أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - غياب الإداري المبدع وأزمة الثقافة العربية














المزيد.....

غياب الإداري المبدع وأزمة الثقافة العربية


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8451 - 2025 / 8 / 31 - 03:20
المحور: الادب والفن
    


تعيش الساحة الثقافية في الوطن العربي، ومصر بوجه خاص، أزمة صامتة لكنها عميقة، تتمثل في غياب "الإداري المبدع". هذا الغياب لم يعد مجرد ملاحظة عابرة، بل تحول إلى ظاهرة أثرت بصورة مباشرة على مسار الثقافة العربية، وأدت إلى تراجعها خطوات واسعة إلى الخلف.
ففي كثير من المؤسسات الثقافية، يتصدر المشهد إداريون يجيدون لغة اللوائح والملفات، لكنهم يفتقرون إلى الرؤية التي تصنع حياة ثقافية متجددة. وعندما يغيب الإداري المبدع، يتحول النشاط الثقافي إلى مجرد إجراءات شكلية، بينما يبقى جوهر الإبداع معلقاً في الهامش.
من يتابع فعالياتنا ومهرجاناتنا الكثيرة، يلاحظ كيف تتصدر الصفوف الأولى أسماء تكررت حتى صارت مألوفة أكثر من اللازم، بينما المبدع الحقيقي الذي يملك مشروعاً فنياً أو فكرياً جديداً، لا يجد مكاناً يليق به، أو ربما يغيب تماماً. المشهد يبعث على التساؤل: كيف غاب أصحاب الرؤية، وبرز أصحاب الحضور الشكلي؟
لا يمكن إنكار أن غياب المبدع الحقيقي عن هذه الفعاليات ليس مجرد صدفة، بل نتيجة تراكمات إدارية وثقافية. فالمؤسسات في كثير من الأحيان تتعامل مع المبدع من زاوية "الصعوبة"، لأنه يحتاج إلى فضاء حر وقرارات مرنة واهتمام خاص، بينما الأسهل دائماً أن يُستبدل بمن يكتفي بالظهور والتكرار. وهنا تبرز المشكلة: الثقافة تتحول إلى واجهة احتفالية، بينما جوهرها يغيب.
وحين نسافر إلى الخارج، يتجسد هذا الخلل في صورة سؤال يطرحه الآخرون علينا: "أين أنتم بين العالم؟". السؤال ليس استنكارياً بقدر ما هو إشارة إلى غياب الحضور الثقافي العربي في المشهد العالمي. العالم ينتظر مساهمة جديدة من الشرق، لكنه لا يجدها. وهذا الغياب يجعلنا نشعر أن ما نخسره ليس فقط مكانة في المهرجانات الدولية أو أسواق النشر، بل نخسر صورة أوسع عن أنفسنا أمام الآخر.
الثقافة في أصلها هي الرئة التي تتنفس بها الشعوب، وهي جسر التواصل مع الحضارات الأخرى. لكن هذه الرئة بحاجة إلى جهاز إداري سليم يمنحها الهواء، لا أن يضغط عليها. فالإدارة هنا ليست مجرد تسيير عمل، بل هي رؤية ومبادرة. والإداري المبدع هو الذي يفتح أبواب المؤسسات أمام الطاقات الجديدة، لا الذي يغلقها أو يكتفي بتكرار الأسماء ذاتها.
إن الحاجة اليوم ملحّة لإعادة النظر في مفهوم "الإدارة الثقافية". فالمسؤول الثقافي الناجح ليس فقط من ينظم المؤتمرات ويجهز الجداول، بل من يطرح أسئلة جديدة ويمكّن المبدعين من تحقيق مشروعاتهم. هو الذي يفهم أن قيمة منصبه تقاس بما يضيفه إلى المشهد، لا بما يملكه من صلاحيات أو أختام.
ولعل أخطر ما يواجه الثقافة العربية اليوم ليس ندرة المبدعين، فالمبدعون موجودون وكثيرون، وإنما ندرة من يفسح لهم المجال ويدرك أهميتهم. غياب الإداري المبدع يعني ببساطة أن الثقافة تتحرك بلا بوصلة، وأن حضورها العالمي يظل ضعيفاً مهما كثرت المهرجانات والاحتفالات.
