أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - احمد عناد - السؤال الأزلي القدر والإرادة














المزيد.....

السؤال الأزلي القدر والإرادة


احمد عناد

الحوار المتمدن-العدد: 8460 - 2025 / 9 / 9 - 09:23
المحور: قضايا ثقافية
    


منذ فجر الوعي الإنساني، لم يكفّ البشر عن سؤال واحد يطل برأسه في كل عصر: هل نحن من نصنع مصيرنا بوعينا وإرادتنا، أم أن كل شيء قد كُتب منذ الأزل، وما نحن إلا شهود على سيناريو لا نملك إلا أن نؤديه؟

ديكارت، فيلسوف الشكّ واليقين، كان يرى أن حرية الإرادة هي الدليل الأوضح على عظمة الروح الإنسانية. ففي لحظة القرار، حين يقف الإنسان بين طريقين، يشعر بسلطان داخلي لا يوازيه شيء؛ وكأن القدرة على الاختيار أكبر من كل قوانين الطبيعة. عنده، الحرية ليست مجرد خاصية ثانوية، بل هي برهان على أننا لسنا مجرد آلات، وأن هناك فينا شرارة متعالية على الأسباب.

لكن سبينوزا، فيلسوف الضرورة، جاء ليقلب الصورة رأساً على عقب. عنده، الإنسان يظن أنه حر لأنه يعي رغباته، لكنه لا يعي الأسباب التي جعلت هذه الرغبات تنشأ فيه. الحرية، إذن، ليست أكثر من وهم. نحن مثل حجر يتدحرج من أعلى الجبل، يظن أنه يختار اتجاهه لأنه يشعر بالحركة، لكنه في الحقيقة خاضع لقوة دفعتْه من البداية. ومع ذلك، لم يكن سبينوزا عدواً للحرية كما قد يُفهم؛ فقد أعاد تعريفها قائلاً: الحرية الحقيقية أن تفهم الضرورة، أن تدرك القوانين التي تسير الكون، فتتحد بها بدل أن تتمرد عليها.

وهنا يظهر البعد الصوفي في أبهى تجلياته: فالعارفون بالله يقولون إن الحرية الكبرى لا تُنال بالتمرّد على القدر، بل بالانسجام معه. إن إرادتك حين تتصالح مع إرادة الوجود، تصبح حراً حقاً. كأن الحرية ليست في أن تقول “أنا أريد”، بل أن تكتشف أن ما تريده هو عين ما أراده الله لك. ابن عربي يشير إلى أن العبد حر إذا رأى كل شيء منسوجاً في بساط المشيئة الإلهية، ومع ذلك لم يتخلَّ عن مسؤوليته في السلوك. فالقدر عنده ليس قيداً، بل طريقاً مفتوحاً بينك وبين الحق، وفيه تختبر صدقك في السير.

لعلّ ما جمع ديكارت وسبينوزا على اختلافهما هو أنهما جعلا الإنسان في مواجهة ذاته. ديكارت رفع شأن الإرادة لتكون الدليل على أننا أكثر من جسد فيزيائي، بينما سبينوزا وضعنا أمام حتمية كونية لنعي أن وعينا ليس سيّداً مطلقاً. أمّا التصوف فقد أضاف بعداً آخر: أن الحرية ليست في إثبات الذات ولا في إنكارها، بل في تذويبها في بحر أكبر، حيث يصبح القدر والاختيار وجهين لعملة واحدة.

فالقدر قد يكون الأفق الذي رُسم لنا، أما الحرية فهي الخطوط التي نخطها داخله. وفي النهاية، ليست القضية في أن نعرف أيهما أسبق: القدر أم الإرادة، بل في أن نكتشف كيف نحيا هذا التوتر بسلام، وكيف نحول السؤال من جدل عقلي إلى تجربة وجودية. حينها فقط نفهم أن الحياة رقصة خفية بين ما نريده نحن وما يريده لنا الغيب، وأن أجمل الحرية قد تكمن في التسليم، لا في الصراع



#احمد_عناد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل التجميعي والعقل الخلاق
- العراق في عين العاصفة الداخل المأزوم والضغط الاقليمي
- الدين بين العبادة والاخلاق وسؤال الاستغلال ج1
- استغلال الدين في الديانات الغنوصية ج2
- لا الحسين وصوت اليوم
- المثقف في مراة السؤال السقراطي
- على تخوم الانهيار هل يعيد العراق ماساة السودان
- الخرافة ..حين يستحمر العقل
- النعرات والانقسام والفرصة الاخيرة
- إيران بين نيران حرب الأيام ال 12
- الشخصية الإيرانية: عقلية البقاء وجدلية التمايز في التاريخ وا ...
- المقاومة بين المبادي والدنس
- جحيم السجون
- فليم قطار الاطفال
- حياة الماعز فليم
- العراق الاقلام ام البنادق
- كلمة الصدر وشروطها
- مؤتمر بغداد
- جبران خليل جبران، وعلي شريعتي والحمار والاستحمار
- اثر الكوبرا


المزيد.....




- تقديرات لحجم الإنفاق العسكري لدول الناتو.. إليكم كم بلغ
- مروان المعشّر لـCNN: لا يجب الاكتفاء بالاعتراف بالدولة الفلس ...
- أنباء عن تغير في موقف حماس، وتحذيرات من كارثة إنسانية بسبب إ ...
- إلى أي حد يعتبر إجلاء كامل مدينة غزة أمرًا واقعيًا؟
- مشاريع فرنسية معلقة ومهددة بسبب سقوط الحكومة
- غباغبو وثيام خارج قائمة مرشحي الرئاسة بكوت ديفوار
- برنامج التجسس الإسرائيلي -غرافيت- بين يدي وكالة الهجرة الأمي ...
- بريتوريا تلغي مناورات بحرية مع روسيا والصين بسبب قمة العشرين ...
- عشرات الشهداء والمفقودين بغزة ووزارة الصحة ترفض مغادرة منشآت ...
- مبادرات لتعليم الأطفال في ظل الدمار الواسع للمدارس بقطاع غزة ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - احمد عناد - السؤال الأزلي القدر والإرادة