الأميرة الفاضلة. ولم يحدث أن تركتها وحدها وسهوتُ ليالٍ في أي مكان آخر.
وكانت تلك الأيام الثلاثة من الغياب سببًا للحرج الشديد، فاعتذرت وشرحتُ لها كل ما حدث في شأن ضيافة الشاب وعدم السماح لي بالانصراف. فقالت، وهي مبتسمة: "ما المانع إن بقيت لإرضاء صديق؟ نحن غفرنا لك، فما ذنبك؟ حين يزور المرء بيت أحد، يعود بإرادة مضيّفه، ولكن بعد أن أكلت وشربت عنده بلا مقابل، فهل ستختبئ، أم ستصنع له مأدبةً أبهى مما صنع لك؟ الآن واجبك أن تحضر ذلك الفتى التاجر معك، وتكرم ضيافته بمثل ذلك. ولا تخف بشأن المستلزمات، فبفضل الله ستُتهيأ كل الأمور في لحظة واحدة، وتكتمل بهجة مجلس الضيافة."
فذهبت إلى الصائغ طبقًا لأمرها وقلت: "لقد لبّيت طلبك بسرور، فاقبل الآن تواضعي وطلبي بأن تشرّفني بزيارتك، فذلك أسمى درجات الكرم." فاعتذر الشاب، وحاول التملص، لكنني لم أتركه حتى أجابني، فصحبته إلى منزلي. وخلال الطريق قلت في نفسي: "ليت لي قدرة فأُعدّ له مثل ما صنع لي". فلما دنونا من الدار، إذا بالأنوار متلألئة، والخدم مصطفّون، والأبواب مزيّنة، والدهاليز مرشوشة، والمساند مرتبة، والمباخر تفوح، والأواني مرصوفة، والولائم تفور، والشراب مُعدّ، والمغنّون مصطفّون. فبهتُّ من المنظر وقلت: "من ذا الذي دبّر هذا كله؟".

كنت مذهولًا من تلك الاستعدادات التي لم أجد لها مثيلًا، فأجلستُ الشاب على المسند، وبحثت عن أميرتي، فوجدتها في المطبخ، بسيطة الحلة، ترتدي ثيابًا خفيفة، رأسها مغطّى بوشاح أبيض، بلا حُلي. وقد بدا جمالها كالبدر دون زخارف، والعرق يلمع على جسدها من شدة الجهد. اقتربت منها لأثني على عملها وتدبيرها، فأجابت مبتسمة: "يا له من أمر يفوق قدرة الملائكة، كفى ثناءً فارغًا! ما فعلتُ شيئًا يستحق هذه الدهشة. أنا لا أحب كثرة الكلام. أما أنت، هل من اللائق أن تترك ضيفك وحده؟ عد إلى مجلسك وأكرم صاحبك، واستدعِ معشوقته لتجلس إلى جانبه."
فعدت فورًا إلى الشاب، حتى جاء خادمان يحملان القوارير والأكواب، وبدأوا في تقديم الشراب. فقلت للشاب: "أفضل أن يأتي صاحب القلب الذي يميل إليه قلبك بنفسه." فأجاب: "حسنًا، لقد نطقت رغبة قلبي." فأرسلت خصيًا ليحضرها، وحين قاربت الساعة منتصف الليل، جاءت تلك المرأة البشعة راكبة في مَحمَل على ظهور خادميها.
استقبلتها بحرارة، وأجلستها بجانب الشاب، فابتهج الشاب كما لو نال نعيم الدنيا، واحتضنت تلك البشعة الشاب الفاتن. فكان المشهد كأن بدر ليلة الرابع عشر اكتسى بالكسوف. ودهش الحاضرون، وضغطوا أناملهم بأسنانهم من العجب، وقال أحدهم: "يا قوم، إنّ الهوى والعقل ضدّان، ما يعجز العقل، يفعله العشق. فانظروا كيف يرى المحبّ ليلاه بغير أعيننا." فأيّده الجميع وقالوا: "صدقت، هكذا بالضبط."
وظللتُ على ذلك ثلاثة أيام أتحاشى عن دعوته لي للشرب خوفًا من أميرتي، وظللت غائبًا عن كل التسالي ثلاثة أيام وليالٍ. حتى إذا كانت الليلة الرابعة دعاني إلى الشراب بإلحاح، وقال: "سنغادر الآن، لقد تركنا أعمالنا منذ ثلاثة أيام لإرضائك. اجلس معنا وأسعد قلوبنا." فقلت في نفسي: "لو رفضت الآن، سيغضب." فأجبت: "لأجل الصديق والضيف، أطيع الأمر، فالأمر فوق الأدب." فدارت الكؤوس وشربنا معًا، حتّى غلبني السكر والنوم.
