أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - عالم الرياضة - أوزجان يشار - كين نورتون: المارينز الذي هزَمَ العمالقة.. وقهره النسيان















المزيد.....

كين نورتون: المارينز الذي هزَمَ العمالقة.. وقهره النسيان


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8425 - 2025 / 8 / 5 - 23:25
المحور: عالم الرياضة
    


في زمنٍ لم يكن يتّسع إلا للجبابرة، حين كانت الحلبات أشبه بمسارح للضجيج والاستعراض، وُلد محارب لم يطلب المجد، ولم يركض خلف الكاميرات. لم يصرخ، لم يتفاخر، لم يسخر من خصومه. رفع ذراعيه المتقاطعتين بهدوء عسكري، وواجه التاريخ بقبضةٍ صلبة ووجهٍ صامت، كأنما يقول: “أنا هنا… لا حاجة للكلمات”.

اسمه كين نورتون — الرجل الذي كسر فك محمد علي، وواجه أعظم الأبطال، ووقف شامخًا في عصرٍ لا يرحم من لا يصرخ.

لم يكن نورتون رمزًا للاستعراض ولا نجماً تلمع حوله الأضواء، بل كان أشبه بعاصفة تأتي دون صوت، وتمرّ دون مجاملة، لكنها تترك خلفها بصمةً لا تُمحى. في عالمٍ يحب الضوضاء، اختار هو الانضباط. وفي رياضةٍ تُكافئ اللسان، قدّم هو ذراعه اليمنى فقط، وتركها تتكلم عنه.



من ثكنات المارينز إلى حلبة العمالقة

وُلد كينيث هوارد نورتون في 9 أغسطس 1943 في جاكسونفيل، إلينوي، ونشأ في بيئة بسيطة، حيث لم تكن الطرق ممهدة إلا لمن يصنع مجده بنفسه. في عام 1963، التحق بقوات المارينز الأمريكية، وهناك، صُقلت ملامحه الجسدية والنفسية، وتكوّنت روحه القتالية.

لم يكن جنديًا عاديًا؛ بل رياضيًا استثنائيًا فاز ببطولات القاعدة العسكرية ثلاث مرات، وأثبت تفوقه في الجري، ورفع الأثقال، والاشتباك الجسدي.

حين دخل عالم الملاكمة المحترفة عام 1967، لم يدخل كـ”واعد يبحث عن فرصة”، بل كـ”مقاتل مهيّأ للمواجهة”، مستندًا إلى أسلوب دفاعي فريد يعرف باسم الدفاع المتقاطع. لُقّب بـ”مطرقة نورتون” بفضل يده اليمنى الساحقة، وسلك طريقه في صمت، لكن كل ضربة منه كانت توقيعًا لا يُنسى على صفحات التاريخ.



الليلة التي اهتزّ فيها العالم

31 مارس 1973 – سان دييغو
في نزال اعتقده الجميع روتينيًا للنجم العائد محمد علي، وقف نورتون بثبات الجندي في ساحة المعركة، وأربك الأسطورة، ثم في الجولة الثانية عشرة، باغته بضربة صاعقة كسرت فكّه، وأربكته، وهزَمته بالنقاط.

كانت تلك لحظة فارقة، لا فقط في مسيرة نورتون، بل في تاريخ الملاكمة:

“من هذا؟!”
“هل انتهى عصر علي؟”
“إنه مقاتل المارينز… الصامت الخطير!”

حتى محمد علي نفسه اعترف، بتواضع نادر، بعد النزال:

“قاتلني نورتون وكأنه مرآة عكست ضعفي… لم ألاكم مثله.”



الثلاثية الأسطورية: نورتون × علي

🔹 النزال الأول (مارس 1973):
فوز نورتون بقرار الحكام. فك مكسور لعلي، وهزيمة نفسية هائلة.

🔹 النزال الثاني (سبتمبر 1973):
خسارة نورتون بقرار منقسم مثير للجدل. كثير من النقاد والجماهير رأوا نورتون الأفضل. حتى علي نفسه قال:

“لقد خسرته فعليًا… نورتون هزمني في 8 جولات.”

