أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بسام العمري - -الوطن وحقوق المواطن: نحو مجتمع يقوم على الكرامة والحرية-














المزيد.....

-الوطن وحقوق المواطن: نحو مجتمع يقوم على الكرامة والحرية-


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 08:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الوطن ليس مجرد قطعة أرض محددة الحدود، بل هو فضاء يحوي معنى أعمق يمتد إلى جذور الهوية والانتماء، حيث يشعر فيه الإنسان بالأمان والكرامة. فالوطن المثالي هو كيان يحتضن مواطنيه ويقدم لهم حقوقهم الأساسية، في مقابل ما يتحملونه من واجبات. لكن هذا الوطن الحقيقي لا يُبنى فقط على الانتماء الجغرافي، بل على أساس من القيم الإنسانية كالمساواة، والعدالة، والاحترام. حينما سُئل الفيلسوف جان جاك روسو عن الوطن، أجاب بأن الوطن هو حيث لا يُباع الإنسان ولا يُشترى، وحيث لا يضطر الفقير لبيع نفسه، في إشارة إلى ضرورة العدالة الاجتماعية واحترام كرامة الفرد.
الوطن هو المكان الذي يولد فيه الإنسان ويشعر بالانتماء إليه، وهو الحيز الذي يضم الأفراد ويوحدهم حول لغة وثقافة وتقاليد مشتركة، لكنه أيضًا كيان تتجلى فيه قيم العدالة والمساواة. وكما قال جان جاك روسو، الوطن الحقيقي هو ذلك الذي يحفظ كرامة الإنسان ويحميه من أن يصبح سلعة تُباع وتُشترى، بحيث لا يُسحق الفقير تحت وطأة الحاجة ولا يسيطر الغني على مقدراته.
أما المواطنة، فهي الرابط الذي يُعبر عن العلاقة بين الفرد والدولة، وتتجسد في الحقوق التي تضمنها الدولة للفرد وفي الواجبات التي يُطالب الفرد بالوفاء بها تجاه الدولة. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" [الحجرات: 13]، في إشارة إلى أن الكرامة الإنسانية لا تتعلق بالمال أو الطبقة، بل بالتقوى والالتزام بالقيم.
تشكل الحقوق الأساس الذي يمنح المواطن الشعور بالانتماء الحقيقي، فهي تشمل حقه في التعليم، والرعاية الصحية، والأمن، والحريات المدنية والسياسية. ويعزز ذلك قول الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" [النساء: 58]، حيث يُؤكد الإسلام على أهمية العدل كركيزة للمجتمع.
أما الواجبات، فهي التزام المواطن بالقوانين، واحترام حقوق الآخرين، والعمل لصالح المجتمع ككل. وقد أشار النبي محمد ﷺ إلى أهمية التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع حين قال: "مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ، إذَا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ وَالحُمَّى"، ليعكس مفهوم المواطنة في إطار من التعاون والتكافل.
تُعد الخدمات العامة من أهم ركائز الوطن المثالي، حيث ينبغي أن تُقدّم الدولة خدمات تشمل التعليم، والرعاية الصحية، والبنية التحتية، وخدمات النقل، لجميع المواطنين بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية. وتؤكد هذه الخدمات على أن الدولة تُعامل مواطنيها بمساواة وتمنحهم فرصًا متكافئة.
يأتي الاقتصاد ليكمل الصورة، فهو أساس لتحقيق العدالة الاجتماعية والحد من الفجوات بين الطبقات. يرى آدم سميث، رائد الفكر الاقتصادي الحديث، أن الدولة لا يمكن أن تزدهر بدون اقتصاد قوي يحمي الأفراد من الفقر ويوفر فرص العمل، وبالتالي يشعر المواطنون بالكرامة والاطمئنان على مستقبلهم.
يشير الفيلسوف كارل ماركس إلى أن التفاوت الطبقي هو سبب رئيسي لانهيار المجتمعات، فحين تتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ينشأ الاستياء الاجتماعي، وتضعف الروابط بين الأفراد، مما يؤدي في النهاية إلى انحدار المجتمع. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ" [الحشر: 7]، في دعوة واضحة إلى ضرورة توزيع الثروات بعدالة.
