أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - أوزجان يشار - تلقين الدم والتفوق: كيف تصنع المدارس الإسرائيلية جيلًا يؤمن بالقتل بوحي توراتي















المزيد.....

تلقين الدم والتفوق: كيف تصنع المدارس الإسرائيلية جيلًا يؤمن بالقتل بوحي توراتي


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 15:17
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


في مدارس دولة تدّعي أنها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، يُلقَّن الأطفال منذ نعومة أظافرهم أن الأرض التي يسيرون عليها ليست مجرد وطن، بل “وعد إلهي” لا يقبل المساومة، وأن سكانها الأصليين ـ الفلسطينيين ـ هم مجرد عوائق على طريق تحقيق النبوءة.
ليست المسألة مجرد تعليم ديني أو تربية روحية، بل منهاج مدرسي ممنهج يُصمم ليصنع من الطفل مواطنًا مستعدًا لارتكاب العنف دون شعور بالذنب، بل بإحساس عميق بالقداسة والحق، كما لو أن بندقيته امتداد لذراع يشوع بن نون، لا لأصابعه هو.



التوراة كوثيقة سياسية: كيف تُحوّل النصوص إلى سلاح؟

منذ تأسيس دولة إسرائيل، اعتُبر تدريس “التناخ” ـ الكتاب المقدس العبري ـ ركيزة مركزية في النظام التعليمي، ليس من منطلق ديني، بل كوسيلة لترسيخ الهوية القومية اليهودية. لا تُقدَّم قصص الكتاب المقدس كمرويات دينية للتأمل، بل تُغلف بالبعد السياسي لتأكيد الاصطفاء والملكية المطلقة للأرض.

المثال الصارخ على ذلك هو سفر يشوع، الذي يروي تفاصيل الغزو الدموي لكنعان، وكيف أمر الربُ بني إسرائيل بإبادة سكانها الأصليين وتدمير مدنهم بالكامل. تُدرَّس هذه القصص للأطفال في عمر 11 و12 عامًا، ضمن دروس منهجية، حيث يُطلب من الطالب أن يتماهى مع المقاتلين القدماء، ويستنتج دروسًا في “الشجاعة والطاعة لله”، وليس في فظاعة الإبادة.

وفي ستينيات القرن الماضي، قرر جورج تامارين، أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة تل أبيب، أن يختبر أثر هذا التعليم على وعي الأطفال. فقدم لتلاميذ من الصفوف العليا نصوصًا من سفر يشوع، وسألهم إن كانوا يوافقون على ما فعله يشوع في أريحا. وافق أكثر من 60% من الأطفال على ما حدث، معتبرين أن القتل كان “مبررًا” لأن الله أمر به.

وحين قُدمت لهم قصة مشابهة تمامًا ولكن من خارج السياق التوراتي ـ وهي قصة لجنرال صيني قام بمجزرة مشابهة ـ أدانها أغلبهم، رغم تطابق الحدث. الفرق الوحيد؟ السياق الديني ـ القومي.
نتائج الدراسة كانت صاعقة. لكنها لم تُناقَش في الكنيست أو تُدرَج في تطوير المناهج، بل طُرِد تامارين من منصبه. كان عقابه أن قال الحقيقة.



الأسوأ لم ينتهِ: عندما يتحول التاريخ المدرسي إلى منصة حرب

ما زالت مناهج التعليم الإسرائيلي، حتى اليوم، تُعلِّم أطفال المدارس عن الفلسطينيين بشكل ضمني أو مباشر على أنهم الكنعانيون الجدد، وأن الأرض هي “أرض الميعاد” التي يجب “تطهيرها”. ولا يُكتفى بسفر يشوع، بل يُدعم المنهج بمواقف دينية صريحة من حاخامات متطرفين، مثل الحاخام دوف ليئور، الذي قال ذات مرة:

“قتل غير اليهود أمرٌ مبرَّر دينيًا إذا كان من أجل حماية اليهودي أو دولته.”

