أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أوزجان يشار - فاسكو دي جاما: الوجه الدموي وراء أسطورة “مكتشف” رأس الرجاء الصالح















المزيد.....

فاسكو دي جاما: الوجه الدموي وراء أسطورة “مكتشف” رأس الرجاء الصالح


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 18:06
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يُحكى في السرديات الأوروبية عن فاسكو دي جاما (Vasco da Gama) كبطلٍ مغامر، و”مكتشف” لطريق رأس الرجاء الصالح الذي فتح أبواب الهند أمام البرتغال. تماثيله تنتصب، وكتب التاريخ تمجده. لكن وراء هذه الصورة الناصعة تكمن حقيقة مظلمة وقصة وحشية طُمست عمداً، تتجسّد بوضوح في مصير سفينة الحجاج المسلمة “مريم” عام 1502م، وهي حادثة مؤكدة تاريخياً تُظهر الجانب الأكثر دموية وسادية لهذا “البطل”.

السياق: طموح إمبراطوري وصراع على الثروات

لم تكن رحلات دي جاما مجرّد “استكشاف”، بل كانت جزءاً من خطة برتغالية طموحة بقيادة الملك مانويل الأول للسيطرة على طرق التجارة البحرية إلى الهند، خصوصاً تجارة التوابل الثمينة، والتحايل على سيطرة المسلمين والعرب على الطرق البرية والبحرية التقليدية عبر البحر الأحمر والبحر المتوسط. كانت الحملة الثانية لفاسكو دي جاما (1502-1503) مسلّحة تسليحاً ثقيلاً ومكلّفةً بمهمة واضحة: إخضاع الموانئ الهندية، وإنشاء قواعد برتغالية، وتدمير أي منافس، خاصة العرب المسلمين.

سفينة “مريم”: رحلة حج تتحوّل إلى جحيم

في سبتمبر 1502، كانت السفينة التجارية الضخمة “مريم” (أو Meri) تقوم بمهمتها السنوية المعتادة: نقل الحجاج الأغنياء من ميناء كاليكوت (كوزيكود الحالية) في الهند إلى جدة للحج. وكانت السفينة، المملوكة للسلطان المملوكي في مصر قانصوه الغوري، رمزاً للأمان والرفاهية، تحمل على متنها نحو 400 شخص، بينهم نساء وأطفال، ومن بينهم أثرى تجّار كاليكوت المسلمين وسفير مصري وعدد من الركّاب ذوي المكانة الاجتماعية. لم تكن سفينةً حربية، بل كانت مجهّزة ببعض المدافع الدفاعية فقط في رحلةٍ سلميةٍ دينية.

المواجهة: القرصنة تحت العلم البرتغالي

في 29 سبتمبر 1502، اعترض أسطول دي جاما المكوّن من 15 سفينةً حربية مسلحة (ترفع أعلام القرصنة و البرتغال) طريق “مريم” في المياه الدولية. ورغم محاولات الهروب والاستغاثة، حاصرتها السفن البرتغالية وأجبرتها على التوقف. ثم اقتحم المسلحون السفينة وفرضوا سيطرتهم عليها. وعندها ظهر القائد، فاسكو دي جاما نفسه، لتبدأ المفاوضات.

المفاوضات الفاشلة ونزعة السادية

عرض ممثّلو الحجاج، وعلى رأسهم السفير المصري والتاجر الهندي الثري جوهر الفقيه، فديةً ضخمةً لإنهاء الأزمة:
1. كل ما تحمله السفينة من أموال وتوابل.
2. أربع سفن محملة بالبهارات تكفي شعب البرتغال بأكمله (بحسب رواية المؤرخ البرتغالي غاسبار كوريريا).
3. إحدى زوجات الفقيه وابن أخيه كرهائن حتى يتم جمع المزيد من الأموال.
4. التوسّط لدى حاكم كاليكوت الجديد (الزامورين) لتحسين العلاقات مع البرتغال، وهو عرض سياسي بالغ الأهمية.

لكن دي جاما رفض جميع العروض المادية والسياسية السخية. ويروي المؤرخون، مثل كوريريا (في كتابه “أساطير الهند” Lendas da Índia) وقطب الدين النهروالي (المؤرخ الحجازي في كتابه “البرق اليماني في الفتح العثماني”)، أن تصرفات دي جاما أظهرت ساديةً صريحةً وتلذّذاً بمعاناة الضحايا. كان هدفه يتجاوز السلب والنهب إلى إرهاب الضحايا وإذلالهم وإشباع نزعة العنف لديه.

