أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - العرض المسرحي يمين في أول شمال رائعة المخرج عبد الله صابر















المزيد.....

العرض المسرحي يمين في أول شمال رائعة المخرج عبد الله صابر


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 20:54
المحور: الادب والفن
    


ثمة أعمال مسرحية لا تكتفي بأن تُروى، بل تُعاش، لا تكتفي بأن تُشاهد، بل تُحسّ، وتعيد تشكيل الوعي كما لو أنها مرآة تصطف فيها أرواحنا في صمت، ومسرحية يمين في أول شمال ليست مجرد عرض درامي، بل تجربة إنسانية مشبعة بالتساؤل، تصعد من بساطة الحب إلى عمق الوجود، ومن عبثية الواقع إلى جوهر الإنسان في هشاشته وصدقه معًا.
إن العمل، في ظاهره، يدور في إطار كوميدي بسيط عن موظف بسيط يسعى لإسعاد زوجته قبل خضوعها لعملية قلب، لكنه في جوهره ينفتح على أسئلة كبرى: ما الحب حين تعجز اللغة؟ ما القيمة حين لا تكون للموهبة مكان؟ كيف يعيش الإنسان على الهامش، بين شغف لا يجد من يحتضنه، وواقع يضع الأقنعة في مواضع الوجوه؟ إنها فلسفة "اللحظة الصادقة" في مواجهة زيف اليومي، ومأساة الفنان الحقيقي حين يتوارى خلف الظل، ليس لقصور فيه، بل لانطفاء البصيرة في أعين من يملكون القرار.
محمود جمال الحديني، مؤلف العمل، لم يكتب نصًا، بل صاغ سؤالاً مفتوحًا على الاحتمالات: هل يمكن للكوميديا أن تكون وسيلة للبوح؟ وهل تستطيع لحظة مسرحية واحدة أن تعري آليات الإقصاء، وتعيد الاعتبار للعاطفة في زمن تشيّأ فيه كل شيء؟ أما المخرج عبد الله صابر، فقد تعامل مع النص بوصفه طقسًا إنسانيًا، فجعل من الخشبة مساحة اعتراف لا للشخصيات فحسب، بل للجمهور أيضًا، ليتحول العرض إلى مرآة حية يعكس فيها كل مشاهد ملامحه الغائرة، وسؤالاً وجوديًا عن الطريق الذي نسير فيه: هل حقًا اخترنا وجهتنا، أم أننا نردد جملة "يمين في أول شمال" كمن يسير وفق إملاءات قدَرٍ لا يفهمه؟
قيمة النص أنه اختار البساطة ليقول ما هو معقد، وقيمة المؤلف أنه لم يصرخ بشعار، بل همس بفكرة؛ أن التفاصيل الصغيرة — دعوة مفاجئة، ضيف غير متوقع، حب صامت، حنين — قادرة على إعادة ترتيب أولوياتنا في عالم فقد صوته الحقيقي. وأن الفن، حين يكون صادقًا، لا يحتاج أكثر من ثلاثة ممثلين ومسرحًا منزليًا متواضعًا، ليصنع كونا يتسع لكل أرواح المهمشين.
إن "يمين في أول شمال" ليست وجهة جغرافية، بل موقف وجودي: في لحظة ما، حين تضيق السبل وتخفت اللغة، نحتاج أن نمنح الآخر لحظة فرح صافية، لأننا حين نفعل، نعيد لأنفسنا جزءًا من إنسانيتنا المنسية.