وحين نُشر كتيّب بعنوان “توراة الملك” ـ من تأليف الحاخامين يتسحاق شابيرا ويوسف إليتسور ـ وورد فيه أن قتل الأطفال الفلسطينيين مشروع إذا كان يُحتمل أن يكبروا ليصبحوا “أعداء”، لم يُسجن المؤلفان، بل حظيا بحماية من المستوطنين واليمين السياسي.



من الكتاب المدرسي إلى التصريح الوزاري

ما يُعلَّم في المدارس، يُطبّق في السياسة. ويمكن أن نرى اليوم تجسيدًا لتلك التربية في الوجوه التي تتصدر الحكومة الإسرائيلية.

بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية وأحد رموز الصهيونية الدينية، قال في مارس 2023، عقب مجزرة حوارة:

“يجب محو بلدة حوارة عن الوجود.”
كلمات لا تصدر عن متطرف هامشي، بل عن مسؤول في حكومة دولة. وقد أثارت تصريحه إدانات دولية، لكنه لم يعتذر. بل أكد أن كلامه نابع من “الشعور بالتاريخ التوراتي”.

أما إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، فقد صعد من خلفية دينية يمينية متطرفة، وكان أحد أتباع الحاخام كاهانا الذي دعا إلى طرد العرب جماعيًا من “أرض إسرائيل الكبرى”. وقد صرح علنًا:

“هذه أرضنا، الله وهبنا إياها، ومن لا يقبل بذلك فليخرج.”

ولا ننسى أورييت ستروك، وزيرة المستوطنات، التي دافعت عن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين بقولها:

“لا يمكن مقارنة دمائنا بدمائهم.”
في إشارة ضمنية إلى أن حياة الفلسطينيين أقل قيمة، وهو التصريح الذي انسجم مع تربيتها التعليمية التوراتية.



بين التوراة والسلاح: خطورة جيل مسلح بالعقيدة

إن هذا النموذج من التلقين التربوي لا ينتج مجرد “مواطنين متدينين”، بل جنودًا مؤمنين بأنهم يخوضون حربًا مقدسة. فالشاب الذي يتخرّج من المدرسة ويلتحق بالجيش، لا يرى في الفلسطيني إنسانًا، بل كنعانيًا يجب إخضاعه، أو “عماليق” يجب إبادته. لهذا، لا عجب أن نرى الجنود يرقصون بعد قتلهم مدنيين، أو يلتقطون صورًا مع جثث، أو يكتبون آيات من التوراة على جدران البيوت الفلسطينية في غزة بعد كل اجتياح.



مسؤولية الشتات اليهودي: صرخة ضمير ضد تدمير الضمير

في ظل هذا الواقع، لا يمكن للمجتمعات اليهودية حول العالم أن تلتزم الصمت. لا يكفي رفض “أفعال الحكومة الصهيونية”، بل ينبغي الضغط على الحاخامات والمؤسسات التعليمية داخل إسرائيل لإيقاف هذا الانحدار الأخلاقي. فالتعليم التوراتي الحالي لا يُخرج حاخامات أو حكماء، بل يُخرج نسخًا دينية من جيوش المستوطنين، مستعدة للحرق والكذب والقتل باسم الله.

إن اليهود الذين يعيشون في أوروبا وأمريكا، ممن عرفوا معنى العيش المشترك، مطالبون اليوم ليس فقط بإدانة الظلم، بل بإعادة تأهيل الدين اليهودي ذاته ليكون دينًا للرحمة لا الاستعلاء، للسَلام لا الاحتلال.

كما أن واجب المؤسسات الدولية التربوية أن تُخضع مناهج التعليم الإسرائيلية للمراجعة، تمامًا كما فُرض سابقًا على ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية إعادة صياغة تاريخهم المدرسي لمنع إنتاج فاشية جديدة.