ولما أشرق الصباح وارتفع الشمس، فتحت عيني، فلم أر مجلسا ولا أنوارا ولا الأميرة، سوى دار خالية، وفي ركن منها جثّتا الشاب وعشيقته السوداء مقطوعتا الرأس. فذهب العقل منّي، وحرت عن إدراك ما حدث، فاستغاثت عيني بالبحث في كل مكان بذهول. وفي هذه الأثناء، مرّ أحد الخدم المخصّصين لخدمة الضيوف، فسألته عن هذا وماذا حدث؟ فأجاب: "لا تسأل عما لا ينفعك علمه." فتأملت في نفسي وقلت: "حسنًا، فليكن، لكن أين مقر السيدة المحبوبة؟" فأجاب: "ما أعرفه سأخبرك به، لكن أتعجب كيف لرجل مثلك أن يلتقي شخصا ويختلط معه في الشرب بعد علاقة لم تدم إلا عدة أيام ، فما معنى ذلك؟"
فشعرت بالخجل الشديد من جهلي، وأيقنت بحق الخصي في تأنيبه، فلم أجد جوابًا، وفي النهاية، أصبح الخصي متفضلًا، فدلّني على دار الأميرة، ففرحت وتوجهت إليها عند الغروب، وجلست في زاوية قريبة من الباب طوال الليل، فلم أسمع أي أثر لأحد، ولم يلتفت أحد لسؤالي. وفي الصباح، أطلّت تلك القمرية من نافذة العليّة، فغمرني السرور وشكرت الله.
وفي أثناء ذلك، جاءني خصيّ آخر وقال: "اجلس في هذه الجامع، لعله بذلك يتهيأ ما في قلبك، وتبلغ مبتغاك." فقمت، مُطيعًا، متوجّهًا إلى الجامع، وعيناي شاخصتان إلى الباب، أراقب ما يظهر من وراء الحجاب الغيبي. كما ينتظر الصائم وقت الإفطار، وقضيتُ يومين في قلقٍ مماثل.
وحين جاء مساء أحد الأيّام، وارتفع عن صدري ثقل النهار، جاء مرة أخرى نفس الحصيّ الذي دلّني على منزل تلك الأميرة، وبعد فراغه من صلاة المغرب، اقترب مني، وبتلطف شديد، أمسك يدي وأخذني معه إلى بستان، وقال: "ابق هنا حتى تتحقق رغبتك برؤية سيدتك"، ثم انصرف لإبلاغ حضرة الأميرة برغباتي.
جلست أنتظر وأنا أتأمّل جمال الحديقة، وأزهارها المتفتحة، وقمر الليل ينعكس على النوافير والجداول، لكن كلما نظرت إلى الزهور، خطرت لي صورة ذلك الجسد الجميل، وكلما وقعت عيني على القمر، تذكرت محيا الأميرة، فكانت كل هذه البهجة من دونها شوكًا في عيني، وإذا بها قد خرجتْ عليّ من الباب في حُلّةٍ منسوجة بالدرر واللآلئ، كالبدر ليلة التمام. فاستقبلتها قائمًا بين يديها كالغلام، حينها بدأ الخصي يتحدث، ويلتمس العذر لي، فأجبتُه: "أنا مخطئ، فليكن جزائي ما يستحقه جسدي، فليكن." لكنها، الأميرة، عبّرت عن سخطها وقالت بحدّة: "في حقه، الأفضل أن يُعطى مئة كيس من الذهب، ويصلح ما أفسد في وطنه."
فلما سمعت هذه الكلمات تحجّرت، وأصابتني حالة من العجز، حتى خرجت آه من أعماق قلبي، وتدفقت دموع من عيني. لم أعد أرجو من أحد سوى الله، وقلت متألّما: "لو كان في نصيبي طمع في الدنيا، لما ضيعت نفسي ومالي هنا. ولكن هل هذا جزاء خدمتي وإخلاصي؟"
سمعت الأميرة كلامي، فقطّبت جبينها، وقالت بغضب: "أحقًا أنت عاشق؟ أحمق! لا تكثر من الكلام الفارغ، فالرجاء صمتك، لو تجرأ أحد آخر غيرك، لقطعت أقدامه! غير أنّي أذكر لك يدًا قديمة وخدمة ماضية، فاذهب الآن في سبيلك، فإن رزقك عندنا قد انتهى." ثم قامت غاضبة ولم تُعقب أكثر ورجعت إلى دارها، وأنا كئيب مهيض الجَناح، لا أملك إلا المغادرة حزينًا يائسًا.