🔹 النزال الثالث (مارس 1976):
في ماديسون سكوير غاردن، التقى الاثنان مجددًا في نزال أسطوري. فاز علي بقرار ضيق.

قال نورتون بمرارة صادقة:

“قاتلت لأربح، وليس لأعجب الصحافة… لكن يبدو أن الانتصار له شروط إعلامية.”



الحزام… الذي لم يلمع

في عام 1978، وبعد فوزه على جيمي يونغ، أصبح نورتون المرشح الأول للقب العالمي. لكن ليون سبينكس، الذي كان قد هزم محمد علي، رفض مواجهته. وهكذا قرر مجلس الملاكمة العالمي WBC أن يسحب اللقب من سبينكس ويمنحه مباشرةً لنورتون.

حصل نورتون على الحزام، نعم، لكن ليس على ما يستحق من مجد:
لم يُنتزع اللقب على الحلبة ولم يُحتفَ به كبطلٍ حقيقي في الحلبة وأمام الكاميرات.

قال نورتون لاحقًا بجملة تلخص وجعه:

“أعطوني الحزام، لكنهم لم يعطوني الكاميرات!”

ثم جاء النزال الفاصل:

9 يونيو 1978 – لاس فيغاس
نورتون يدافع عن لقبه أمام لاري هولمز في معركة دامت 15 جولة، وصُنّفت لاحقًا ضمن “أعظم 10 نزالات في تاريخ الوزن الثقيل”.

انتهت بقرار منقسم لصالح هولمز.
لكن نورتون خرج منها بكرامة “البطل الخاسر”.

قال هولمز بعد النزال:

“لقد نحتني بالمطرقة… لم أعد كما كنت بعد تلك الليلة.”



لماذا طُمست صورته؟

1. ظل محمد علي: ظلّ إعلامه يبتلع كل مَن حوله.
2. اللقب المُهدى وليس المُنتزع: خفف من هيبته جماهيريًا.
3. هدوؤه الشخصي: في عصر التصريحات النارية، كان فارسًا بلا ضجيج.
4. ضوضاء الأسماء الكبيرة: فريزر، فورمان، سبينكس، هولمز… زحمة مجد غطّت صوته.
5. هزيمته أمام فورمان: في عام 1974، سقط نورتون أمام جورج فورمان في الجولة الثانية، مما أثّر على صورته كمنافس شرس.

لكن فورمان نفسه أنصفه قائلًا:

“نورتون لم يكن ضعيفًا… كنت أنا في أقوى لحظاتي الوحشية.”



النهاية… والأثر

في عام 1981، أنهى كين نورتون مسيرته. سنوات الضربات المتراكمة بدأت تنال من صحته. تدهورت قدراته الذهنية، وواجه صعوبة في النطق، لكنه لم يتخلَّ عن حضوره في المحافل الرياضية.

قال عنه أحد الصحفيين في لاس فيغاس عام 2010:

“ما زال في عينيه بريق المارينز.”

توفي كين نورتون في 18 سبتمبر 2013، في لاس فيغاس، عن عمر 70 عامًا، بعد صراع مرير مع المرض.

لكنه لم يرحل دون أثر:
• 42 فوزًا (33 بالضربة القاضية)
• 7 هزائم و1 تعادل
• عضو في قاعة مشاهير الملاكمة الدولية (1992)
• عضو في قاعة مشاهير قوات المارينز (2004)

كتب عنه المؤرخ بيرت شوغر:

“لو وُلد بعد 10 سنوات، لكان سيد الحلبة بلا منازع.”



حين لا يحتاج البطل الحقيقي إلى ترويج وضجيج

كين نورتون لم يكن مجرد ملاكم، بل كان معادلة فريدة:
صمت + انضباط + قوة + حنكة.

في زمنٍ كانت الشهرة فيه تُصنع بالصراخ، سار هو عكس التيار. لم يسعَ ليكون نجمًا… بل ظلَّ جنديًا. لم يطلب الإعجاب… بل طلب الاحترام. لم يركض خلف الضوء… بل ترك ظله يتحدث.

كان أقرب إلى فرسان الأساطير؛ من أولئك الذين يقاتلون بشرف، وينسحبون في هدوء، تاركين وراءهم أثرًا يصعب محوه.