من زاوية الإخراج:
في عرض يمين في أول شمال، لا يمكن المرور على الرؤية الإخراجية لعبد الله صابر مرور الكرام، فقد حملت بصمته خصوصية واضحة، جمعت بين التبسيط البصري والعمق الشعوري، ليؤكد أن الإخراج ليس مجرد إدارة للممثلين أو ضبط للإيقاع، بل هو فن كشف المسكوت عنه في النص، والإنصات إلى ما لم يُكتب.
عبد الله صابر، كمخرج، بدا كمن يترجم الحكاية من لغة الكلمات إلى لغة الفضاء الحي، فاعتمد على واقعية مشهدية تلامس حياة الشخصيات، لكن دون الوقوع في فخ التقرير أو النقل السطحي. ديكوره البسيط — منزل متواضع تغلب عليه الفوضى — لم يكن مجرد خلفية، بل امتدادٌ نفسي لشخصيات تتنازعها الحاجة والحنين والارتباك. التفاصيل الصغيرة: الكاسيت القديم، صور الممثلين على الجدران، موقع الباب، حتى الإضاءة المتدرجة بين دفء الحميمية وظلال القلق، كلها كانت أدوات مسرحية ناطقة تكمّل النص وتغوص في دلالاته.
أما عبقريته الحقيقية فكانت في توظيفه لتقنية "المسرح داخل المسرح" دون استعراض مجاني. لم يستخدمها كزخرفة، بل كمنصة تعرّي المهنة وتُظهر التناقض بين ما يُمثل على الخشبة وما يُعاش خارجها. لحظات الارتجال التي منحها للممثل داخل الحدث لم تكن مرتجلة، بل محسوبة بدقة، تفتح مساحة للاكتشاف، وتعيد خلق الحدث أمام عين المتفرج، كأنها تحدث للمرة الأولى.
ولعل أبرز ما يُحسب له هو وعيه بقضية العرض، فهو لم يُشغِل نفسه بتقديم مسرحية خفيفة فحسب، بل أدار المشهد برؤية مثقف مسرحي يدرك أن الضحك يمكن أن يحمل في طيّاته قسوةً ما، وأن الهامش الاجتماعي ليس خلفية، بل هو البؤرة. منح الممثلين مساحة للتمدد، دون أن يُفلت الإيقاع، واحتفى بالحوار الداخلي دون أن يُقصي متعة الأداء، وجعل من العرض كله لحظة إنسانية صادقة، تقول ما لا يُقال في صخب الحياة.
إن عبد الله صابر، في هذا العرض، لم يقدّم مجرد إخراج تقني محكم، بل قدّم موقفًا فنيًا. اختار أن يكون المسرح فعلاً مقاوِمًا للعبث، ومساحة لاستعادة الإنسان من فوضى اليومي، وهو ما يجعل من رؤيته الإخراجية قيمة حقيقية تضعه ضمن المخرجين الذين لا يكتفون بسرد الحكاية، بل يصوغون من الخشبة أفقًا مفتوحًا على الأسئلة والدهشة.

ومن زاوية التمثيل – الفنان إيهاب محفوظ:
في حضرة الأداء الصادق، تخفت اللغة خجلًا، وتتقدم الروح وحدها لملاقاة الحقيقة. هكذا كان إيهاب محفوظ في دوره كالموظف العاشق بصمت؛ لا يجيد ترتيب الكلمات، لكنه ينسج العاطفة من نظرة مرتجفة، أو تنهيدة متقطعة، كأنه تجسيد حيّ للعاشق الصوفي الذي لا يقول "أحبك"، بل يحياها بصمته وخوفه ولهفته.
أدّى محفوظ الدور بإيمان العارف في ليل التجلي، فجعل من الصمت بيانًا، ومن الارتباك يقينًا، ومن الحبّ فعلاً لا يُقال بل يُعاش. لكنه، ببراعة تحبس الأنفاس، لم يبقَ أسيرًا لهذا المقام العاطفي الشفيف، بل قفز بخفة المتمكن إلى لحظات كوميدية مفعمة بالحيوية، دون أن يفقد صدقه لحظة.
فاجأنا بقدرته على انتزاع الضحك النبيل، ليس عبر إفيه مُفتعل، بل بتوقيت مدروس ونبرة إنسانية عذبة، ليثبت أنه ممثل شامل، يجيد الانتقال بين العشق والخفة، بين التأمل والطرافة، كمرآة تعكس ألوان النفس كلها.
أداء إيهاب محفوظ كان احتفالًا بالإنسان: العاشق، الخائف، الضاحك، الصامت. وكان في كل ذلك نقيًّا، متزنًا، ومضيئًا كقنديل اشتد لمعانه حين خُيّل إلينا أنه انطفأ.
وهكذا، تكامل أداء إيهاب محفوظ في أبهى صوره، ممثلًا يمتلك طيفًا واسعًا من التعبير، يتنقل بسلاسة بين خفوت العشق ومرح المفارقة، بين السكون العميق وخفة الظل، ليؤكد أنه فنان شامل، يجيد أن يكون المرآة التي تعكس ألوان النفس كلها، دون أن يفقد اتزانه أو صدقه لحظة واحدة. في أدائه، وجدنا التمثيل كما يجب أن يكون: فنًا نابضًا، مفعمًا بالحياة، قادرًا على أن يلمسنا في أعمق نقطة، سواء همس أو ضحك أو صمت.