وهكذا كان الحال أربعين يومًا، أخرج إلى الغابات هائمًا، وأعود إلى الأزقة في حالة من الجنون، لا آكل ولا أنام. ضعفت قواي، حتى لم أعد أستطيع، فجلست تحت جدار الجامع، حين جاء نفس الخصي ليصلي الجمعة، فسمعني أقرأ أبيات شعرية بصوتٍ متوجّعًا:
"بهذا الوجْد إمّا الموتُ أو صبرُ الفؤادِ ****** فإن كان مكتوبًا، فالعَجَل يا إله العبادِ!"
كانت صورتي قد تغيرت تمامًا، حتّى من عرفوني من قبل لم يعرفوني، لكنه سمع صوتي واهتمّ، وقال برقة: "كيف وصلت إلى هذا الحال؟" فذكرتُ له الأمر كله، فقال: "لقد جاء الأوان للعلاج." وأخذني إلى المعشوقة، فأنكرتني في بادئ الأمر وسخرت قائلة: "لماذا تكذب؟ لقد بلغني منذ زمن أنّه عاد إلى بلاده! والله أعلم من يكون هذا الذي تتحدث عنه." ولكن الخصيّ توسّل وقال: "مولاتي، إن كان في صدرك رحمة فاعترفي به، فإنّه ذاب شوقًا، وأوشك أن يهلك. وما زال يطفئ نارَه بدموعه، فلا تزيد النار إلا اضطرامًا." فتبسّمت وقالت: "ليُحمل إلى دار الشفاء، فإذا برئ نظرنا في أمره." فأُخذت إلى الحمّام، وأُلبست ثيابًا حسنة، ثم سيق بي إلى حضرتها. فقالت ساخرة: "لقد شوهت صورتك بلا حق، فما الذي تريده الآن؟ عبّر عن قلبك بصراحة!"
فكدتُ أطير من الفرح، وغمرتني نشوة الحياة بعد موت. فشكرت الله وقلت: "لقد أحييتِ ميتًا بكلمة! وإن سؤالي ورجائي ألّا تحرميني من يدك الكريمة، وأن تقبلي بي عبدًا بين يديك." فطأطأت برأسها ثم قالت: "نِعم ما قلت، فقد صدق إخلاصك، وما تقول فهو مقبول، ونحن قد قبلنا."
وفي صباح اليوم نفسه، في ساعة مباركة، تم عقد النكاح سرًّا، وزُفّت إليّ، بعد عذاب طويل ومحنة عظيمة. ومع ذلك، لم أفهم بعد كل أسرار تلك الأميرة الغامضة، ولا الرجل الحبشي الذي أرسلني بخزينة النقود، وكيف جرى إعداد الوليمة في ساعة واحدة، ولماذا قتل الأبرياء في المجلس. ولماذا أُقصيتُ ثم رُفعتُ فجأة؟ ومع ذلك، ظللت أعيش مع الأميرة بعد النكاح ثمانية أيام، ليلاً ونهارًا، دون أن أفهم كل ذلك السر حتى سألتها يومًا أن تبيّن لي الحقيقة.