في وجهه، ترى صرامة المارينز.
وفي ضرباته، تسمع صدى كل جندي قاتل دون جمهور.
وفي ظله، يقف التاريخ خجولًا، لأنه لم يُنصفه كما أنصف الآخرين.

“المجد ليس أن يفوز بك الإعلام… بل أن يتذكرك خصومك بارتجاف.”
— كين نورتون



المصادر:
• سجلات مجلس الملاكمة العالمي (WBC، 1978)
• مذكرات كين نورتون: Going the Distance (2000)
• أرشيف قاعة مشاهير الملاكمة الدولية (IBHOF)
• تقارير لوس أنجلوس تايمز حول الثلاثية مع محمد علي
• مقابلات مع محمد علي، لاري هولمز، جورج فورمان
• شهادة بيرت شوغر – مؤرخ الملاكمة الأمريكية
• صحيفة Las Vegas Review-Journal – تغطية سنواته الأخيرة



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ست ساعات في أديس أبابا: عبورٌ في شرايين القارة القديمة
- المجتمع والحضارة: عشرة محاور تصنع مصير الأمم
- تلقين الدم والتفوق: كيف تصنع المدارس الإسرائيلية جيلًا يؤمن ...
- الرومانسية الخالدة للكلمات: تأمل في الحب وإرث برونتي عبر آفا ...
- زلزال روسيا المهيب يقرع جرس الخطر: العالم على موعد مع موجات ...
- حين تعبت من مطاردة الكمال… وجدت الطريق في الداخل
- حين تُبتر الساق وتُبتر الذكرى: قراءة فلسفية ونفسية في رسالة ...
- الجدل العقائدي بين النقد أم الشيطنة؟ حين نرى العالم بعين واح ...
- حين يُصبح الصمتُ العالمي شريكًا في الإبادة
- الهوية الأمازيغية بين وهم النقاء وخديعة الجينات: صراع الانتم ...
- حين تعشق أجنحة الطائر أسلاك القفص
- شخصية الضحية المزمنة: بين قناع الضعف وحقيقة الاستنزاف المقدس ...
- ومضات من حياة ديكنز (الجزء الثاني): عبقريةٌ مزدوجة وظلالُ زو ...
- إبادة غزة تسقط الهولوكوست من كافة المعايير الانسانية ومن الا ...
- السيخية بين الروح والتاريخ: تأملات رحّالة بين المعابد
- عندما يضيء عقلك عتمة حياتك: أربعون درسًا من قلب الطريق
- الابتسامة التي تُبنى عليها الإمبراطوريات
- ملفات إبستين: التستر الكبير، الانقسام المؤسسي، وامتحان الشفا ...
- لوران ديكريك… عندما تصبح الأسئلة التاريخية جريمة أخلاقية
- أسماك القرش: ضحايا وهم التوحش


المزيد.....




- شاهد.. مشجعون يحتجون بطريقة غريبة في الدوري الليتواني
- الاتفاق تم.. الهلال يساعد ليفربول في تحقيق -الصفقة الحلم-
- البرازيلي إستيفاو ينضم رسميا إلى تشلسي
- يحمل اسمه وعلم مصر.. محمد صلاح يستعرض حذاءه الجديد
- دعا لـ-محو غزة-.. ناد ألماني يتراجع عن ضم لاعب إسرائيلي
- خسارة السعودية والعراق وفوز الأردن في كأس آسيا للسلة
- بطولة أفريقيا للمحليين: مواجهة السودان والكونغو الديمقراطية ...
- حرمان الهلال من المشاركة في السوبر السعودي 2026-2027
- متأثرا وحابسا دموعه.. مورينيو ينعى كوستا -جزء من تاريخي رحل- ...
- هكذا أعلن الزمالك المصري عن تعاقده مع الفلسطيني عدي الدباغ


المزيد.....

- مقدمة كتاب تاريخ شعبي لكرة القدم / ميكايل كوريا
- العربي بن مبارك أول من حمل لقب الجوهرة السوداء / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - عالم الرياضة - أوزجان يشار - كين نورتون: المارينز الذي هزَمَ العمالقة.. وقهره النسيان