ومن زاوية التمثيل – الفنان أمنية حسن:
في كل لحظة تطلّ فيها أمنية حسن على الخشبة، تشعر أن الكيان المسرحي نفسه يستعيد عافيته، كما لو أن طاقة قديمة وُلدت من جديد في جسدٍ مفعم بالحيوية والصدق. لم تكن في عرض يمين في أول شمال مجرد ممثلة تؤدي دور الزوجة، بل كانت كائنًا مسرحيًا كاملاً، يتنقل بسلاسة بين دراما الواقع وكوميديا المفارقة، وبين الغناء والرقص، دون أن ينفلت منها الخيط الداخلي الدقيق الذي يربط الشخصية بجوهرها الإنساني.
تمتلك أمنية حسن قدرة لافتة على التلوّن اللحظي، فهي حين تُحاور تكون الزوجة الحقيقية، الطيبة، العفوية، الموجوعة بصمتها، وحين تغني تُحيل المسرح إلى موجة عاطفية تطفو فوقها المشاعر بصدقٍ خالص. غناؤها لا يستعرض الصوت، بل يعبر عن الإحساس، وحين ترقص لا تقدم رقصة بل تنسج إيقاعًا دراميًا بجسدٍ يتكلم أكثر من اللغة نفسها.
أما في المشاهد الكوميدية، فقد أظهرت خفة ظل ذكية، لا تقع في فخ التهريج، بل تستمد ضحكتها من ذكاء الموقف وسرعة البديهة، وتوقيتها الكوميدي شديد الدقة. ومن جهة الأداء الدرامي، بدت شفافة وعميقة، تتقن التعبير عن الانكسار بنفس الجودة التي تؤدي بها لحظات الفرح، كأنها ممثلة خُلقت من نسيجٍ يجمع الحس العالي والخبرة الحقيقية والانفعال النقي.
أمنية حسن، في هذا العرض، لم تكن فقط ممثلة شاملة، بل كانت روح العرض النابضة. هي من أعطت للعمل قلبه الدافئ وصوته العذب ونبضه الإنساني، مؤكدة أنها ليست فقط مؤدية ممتازة، بل فنانة حقيقية تعرف كيف تحوّل كل تفصيلة — نظرة، كلمة، نغمة، حركة — إلى لحظة مسرحية كاملة، حقيقية، وخالدة في وجدان الجمهور.
… مؤكدة أنها ليست فقط مؤدية ممتازة، بل فنانة حقيقية تعرف كيف تحوّل كل تفصيلة — نظرة، كلمة، نغمة، حركة — إلى لحظة مسرحية كاملة، حقيقية، وخالدة في وجدان الجمهور.
وكأنها درويشة على خشبة مقدّسة، ترقص بروحها لا بجسدها، وتغني من قاع قلبٍ امتلأ بالحياة، ثم تعود لتضحك كمن فاجأته نعمة الرضا. أمنية حسن لا تمثل فحسب، بل تعبر بين عوالم الشعور كما تعبر الأرواح بين المقامات، من حزنٍ عميق إلى فرحٍ صافٍ، من الدمع الخفي إلى النكتة الطازجة، دون أن تفقد اتصالها بجوهر الشخصية أو بجوهرها كفنانة.
هي لا تؤدي، بل تتجلى، تخرج من ذاتها لتسكن الشخصية، ثم تعود منها كما يعود العارف من خلوته: أكثر صفاء، وأصدق أثرًا. وهذا ما يجعل أداءها لا يُنسى، لأنه ليس مجرد تمثيل، بل حالة عشق مسرحي خالص، يُمارَس كما يُمارَس الذكر، بخشوع المتبتّلين ودهشة المحبّين.