وعندما رأت أنه لا مفرّ من الإفصاح إلا لي، قالت مضطرةً: "في هذا القول عيوب كثيرة، لكن من أجلك عزيزٌ عليّ، فسأبوح بسرد حكايتي، ولا بدّ لك من الحفاظ على سرّها. أنا ابنة سلطان دمشق، وليس له من الأبناء غيري. منذ ولادتي وأنا أعيش في ظلال الرعاية والنعيم، وكبرت مدلّلةً في النعيم بين الجواري والبنات ذوات الحُسن، لا همّ لي سوى الغناء واللهو. ولم نلتفت لبقية العالم. وفي كل ذلك، كان شكر الله ينطق به قلبي. ولكن اتّفق أن طبيعتي صارت فجأة كدرةً مغبونة، لا تطيب لي مجالسةُ أحد، ولا تأنس نفسي بمجلس أنسٍ أو طرب. صار المزاج سوداويًّا، والقلب كئيبًا حيران. فلا أرى وجهاً يروقني، ولا تسمح نفسي بالقول والسماع. فلمّا عاينت داياتي ومربياتي، هذا الحزنَ المطبق، هالهنّ أمري وشرعن في التوجّع لأجلي. أما الخصيّ الذي كان أمين أسراري ورفيق أحزاني منذ القدم،، فقال حين رأى وحشتي: " لو تفضّلتِ أيّتها الأميرة بشرب جرعة من شراب وَرَق الخيال، ستشفين على الأرجح وتنعمين بمزاج طيب. "
أشعل كلامه في نفسي رغبةً في ذلك، ، فقلت: "أحضره لي بسرعة". فخرج الخصيّ وصنع لي إبريقاً من هذا الشراب، وخلطه بالثلج، وجاء بها على يد الغلام. شربتُ منه، فإذا هو على ما وُصِف: عاد النشاط، وانشرح الصدر. وفي ساعته جَزَلتُ لأمين سرّي خلعةً عظيمة، وأمرتُه أن لا يخلو وقتي من مثل ذاك الشراب. ومن يومها جُعل أن يأتي بها الخصيّ على يد ذلك الغلام نفسه. فإذا علا نشوةُ الشراب في رأسي، وجدت في المزاح مع الغلام أنسًا وفرجةً، وهو كذلك صار يجاري كلامي بالملاطفة والنوادر، حتى إنه تشبّه بي في التأوه والأنين. وكان وجهه مليحًا، وهيئته بهيّة، فهام قلبي به، وأغدقتُ عليه من الهدايا والهبات برغبة قلبي ورغبة في المزاح ، غير أنه كان يأتي إليّ بنفس ملابسه التي اعتاد ارتداءها، وحتى تلك الملابس كانت تتسخ أكثر فأكثر
سألتُه يومًا: "ألا ترى أنّي أغدقتُ عليك نعمًا جمّة، فما بالك على حالك في الثياب الرثّة؟ أين صرفتَ ما أخذتَ أو خبّأتَ؟" فدمعت عيناه وقال: "كل ما أنعمتِ به عليّ أخذه المعلم، ولم يبق لي شيئًا، فكيف لي بثوب جديد ألبسه في حضرتك؟" رقّ قلبي لكلامه، وأمرتُ الخصيّ بأن يتولّى تربيته ويهيّئ له لباسًا لائقًا بخدمتي، ويمنعه من صحبة الغلمان ولعبهم، بل يعلّمه آداب الحضرة. فامتثل الخصيّ، وما لبث الغلام أن تغيّرت حاله، وازداد جمالاً وإشراقًا. فما قدرت نفسي أن تصبر عنه، بل صرتُ أودّ أن أجعله في سويداء القلب، وأن لا أغفل عنه طرفة عين.
ولمّا بلغ الغلام وأدرك الحُلم، شاع ذكره، فمنعَه الحجّاب من دخول القصر، فانقطعت عني رؤيته، فكأنما سُدّت أبواب الحياة في وجهي. ولم أطق صبراً، فاستشرتُ أمين سرّي أن يهيّئ له دكّانًا في السوق ويزوّده بالمال، ويبني له دارًا قريبة من قصري، ويرتب له خدماً وعبيدًا. ففعل ذلك، وازدهرت دكّانه حتى غدا أشهر جوهري في المدينة، لا يُدانيه أحد في فنّه.
غير أنّ فراقه كان ينهش قلبي، فما وسعني إلا أن أمرتُ الخصيّ أن يحفر نفقًا يصل داره بالقصر، حتى يجتمع بنا ليلاً. فكان يأتيني كل مساء، فنقضي الليلة في شرابٍ ولهو، ثم يعود مع الفجر. ولم يطّلع على سرّنا إلا أمين سرّي وسيدتان من المربيات.
ودارت الأيام، حتى رأيت الغلام يومًا واجمًا مهمومًا. فسألته، فأجاب بعد إلحاح أنّ في قلبه شوقًا إلى بستانٍ عظيمٍ ومبنى فخمًا معروضان للبيع في قلب المدينة، وإلى جانب تلك الحديقة، تُباع أيضًا جارية ماهرة جدًا في معرفة الموسيقى. يُباع الاثنان معًا، وليس الحديقة وحدها، مثل قطة حول عنق جمل. وكان ثمن الجارية أضعاف ثمن البستان. فاستشففتُ رغبته، وأمرتُ الخصيّ أن يشتري البستان والجارية ويهبهما له.
