أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عماد حسب الرسول الطيب - 15. الأممية الشكلية والديمقراطية الشكلية: أدوات هيمنة البرجوازية الصغيرة














المزيد.....

15. الأممية الشكلية والديمقراطية الشكلية: أدوات هيمنة البرجوازية الصغيرة


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 06:52
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


إن المعضلة التي تواجه الحركات الثورية في عالمنا اليوم ليست مجرد قصور تنظيمي داخلي أو عجز عن بناء جبهة أممية متماسكة، بل هي انعكاس مباشر لهيمنة البرجوازية الصغيرة على بنية هذه الحركات، سواء على صعيد مؤسساتها الداخلية أو على مستوى خطابها وعلاقاتها الخارجية. فالديمقراطية الشكلية داخل الأحزاب والهيئات الثورية ليست سوى صورة طبق الأصل من الأممية الشكلية التي تُرفع شعاراتها في المؤتمرات والبيانات دون أي التزام عملي. إن هذه الثنائية ليست مصادفة، وإنما تجسيد لوظيفة طبقية محددة: تحويل التنظيم الثوري من أداة للتحرر إلى ديكور يخدم استمرارية سلطة البرجوازية الصغيرة.

في داخل الأحزاب والتنظيمات، تمارس الديمقراطية الشكلية عبر مؤتمرات مغلقة لا يشارك فيها العمال والفلاحون إلا كأرقام صامتة، ولغة نخبوية تُقصي الجماهير الشعبية لصالح طبقة وسطى متعلمة تظن أن امتلاكها للأدوات الثقافية يمنحها الحق في قيادة الثورة. وتتحول الانتخابات الداخلية إلى مسرحيات هزلية تحكمها التوافقات المسبقة والولاءات الشخصية، لا الصراع الطبقي ولا إرادة القاعدة. بهذا الشكل، يتم تفريغ الديمقراطية من مضمونها الثوري، وتتحول إلى آلية لإعادة إنتاج قيادة بيروقراطية منفصلة عن القواعد الاجتماعية المفترض أن تمثلها.

وعلى المستوى الأممي، نجد الصورة ذاتها مكررة. فالأممية الشكلية لا تعني اليوم سوى بيانات تضامنية فخمة مع فلسطين أو شعوب أخرى، تُكتب بلغة رنانة لتزيين صورة التنظيم أمام الرأي العام، بينما تغيب المواقف العملية: لا دعم مالي حقيقي، لا إرسال متطوعين، لا بناء شبكات نضالية متكاملة. هكذا تتحول الأممية إلى واجهة ثقافية لا تختلف عن الديمقراطية الشكلية سوى في المسافة الجغرافية التي تغطيها. إن المضمون واحد: الاستعراض على حساب الممارسة.

إن الخطاب الثوري الذي يرفع شعارات العدالة والتحرر بينما يعيد إنتاج آليات الإقصاء ذاتها ليس إلا انعكاساً للطبيعة الطبقية للبرجوازية الصغيرة. فهي طبقة عاجزة عن الحسم: لا تستطيع أن تنخرط في الإنتاج المادي كما تفعل الطبقة العاملة، ولا تملك امتيازات رأس المال كما تملكها البرجوازية الكبرى. ولذلك، تلجأ إلى إخفاء عجزها وراء لغة راديكالية وتصرفات شكلية، لتحتفظ بموقع القيادة وتمنع انتقالها إلى البروليتاريا الثورية. إن هذه المفارقة هي ما يجعلها قوة محافظة في لحظة تُفترض أن تكون ثورية.

وتتجلى هذه النزعة بشكل أكثر وضوحاً في علاقة بعض التنظيمات بما يُسمى "المجتمع الدولي". فبينما تتغنى بالدعم الأممي للقضية الفلسطينية، نجدها مرتبطة عضوياً بمؤسسات غربية تمول أنشطتها وتشترط عليها ضبط خطابها بما لا يتعارض مع مصالح الإمبريالية. في لحظة الحرب في أوكرانيا، على سبيل المثال، رأينا كيف تحولت قطاعات واسعة من اليسار الأوروبي إلى أبواق للحلف الأطلسي، متذرعة بـ"حق الشعوب في تقرير المصير"، بينما تغاضت عن الطبيعة الطبقية للصراع وصمتت عن السياسات الإمبريالية التي كانت تقود المشهد. هنا يتضح أن الأممية الشكلية ليست سوى انعكاس لعلاقات تبعية مادية للبرجوازية الصغيرة تجاه المركز الرأسمالي العالمي.

أما التاريخ فقد قدم لنا نماذج مناقضة تكشف زيف هذا النهج. ففيتنام لم تنتصر بالبيانات التضامنية، وإنما عبر استقبال متطوعين أمميين وبناء شبكة دعم مادي وسياسي عالمي. وفي جنوب إفريقيا لم يُهزم نظام الأبارتايد إلا بمقاطعة اقتصادية وسياسية منظمة قادتها حركات عمالية وأممية حقيقية، لا بيانات جوفاء. وحتى في إسبانيا خلال الحرب الأهلية، جسدت الألوية الأممية نموذجاً فعلياً للوحدة الطبقية عبر مشاركة عشرات الآلاف من العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين من مختلف بلدان العالم. هذه النماذج تعكس أن الأممية ليست شعاراً بل ممارسة طبقية.