خاتمة: حين يتحول الدين إلى وثيقة ملكية على الأرض والدم

في نهاية المطاف، لا تملك إسرائيل أن تتغنّى بأنها دولة ديمقراطية بينما تُدرّس في مدارسها نصوصًا دينية تبرّر الإبادة، ولا يمكن أن تُطالب العالم باحترامها وهي تربي أبناءها على ازدراء الآخر واحتقاره. الدين، حين يُسلّح، يتحول من نور إلى نار. والتربية حين تُغذى بالحقد، لا تخرج قادة، بل مجرمين يرون أنفسهم قديسين وأنبياء.

وقد قال الفيلسوف حنا أرندت ذات مرة:

“أسوأ الشرور لا تأتي من الوحوش، بل من أولئك الذين يُبرمجون على أن الشر واجبٌ أخلاقي.”

لهذا، فإن المعركة اليوم ليست فقط على الأرض، بل على عقل الطفل، على كتابه المدرسي، على معلمه الذي يزرع الكراهية باسم الله، وعلى صمته حين يرى الآخر يُسحق بلا ذنب، سوى أنه ليس من “شعب الله المختار”.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرومانسية الخالدة للكلمات: تأمل في الحب وإرث برونتي عبر آفا ...
- زلزال روسيا المهيب يقرع جرس الخطر: العالم على موعد مع موجات ...
- حين تعبت من مطاردة الكمال… وجدت الطريق في الداخل
- حين تُبتر الساق وتُبتر الذكرى: قراءة فلسفية ونفسية في رسالة ...
- الجدل العقائدي بين النقد أم الشيطنة؟ حين نرى العالم بعين واح ...
- حين يُصبح الصمتُ العالمي شريكًا في الإبادة
- الهوية الأمازيغية بين وهم النقاء وخديعة الجينات: صراع الانتم ...
- حين تعشق أجنحة الطائر أسلاك القفص
- شخصية الضحية المزمنة: بين قناع الضعف وحقيقة الاستنزاف المقدس ...
- ومضات من حياة ديكنز (الجزء الثاني): عبقريةٌ مزدوجة وظلالُ زو ...
- إبادة غزة تسقط الهولوكوست من كافة المعايير الانسانية ومن الا ...
- السيخية بين الروح والتاريخ: تأملات رحّالة بين المعابد
- عندما يضيء عقلك عتمة حياتك: أربعون درسًا من قلب الطريق
- الابتسامة التي تُبنى عليها الإمبراطوريات
- ملفات إبستين: التستر الكبير، الانقسام المؤسسي، وامتحان الشفا ...
- لوران ديكريك… عندما تصبح الأسئلة التاريخية جريمة أخلاقية
- أسماك القرش: ضحايا وهم التوحش
- صرير العجلات ومعنى أن نُقاد بدل أن نقود
- من نباح الامان الى عواء الحرية
- من فولتير إلى بيل غيتس: رحلةُ الوعي بين التنوير والكلاشينكوف


المزيد.....




- ظهور نادر لحيوان بحري بعد عقدين ظنّ العلماء أنه انقرض
- هكذا تشكّلت سحابة نارية في حريق -غراند كانيون- الهائل
- بعد فشل تثبيت مرشحيه..ترامب مهاجما تشاك شومر: -فلتذهب إلى ال ...
- -بفلوس أو من غير فلوس-.. نجيب ساويرس يعلق على تدوينات تصف إي ...
- العراق
- مقتل عنصر أمن سوري وإصابة آخرين في هجوم مسلح بالسويداء
- -الإنسان أولا-.. شعار يغطي جثث المجوعين في غزة
- كيف يمكن للصحفيين اكتشاف التحيز في الذكاء الاصطناعي؟
- -خراب الهيكل-.. انتهاكات غير مسبوقة وبن غفير يعلن -التمكين و ...
- روسيا: زلزال هائل قد يكون سبب أول ثوران بركاني منذ 600 عام


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - أوزجان يشار - تلقين الدم والتفوق: كيف تصنع المدارس الإسرائيلية جيلًا يؤمن بالقتل بوحي توراتي