حالما سمع الشاب ذلك، قام بواجبه، وارتسمت على وجهه السعادة. ومرت الليلة كلها على نفس المنوال، ضاحكًا فرحًا. وما إن طلع الفجر، حتّى اشترى الخصيّ الحديقة والجارية، فازداد بذلك جرأة ومكانة.
ثم كان الشاب يأتي ويذهب ليلًا كعادته. وفي أحد أيام الربيع، دعاني إلى بستانه في ليلة مقمرة، حيث أبدع في تزيينه بالشموع، حتى خُيّل لي أنّني في جنةٍ من جنان الأرض. وصعدنا إلى عُليّة تطلّ على المدينة، وكنتُ متشبثة به من شدة الأنس، فإذا بجارية قبيحة الطلعة تخرج من مخبئها، وفي يدها قدح خمر، فتقدّمت إلينا، وكان منظرها ممقوتًا يملأ الصدر انقباضا والقلب نفورًا. فانقلب بذلك نسيم السعادة الذي كان يهبّ علينا ريحًا عاصفًا. فقلت في نفسي: "ويح هذا الغلام! أيّ بلاء جرّه عليّ؟" غير أنّ العشق قد أعمى بصيرتي، فما قدرت أن أُظهر امتعاضي، وجلستُ حيث أراد.
ثم دارت الكؤوس، وتعاقب الشراب، والغلام يزداد في الأنس والبطر، وأنا أتجرّع غصص الغيرة والكمد. وأدركتُ في قرارة نفسي أنّه ما ابتاع تلك الجارية إلا لأن قلبه مال إليها، ولكنّ حبّي غلب عقلي، فطمستُ على قلبي وصبرت مغتاظةً مضطربةً. وأكننتُ في نفسي الكدرَ والغيظَ. غير أنّ الداهية الدهياء كانت أن الساقي جعل تلك الخبيثة ساقيةً علينا. هنالك كنتُ أزدرد ريقي دماً، كطائرٍ بهيجٍ أُدخل في قفصٍ مع غرابٍ كريه، لا قرار لي ولا اطمئنان. وكانت الخمرُ تلك كقطراتٍ مسمومةٍ، من شربها استحال بهيمةً. لكنه لم يفهم تسامحي، فسقت الفتى قدحين بعد قدحين من ذلك الشراب القويّ، حتى ضاع إدراكه وأذهب عقله، ثم ألحّ عليّ فأخذتُ نصفَ كأسٍ على مضضٍ فابتلعته. وصرت كالطير في قفص، لا أقدر على الجلوس أو الحركة بحرية. فما لبثت تلك الجارية أن أخذت تُبدي حركاتٍ خليعة وتُظهر تصرفاتٍ حمقاء، والفتى من السكر قد ذهب حياؤه وعقله، وجعل يتصرف تصرّفاتٍ شنيعة، ويفعل أشياءً غير معقولة. وفي تلك اللحظة، فأصابني الألم والضيق، كما لو أن النار قد امتدت من رأسي إلى قدميّ، وأخذتُ أتقلب على جمرات الغضب والغيظ، وقلت في نفسي: "لماذا أتيت إلى هنا؟ وبأي جرمٍ جوزيتُ بهذا؟ وإلى متى يمكنني تحمل ذلك؟"
أما هو، السكيرُ الخائن، ففكّر في قلبه: "إن سخطت الأميرة الآن، فغداً تحلّ بي القيامة. خيرٌ إذن أن أقتلها قبل أن تُبدي شكواها." وهَمَّ بذلك، فتقدّم عند قدميّ متضرعًا، واضعاً طرفَ عمامته بين يديّ، يسأل العفو والصفح. وكان قلبي من فرط حبّه مُعلّقاً به، أدور في فلكه كحجر الرحى، أنقاد حيث شاء. فسكّنني بالمداراة، ثم ناولني كؤوساً أُخر من الخمر المحرقة، فشربتها حتى غاب عنّي الوعيُ وتلاشى الشعور.
هنالك أبان عن حقيقته الغادرة، فاستلّ سيفاً وغرسه في جنبي، يظنّ أنّه أنفذ فيّ الموت. فأفقتُ لحظةً والدم يتفجّر، فقلتُ: "كما فعلنا وجدنا، غير أنّك احذر أن تبتلى بظلم دمي. اغسل ثوبك من هذا الجُرم، ولا تُظهر لأحدٍ سرّنا، فإنّا وهبناك أرواحَنا، فالله بيني وبينك." ثم غبتُ عن الوعي، وحملني كالجيفة وألقى بي في صندوقٍ وعلّقه عند سور القلعة.