النهب والحرق الأول… ثم العودة من أجل الإبادة
1. النهب المنظّم: أمر دي جاما رجاله بنهب كل شيء: الأموال والمجوهرات (حتى المقتنيات الشخصية للنساء)، والمؤن والشراب (حمولة خمس سفن)، وأسلحة السفينة ومدافعها.
2. الحريق الأول: قبل الانسحاب، أمر بإشعال النار في أجزاء من السفينة وتركها تحترق بمن فيها من النساء والأطفال والرجال. غير أن طاقم السفينة تمكن بشجاعة من إخماد الحريق.
3. العودة المروّعة: عندما رأى دي جاما النيران تنطفئ، استشاط غضباً وأمر أسطوله بالعودة فوراً. لم يكن نهبه للثروة الهائلة (التي يكفي بعضها – بحسب شهود – لفداء جميع أسرى مملكة فاس بالمغرب) كافياً لإشباع وحشيته.
4. الإبادة المتعمّدة: بعد عودته:
• أمر بنهب كل ما تبقى، حتى الملابس وأخشاب السفينة.
• اختطف 20 طفلاً رضيعاً من أمهاتهم (لتربيتهم قسراً كمسيحيين في البرتغال، كما وثّق المؤرخون البرتغاليون والعرب).
• حشر بقية الرجال والنساء (حوالي 380 شخصاً) في عنبر السفينة وأغلق عليهم.
• أمر بإشعال النار في السفينة مجدداً، وأحاطها بقوارب مسلحة لمنع أي محاولة هروب، وأمر جنوده بقتل كل من يحاول النجاة بالقفز في البحر.
• استمر الحصار والحرق خمسة أيام حتى غرقت “مريم” وقُتل جميع من كان على متنها حرقاً أو غرقاً أو رمياً بالسهام والرصاص.

في كاليكوت: وحشية بلا حدود

لم تتوقف سادية دي جاما عند “مريم”، بل واصل إلى كاليكوت:
• تهديد الحاكم (الزامورين): تفاخر بمجزرة “مريم” لزرع الرعب.
• تشويه وقتل المبعوثين: حين أرسل الزامورين مبعوثاً للتفاوض، وهو الكاهن الهندوسي تالابانا نامبوتيري الذي كان صديقاً لدي جاما في رحلته الأولى، اتهمه بالجاسوسية دون دليل، وأمر بقطع شفتيه وأذنيه وخياطة آذان كلب مكانها، ثم أرسل الجثة المشوهة إلى الزامورين مع رسالة تهكم (بحسب رواية كوريريا والمصادر العربية).
• قصف المدينة والتنكيـل بالصّيادين: أمر بقصف مدينة كاليكوت المسالمة لعدة أيام. ثم هاجم سفن الصيد، وأعدم 38 صياداً بدمٍ بارد، وقطع أنوف وآذان الناجين، وأرسلهم إلى الزامورين مرفقين بطلب “تعويض” عن كلفة البارود الذي استهلكه في قصفهم! (رواية المؤرخ البرتغالي جواو دي باروس).

الصورة الحقيقية: ليس بطلاً بل سفاح استعماري

عاد دي جاما إلى البرتغال محملاً بثروات طائلة من نهب “مريم” وابتزاز كاليكوت. ورغم توتر علاقته بالملك مانويل الأول بسبب وحشيته المفرطة (التي حاول التستّر عليها) وفشله في القبض على الزامورين، فقد جرى تكريمه كبطل قومي. وتم تبييض سيرته وطمس جرائمه الوحشية، ليُخلّد كـ”مكتشف عظيم”، بينما كان في الحقيقة:
• قرصاناً: هاجم سفناً مدنية مسالمة في مياه دولية تحت علمي القرصنة والبرتغال.
• مجرم حرب: ارتكب مجزرة مروعة بحق مدنيين عُزّل (حجاج، نساء، أطفال) في إبادة جماعية متعمّدة.
• ساديّاً: تلذّذ بالتعذيب النفسي والجسدي للضحايا لإشباع نزعاته العنيفة.
• أداة استعمارية عنيفة: نفذ سياسة الإرهاب والتنكيل المنهجي التي انتهجتها البرتغال لبسط هيمنتها على طرق التجارة في المحيط الهندي، على حساب السكان المحليين، مسلمين كانوا أو هندوساً.

