أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - التطور القادم من التخابر















المزيد.....

التطور القادم من التخابر


ضحى عبدالرؤوف المل

الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 17:32
المحور: الادب والفن
    


من أسرار العقول إلى شفافية الآلة

منذ أن عرف الإنسان الكلمة، كان التخابر أحد مفاتيح بقائه ونمو حضاراته. تطوّر من إشارات النار في الجبال إلى الذكاء الاصطناعي في شبكات الظل. أما اليوم، فنحن على أعتاب تحوّل جوهري يعيد تعريف "التخابر" من مجرد تبادل معلومات إلى اندماج شبه كامل بين العقل والآلة، بين الإنسان و"الآخر" غير المرئي. فهل من التخابر التقليدي إلى الثورة العصبية يضعنا فيلم الذكاء Intelligence أمام حقائق مستقبلية مهمة للغاية للمعرفة؟
لطالما ارتبط مصطلح "التخابر" بالسياقات السياسية والعسكرية، حيث تدور رحى الدول خلف الكواليس على أرضية الصراع الخفي، باستخدام الجواسيس، والوثائق المشفّرة، والتقنيات المموّهة. لكن التغيير القادم أكثر عمقًا. إنه لا يدور حول كيف نُخفي المعلومة، بل حول كيف تنتقل المعلومة دون أن تُقال.
هنا يدخل علم الواجهات العصبية، الذي يسمح بتبادل البيانات بين العقول أو بين العقل والآلة دون كلمات أو أصوات. التجارب الأولية أثبتت إمكانية إرسال صور أو أفكار أولية من دماغ إلى آخر عبر أجهزة تُترجم الإشارات العصبية إلى بيانات رقمية. لم يعد التخابر فكرة تجسسية فقط، بل مفهومًا عصبيًا بحتًا. فهل الاستخبارات الاصطناعية هي العقل الثاني في الغرف المغلقة؟

لم يعد جمع المعلومات يعتمد على العيون والآذان البشرية. الخوارزميات الذكية الآن تقوم بالمهمة – تتبع المحادثات، تحلل نبرة الصوت، وتستنتج النوايا. التخابر لم يعُد استباقيًا فقط، بل استنتاجيًا أيضًا. الأنظمة الحديثة قادرة على التنبؤ بالقرارات قبل اتخاذها، لا عبر التجسس، بل بتحليل السياقات السلوكية والقرارات السابقة. وهذا يطرح سؤالًا أخلاقيًامهما، إذا أصبحت الآلة تعرف نوايانا قبل أن نقرر، فهل نحن من نتخابر، أم أن التخابر أصبح خارج سيطرتنا تمامًا؟ وهل التشفير ما بعد الكَمّي هو عصر الاتصالات غير القابلة للكسر؟
في الجانب الموازي، تطور التشفير أيضًا من الرموز الكلاسيكية إلى التشفير الكمي. بينما تستطيع الحواسيب التقليدية كسر الشيفرات بعد وقت طويل، فإن الاتصال الكمي غير قابل للاختراق من حيث المبدأ. فإذا حاول أحدهم التجسس على المعلومات، يتغير حال الجسيمات نفسها، مما يؤدي إلى كشف المتطفل فورًا. إننا نقترب من لحظة يصبح فيها الاختراق مستحيلًا تقنيًا، ويُعاد تعريف مفهوم الأمن القومي.
لم يَعُد التخابر مقتصرًا على الحكومات. الهواتف، الساعات الذكية، التطبيقات، وحتى الأجهزة المنزلية، تُرسل بيانات عن سلوكنا يوميًا. يُعاد تجميع هذه البيانات في ملفات ضخمة لتكوين صورة رقمية دقيقة عن كل فرد. هذا هو التخابر المدني الجديد: مجتمعات تتجسس على نفسها طوعًا، عبر الراحة التكنولوجية. من المفارقات أن الخصوصية لم تُنتَزَع، بل تخلينا عنها بإرادتنا. فهل عصر التداخل العقلي بدأ منذ زمن والآن نرى ذلك؟
السيناريو النهائي للتطور القادم من التخابر لا يتعلق فقط بكيفية نقل المعلومة، بل بهوية الناقل والمتلقي. إذا اندمج العقل البشري مع الآلة عبر واجهات عصبية مثل Neuralink، فقد تختفي الحدود بين "من يعرف" و"من يُخبر". نحن نتجه نحو عالم حيث أولا تُفكَّر الأفكار جماعيًا. ثانيا تنتقل النوايا بين الأفراد بصمت.ثالثا تُصبح الخصوصية حدثًا تاريخيًا. رابعا هل التخابر القادم خطر أم أداة خلاص؟
التطور القادم من التخابر يقف على حافة بين الجنة والهاوية. في أفضل صوره، يمكن أن يُلغي الحروب عبر الشفافية الكاملة، ويُحقق فهماً عميقًا بين البشر. وفي أسوأ صوره، قد يكون وسيلة للسيطرة الكاملة على العقول دون مقاومة. يبقى السؤال الحقيقي ليس فقط هو "إلى أين يصل التخابر؟" بل: هل نحن مستعدون لتغيير تعريفنا للحرية، والهوية، والسرّ؟ وهنا أعود لفيلم الذكاء أو Intelligence”"الذي شاهدته عام 2014 والذي تناول قضايا التجسس، التكنولوجيا، والعمليات السرية. إذ حاول مسلسل “Intelligence” أن يفرض وجوده عبر سردٍ معاصر يمزج بين الأكشن والحرب النفسية في إطار تكنولوجي متقدم. لكن، هل نجح المسلسل في تحقيق توازن فعلي بين فكرة المستقبل القريب والعمق الإنساني الذي يحتاجه المشاهد ليغوص في عوالمه؟