لم أرد سوءاً بأحد، ولكن ما كُتِب في القدر لا يُمحى، ومن نظر العينين جرى هذا البلاء. ولو لم يكن قلبي مولعاً برؤية الوجوه الحسنة، لما عُلّقتُ بتلك السلسلة المهلكة. لكنّ الله دبّر أن يصلني بك، فكنتَ سببَ حياتي بعد الهلاك. غير أنّ الحياء يعصرني، إذ كيف أبقى بعد هذه الفضيحة حيّةً بين الناس؟ بيد أنّ الموت ليس بأيدي العباد.
فقد أحياني الله بعد أن أماتني، وأراك سعيُك وجهدك أثمرا، فبرئتُ من تلك الجراح بفضل الله، ثم بعنايتك. ولأجل ذلك كتبتُ إلى خزانتي سِيدي بهار رسالةً، أُعلمه فيها بمقامي، ليبلغ سيّدتي والدتي الشريفة بخبري. فأرسل إليك شيئاً من المال لتقضي به حوائجي. ثم بعثتك إلى دكّان يوسف التاجر لتشتري حُلياً، وكان في خاطري أنّه رجلٌ طمّاع سريعُ الأُلفة، فإذا عرفك استمالك. فجاء الأمر على ما تمنيت، إذ ربطك بميثاق الضيافة، فجئتني فرحاً تبشرني، فأمرتُك أن تدعوه، لأردّ له الصنيعة.
لكن حين حضرتَ به، لم أر عندي عدّة الضيافة. غير أنّي وجدتُ فرصةً أوسع: ذلك أنّ عادة الملوك في هذه البلاد أن يقيموا ثمانية أشهر في الأسفار لتدبير المملكة، وأربعة أشهر في القلعة أيام المطر. وقد كان سيّدي، مولاي الملك، غائباً إذ ذاك في بعض النواحي. فحين جئتَ بالفتى، كان خزانتي قد بلّغ والدتي خبري. فلمّا مثُلتُ بين يديها، حكيتُ لها قصّتي، فبكت وقالت: "ويحك أيتها البائسة! ضيّعتِ اسم الملك والجاه، وخسرتِ نفسك، وأهلكتِ حياتك. ليتني ولدت حجراً بدلاً منك! لكن تُوبي إلى الله، فما مضى قد مضى، فماذا تفعلين بعد اليوم؟ أتحيين أم تموتين؟"
فأجبتها بحسرةٍ ودموع: "لو كان الموت بيدي لاخترته، ولكن لم أرتكب ما يلحق العار باسم والديّ، وإن لُطّخ جبيني بالفضيحة." ثم قلتُ في نفسي: أعظم ما يُحزنني أنّ ذينك الفاجرين يمرحان وينعمان بعد خيانتهما، وأنا أكتوي بالعار والهوان. فما لي من راحة إلا أن أستدرجهما بالضيافة، وأذيقهما من الكأس التي أسقَيانيها. فإن لم أنتقم، احترق كبدي بنار الغيظ حتى أصير رماداً.
فلمّا فرغتُ من حديثي، رقّت أمّي لما نزل بي من بليّة، وأشفقت عليّ من شدّة مصيبتي، فسترت عيبي، وأمرت أن يُهيّأ جميع ما يلزم من أسباب الضيافة، وجعلت تدبيره بيد ذاك الخادم الخصيّ أمين سرّي ومؤتمَني. فجاؤوا بما يجب من الآلات، وهيّأوا ما يحتاجه المجلس.
فلمّا أقبل المساء، جئتَ ومعك ذلك اللعين الخبيث. وكان في خاطري أن تحضر معه تلك الجارية الفاجرة أيضاً، فأرسلتُك ثانيةً لتأتي بها. فلمّا اجتمع الجمع، وجلسنا مجلس الشراب، وسُقي القومُ كؤوسَ الخمر، ثملوا جميعاً وسقطوا عن وعيهم، حتى أنتَ صرتَ كالميّت مطروحاً بينهم. هنالك أمرتُ غلامي قُلماقني أن يضرب أعناقهما بضربة واحدة، فما هو إلا أن استلَّ سيفه وأهوى به عليهما، فإذا رأساهما قد تدحرجا، وسُقيت الأرضُ بدمائهما.
