أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - للاإيمان الشباني - هم أربعة من أزمة مختلفة














المزيد.....

هم أربعة من أزمة مختلفة


للاإيمان الشباني

الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 00:14
المحور: قضايا ثقافية
    


كما تُضيء الشُّهب، تتقاطع مصائر الشعراء والمفكرين على امتداد الزمن، ليولد حوار صامت بين الأحياء والأموات، بين ماضٍ عظيم وحاضر لا يقل عظمة. هناك، حيث تلتقي ريشةُ المتنبي بفكرِ الشافعي، وتتجاور حكمةُ طَرَفة بن العبد مع نبضِ الشاعر المغربي المعاصر حميد بركي، ينشأ جسرٌ من نور، لا زمن يُطفئه ولا حدود تُقيّده.
المتنبي، ذلك الذي جعل من الشعر دولةً مستقلة، ورفع ذاته إلى مقامٍ فوق السلاطين، لم يكن مجرد شاعر، وهو الكلمة النابضة ، سليل المعاني الثقيلة التي لا تنحني، رأى في نفسه أمةً كاملة، فحاور القدر، وخاصم الزمن، وتحدى الغدر، ليترك في ذاكرة العرب كبرياءً لغويًا قلّ نظيره. وهو القائل

هُوَ البَحرُ غُص فيهِ إِذا كانَ ساكِناً
عَلى الدُرِّ وَاِحذَرهُ إِذا كانَ مُزبِدا

فَإِنّي رَأَيتُ البَحرَ يَعثُرُ بِالفَتى
وَهَذا الَّذي يَأتي الفَتى مُتَعَمِّدا

وفي ركن آخر من الفكر، يقف الإمام الشافعي بثوبه النقي ولسانه العذب، فقيهًا وشاعرًا، ينسج من الحكمة بيوتًا يسكنها الصدق، ويُعلّم كيف تكون الكلمة ميزانَ عقلٍ وروح، جمع بين صفاء القلب ودقّة العقل، فكان عالِمًا يُحب الجمال، وشاعرًا يُنير الظلمة بالحجّة والبيان. وهو القائل :

رأيت الناس قد مالوا
إلى من عنده مال

ومن لا عنده مال
فعنه الناس قد مالوا

أما طرفة بن العبد، فقد جاء على هيئة برق، ظهر خاطفًا واختفى مبكرًا، لكنه أضاء سماء الشعر بألقٍ لا يُنسى، كتب حكمته في وجدان الشعر العربي، ومرّر تمرده في طيّات المعلقات، حتى وهو في ريعان الشباب، كان صوته أسبق من عمره، يتكئ على السخرية أحيانًا، وعلى النبوغ دائمًا.ومن قوله :

وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً
عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ

فَذَرني وَخُلقي إِنَّني لَكَ شاكِرٌ
وَلَو حَلَّ بَيتي نائِياً عِندَ ضَرغَدِ

في هذا المشهد الممتد بين العصور، يظهر حميد بركي القائل :

ما عادَ يُفرِحُني شيءٌ، ولا عادَ
فِي الفَقْدِ يُحزِنُني إنْ غابَ أو عادَ

كأنَّ قَوْمَ ثمودٍ قد أتَوا عادًا
يَستَعرِضونَ عَبيدَ الدَّهرِ أسيادَا

كما لو أنه وريث هؤلاء، لا بالدم، وإنما هو الهمّ، لا بالكلمات وحدها، هي الرؤية. هو شاعر لا يكتفي بالبديع، يسبر أغوار المعنى، ناقد يتأمل الكلمة قبل أن ينطق بها، وفيلسوف ينحت الحروف نحتًا كما يُنحت التمثال في صخر الزمن. إذا تحدث كان صوته كصوت المتنبي في وجه الظلم، وإذا كتب شعرًا انساب كما شعر الشافعي رقراقًا، وإذا تأمل الحياة تنبّأ بمرارتها كما فعل طرفة، لكنه لا يغرق في الألم، وإنما يستخلص منه نورًا، وإن ما يجمع بين هؤلاء الأربعة ليس فقط حبّ الشعر، بل شرف الكلمة، وجرأة الموقف، والصدق مع النفس، إذ كلّ منهم قاوم بطريقته، المتنبي بالزهو، الشافعي بالحكمة، طرفة بالمرارة، وحميد بركي بالحبّ والحكمة معًا، لم يكونوا أتباع زمن، وهم صانعوه، يواجهون الصمت بالصوت، والخذلان بالإبداع، والزيف بالحق.
وهكذا، حين نقرأ حميد بركي، كأننا نسمع همس المتنبي، ونرى بصيرة الشافعي، ونشعر بشجن طرفة، لأن الشعر حين يكون صادقًا، يُنجب إخوته من كل عصر، لا يموتون، بل يظلون أحياءً فينا، نردّد صداهم كلما استوحشنا الزمن.



#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة نظافة وتربية من كتابي (رسائل غير مشفرة)
- المميز ن من كتابي( رسائل غير نشفرة)
- خبث التغاضي من كتاب (رسائل غير مشفرة )
- من كتابي أفئدة من ذهب (ثريا الشاوي)
- لغات الحب تعلمناها من الحبيب المصطفى
- من كتاب( أفئدة من ذهب)زوجات النبي والحكمة من كلل زوجة
- حميد بركي المفكر الادبي
- التطفل
- عندما يصبح السؤال تساؤلا
- مهرجان ابن عريف
- أخلاقيات العلاقة الزوجية
- رد بآشارة يغني عن السؤال والإثارة
- الجميل (صبرا ،هجرا.. )
- شبه قرين
- من كتابي رواد من شروق (مراكش والقلعة عملة واحدة)
- من كتابي أفئدة من ذهب(الفلكي حماد عاشور)
- سر الجمال
- خاتمة كتاب (رواد من شروق)
- مقدمة كتاب (رواد من شروق)
- سيرة ادباء وشعراء (رشيد أيلال)


المزيد.....




- بوساطة قطرية أمريكية.. اتفاق سلام تاريخي بالكونغو يفتح باب ا ...
- -لسوء الأحوال الجوية-.. الجيش الإسرائيلي يعترف بإطلاق نار عل ...
- زيارة محمد بن سلمان للبيت الأبيض.. مصادر تكشف استعدادات ترام ...
- اندلاع نزاع بين ترامب وحليفته مارجوري تايلور غرين قبل التصوي ...
- الجيش الروسي يعلن السيطرة على قريتين إضافيتين بمنطقة زابوريج ...
- جون أفريك: مشروع نفق جبل طارق حلم لا يزال حاضرا
- اشتباكات ضارية بجبهات المعارك بين روسيا وأوكرانيا ومساعٍ لتب ...
- تحذير جديد للنساء.. خطر خفي في الأطعمة السريعة والمعلبة
- مرضى السكري معرضون لخطر فقدان السمع
- أول الغيث كارثة.. نازحو غزة بين وحل الأرض وبرودة الأجواء


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - للاإيمان الشباني - هم أربعة من أزمة مختلفة