من زاوية التمثيل - الفنان والمخرج عبد الله صابر:
أن تكون مخرج العرض وأن تؤدي فيه دورًا محوريًا، فتلك مهمة مزدوجة لا يجرؤ عليها إلا من يمتلك حسًا فنيًا رفيعًا، وقدرة على الفصل بين عين المخرج ووجدان الممثل، عبد الله صابر فعل ذلك ببراعة نادرة، وجعل من حضوره على الخشبة لحظة صدق حقيقية، لا تشبه الاستعراض ولا تنزلق إلى الادعاء. تقمص شخصية "الممثل الصاعد" بانسيابية تنتمي إلى مدرسة الأداء الصافي، حيث البساطة قناع للعمق، والارتجال المحسوب يُخفي خلفه حرفية دقيقة.
في أدائه، لمسنا مزيجًا نادرًا من العفوية والوعي، فقدّم شخصية تحمل أوجاعها على مهل، دون صخب، وجعل من انفعالاته أدوات تعبير شفافة، لا تطرق باب المبالغة، بل تهمس بالحقيقة كما لو كانت تُستدعى من داخله لا من الورق. بدا وكأنه لا يمثل الدور، بل يعيشه، كأنما يستحضر شيئًا دفينًا من ذاته، ويعيد ترجمته على الخشبة بترجمة ناعمة، تحمل كل حنين الإنسان إلى فرصته المؤجلة، وكل توجّس الفنان من أن يضيع صوته في الزحام.
ومن ثم، فأداء عبد الله صابر كان مثالاً للسهل الممتنع، ذلك النوع من التمثيل الذي يخدعك ببساطته لكنه يمسكك من أعماقك. كانت تعبيراته متزنة، وصوته مدروسًا، ونظراته تقود المشهد دون حاجة إلى تعقيد. وقدرته على التحول من الممثل المتردد إلى الفنان المنطلق جاءت بتصعيد درامي مدهش، عكس فهمه العميق للحظة المسرحية وتوقيت الانفعال.
وإذا كانت عين المخرج قد ضبطت إيقاع العرض ككل، فإن جسد الممثل فيه كان نابضًا بالحياة، يجعلنا نوقن أن عبد الله صابر لا يكتفي بإدارة الخشبة من بعيد، بل يعرف كيف يسكنها، وكيف يمنحها حضوره بكل ما فيه من احتراف وتواضع وصدق. من يشاهده، يدرك أنه ليس أمام فنان موهوب فحسب، بل أمام مشروع متكامل لمخرج وممثل، سيكون له شأن كبير في مستقبل المسرح، لأنه يجيد الإصغاء للنص، ولقلبه هو أيضًا.