وأمّا غضبي عليك، فسببه أنّي إنّما أذنتُ لك في الضيافة، لا أن تشاركهما المائدة وتغترّ بصحبة يومين. بيد أنّ حقّك عندي عظيم، وخدمتك في عنقي دين، فلذلك صفحتُ عنك وغفرتُ زلّتك، وإن كان فعلك قد أغضبني.
فهذه قصّتي من أوّلها إلى آخرها، قد أفضيتُ بها إليك. فهل بقي في نفسك هَوَسٌ أو ريبة؟ فكما أجبتُك إلى كل ما طلبتَ، فعليك أن تُجيبني بمثل ذلك، وتعمل بما أشير به عليك. والرأي عندي – والوقت لا يحتمل تأخيراً – أنّ مقامنا في هذا البلد لم يَعُد بنافعٍ ولا صالحٍ، فالأجدر أن نرتحل. أمّا بعد، فأنت بالخيار."
فلما فرغت الأميرة من قولها، سكتت. فأجبتُها أنا الفقيرُ المبتلى: "يا سيدتي! إنّ أمركِ عليّ مقدّمٌ على نفسي ومالي، وإنّي أسير حبّك، لا أرى إلا ما ترين، ولا أختار إلا ما تختارين." فابتسمت، وعلمت أنّي مطيعٌ لها خاضع، فقالت: "أحضر لنا جوادين من خاصّة إسطبل السلطان، يكونان سريعين كالريح، جريئين في الميدان." فقمتُ من وقتي، فاخترتُ أربعة خيول من خيرة الخيل، فشدّوا عليها السروج وهيّأوها.
وحين بقي من الليل قليل، لبست الأميرة لباسَ الرجال، وتقلّدت خمسة أصناف من السلاح، واعتلت صهوة جوادٍ أدهم، وركبتُ أنا على آخر، مسلّحاً كفارسٍ في الحملة. وخرجنا في طريقٍ لا ندري أين يُفضي بنا.
فلمّا انقضى الليل، وأشرق الفجر، بلغنا ضفّة نهر عظيم، فنزلنا وغسلنا الأيدي والوجوه، وتناولنا شيئاً من الزاد على عجل، ثم ركبنا ومضينا. وكانت الأميرة تارةً تحدّثني وتقول: "قد تركتُ لأجلك الجاه، والمال والأهل والبلاد، فلا تكن أنتَ كذاك الغادر الخائن." فأجيبها: "يا مولاتي! ما الناس سواء، وذاك الخبيث إنّما فسدت فطرته، أمّا أنا فقد بذلتُ مهجتي في هواكِ، وجعلتُ حياتي فداءً لكِ. فلو صُنع من جلدي نعالٌ تُلبسينها، ما شكوتُ ولا تأوّهتُ." فكانت تبتسم وتزداد مودّةً.
وسرنا ليلاً ونهاراً. فإذا اعتراها الإعياء نزلنا في الفلوات، نصيد الوحش والطيور، فنذكيها، ونُخرج من الكيس شيئاً من الملح، ونُشعل النار بالصوّان، فنشوي ونأكل. ونُطلق الخيل ترعى العشب وحدها حتى تشبع.
وذات يومٍ انتهينا إلى قفرٍ لا أنيس فيه ولا أثر لبشر، والرفقة بيننا تجعل الصحراءُ لنا عيداً، والليلُ علينا بركة. ثم بغتةً اعترضنا نهرٌ عظيمٌ لا يُرى له ضفّة ولا يعبره قارب، تضطرب له الأفئدة وترتجف القلوب. فقلتُ في نفسي: "يا ربّ! كيف السبيل إلى العبور؟" فأشرتُ عليها أن تجلس تحت شجرة عظيمة الظلّ، ريثما أبحث عن مركب أو سبيل.
مضيتُ في الجهات كلّها، أفتّش عن أثر إنسان في البرّ أو في الماء، فلم أجد شيئاً. وحين عدتُ مهدودا، لم أجد الأميرة حيث تركتُها! فاختلّ عقلي وطار صوابي، وسلبت دهشتي عقلي، فجعلتُ أصعد الشجرة وأنزل، أركض شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، أصيح وأبكي، أتمرّغ في التراب، ولا أرى لها أثراً. وقلتُ: "لعلّ جناً خطفها، أو تبعها أحدٌ من بلادها وأخذها."
