أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - في قلب الجرح والحب














المزيد.....

في قلب الجرح والحب


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 02:59
المحور: قضايا ثقافية
    


الحب، في أرقى صوره، هو وعد بالحياة، هو دفءٌ يملأ الروح ويذيب الصمت، هو شمسٌ تتسلل بين ثنايا الأيام لتضيء الظلال. لكنه أحيانًا يتحول إلى سكينٍ يقطع الروح ببطء، دون إنذار، تاركًا أثره في الزوايا المظلمة حيث لا يصل الضوء، حيث يبقى القلب وحيدًا مع أصواته المتكسرة. الانكسار النفسي في الحب ليس مجرد شعور بالخذلان أو الفقد، بل هو تجربة كاملة، مختبئة بين الصمت والكلمات التي لم تُقل، بين الهمسات التي لم تصل، وبين تلك النظرات التي باتت مرايا للخيبة.حين يحب الإنسان بصدق، يغدو قلبه صفحةً بيضاء، مستعدة لاستقبال كل الألوان، كل المشاعر، كل الأمل والخيبة، كل حرارة الليل وندى الصباح. وعندما يُخدع هذا القلب، عندما يتبدد الأمل أمام عينيه، تبدأ الصرخات الصامتة في الارتداد بين جدران الروح، ويصبح كل شيء حوله ماضٍ يلاحقه بلا توقف. الكلمات التي لم تُقل، الوعود التي اختفت، المشاعر التي تجاهلها الآخر، كلها تتحول إلى شظايا تتناثر في النفس، فتترك جرحًا أعمق من أي أثر جسدي.الانكسار النفسي يجعل الإنسان يرى العالم بعيون جديدة، عيونًا متعبة من الخداع، متشوقة للحقيقة، لكنها أيضًا أكثر قدرة على التمييز. كل كلمة تصبح وزنًا، كل نظرة تصبح اختبارًا، وكل صمت يحمل معنىً أكبر. في هذا الانكسار، يولد وعي جديد، وحرية داخلية لا يعرفها من لم يجرّب ألم الحب الذي يجرح أكثر من أن يشفى. فالحب حين يكسر، يعلمنا حدودنا، يعلمنا كيف نحب بحذر، وكيف لا نضع ثقتنا في أي قلب لم يعرف معنى الوفاء.الروح بعد الانكسار لا تموت، لكنها تتشكل من جديد. الشظايا التي تتناثر، حين تجمع، تصنع صورةً أقوى وأكثر حساسية. يصعب عليها أن تنسى، لكنها تصبح أعمق، أكثر قدرة على الإحساس، أكثر وعياً بما هو حقيقي وما هو وهم. كل لمسة، كل همسة، كل صمت، تصبح حكاية، وكل لحظة ألم تتحول إلى درس، درس في الحب، درس في الحياة، درس في الذات.في لحظات الانكسار، يتحول الليل إلى مرايا، والمطر إلى دموع، والهواء إلى صرخة صامتة. كل شيء يذكرك بما فقدت، بما أحببت، وبما كنت تتمنى أن تبقى. لكن هذا الألم، رغم قسوته، يحمل نوعًا من السحر، نوعًا من الحقيقة: الحب، حتى حين يجرح، يبقى قوة، يبقى درسًا، يبقى تجربة لا تُمحى.الانكسار النفسي يجعلنا نرى التفاصيل الصغيرة التي كنا نتجاهلها. نظرة، لمسة، همسة، وحتى صمت الآخر، تصبح حكاية كاملة. يجعلنا نحسّ بكل شيء بعمق أكبر، يجعلنا نفهم أن الحب ليس دائمًا لقاءً سعيدًا، وأن الألم جزء لا يتجزأ من نضج القلب. ربما يكون الانكسار هو الطريقة التي يعلّمنا بها الحب كيف نحمي أنفسنا، كيف نكتشف من يستحق حقًا أن ندخل قلبه، ومن يتركنا نحترق بلا سبب.الحب الذي يجرح أكثر من أن يشفى، ليس نهاية القصة، بل بداية حياة جديدة، مؤلمة، لكنها صادقة. يعلمنا الصبر، يعلمنا كيف ننهض بعد السقوط، كيف نحمل الحنين دون أن نحترق بالكامل، كيف نحافظ على الروح رغم كل شيء. يعلّمنا أن نحب من الداخل أولاً، قبل أن نمنح الآخرين حق الوصول إلى قلوبنا، ويجعلنا ندرك أن الحب، مهما آل بنا، يظل مدرسة للوعي، مدرسة للروح، مدرسة للذات.