أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - مختصر دراسة بعنوان -نحو ذائقة فلسفية جديدة في نقد السرد وتحولات الكتابة المعاصرة- - للدكتور رمضان بسطاويسى














المزيد.....

مختصر دراسة بعنوان -نحو ذائقة فلسفية جديدة في نقد السرد وتحولات الكتابة المعاصرة- - للدكتور رمضان بسطاويسى


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 03:00
المحور: الادب والفن
    


منذ منتصف القرن العشرين، بدأت الكتابة السردية في عالمنا العربي تتحرر من قوالب الحكي الكلاسيكية لتخوض مغامرتها الكبرى: أن تكتب الحياة لا كخبرٍ محكيٍّ، بل كوعيٍ يتشكل ويتعدد ويتكسر داخل النص. لم يعد النص الأدبي مجرد مرآة للعالم، بل أصبح العالم ذاته مادة للخلق، ومع كل رواية جادة تولد “حالة سردية” تحمل وعياً ضمنياً بما هو مسكوت عنه، وتضع المتلقي أمام اختبارات جديدة في التأويل والتلقي.
ما تغير ليس فقط شكل الحكاية أو ترتيب المشاهد، بل تغير جوهر العلاقة بين اللغة والواقع. لم تعد اللغة وعاءً شفافاً يُسكب فيه المعنى، بل غدت فضاءً مشوشًا، متشظيًا، يتشابك فيه الحلم باليومي، واللاشعور بالمبثوث الثقافي، والراهن بالمنسيّ. بذلك أصبح النص الأدبي يحمل منطقه الداخلي الخاص، غير خاضع للتتابع المنطقي أو التراكيب الجاهزة، بل متوغلاً في فوضى منظمة تستبطن الوجود.
هذا التحول لم يُقابل، للأسف، بذائقة نقدية موازية. لا يزال النقد العربي، في غالبيته، عالقاً في أطر قديمة، تابعة أو متماهية مع مؤسسات ثقافية سلطوية، تكرّس تقنيات التحليل بدل مساءلتها، وتبحث عن التجانس لا عن التعدد، عن الدلالة لا عن الاحتمال. وكأن الناقد لا يزال ينتظر النص الذي يُشبهه، لا النص الذي يُخالفه، ويتكئ على التراث النقدي أو على الحداثة الغربية دون مساءلة جوهرية لهما.
يحدث هذا بينما يتقدم النص الروائي خطواتٍ واسعة في تفكيك المفاهيم السائدة عن الذات، والزمن، والمكان، والسلطة، والمعنى، ويذهب نحو الكتابة بوصفها "اختباراً وجودياً"، لا استعراضًا لغويًّا. لم يعد الكاتب نبيًا يحمل هوية الجماعة، بل كائناً هشًا مأزوماً، يصوغ ذاته في صراع مع مؤسسات تمحو الهويات، وتعيد إنتاجها عبر وسائل الإعلام والتكنولوجيا ومؤسسات السوق.
إن السرد الجديد –بكل انكساراته وتمرده– هو صوت الذات العربية في مخاضها الحاد مع ثلاثية الاضطراب: انهيار النموذج المعرفي التقليدي، تراجع الدور السياسي للدولة، وسطوة الاقتصاد والاتصال، وثالثًا، اختراق التكنولوجيا لكل تفاصيل حياتنا. هذه اللحظة تستدعي قراءة لا تنظر للنص بوصفه “موضوعًا أدبيًا” بل بوصفه “وعيًا معقدًا” يعيد تشكيل الواقع من داخله.
ومن هنا برزت دعوات لقراءة النص الأدبي في علاقته بالحياة اليومية. ليس بمعنى الواقعية الساذجة، بل باعتبار أن كل فعل إنساني، من الإعلان إلى الدراما، ومن الفرجة إلى الرياضة، هو كتابة من نوع آخر، يُعبّر عن البنية العميقة للثقافة. إن الفعل الإنساني في ذاته "نص" يُفكّك، ويُؤول، ويُكشف، لأنه يحمل خطابًا عن الذات والواقع والاحتمال.
على هذا الأساس، فإن “النص” لا يُقرأ وحده. بل يُقرأ باعتباره جزءًا من نسيج ثقافي واجتماعي معقّد. والحياة اليومية، بكل ما فيها من تفصيل هامشي، تُصبح منجمًا للسردية الجديدة، لأنها تكشف عن التجربة العربية المُبعَدة قسرًا عن الفعل السياسي، والمكبوتة داخل آليات القمع الاجتماعي.
ومع الثورة التكنولوجية، لم يعد الأدب بمنأى عن التحول الجذري. لقد غيّرت الأدوات الحديثة طبيعة الكتابة ذاتها، إذ لم تعد اللغة وحدها هي الوسيط، بل انضمت الصورة، والصوت، والحركة، وأصبحنا أمام النص الفائق (Hypertext) الذي لا يُقرأ خطيًا بل يُخترق مثل متاهة، وتتشكل دلالاته عبر التفاعل مع المتلقي. لقد تحوّل المتلقي من قارئ صامت إلى شريك فاعل يعيد بناء النص وفق أفق انتظاره.
هنا، تبرز الأزمة الحقيقية للنقد العربي الذي لا يزال مهووسًا بالمؤلف أو بالسياق، ويهمل البنية الفنية، أو يسجن العمل في لحظة تاريخية، أو يعيد إنتاج الخطاب الأيديولوجي عبر لغة زخرفية لا تُضيف للنص إلا تعتيمًا. وبهذا، يفشل النقد في إنتاج معرفة جديدة بالواقع أو بالعمل الأدبي ذاته.