وما زلتُ أبحث في الليل والنهار، حتى يئست. فألقيتُ ثيابي عني، وصرتُ كالمجنون عرياناً، أطوف البلاد صباحاً ومساءً أبحث عن أثرها، ولا أجد خبراً. ولمّا ضاقت بي الأرض، هممتُ أن ألقي بنفسي من قمة جبلٍ شاهق، فأستريح من العذاب مرّة واحدة. فإذا بفارسٍ ملثّم أخضرَ اللباس، قد أمسك بيدي، وقال لي: "ويحك! أتريد قتل نفسك؟ لا تيأس من رحمة الله، فإنّ اليأس كفر، وحياتك موصولة بالأمل ما دام فيك نفس. وسيأتي يومٌ قريب تلقى فيه ثلاثة دراويش مثلك، كلٌّ قد ابتُلي بمثل ما ابتُليت به، في بلاد الروم. وهناك تلتقي بملكٍ اسمه آزاد بَخت، يشاركم بلواكم، فإذا اجتمعتم تمّ لكل واحد منكم ما يشتهي قلبه."
فأسرعتُ أقبّل ركابه، وأقول: "بالله، يا سيّدي، عرّفني بنفسك!" فقال: "أنا مرتضى عليٌّ، شأني أن أيسّر العسير بإذن الله وأكشف الكرب عن الملهوف بأمره." ثم غاب عن بصري فتراجعت.
هنالك استبشرتُ بما سمعتُ، وتهيّأتُ للسفر إلى القسطنطينيّة. وما زلتُ أجوب الفلوات وأجرّ أذيال الشقاء والشدائد، حتى ساقني القدر إلى هذا المقام، وشرّفني الله بلقائكم، فقصصتُ عليكم حكايتي، لعلّنا نجتمع جميعاً مع الملك آزاد بخت، فننال مُنى قلوبنا.
وكان أزادبخت مختفياً في ركن يسمع الحديث، فسرّ بما سمع من خبر الدرويش الأوّل، ثم أصغى إلى الثاني.



#فتحي_البوكاري (هاشتاغ)       Boukari_Fethi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باغ وبهار:حكايات الدراويش الأربعة لأمير خُسرو الدِّهلَوي -ج1 ...
- ليلة عاصفة، الفصل الأول من رواية -فتاة البحّار- لإيما ليزلي
- الإبحار الأخير للقارب -الدولفين-
- أطلقوا قارب النجاة! (ج1)
- حوار مع الفنان التشكيلي عمّار بوكيل: حين يتكلم الجدار بلغة ا ...
- ميراث البحر
- الفصل الأول من رواية ماري جونستون -1492-
- بئر السّاراسين
- تحطُّم منارة وينستانلي
- منارة إدستون: تاريخ هندسي ومغامرة بشرية
- في حضرة السرد وسحر الحكاية: قراءة في الخصال الأدبيّة لمحسن ب ...
- كنز القراصنة، مذكرات طبيب سفينة هولندي، لجورج غارتنر ج2
- كنز القراصنة، مذكرات طبيب سفينة هولندي، لجورج غارتنر - ج1
- وما زال الصوت يصرخ عاليا
- التعبير عن المقاومة الثقافيّة والبيئيّة في شعر محمد العروسي ...
- الشعبويّة في السلطة: تهديد أم تصحيح للديمقراطية؟
- أدب الأطفال في العصر الرقمي: دراسة السرد التفاعلي في كتب الأ ...
- مناورة
- في موقد تحت التحميص
- الأدب في عصر العلم والتكنولوجيا


المزيد.....




- مزكين حسكو تتنفس برئتي الكتابة والحلم
- عَسَلٌ مِنْ مِلْحِ بًحْرْ
- مئات الفنانين يتعهدون بمقاطعة المؤسسات السينمائية الإسرائيلي ...
- اقــــرأ: بتوع السينما
- نادي السرد في اتحاد الأدباء يستذكر القاص الراحل إدمون صبري
- آخر تطورات الحالة الصحية للفنانة المصرية رنا رئيس
- على طريقة أفلام الأكشن.. إحباط محاولة هروب مثيرة من سجن بألم ...
- متحف الهولوكوست الأميركي يزيل منشورًا مناهضًا للإبادة الجماع ...
- 1500 من صناع السينما عالميا يتعهدون بعدم التعاون مع إسرائيل ...
- الزمن والهشاشة الإنسانية في وعد الحب الزائف بروايات بروست وم ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوكاري - باغ وبهار:حكايات الدراويش الأربعة لأمير خُسرو الدِّهلَوي -ج2