أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أوزجان يشار - بين براءة التفاؤل وجحيم الآخر: دع الحياة تمر، لا تتعثر في أروقتها














المزيد.....

بين براءة التفاؤل وجحيم الآخر: دع الحياة تمر، لا تتعثر في أروقتها


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 00:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الحياةُ ليست حلبةً للانتصار الدائم، ولا فخًّا مستمرًا للفشل، بل هي رحلة مليئة بالأحداث، تحتاج إلى التعايش لا الغرق. كل إنسانٍ في خضمّ معاركه الشخصية، يترنّح بين الانكفاء على الذات، والتضحية، والإنجاز، والإحباط. تلك المعارك اليومية لا تحتاج دائمًا إلى نصرٍ حاسم، بل إلى وعيٍ متزنٍ، يعرف متى يواصل ومتى يتخلّى، ومتى يسامح نفسه ويتصالح مع خساراته.

من السهل أن نعلّق إخفاقاتنا على شماعة الظروف، أو على الآخرين، أو حتى على ماضينا. لكن الحقيقة أن اللوم عبء، والعتاب استنزاف، والبحث عن مشجبٍ لتعليق فشلنا عليه ما هو سوى محضُ هراء. أنت مسؤول أولًا عن حياتك، ومسؤول عن خياراتك، سواء كانت عن وعيٍ أو عن جهل. ولهذا، فإنّ الحفاظ على المثلث الذهني والنفسي والبدني أمرٌ بالغ الأهمية. إنه ما يمنحك إدراكًا أنك لست أنانيًا حين تنسحب، ولست مرتبكًا حين تصمت، ولست مذنبًا حين تختار ألّا تبذل جهدًا مع من أساؤوا فهمك واتهموك بما ليس فيك.

في عالمٍ تكثر فيه الألسن، ويُقاس فيه الإنسان بنظرة الآخر، تبرز مقولة الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر:

“الجحيم هو الآخرون.”

تبدو الجملة لأول وهلةٍ متطرفة، لكنها تعني شيئًا أعمق: نظرة الآخرين، وأحكامهم، ومراقبتهم لنا، قد تصير جحيمًا حقيقيًا نعيش فيه دون أن ندري. حين نرى أنفسنا بعيونهم، ونقيس قيمتنا بتقييمهم، نفقد حريتنا، وننحصر في سجنٍ شفافٍ اسمه “التوقّع الاجتماعي”.

هكذا عاش جان فالجان، البطل الذي خلّده فيكتور هوغو في البؤساء.
رجل سرق رغيف خبز من شدة الجوع، فحُكم عليه سنوات في السجن. وبعد خروجه، تغيّر، نضج، وتطهّر، لكنه بقي مطاردًا من رجلٍ واحد يرفض أن يراه سوى عبر خطيئته الأولى: مفتش الشرطة “جافير”.
يمثل “جافير” تلك السلطة الاجتماعية والسياسية التي ترفض التوبة مهما كانت دلالاتها، وترى في الإنسان المذنب شرا لا يتغير.
أما جان فالجان، فقد أصبح رمزًا لمن قرر أن يعيش حقيقته الجديدة ولو لم يُصدقه أحد.

وفي مواجهة هذا الجحيم غير المرئي، يظهر الفيلسوف الرواقي سينيكا بنصيحة أكثر قسوة، لكنها تحمل نواة النجاة:

“إن ما يدفعنا إلى الغضب والإحباط، هو التفاؤل المبالغ فيه تجاه الحياة.”

سينيكا يرى أن منبع آلامنا ليس الواقع بل “توقعاتنا الوردية” منه. حين نُفرط في الظنّ الحسن بالأيام والناس، نصطدم بأول خيبة كأنها خيانة. أما حين نُبقي في أذهاننا دومًا احتمالية الكارثة، لا نصير سوداويين، بل أكثر واقعيةً وأقل هشاشة.

يقول:

“الطبيعة لم تخلق مكانًا يتّسم بالثبات… لا شيء مستقر. مصائر البشر والمدن في دوّامة.”

هنا، نتعلّم أن المرونة لا تعني الاستسلام، بل تعني الاستعداد. وأن النجاة ليست في التشبث، بل في التكيّف. أن تكون شجاعًا، ليس أن تضمن النصر، بل أن تقف وحيدًا في ساحة المعركة، وأنت تعلم أن الهروب محرم.

وفي كل هذا، يبقى العِلمُ والأدب زادًا وأدوات نجاة. وقد عبّر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عن جوهر العلاقة بينهما حين قال:

“الأدبُ يستر قلّةَ العلم، والعِلمُ لا يستر قلّةَ الأدب. فَفقدُهما عُرْي، وجمعُهما ثَراء.”

