أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محيي الدين ابراهيم - فلسطين: صراع وجود لا نزاع حدود















المزيد.....

فلسطين: صراع وجود لا نزاع حدود


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8461 - 2025 / 9 / 10 - 15:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قراءة في قرن من الوعود والدمار، بين عجز العالم واستعصاء العدالة، والشعب الفلسطيني يواصل معركته كي لا يُمحى من التاريخ:
لم يعرف التاريخ الحديث صراعًا أطول عمرًا ولا أعمق جرحًا من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. فمنذ أكثر من قرن، والعالم يقف متفرجًا على جرح مفتوح في قلب الشرق الأوسط، جرح بدأ بوعد بلفور، وتوسع بنكبة عام 1948، وتعقد أكثر بحرب 1967 وما تلاها من احتلال واستيطان وانتفاضات وحصار، حتى باتت فلسطين عنوانًا للظلم التاريخي الذي لم يجد بعد سبيلًا إلى الإنصاف.
الصراع لم يكن يومًا مجرد خلاف على قطعة أرض، بل هو معركة وجود لشعب كامل، أريد له أن يُمحى من الخريطة ويُحشر في مخيمات اللجوء أو بين أسلاك غزة وحدود الضفة الغربية. الفلسطيني ليس مجرد لاجئ، بل شاهد على جريمة مستمرة، كل يوم تُعاد صياغتها بأشكال مختلفة: مرة في صورة دبابة تهدم بيتًا، ومرة في صورة مستوطن يقتلع زيتونة، ومرة في صورة طائرة تُسقط صاروخًا على مخيم مكتظ بالنساء والأطفال.

البدايات: وعد بلفور والانتداب البريطاني:
في الحرب العالمية الأولى، وبعد سقوط الدولة العثمانية، وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني. كان العرب الفلسطينيون يشكلون الأغلبية الساحقة، يعيشون على أرضهم منذ قرون، وإلى جوارهم أقلية يهودية. لكن بريطانيا وعدت اليهود بوطن قومي في فلسطين، فيما عُرف بوعد بلفور عام 1917.
منذ تلك اللحظة، وُضعت بذرة الصراع: العرب الفلسطينيون رأوا أن أرضهم تُنتزع منهم بقرار استعماري لا يملك أصحابه حق منحه، فيما توافدت موجات المهاجرين اليهود، خاصة بعد المحرقة النازية التي أودت بحياة ستة ملايين يهودي. ومع حلول عام 1947، كان عدد اليهود قد بلغ 630 ألفًا، أي نحو ثلث سكان فلسطين، لتصل الأزمة إلى ذروتها.

قرار التقسيم والانسحاب البريطاني:
عام 1947، أصدرت الأمم المتحدة قرارًا يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: يهودية وعربية، على أن تُصبح القدس مدينة دولية. القرار أعطى اليهود أكثر من نصف الأرض، رغم أنهم أقلية عددية، فرفض العرب هذا الظلم، بينما قَبِل اليهود به. ومع انسحاب بريطانيا في 14 مايو 1948، أعلن القادة اليهود قيام دولة إسرائيل.

النكبة: الطرد واللجوء:
في اليوم التالي لإعلان الدولة الجديدة، هاجمتها جيوش خمس دول عربية. لكن الحرب انتهت بهزيمة العرب وسيطرة إسرائيل على معظم الأرض. والنتيجة: نحو 750 ألف فلسطيني طُردوا أو فرّوا من بيوتهم، ليصبحوا لاجئين في المنافي والمخيمات. سُمّيت هذه الكارثة بالنكبة، وما زال صداها يتردد في ذاكرة الفلسطينيين جيلاً بعد جيل.
لم تكن النكبة مجرد خسارة وطن، بل كانت بداية سلسلة نزيف: شعب بلا دولة، بلا أرض، بلا حقوق. في المقابل، لجأ مئات الآلاف من اليهود من الدول العربية إلى إسرائيل، لتتغير التركيبة الديموغرافية في المنطقة.