لقد حان الوقت لتأسيس ذائقة نقدية جديدة، تفكك ولا تشرح، تؤول ولا تُلخص، تُفكّر ولا تُلقّن، لأن النص الجديد ليس مجرد بنية لغوية بل هو شكل من أشكال التفكير، بل من أشكال الحياة ذاتها.
إن النقد بهذا المعنى يجب أن يستعير من علم الجمال موقفه المتحرر من السلطة، موقفه القائم على مساءلة العمل لا امتداحه، وعلى تفكيك أجهزته الخطابية لا استهلاكها. النقد الجمالي هو في جوهره نقد للثقافة، نقد للهيمنة، نقد للاستهلاك، نقد لتاريخية المفاهيم ذاتها.
وقد برزت تجارب عربية لافتة ككتاب "النقد الثقافي" لعبد الله الغذامي، الذي حاول أن يوسع من مفهوم النقد ليشمل تحليل الأنساق الثقافية المضمرة داخل النصوص، كاشفاً أن بعض الشعراء الذين يتغنون بالحداثة، إنما يعيدون إنتاج أنساق سلطوية قديمة، ترسّخ الهيمنة، لا تُحرر منها. فالحداثة –في جوهرها– ليست زخرفًا لغويًّا بل موقف جذري من الحياة، ومن السلطة، ومن الجمال.
النص السردي اليوم، إذن، ليس حكاية تُروى، بل موقف يُبنى، ووعي يُختبر. وكل سرد جديد هو نوع من المقاومة، مقاومة للزمن المُعلّب، للمعنى المسبق، للشكل الواحد، وللذائقة الخاملة.
وفي عصر العولمة والتشابه، حيث تُعاد إنتاج القيم بلغة واحدة وشكل واحد، تصبح الرواية فعلًا مضادًا، مشاغبًا، ينهل من الهامش، ويحتفي بالتفاصيل، ويستكشف مناطق الصمت، والجسد، والحلم، والتاريخ المجهول. ويصبح النقد معها ضرورة حيوية لا لتفسير النصوص، بل لفهم أنفسنا داخل هذا العالم المتغير.
النص السردي المعاصر ليس مجرد تطور في الشكل، بل هو إعلان عن تحول في الرؤية، وفي الوعي، وفي معنى الإنسان ذاته. ولذا فالنقد الذي لا يواكب هذا التحول، يفقد مبرر وجوده، ويغدو أحد أقنعة السلطة، لا أحد وجوه الحرية.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرائح بحجم حبة الأرز تتحكم في العقول وأحداث العالم أجمع!
- قراءة في كتاب ( المصري - The Egyptian by Mika Waltari Transl ...
- قراءة نقدية في الرواية الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية -غ ...
- دراسة مقارنة بين مهرجانات المسرح في مصر والعالم
- النجم يحي الفخراني وعرض الملك لير على المسرح القومي نسخة عام ...
- غزة تحت القصف وضمير العالم في غرفة الإنعاش
- ثورة ٢٣ يوليو والتعليم .. حين تصبح الطباشير شعلة ...
- النظرية الكمية تثبت أن هناك ملايين يشبهونك
- العرض المسرحي يمين في أول شمال رائعة المخرج عبد الله صابر
- البلبوص ! ( من القصص السياسي )
- نجيب محفوظ .. عين الفلسفة في الحارة المصرية ( الجزء الثالث )
- نجيب محفوظ .. عين الفلسفة على الحارة المصرية ( الجزء الثاني ...
- نجيب محفوظ .. عين الفلسفة على الحارة المصرية ( الجزء الأول )
- التغيير التربوي وتوسيع آفاق التفكير النقدي
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء العاشر - الحلقة الأخيرة ...
- السينوغرافيا في مسرح الغرفة: إعادة إنتاج الفضاء وإعادة تعريف ...
- مسرح العبث: الوعي في حضرة اللاجدوى
- مسرحية حكايات الشتا رائعة المخرج محمد العشري على مسرح الغد
- السعادة بين الفلسفة والعرفان: دراسة مقارنة في تصور ابن سينا ...
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء التاسع - الحلقة السابعة ...


المزيد.....




- لتوعية المجتمع بالضمان الاجتماعي .. الموصل تحتضن اول عرض لمس ...
- -شاعر البيت الأبيض-.. عندما يفتخر جو بايدن بأصوله الأيرلندية ...
- مطابخ فرنسا تحت المجهر.. عنصرية واعتداءات جنسية في قلب -عالم ...
- الحرب في السودان تدمر البنية الثقافية والعلمية وتلتهم عشرات ...
- إفران -جوهرة- الأطلس وبوابة السياحة الجبلية بالمغرب
- يمكنك التحدّث لا الغناء.. المشي السريع مفتاح لطول العمر
- هل يسهل الذكاء الاصطناعي دبلجة الأفلام والمسلسلات التلفزيوني ...
- فيلم جديد يرصد رحلة شنيد أوكونور واحتجاجاتها الجريئة
- وثائقي -لن نصمت-.. مقاومة تجارة السلاح البريطانية مع إسرائيل ...
- رحلة الأدب الفلسطيني: تحولات الخطاب والهوية بين الذاكرة والم ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - مختصر دراسة بعنوان -نحو ذائقة فلسفية جديدة في نقد السرد وتحولات الكتابة المعاصرة- - للدكتور رمضان بسطاويسى