إنه قولٌ لا يُقرأ كحكمة عابرة، بل كمرآة لفوضى هذا العالم. فإذا اجتمع الأدب والعلم فيك، سترت نفسك عن الانكشاف، وصرت إنسانًا لا ينهار عند أول اختبار. أما إذا غاب أحدهما، فالعجز يتسلل من الباب الخلفي، ولو بدا العقل لامعًا أو اللسان فصيحًا.

ولعل كارل يونغ، وهو يغوص في أغوار النفس البشرية، قال ما يختصر هذا التشظي الذي نحياه:

“أعمق صراع نواجهه ليس بين الخير والشر، بل بين ما نحن عليه وما نتظاهر بأننا عليه.
الإنسان لا يُرهقه العالم، بل قناع يرتديه طويلًا حتى ينسى ملامحه الحقيقية.
نمثّل دورًا بعد دور، حتى نظن أن الصمت عيب، والدمعة ضعف، والعزلة مرض.
في أعماقك شخص آخر ينتظر:
لا يريد أن يكون مثاليًا، بل حقيقيًا.
لا يسعى للإعجاب، بل للسلام.
لا يلهث خلف الضوء، بل يرتاح في ظل شجرة.
الطريق إلى الذات ليس في الخارج، بل في جرأة نادرة:
أن تخلع القناع وتقول: هذا أنا… دون تحسين.”

فلتدع الحياة تمرّ في عروقك كما هي: بلا تصنّع، بلا تمسّك مؤلم، بلا تفاؤل ساذج، ولا انكسارٍ خانق. عشها كما تعاش الحقيقة: بوعي، لا بوهم… وبقلبٍ يعرف أن أجمل لحظات النجاة قد تأتي وأنت تسبح وحدك، لا تغرق في التيار، ولا تنتظر أن ينقذك أو يفهمك أحد.
النضج لا يعني أن تصبح أفضل مما يظنه الناس،
بل أن تصبح صادقًا… كما لم تتخيّل نفسك من قبل.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء الاصطناعي ينهش الوظائف التقليدية… والتعليم لا يزال في ...
- كين نورتون: المارينز الذي هزَمَ العمالقة.. وقهره النسيان
- ست ساعات في أديس أبابا: عبورٌ في شرايين القارة القديمة
- المجتمع والحضارة: عشرة محاور تصنع مصير الأمم
- تلقين الدم والتفوق: كيف تصنع المدارس الإسرائيلية جيلًا يؤمن ...
- الرومانسية الخالدة للكلمات: تأمل في الحب وإرث برونتي عبر آفا ...
- زلزال روسيا المهيب يقرع جرس الخطر: العالم على موعد مع موجات ...
- حين تعبت من مطاردة الكمال… وجدت الطريق في الداخل
- حين تُبتر الساق وتُبتر الذكرى: قراءة فلسفية ونفسية في رسالة ...
- الجدل العقائدي بين النقد أم الشيطنة؟ حين نرى العالم بعين واح ...
- حين يُصبح الصمتُ العالمي شريكًا في الإبادة
- الهوية الأمازيغية بين وهم النقاء وخديعة الجينات: صراع الانتم ...
- حين تعشق أجنحة الطائر أسلاك القفص
- شخصية الضحية المزمنة: بين قناع الضعف وحقيقة الاستنزاف المقدس ...
- ومضات من حياة ديكنز (الجزء الثاني): عبقريةٌ مزدوجة وظلالُ زو ...
- إبادة غزة تسقط الهولوكوست من كافة المعايير الانسانية ومن الا ...
- السيخية بين الروح والتاريخ: تأملات رحّالة بين المعابد
- عندما يضيء عقلك عتمة حياتك: أربعون درسًا من قلب الطريق
- الابتسامة التي تُبنى عليها الإمبراطوريات
- ملفات إبستين: التستر الكبير، الانقسام المؤسسي، وامتحان الشفا ...


المزيد.....




- هل يوجد مستقبل لحركة حماس في قطاع غزة؟
- الحكومة الأمنية الإسرائيلية تقر خطة نتانياهو لـ-هزيمة- حماس ...
- إسرائيل..-الكابينت- يمنح نتنياهو -الضوء الأخضر- للسيطرة على ...
- الكابينت الإسرائيلي يوافق على خطة -السيطرة الكاملة على غزة-، ...
- البيت الأبيض يستضيف قمة سلام تاريخية بين أرمينيا وأذربيجان ب ...
- قمة ترامب وبوتين المرتقبة.. 5 سيناريوهات لإنهاء الحرب الروسي ...
- كيف تحولت المظلة في اليابان إلى منصة لجذب الأرواح؟
- نتانياهو يعلن نية إسرائيل فرض السيطرة العسكرية الكاملة على غ ...
- عاجل | أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي: المجلس السياسي والأمني وافق ...
- خبراء أمميون: إسرائيل تستخدم التجويع -كسلاح وحشي- لإبادة غزة ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أوزجان يشار - بين براءة التفاؤل وجحيم الآخر: دع الحياة تمر، لا تتعثر في أروقتها