أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - نجيب محفوظ .. عين الفلسفة في الحارة المصرية ( الجزء الثالث )














المزيد.....

نجيب محفوظ .. عين الفلسفة في الحارة المصرية ( الجزء الثالث )


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 18:29
المحور: الادب والفن
    


5. نوبل ليست تتويجًا بل تكليفًا: نجيب محفوظ في مرآة العالم:
حينما أعلنت الأكاديمية السويدية عام 1988 فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الأدب، كانت اللحظة كاشفة أكثر منها احتفالية. لم يكن محفوظ نفسه قد سعى يومًا إلى الجوائز، ولم يكن يتعامل مع الكتابة بوصفها مسابقة أو منصة شهرة، بل بوصفها واجبًا وجوديًا، حرفة الروح، وطقسًا يوميًا للتأمل في المصير العربي والإنساني.
لم تكن الجائزة مفاجئة لمن قرأ محفوظ بوعي، لكنها كانت مفاجأة لعالم لم يكن يتوقع أن تنهض من قلب «الحارة المصرية» فلسفة قادرة على مساءلة العالم، ومن ثم، كانت نوبل بمثابة اعتراف عالمي بأن الرواية العربية، حين تكتب بصدق وجمال وعمق، يمكن أن تصل إلى ما بعد الحدود اللغوية والجغرافية، وقد عبر محفوظ نفسه عن ذلك ببساطته المعهودة، حين قال في كلمته في حفل تسلمه للجائزة: "أنا ابن حضارتين… حضارة الفراعنة وحضارة الإسلام"، لكنه في العمق كان يقول: أنا ابن الجرح العربي، والخوف العربي، والحلم العربي، والمستقبل الذي لم يُكتب بعد.
لكن محفوظ لم يغتر بالجائزة، بل بدا وكأنها حمّلته عبئًا إضافيًا، إذ سرعان ما تحول إلى رمز، والرموز في العالم العربي لا تُترك لترتاح، بدأت عليه الضغوط، والتأويلات، والتصنيفات، بين من يريد تطويعه لخدمة أيديولوجيته، ومن يهاجمه بوصفه «صنيعة الغرب»، ومن يعتبره «أقل من نجيب نوبل»، غير أن محفوظ، كما هو دومًا، واجه كل ذلك بصمت المطمئن، فلم يكن في حاجة للدفاع عن نفسه، فكل رواية من رواياته كانت هي البيان، وكانت هي البرهان.
لقد علم محفوظ الأجيال التي تلته أن الجائزة لا تصنع الكاتب، بل أن الكاتب الحق هو من يجعل الجائزة حدثًا عابرًا في مسيرة طويلة من الصدق مع النفس. ولذلك، لم يبدّل جلده بعد نوبل، ولم يتحول إلى خطيب ثقافي، بل ظل وفيًا لآلته القديمة، آلته العتيقة: القلم والورقة، والمقهى اليومي، والحارة التي تصغي في صمت للكاتب الذي يكتب كما يتنفس.
بل إن محفوظ، في ما يشبه التحدي الأخلاقي، واصل الكتابة بعد نوبل وكأن شيئًا لم يكن، مؤمنًا أن نوبل، مثل أي جائزة، ليست تتويجًا بل تكليفًا، وأن الكاتب الحقيقي يجب أن يكتب للجمهور الذي يعرفه في المقاهي والشوارع، لا للجان التحكيم.
وهنا تتجلى عظمة محفوظ: في أنه لم يُصنع من الخارج، بل صاغ نفسه من الداخل، لم يكن صوتًا للسلطة، ولا لضحاياها، بل كان صوتًا للتاريخ وهو يسير في الأزقة، وصوتًا للحكمة وهي تتخفى في الحكايات، كانت نوبل مجرد ومضة في سيرة رجل أمضى عمره يبحث عن النور في الظل، ويُدوّن الميتافيزيقا بحبر الواقع.
6. الهجوم والطعن: عندما يكون القلم أخطر من السيف:
في صباح الحادي والعشرين من أكتوبر عام 1994، تلقّى نجيب محفوظ طعنة في عنقه كادت تودي بحياته، على يد شاب لم يقرأ له حرفًا، لكنه تأثّر بفتوى أُطلقت ضد رواية أولاد حارتنا بعد أكثر من ثلاثين عامًا على نشرها، والمدهش، لم يكن الهجوم مجرد فعل جنائي، بل كان تتويجًا دامياً لصراع طويل بين الكلمة والسلطة، بين الخيال الحر والتأويل العنيف، بين الكاتب الذي أراد للإنسان أن يكون مركز الوجود، ورجال الظلام الذين لا يرون الإنسان إلا تابعًا،
كان محفوظ في الثمانين من عمره حينها، لا يقوى على المقاومة الجسدية، لكن جسده الهزيل صمد، أصيب بعصب يده اليمنى، ولم يستطع بعدها الكتابة إلا بصعوبة، لكنه لم يتوقف، قال بعدها بمرارة هادئة: "الحمد لله، لم تمت يدي، لكن حريتي أوشكت أن تُذبح." لقد فضح الهجوم عورة العقل العربي الذي بات يخاف الكلمة ويطعنها، ويخشى الأسئلة الحرة، ويرى في الأدب تهديدًا بدلًا من أن يراه خلاصًا.
ما حدث مع محفوظ لم يكن هجومًا على فرد، بل على ما يمثله من حرية فكر، ومن شجاعة أدبية، ومن دفاع عن الحق في التعبير دون وصاية، كان جسده العجوز يقاوم، ولكن الأهم أن فكره ظل يقاوم، وظل محفوظ يكتب في صمت حتى بعد الطعنة، يرسم بكلماته بوصلة النجاة من التطرف والجهل، مؤكداً أن القلم أقدر على صناعة التغيير من أي سيف.
وفي مأساة الطعن، تكشف الوجه المأزوم للعالم العربي الذي لا يزال غير قادر على احتواء مبدعيه، ولا يزال يرى في الإبداع خطراً على "الثوابت" بدلًا من أن يراه فرصة لتجديد الروح، لقد طُعن محفوظ لأنه كان حرًا، ولأنه منح الحارة صوتاً، ومنح الإنسان كرامة السؤال، وفتح في الرواية أبوابًا للهروب من القوالب الجاهزة.
والأخطر أن الذين أرادوا قتله، لم يقرؤوا له. كانت الطعنة صدى لصمت قرائي مدوٍّ، لكسل فكري، لعزوف عن الفهم، ولترهيب متعمد من المعرفة، وهكذا دفع محفوظ ثمنًا باهظًا لفضيلته الكبرى: الصدق.
ومع ذلك، لم يُبدِ حقدًا على من طعنه، قال عن الجاني: "ربما لو قرأ ما كتبت، لعانقني بدلًا من أن يطعنني." بهذه الكلمات، أثبت محفوظ أنه ليس مجرد كاتب، بل حكيم من حكماء الكلمة، يرى في الجهل عدوًا لا في الجاهل، وفي الطعنة درسًا لا لعنة.
لقد خرج نجيب محفوظ من الطعنة أكثر شجاعة، وأكثر حكمة، عاد إلى الورقة والقلم وكأن شيئًا لم يكن، ليكتب من جديد، لا عن الجرح بل عن الحياة، لأن الكاتب الحقيقي لا يموت بالطعنات، بل يُبعث منها أكثر يقينًا بأن الكتابة فعل مقاومة.٤