من هنا يصبح لزاماً أن نعيد ترتيب الأولويات: أن تكون المؤسسات الثقافية منصات لدعم الإبداع لا لإعادة تدوير الأسماء، وأن يكون الهدف هو صناعة مشهد ثقافي حيّ، يعبر عن طاقات المجتمع وتطلعاته، لا مجرد تكرار مشاهد احتفالية. عندها فقط يمكن أن نعيد الإجابة عن السؤال الذي يطرحه الآخرون: "أين أنتم بين العالم؟".
الإجابة لن تأتي عبر الخطب ولا عبر كثرة الفعاليات، بل عبر عمل جاد يربط بين المبدع والإداري المبدع، بين الفكرة والقدرة على تنفيذها. وإذا تحقق هذا التوازن، فإن الثقافة العربية لن تعود غائبة، بل ستجد مكانها الطبيعي في المشهد العالمي، كصوت أصيل يملك ما يقدمه ويستطيع أن يسمع الآخرين صوته بوضوح.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب مطرقة الساحرات (Malleus Maleficarum) لهينريش ك ...
- حين تلتقي الفلسفة بالجن والسحرة:
- قراءة في كتاب حصاد الفضائيين للكاتبة الأمريكية ليندا ميلتون ...
- مختصر دراسة بعنوان -نحو ذائقة فلسفية جديدة في نقد السرد وتحو ...
- شرائح بحجم حبة الأرز تتحكم في العقول وأحداث العالم أجمع!
- قراءة في كتاب ( المصري - The Egyptian by Mika Waltari Transl ...
- قراءة نقدية في الرواية الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية -غ ...
- دراسة مقارنة بين مهرجانات المسرح في مصر والعالم
- النجم يحي الفخراني وعرض الملك لير على المسرح القومي نسخة عام ...
- غزة تحت القصف وضمير العالم في غرفة الإنعاش
- ثورة ٢٣ يوليو والتعليم .. حين تصبح الطباشير شعلة ...
- النظرية الكمية تثبت أن هناك ملايين يشبهونك
- العرض المسرحي يمين في أول شمال رائعة المخرج عبد الله صابر
- البلبوص ! ( من القصص السياسي )
- نجيب محفوظ .. عين الفلسفة في الحارة المصرية ( الجزء الثالث )
- نجيب محفوظ .. عين الفلسفة على الحارة المصرية ( الجزء الثاني ...
- نجيب محفوظ .. عين الفلسفة على الحارة المصرية ( الجزء الأول )
- التغيير التربوي وتوسيع آفاق التفكير النقدي
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء العاشر - الحلقة الأخيرة ...
- السينوغرافيا في مسرح الغرفة: إعادة إنتاج الفضاء وإعادة تعريف ...


المزيد.....




- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية
- فيلم -ساحر الكرملين-.. الممثل البريطاني جود تدرّب على رياضة ...
- إبراهيم زولي يقدّم -ما وراء الأغلفة-: ثلاثون عملاً خالداً يع ...
- النسخة الروسية من رواية -الشوك والقرنفل- تصف السنوار بـ-جنرا ...
- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما
- سعد الدين شاهين شاعرا للأطفال
- -جوايا اكتشاف-.. إطلاق أغنية فيلم -ضي- بصوت -الكينج- محمد من ...
- رشيد بنزين والوجه الإنساني للضحايا: القراءة فعل مقاومة والمُ ...
- فيلم -ساحر الكرملين-...الممثل البريطاني جود لو لم يخشَ -عواق ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - غياب الإداري المبدع وأزمة الثقافة العربية