عام 1967 و الحرب التي أعادت رسم الخريطة:
جاءت حرب الأيام الستة عام 1967 لتقلب الموازين من جديد. في غضون أيام، استولت إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية من الأردن، وعلى غزة وسيناء من مصر، وعلى الجولان من سوريا. مليون فلسطيني أصبحوا فجأة تحت الاحتلال المباشر.
ورغم أن إسرائيل أعادت سيناء لمصر لاحقًا بمعاهدة سلام عام 1979، إلا أنها ضمت القدس الشرقية والجولان، وهو ضم لم يعترف به المجتمع الدولي. أما الفلسطينيون، فظلوا أسرى احتلال طويل الأمد لم تنتهِ فصوله حتى اليوم.

الضفة الغربية والاستيطان: سرقة الأرض تحت غطاء القانون:
الضفة الغربية اليوم موطن لثلاثة ملايين فلسطيني، لكنها أيضًا خزان استيطان يضم أكثر من 700 ألف يهودي موزعين على نحو 160 مستوطنة. هذه المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، لكن إسرائيل تراها "حقًا تاريخيًا" وتعلن أنها جزء لا يتجزأ من وطنها.
في يوليو 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية حكمًا واضحًا: وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية غير قانوني، والمستوطنات تمثل نظام فصل عنصري. لكن إسرائيل لم تُصغِ، بل واصلت التوسع، وزادت اعتداءات المستوطنين التي بلغت أكثر من 2200 هجوم في أقل من عامين. العالم يرى، لكنه لا يتحرك.

القدس: قلب الصراع:
القدس مدينة تختصر الحكاية كلها. إسرائيل تعتبرها عاصمتها الأبدية غير القابلة للتقسيم، بينما يراها الفلسطينيون عاصمة دولتهم المستقبلية. القدس الشرقية، بما تحمله من قداسة للأديان، هي بؤرة النزاع، حيث الأقصى – الحرم الشريف – يقف شاهدًا على صراع العقائد والسياسة. الأمم المتحدة تعتبر القدس الشرقية أرضًا محتلة، لكن إسرائيل تصر على ضمها.

غزة: الحصار والمأساة الإنسانية:
أما غزة، ذلك الشريط الضيق المكتظ بالسكان، فهي مختبر القسوة المعاصرة. منذ أن انسحبت إسرائيل من داخلها عام 2005 لكنها أبقت سيطرتها على حدودها وأجوائها وبحرها، تحولت غزة إلى سجن كبير. الحصار المفروض منذ 2007 حوّل الحياة فيها إلى مأساة: بطالة خانقة، فقر مدقع، اعتماد شبه كامل على المساعدات.
وفي كل حرب بين إسرائيل وحماس، يدفع المدنيون الثمن الأكبر. من 2008 إلى 2023، تكررت جولات القتال، لكن الحرب الأخيرة بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 كانت الأعنف: أكثر من 61 ألف قتيل في غزة، وفق وزارة الصحة هناك، ودمار هائل دفع خبراء الأمم المتحدة للتحذير من مجاعة كارثية. إسرائيل تنفي وجود مجاعة، بينما صور الأطفال الهزالى والمباني المدمرة تقول غير ذلك.

اللاجئون: ذاكرة لا تنطفئ:
اليوم، هناك نحو 5.9 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأمم المتحدة. يعيشون في الأردن ولبنان وسوريا والضفة وغزة. مطلبهم واحد: حق العودة إلى بيوتهم، أو على الأقل التعويض العادل. إسرائيل ترفض بشدة، معتبرة أن عودة اللاجئين تعني نهاية "دولتها اليهودية".

الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية: خطوة متأخرة:
رغم أن فلسطين معترف بها من 147 دولة، لا تزال بعض القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ترفض الاعتراف الكامل. لكن في 2024، بدأت مواقف أوروبا تتغير: فرنسا وبريطانيا وكندا أعلنت نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، تحت ضغط المجازر في غزة. هذه خطوة، لكنها لا تكفي. الاعتراف يجب أن يتحول إلى إجراءات ملزمة، وإلا ظل مجرد ورقة في أدراج الدبلوماسية.

حل الدولتين: حلم يتآكل:
لطالما رُفع شعار "حل الدولتين"، لكنه اليوم يبدو أبعد من أي وقت مضى. إسرائيل ترفضه، وحماس لا تعترف بإسرائيل أصلًا. اتفاق أوسلو عام 1993 كان بارقة أمل سرعان ما انهارت. واليوم، مع توسع الاستيطان وتفكك السلطة الفلسطينية وحصار غزة، بات الحل يترنح.