الموسيقي - مروان خاطر:
في عرض يمين في أول شمال، لم تكن موسيقى مروان خاطر مجرد خلفية صوتية، بل كانت كائنًا دراميًا ينهض بجانب النص والإخراج والتمثيل، ليُكمل معهم نسيج الحالة المسرحية. جاءت موسيقاه كأنها صوتٌ خفيّ للشخصيات، تقول ما عجزوا عن قوله، وتبكي حين يصمت الحزن، وتبتسم حين يُخفق القلب خجلًا من الفرح، ومن ثم فقد اتسمت موسيقى خاطر بالبساطة المحسوبة، والقدرة على التسلل إلى عمق اللحظة دون أن تفرض حضورها، مما منح العرض نغمة شعورية متصلة، وخلق توازنًا بين تصعيد الموقف وانفراجه. في المشاهد الصامتة، كانت الموسيقى تملأ الفراغ بمعنى، وفي لحظات الحوار، لم تنافس الصوت البشري، بل احتضنته، أما على مستوى البناء الدرامي، فقد أدّت الموسيقى دورًا وظيفيًا وجماليًا معًا: ساهمت في تحديد المزاج العام، وفي توجيه انفعال المتلقي دون أن تُغلق عليه أفق التأويل. فهي ليست إملاءً عاطفيًا، بل مرايا حسية تعكس ارتباك الشخصيات، واحتياجاتها العاطفية، ومفارقاتها النفسية.
باختصار، موسيقى مروان خاطر في هذا العرض كانت كالنَفَس بين الكلمات، والظل بين الإضاءة، لا يمكن أن تُرى وحدها، لكنها إذا غابت، اختلّ الإحساس. وهكذا أدّى دوره كمؤلف موسيقي بروح درامية ناضجة، تدرك أن الموسيقى ليست زينة العرض، بل أحد أركانه الجوهرية.

الديكور – باسم وديع:
في عرض يمين في أول شمال، كان ديكور باسم وديع أكثر من مجرد إطار بصري للأحداث، بل كان فضاءً نفسيًا مكتمل الأركان، يُعبّر عن الشخصيات ويُجسّد عالمها الداخلي بلغة صامتة، لكنها نابضة بالمعنى. قدّم وديع بيتًا متواضعًا، تغلب عليه الفوضى والتفاصيل الصغيرة، لكنه لم يكن بيتًا عابرًا، بل امتدادًا مباشرًا لحالة إنسانية تفيض بالحميمية والتناقض.
صور الممثلين المعلّقة على الجدران، جهاز الكاسيت القديم، توزيع الأثاث بعشوائية رقيقة، كلها كانت علامات تُخبرنا عن تاريخ هذه العائلة بصمت بالغ التأثير. هذا البيت بدا كأنه كائن حي، يختزن الذكريات والحرمان، والفرح البسيط، ويستدعي المشاهد للدخول إليه لا كمراقب خارجي، بل كضيف مرحّب به في قلب الحكاية.
أهمية هذا التصور الديكوري أنه لم يكن زينة للمشهد، بل شريكًا في السرد، إذ منح العرض صدقه البصري، وعمّق شعور المشاهد بالانتماء إلى العالم المسرحي. استطاع باسم وديع أن يخلق مساحة مسرحية توحي بالدفء والضيق معًا، بالحبّ المبعثر بين الجدران، وبالحلم الذي يعيش في أماكن منسية.
الديكور، بهذا المعنى، لم يخدم فقط الجانب الواقعي للنص، بل عزز بعده العاطفي والنفسي، وأضفى عليه قيمة شعورية عالية، جعلت الخشبة أقرب إلى حضن عائلي دافئ منه إلى خشبة جامدة. وهكذا نجح باسم وديع في تقديم رؤية تصميمية عميقة، تعكس فهمه للمسرح كفن ينهض من التفاصيل ليبني عالَمًا يمكن أن يُسكن القلب قبل العين.

الإضاءة والدعاية وفريق الإخراج: مساحات خلف الضوء
إضاءة – أحمد طارق
جاءت إضاءة أحمد طارق في عرض يمين في أول شمال ككائن خفيّ يرشد المزاج العام دون أن يطغى، فاختار أن يُضيء المساحات النفسية قبل أن يضيء الأماكن. اعتمد على درجات دافئة، مائلة إلى الخفوت، تعكس طبيعة الحدث الليلي وتُعزّز شعور الحميمية والانغلاق الداخلي. وفي لحظات التوتر أو المفارقة، كان يلجأ إلى تحولات ناعمة ترفع الإيقاع دون صدمة، مما أضفى على العرض توازنًا بصريًا خالصًا، وحافظ على رهافة الشعور دون انقطاع.