إن الأممية الحقيقية لا تُبنى عبر المؤتمرات والبيانات، وإنما عبر توحيد أدوات النضال العملي. في أمريكا اللاتينية، شكلت تجارب غيفارا وكاسترو نموذجاً لوحدة الطبقة العاملة والفلاحين عبر الحدود، في مواجهة الإمبريالية الأمريكية. وفي إفريقيا، دعمت التجارب الثورية في أنغولا وموزمبيق بعضها بعضاً، متجاوزة حدود القُطر الواحد. وفي آسيا، جسدت التجربة الصينية نموذجاً لأممية عملية عبر دعم حركات التحرر في الهند الصينية. هذه النماذج تكشف أن الشرط الأساسي للأممية هو ارتباطها بالمصالح الطبقية للبروليتاريا والفلاحين، لا بالمناورات الشكلية للبرجوازية الصغيرة.

ومن هنا، فإن أشكال المقاطعة الاقتصادية والسياسية التي تمارسها بعض القوى اليوم ضد الكيان الصهيوني، وضد الشركات المتعاونة مع الاحتلال، وضد الأنظمة العميلة، تمثل خطوة صحيحة ولكنها غير كافية. فالمقاطعة وحدها، إذا لم تقترن ببناء أدوات دعم مادي مباشر، تتحول إلى طقس أخلاقي أكثر منها ممارسة ثورية. إن الأممية الثورية تتطلب إرسال المساعدات الطبية والغذائية، تدريب الكوادر، بناء إعلام أممي مضاد، وتنسيق نضالي مباشر. بدون ذلك، تظل الشعارات مجرد ستار يخفي العجز.

لقد أوضح لينين أن "الانضباط الحديدي للبروليتاريا هو نتاج وعيها الطبقي، وليس هبة من البيروقراطية". وبنفس المنطق، فإن الأممية الحقيقية ليست نتاج مؤتمرات نخبويّة، وإنما تعبير عن وعي طبقي مشترك وممارسة ثورية متكاملة. إن الصراع بين الشكلية والمضمون هو في جوهره صراع طبقي: بين خطاب استعراضي يخدم استمرار هيمنة البرجوازية الصغيرة، وبين ممارسة عملية تهدف إلى تحطيم النظام الرأسمالي على المستوى الوطني والأممي معاً.

إن استعادة القيادة الثورية لا تمر عبر إصلاح الشكلية، بل عبر إسقاطها. الحزب الثوري الحقيقي هو ذاك الذي يبني ديمقراطية قاعدية حقيقية داخل صفوفه، وأممية فعلية مع القوى المناضلة في العالم. هو حزب العمال والفلاحين، لا حزب البيروقراطية والتمويل الأجنبي. ومن هنا فقط يمكن الانتقال من ديكور ثقافي إلى ممارسة ثورية. كما قال ماركس: "إن البروليتاريا ليس لديها ما تخسره سوى قيودها، ولديها عالم بأسره لتربحه".

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 14. الريف الغائب: جغرافيا الصراع الطبقي المُهملة
- 13. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي
- 12. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي.
- 11. ​خزينة الحزب الثوري: البوابة السرية لهيمنة البرجوا ...
- 10. الاستعمار وتشكُّل البرجوازية الصغيرة: الجذور التاريخية ل ...
- 9. البرجوازية الصغيرة بين التأرجح الطبقي وعجز القيادة الثوري ...
- 8. التحالفات الطبقية: بين ضرورة الثورة وفخ الهيمنة البرجوازي ...
- 7. البيروقراطية كأداة للهيمنة الطبقية
- 6. الانفصال عن الجماهير: كيف تتحول الأحزاب الثورية إلى أجهزة ...
- 5. الانفصال عن الجماهير: حين تتحول الأحزاب إلى نخب سياسية
- 4. الهيمنة على الوعي الطبقي: أدواتها، آثارها، وسبل المواجهة ...
- 3. تسلل البرجوازية الصغيرة إلى الأحزاب الشيوعية: آليات وأدوا ...
- 2. التناقض البنيوي: لماذا تتأرجح البرجوازية الصغيرة بين الثو ...
- 1. البرجوازية الصغيرة: الموقع الطبقي ووظيفتها في الصراع الاج ...
- دم الشهداء لا يجف: من تفكيك منظومة القتل والنهب إلى بناء سلط ...
- من تفريغ الغضب إلى تصفية الوعي
- الثورة بين الشعارات والممارسة: تفنيد مزاعم التطبيع
- 30. نحو وعي نقابي طبقي جذري
- 29.الحياد النقابي: شعار فارغ لتصفية المعركة الطبقية
- 28. ترويض العمل النقابي عبر القوانين الدولية: وهم الحماية


المزيد.....




- بيان هيئة المتابعة لتنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في ا ...
- دلغادو فاراس وريازات يتركان حزب اليسار لكنهما يبقيان في البر ...
- م.م.ن.ص// تعزية في وفاة المناضل عزيز المنبهي
- فلتتضافر كل الجهود لوقف الإبادة الجماعية والتجويع في غزة ومن ...
- تونس: حزب العمال يستقبل وفدا عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ...
- لنقف بحزم ضد عسكرة المدن والقمع السياسي
- با ل?ب?اوان? دژ ب? ميلتاريز?کردني شار?کان و س?رکوتي سياسي بو ...
- مظاهرات حاشدة في أستراليا دعماً للفلسطينيين، وغانتس يدعو لتح ...
- عائلتي الشهيدين الدريدي وبلهواري: تعزية في وفاة المناضل الكب ...
- ستوكهولم.. مئات المتظاهرين ينددون بخطة إسرائيل لاحتلال كامل ...


المزيد.....

- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عماد حسب الرسول الطيب - 15. الأممية الشكلية والديمقراطية الشكلية: أدوات هيمنة البرجوازية الصغيرة