إن وطنًا يستحوذ فيه الأغنياء على الموارد ويُترك الفقراء في المعاناة هو وطن غير عادل. يرى أفلاطون في "الجمهورية" أن الدولة المثالية هي التي تضمن لكل فرد فيها ما يلزمه ليعيش حياة كريمة، حيث لا يشعر الفقير بأنه يُستغل، ولا يشعر الغني بأنه فوق القانون.
الحرية هي الأساس الذي ينبني عليه الوطن المثالي، فهي تعطي الأفراد حقهم في التفكير والتعبير والاختيار. يقول الفيلسوف جون ستيوارت ميل: "الحرية لا تعني الفوضى، بل تعني الحق في التعبير والتفكير دون انتهاك حقوق الآخرين". في الوطن المثالي، يشعر كل مواطن بأنه حر، وأنه قادر على التعبير عن رأيه وممارسة حقوقه دون خوف من القمع أو التضييق.
تؤكد الدراسات التاريخية أن هناك عدة عوامل تؤدي إلى انهيار الدول وتدهور المجتمعات، من أبرزها:
1. الظلم الاجتماعي: حين يشعر المواطنون بعدم المساواة، يتدهور الإحساس بالانتماء، مما يؤدي إلى احتجاجات داخلية وتراجع الاستقرار.
2. التفاوت الطبقي: التركز المفرط للثروة في يد قلة يؤدي إلى شرخ في المجتمع وانعدام الثقة.
3. الفساد: حين يتفشى الفساد في مؤسسات الدولة، يفقد المواطنون الثقة في النظام ويتحول الوطن إلى ساحة للفوضى.
4. غياب الخدمات العامة الأساسية: الدول التي تهمل التعليم والصحة تتعرض لانهيار اجتماعي وفقدان القدرة على التنمية.
5. القمع وغياب الحرية: حين يُحرم المواطن من حريته، يختفي حس المواطنة، ويضعف الشعور بالانتماء.
الوطن المثالي هو حيث يجتمع الناس على قيم مشتركة من العدالة والكرامة والحرية، حيث تتوفر الحقوق ويتم الالتزام بالواجبات، وتُقدم الخدمات العامة، ويُبنى الاقتصاد بشكل متوازن، وتُصان الكرامة الإنسانية من خلال سياسات تمنع التفاوت الطبقي الفاحش. الوطن المثالي هو حيث يجد كل فرد في المجتمع مكانه، ويحترم حقوق الآخرين ويشعر بالالتزام تجاههم.
كما يقول أبو القاسم الشابي:
إذا الشعبُ يومًا أرادَ الحياةَ
فلا بدَّ أنْ يستجيبَ القدرْ
ولا بُدَّ لليلِ أن ينجلي
ولا بُدَّ للقيدِ أن ينكسرْ
الوطن الحقيقي هو ذلك الذي يشعر فيه الفرد بالكرامة والحرية، ويشعر فيه بالأمان والانتماء، ولا يخشى فيه أن يكون فقيرًا أو ضعيفًا. بهذا المفهوم الشامل، يكون الوطن مكانًا للسلام والأمل، ويحيا فيه الإنسان بكل كرامته وأصالته.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ظلّ رجل على الهامش-
- أهمية تدريس الرياضيات في رياض الأطفال
- -صمت العطاء وصخب الوهم -
- -في عمق الأرض يكمن السر-
- وصيّة الجرح وردُّ النور
- -إلى فراشتي... حيث يزهر اللقاء في الأبدية-
- عناصر تقييم النص: بين الكاتب والمصحح اللغوي
- ذاكرةٌ قلقة
- مذكّرات كاتب فقد صوته
- -الصراع بين القلب والعقل: تحليل أدبي وفلسفي لنص الأخطل الصغي ...
- الألعاب التربوية وأهميتها في رياض الأطفال: شواهد دراسية
- غيمة مرهقة
- أدب الطفل ومكانته في الأدب العربي
- سحر الإيقاع في الشعر العربي: بين التوتر النفسي ومرونة البنية ...
- حكاية فراشة بين النار وأزهار الصبار
- أوركسترا الخلاص: سيمفونية النجاة
- -بين رغيف السلطان وجوع الروح-
- الصفصاف الهرم


المزيد.....




- قطر: إسرائيل لم ترد على مقترح وقف إطلاق النار في غزة
- رغم تصريح النيابة العامة: إدارة سجن العاشر 4 تمنع محامي المب ...
- ما هي المخاطر الصحية لنقص الملح في طعامنا؟
- لحظة استهداف إسرائيل مستشفى ناصر في خان يونس ومقتل 20 شخصا م ...
- غزة في اليوم الـ690 من الحرب: مجاعة متفاقمة وعدّاد الموت لا ...
- رسالة قوية من بايرن ميونيخ.. البوندسليغا أمام مفترق طرق!
- أكبر بومة نادرة في العالم في الأردن.. وطريق جبلي غريب في الص ...
- بايرو يعتزم الطلب من البرلمان الفرنسي التصويت على الثقة بحكو ...
- صحف عالمية: على المجتمع الدولي العمل لتغيير حكومة إسرائيل
- ترامب يهاجم شبكتي تلفزيون أميركيتين ويهدد بسحب تراخيصهما


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بسام العمري - -الوطن وحقوق المواطن: نحو مجتمع يقوم على الكرامة والحرية-