دعاية – أحمد مجدي
في عالم مسرحي يُهمل أحيانًا قيمة الترويج، جاءت دعاية أحمد مجدي لتُبرز العمل ببساطة ووضوح دون تكلّف، ملتقطة روحه الإنسانية، ومُعرّفة الجمهور بجوهره بعيدًا عن الضجيج التسويقي المعتاد. استطاعت الدعاية أن تعكس الطابع الحميمي والواقعي للعرض، مما أسهم في بناء انطباع صادق لدى المتلقي حتى قبل دخوله القاعة.

مساعدا الإخراج – محمد خالد وريم مختار
بقيادة واعية وهادئة، شكّل محمد خالد وريم مختار دعمًا حقيقيًا للعرض، متوليين التنسيق والتنفيذ بتوازن يُظهر فهمًا حقيقيًا للوظيفة الإخراجية المساندة. وجودهما خلف الكواليس كان ملحوظًا في انضباط العرض وسلاسته، وفي حسن إدارة الانتقالات الزمنية والبصرية بين المشاهد.

المخرج المنفذ – بسنت علي
أما بسنت علي، كمخرج منفذ، فقد حملت على عاتقها تحويل الرؤية الإخراجية من مجرد تصور إلى فعل حيّ على الخشبة، فأدارت التفاصيل الدقيقة، وضبطت الإيقاع العام، وسهرت على تناغم العناصر جميعها، لتخرج لنا التجربة مكتملة ومتوازنة، دون أن يشعر المتفرج بالتشويش أو الارتباك.
كل هؤلاء، وإن بدوا خلف الستار، كانوا جزءًا أصيلًا من نبض العرض، وأسهموا، كلٌّ بطريقته، في أن يصل يمين في أول شمال إلى الجمهور لا كمشهد تمثيلي، بل كحالة إنسانية مكتملة الظلال.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البلبوص ! ( من القصص السياسي )
- نجيب محفوظ .. عين الفلسفة في الحارة المصرية ( الجزء الثالث )
- نجيب محفوظ .. عين الفلسفة على الحارة المصرية ( الجزء الثاني ...
- نجيب محفوظ .. عين الفلسفة على الحارة المصرية ( الجزء الأول )
- التغيير التربوي وتوسيع آفاق التفكير النقدي
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء العاشر - الحلقة الأخيرة ...
- السينوغرافيا في مسرح الغرفة: إعادة إنتاج الفضاء وإعادة تعريف ...
- مسرح العبث: الوعي في حضرة اللاجدوى
- مسرحية حكايات الشتا رائعة المخرج محمد العشري على مسرح الغد
- السعادة بين الفلسفة والعرفان: دراسة مقارنة في تصور ابن سينا ...
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء التاسع - الحلقة السابعة ...
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الثامن - الحلقة السادسة ...
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء السابع - الحلقة الخامسة ...
- أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء ا ...
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء السادس - الحلقة الرابعة ...
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء السادس )
- أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء ا ...
- أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء ا ...
- أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء ا ...
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الخامس )


المزيد.....




- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لجميع المحافظات الدور الاول ...
- الأول له بعد 4 سنوات دون دعاية.. جاستن بيبر يفاجئ معجبيه بأل ...
- برقم الجلوس الآن.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ف ...
- “رابط شغال” نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس فقط كافة التخ ...
- استعلم برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- القديسة آجيا كاترين.. تاريخ أيقونة اللغة والجغرافيا والتاريخ ...
- “رابط فعال” نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس جميع التخصصات ...
- سراييفو.. مهرجان -وارم- يحتفي بإرث غزة وسوريا وأوكرانيا و-عا ...
- “متوفر الآن” رابط الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ج ...
- ألف مبرووك.. موعد ظهور نتائج الدبلومات الفنية 2025 ورابط الإ ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - العرض المسرحي يمين في أول شمال رائعة المخرج عبد الله صابر