نحو إنصاف الفلسطينيين:
ما الذي يعنيه الإنصاف اليوم؟ ليس مجرد وقف إطلاق نار مؤقت، ولا وعود جوفاء بمفاوضات جديدة. الإنصاف يعني:
دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967.
القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة.
وقف الاستيطان وإزالة المستوطنات غير القانونية.
حق اللاجئين في العودة أو التعويض.
حماية دولية للشعب الفلسطيني من آلة القتل الإسرائيلية.
من دون ذلك، سيبقى الصراع دمويًا، وسيبقى العالم شريكًا في الجريمة بصمته.
ومن ثم، فالقضية الفلسطينية ليست صراعًا إقليميًا فحسب، بل اختبار لإنسانية العالم. فإما أن يثبت المجتمع الدولي أنه قادر على إنصاف المظلومين، أو يترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة قدرٍ فُرض عليهم. لكن التاريخ لا يرحم، وسيكتب يومًا أن فلسطين صمدت قرنًا وأكثر، وأن حقها، مهما طال الزمن، لا يسقط.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نجيب محفوظ في ذكرى وفاته بين الحارة والوجود
- إبسن والصوت الخفي للشخصيات: نحو دراما صادقة
- من قلب تل أبيب - قراءة في كتاب حروب إسرائيل السرية
- غياب الإداري المبدع وأزمة الثقافة العربية
- قراءة في كتاب مطرقة الساحرات (Malleus Maleficarum) لهينريش ك ...
- حين تلتقي الفلسفة بالجن والسحرة:
- قراءة في كتاب حصاد الفضائيين للكاتبة الأمريكية ليندا ميلتون ...
- مختصر دراسة بعنوان -نحو ذائقة فلسفية جديدة في نقد السرد وتحو ...
- شرائح بحجم حبة الأرز تتحكم في العقول وأحداث العالم أجمع!
- قراءة في كتاب ( المصري - The Egyptian by Mika Waltari Transl ...
- قراءة نقدية في الرواية الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية -غ ...
- دراسة مقارنة بين مهرجانات المسرح في مصر والعالم
- النجم يحي الفخراني وعرض الملك لير على المسرح القومي نسخة عام ...
- غزة تحت القصف وضمير العالم في غرفة الإنعاش
- ثورة ٢٣ يوليو والتعليم .. حين تصبح الطباشير شعلة ...
- النظرية الكمية تثبت أن هناك ملايين يشبهونك
- العرض المسرحي يمين في أول شمال رائعة المخرج عبد الله صابر
- البلبوص ! ( من القصص السياسي )
- نجيب محفوظ .. عين الفلسفة في الحارة المصرية ( الجزء الثالث )
- نجيب محفوظ .. عين الفلسفة على الحارة المصرية ( الجزء الثاني ...


المزيد.....




- رأي.. إردام أوزان يكتب: عندما تقصف إسرائيل حليفًا للولايات ا ...
- رئيس وزراء قطر لـCNN: هجوم إسرائيل -إرهاب دولة-.. وتعرضنا لل ...
- ما مصير كبير مفاوضي حماس بعد هجوم الدوحة؟ رئيس وزراء قطر يوض ...
- هل يشكّل الصراع داخل المعارضة التركية نقطة تحوّل في ديمقراطي ...
- هل يلقي الهجوم الإسرائيلي على قطر بظلاله على التحالف الأمريك ...
- ثالث رئيس وزراء فرنسي في عام واحد.. سِباستيان ليكورنو يعد بـ ...
- إسرائيل - قطر: لماذا خيار القوة؟
- فرنسا: أية -قطيعة- يعد بها رئيس الوزراء الجديد؟
- نيبال: الجيش يعلن السيطرة على العاصمة بعد احتجاجات دامية دفع ...
- مطعم بواشنطن يستقبل ترامب بهتافات -الحرية لفلسطين- والمنصات ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محيي الدين ابراهيم - فلسطين: صراع وجود لا نزاع حدود