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نجيب محفوظ .. عين الفلسفة على الحارة المصرية ( الجزء الثاني ...
- نجيب محفوظ .. عين الفلسفة على الحارة المصرية ( الجزء الأول )
- التغيير التربوي وتوسيع آفاق التفكير النقدي
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء العاشر - الحلقة الأخيرة ...
- السينوغرافيا في مسرح الغرفة: إعادة إنتاج الفضاء وإعادة تعريف ...
- مسرح العبث: الوعي في حضرة اللاجدوى
- مسرحية حكايات الشتا رائعة المخرج محمد العشري على مسرح الغد
- السعادة بين الفلسفة والعرفان: دراسة مقارنة في تصور ابن سينا ...
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء التاسع - الحلقة السابعة ...
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الثامن - الحلقة السادسة ...
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء السابع - الحلقة الخامسة ...
- أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء ا ...
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء السادس - الحلقة الرابعة ...
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء السادس )
- أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء ا ...
- أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء ا ...
- أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء ا ...
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الخامس )
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الخامس - الحلقة الثالثة ...
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الثالث والأخير )


المزيد.....




- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...
- الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة -بن بينتر- الب ...
- مليون مبروك على النجاح .. اعتماد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- الإعلام الإسباني يرفض الرواية الإسرائيلية ويكشف جرائم الاحتل ...
- صدور نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس 2025 تجاري وصناعي وز ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - نجيب محفوظ .. عين الفلسفة في الحارة المصرية ( الجزء الثالث )