حسن مدبولى
الحوار المتمدن-العدد: 8453 - 2025 / 9 / 2 - 15:43
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
منذ عقود طويلة تتوالى أمام أعيننا مآسي الأقليات المضطهدة حول العالم، لكن ما يكشف الوجه القبيح للسياسة الدولية هو ذلك التباين الفاضح في المواقف؛ إذ تُرفع شعارات حقوق الإنسان حين تخدم المصالح، بينما تُدفن الأصوات وتُغضّ الأبصار حين تتعارض مع الحسابات الاستراتيجية.
وقضية التاميل في سريلانكا تمثل مثالاً صارخاً على هذه الازدواجية. فبينما لم يهدأ الغرب حتى حصلت الأقلية المسيحية في تيمور الشرقية على استقلالها من أندونيسيا عام 2002، تُرك شعب التاميل وحيداً في مواجهة آلة القمع السريلانكية السنهالية .
فمنذ عام 1976، اندلع الصراع بين الأغلبية السنهالية الحاكمة والأقلية التاميلية فى جمهورية سيريلانكا، حيث طالبت الاقلية التاميلية بحق تقرير المصير. وقادت منظمة "نمور التاميل" الكفاح المسلح لعقود، وقدّموا آلاف الضحايا، دون أن يتحرك العالم لنصرتهم.
وفي عام 2009 بلغت المأساة ذروتها: حصار شامل، مدن مدمَّرة، آلاف المدنيين يُبادون إلى جانب المقاتلين، ونساء يشكّلن ثلث صفوف المقاومة يُقتلن ويُقمعن في صمت.وأطفال يحرقون فى خيام النزوح،ومع كل ذلك لم يتدخل مجلس الأمن بجدية، كما لم تتحرك القوى الكبرى، فيما انحازت الهند – رغم روابطها العرقية والثقافية بالتاميل – إلى السلطة الحكومية السريلانكية حفاظاً على مصالحها. وكانت الحصيلة كارثية: نحو مائة ألف قتيل اغلبهم من المدنيين التاميل، اغتيال قادة الحركة وعلى رأسهم فيلوبيلاي برابهاكران، وانهيار حلم "نمور التاميل"، وتهجير أكثر من 800 ألف إنسان من أرضهم التاريخية إلى مراكز احتجاز .
وما أقرب هذه المأساة لمشهد غزة اليوم! فالتاريخ يعيد نفسه: حصار خانق، قصف شامل، استهداف المدنيين وتجويعهم عمداً، وصمت دولي ثقيل لا يقطعه سوى بيانات جوفاء. وكما تُرك التاميل بالأمس ليموتوا بلا نصير، يُترك الفلسطينيون اليوم وحدهم في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية، بينما يُكافَأ المعتدي بالدعم السياسي والتغطية الإعلامية.
إن دروس التاريخ واضحة: العدالة الدولية عرجاء، وحقوق الإنسان لا تُمنح بالحق، بل تُوزَّع وفق المصالح والتحالفات. وبينما تُنصر شعوب "محظوظة" كأهل تيمور الشرقية ، وسكان السويداء السورية ، تُترك شعوب أخرى – كالتاميل بالأمس، والفلسطينيين اليوم – لتواجه مصيرها وحيدة في صمت.
#حسن_مدبولى
#حسن_مدبولى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