خلاصة: إعادة قراءة التاريخ

إن قصة سفينة “مريم” ليست حكاية منعزلة، بل نموذج صارخ للوجه الحقيقي للاستعمار الأوروبي المبكر الذي قُدّم تحت شعار “الاستكشاف” و”نشر الحضارة”، بينما كان في جوهره سعياً وحشياً للثروة والهيمنة عبر الإرهاب والقتل الجماعي. إن كشف هذه الجرائم، والتنقيب في المصادر التاريخية المتنوعة (البرتغالية والعربية والهندية)، ليس تشويهاً للماضي، بل تصحيحٌ لرواية تاريخية أحادية الجانب تم تزييفها لقرون. فاسكو دي جاما لم يكن “بطلاً”، بل كان سفاحاً ارتكب جرائم حرب بشعة، وحان الوقت لأن يُذكر في التاريخ بهذه الصفة، لا بتلك التي زيفها المنتصرون.

المصادر المعتمدة في المقال:

• غاسبار كوريريا (Gaspar Correia): “أساطير الهند” (Lendas da Índia) – أهم مصدر برتغالي معاصر للأحداث، يذكر تفاصيل مجزرة “مريم” بوحشيتها.
• جواو دي باروس (João de Barros): “آسيا” (Décadas da Ásia) – مؤرخ برتغالي رسمي يذكر الأحداث وإن بتحفّظ أكبر.
• قطب الدين النهروالي: “البرق اليماني في الفتح العثماني” – مصدر عربي مهم يذكر حادثة السفينة والفظائع المرتكبة.
• السيد عبد الحي الحسني: “الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام” – يذكر الحادثة ضمن سياق تاريخ الهند.
• الدراسات التاريخية الحديثة التي تحلل المصادر الأولية وتكشف سياسات التعتيم البرتغالية (مثل أعمال المؤرخ سانجاي سوبرامانيام).



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزائر المحروسة بالله: حينما نزلت السماء إلى ساحة المعركة
- بين براءة التفاؤل وجحيم الآخر: دع الحياة تمر، لا تتعثر في أر ...
- الذكاء الاصطناعي ينهش الوظائف التقليدية… والتعليم لا يزال في ...
- كين نورتون: المارينز الذي هزَمَ العمالقة.. وقهره النسيان
- ست ساعات في أديس أبابا: عبورٌ في شرايين القارة القديمة
- المجتمع والحضارة: عشرة محاور تصنع مصير الأمم
- تلقين الدم والتفوق: كيف تصنع المدارس الإسرائيلية جيلًا يؤمن ...
- الرومانسية الخالدة للكلمات: تأمل في الحب وإرث برونتي عبر آفا ...
- زلزال روسيا المهيب يقرع جرس الخطر: العالم على موعد مع موجات ...
- حين تعبت من مطاردة الكمال… وجدت الطريق في الداخل
- حين تُبتر الساق وتُبتر الذكرى: قراءة فلسفية ونفسية في رسالة ...
- الجدل العقائدي بين النقد أم الشيطنة؟ حين نرى العالم بعين واح ...
- حين يُصبح الصمتُ العالمي شريكًا في الإبادة
- الهوية الأمازيغية بين وهم النقاء وخديعة الجينات: صراع الانتم ...
- حين تعشق أجنحة الطائر أسلاك القفص
- شخصية الضحية المزمنة: بين قناع الضعف وحقيقة الاستنزاف المقدس ...
- ومضات من حياة ديكنز (الجزء الثاني): عبقريةٌ مزدوجة وظلالُ زو ...
- إبادة غزة تسقط الهولوكوست من كافة المعايير الانسانية ومن الا ...
- السيخية بين الروح والتاريخ: تأملات رحّالة بين المعابد
- عندما يضيء عقلك عتمة حياتك: أربعون درسًا من قلب الطريق


المزيد.....




- تحليل لـCNN.. ما وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي -لا ترضي أحد ...
- لندن تستضيف اجتماعاً أمنياً دولياً لبحث مبادرة ترامب للسلام ...
- حاخام إسرائيلي يهدد إيمانويل ماكرون بالقتل والنيابة العامة ا ...
- تركيا تواصل مكافحة الحرائق وتسجل أكثر شهور يوليو حرا منذ 55 ...
- كيف تحولت الأرض إلى كرة ثلج قبل 700 مليون سنة؟
- رئيس الوزراء العراقي: لا مبرر لوجود أي سلاح خارج المؤسسات
- لقاء أميركي قطري وأنباء عن مقترح جديد لوقف حرب غزة
- موسكو تحذر من -جهود جبارة- لعرقلة لقاء بوتين وترامب
- السيسي وفيدان يرفضان قرار إسرائيل احتلال غزة وتهجير الفلسطين ...
- الهند تعلن إسقاط 6 طائرات باكستانية خلال الحرب


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أوزجان يشار - فاسكو دي جاما: الوجه الدموي وراء أسطورة “مكتشف” رأس الرجاء الصالح