وفي كل انكسار، يولد شيء جديد: قدرة على الحب الحقيقي، حب لا يجرح، حب يبدأ من الداخل قبل أن يصل إلى أي قلب آخر. الحب بعد الانكسار يصبح أكثر عمقًا، أكثر شفافية، وأكثر وعيًا. الشغف لا يموت، لكنه يختار مساره بعناية، يعرف من يستحق أن يُعطى، ومن لا يستحق. الألم يصبح مرشدًا، والانكسار معلمًا، والروح بعد كل جرح تصبح أقدر على الفهم، أقدر على التمييز، وأقدر على العطاء بلا خوف، بلا وعود فارغة، بلا خيبات.الانكسار النفسي في الحب، رغم أنه أشد أنواع الألم، هو أيضًا أعظم درس. يعلمنا كيف نحيا بعمق، كيف نحس بكل نبضة، كيف نرى العالم، والآخرين، والحب نفسه بعيون أكثر صفاءً وحقيقة. يجعلنا ندرك أن الحب الحقيقي لا يكمن في لقاءات سعيدة فقط، بل في القدرة على الصمود، على التعلم، على فهم قيمة النفس قبل أن نفهم قيمة الآخر.الحب الذي يجرح أكثر من أن يشفى، يترك في النفس بصمة لا تُمحى، بصمة تجعلنا أكثر إنسانية، أكثر حساسية، وأكثر استعدادًا للحياة، للحب، ولإعادة اكتشاف القلب بعد كل كسرة، بعد كل وعدٍ ضائع، بعد كل حلمٍ لم يتحقق. في قلب الجرح، يولد الوعي، وفي الألم، يولد الحب الأعمق، وأحيانًا يكون هذا الحب نفسه هو أعظم إنجاز للروح.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ريما حمزة... عندما تعزف القصيدة وتكتب الموسيقى-
- حين يُحاصَر الفن في وطن المواهب
- بان زياد… حين يختنق الحق بين أضلاع البصرة
- ما بين قلبي وعيناكي
- من المعلقات إلى المكتبات: رحلة خالد اليوسف في سطور الوطن
- غزال الروح
- ماريا تيريزا ليوزو… سيدة الحرف المترف بين زيتون كالابريا وعب ...
- يا غيمةً
- -العراق.. وطنٌ يضيء بالوعود وينطفئ بالابتسامات-
- الذين يريدون أن يفاوضوا ملك الموت
- -لظى الشوق في غيابك-
- حين تنام القصيدة ويصحو الخراب… قراءة في نص «وطنٌ يبيع ملامحي ...
- تاريخ العقول الممنوعة — حين يصبح الفكر تهمة أكبر من الخيانة
- الكتب غير المقروءة… مقابر فاخرة للحبر
- حين تتقاتل الظلال على جدار التاريخ
- -لم يكن الوطن بيتًا مشتركًا، بل مائدة حصرية، جلس عليها من ظن ...
- -على هامش الحضيض... حين يتقوّأ السفهُ على القامات-
- كنت أحبها... وما زلت
- بغداد... حين كانت العرش والسيف والمحراب والقصيدة ...
- عبد السادة البصري... شاعرٌ نَزَفَ الجنوبُ بين حروفه .حين تصب ...


المزيد.....




- مصر تحقق المليون السكاني الأخير بأبطأ وتيرة منذ سنوات
- ترامب يوضح موعد حسم الضمانات الأمنية لأوكرانيا لتأمين اتفاق ...
- أمن الدولة تخلي سبيل ماهينور المصري بكفالة 50 ألف جنيه في ال ...
- بعد توتر مع فرنسا وأستراليا.. نتنياهو يعقد اجتماعا طارئا بشأ ...
- حماس والفصائل الأخرى توافق على مقترح لوقف إطلاق النار في غزة ...
- 600 ألف لاجئ سوري عادوا لديارهم منذ سقوط الأسد
- إدانات واسعة لخطط الاستيطان الإسرائيلية: تقوض حل الدولتين
- ترمب يقول إن بوتين لن -يعبث- معه ويتعهد إشراك كييف بأي اتفاق ...
- قائد الجيش في جنوب أفريقيا يتعرض لانتقادات بعد زيارة لإيران ...
- البنتاغون: حشد 800 عنصر من الحرس الوطني في واشنطن


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - في قلب الجرح والحب