قدم المسلسل لنا بطلًا غير عادي هو جندي نخبوي، غابرييل فون، مزروع في دماغه شريحة إلكترونية تسمح له بالتواصل المباشر مع شبكات المعلومات والأنظمة الأمنية، كأن الإنسان قد أصبح جهاز كمبيوتر حيًا قادرًا على اختراق الواقع من داخله. هذه الفكرة ليست بجديدة، فقد طالما استُخدمت في السينما والدراما لتسليط الضوء على العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، لكن التنفيذ هنا يحاول أن يكون أكثر واقعية وأقل خيالًا علميًا. فهل سنشهد ذلك في المستقبل القادم كما شهدنا أكثر التفاصيل التي لمسناها من 2014 حتى 2025؟

الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في المسلسل هو التوتر الدائم بين قدرة غابرييل الاستثنائية كآلة تجسس وبين هشاشته كبشر. فمع أن الشريحة تعطيه قوة خارقة في عالم المعلومات، إلا أنه يبقى عرضة للأخطار العادية، ويحتاج لحماية حقيقية من العالم الخارجي. هذه الثنائية تجعل من شخصيته أكثر قربًا من المشاهد، إذ ليست القوة التكنولوجية وحدها ما يصنع البطل، بل الصراع النفسي والعاطفي الذي يرافقها. أما في ما يخص الإنتاج البصري والتقني، فتأتي المؤثرات لتشكل نقطة ضعف واضحة. رغم الطموح في تصوير "داخل الدماغ" وبيئات ثلاثية الأبعاد تنقل المعلومات، تبدو هذه المشاهد مبتذلة وبعيدة عن الإبداع البصري الذي نراه في أعمال معاصرة مماثلة. وهذا يطرح سؤالًا مهمًا حول كيفية تناول التكنولوجيا في الدراما فالمشاهد الحديث بات يملك حساسية تجاه التفاصيل التقنية، وأي محاولة للتقليل من دقتها تخفف من جاذبية العمل. خاصة حاليًا لأننا لم نشهد انطلاقة درامية فوارة كالزمن التكنولوجي الحالي .

على الجانب الآخر، نجح المسلسل في تقديم ثنائي مركزي يحمل معه الكثير من الكيماوية والتوتر العاطفي، حيث تكون العلاقة بين غابرييل وحارسته الشخصية، رايلي، قوامًا دراميًا يحول الأحداث من مجرد متوالية ملاحقات وحوادث إلى قصة إنسانية تنسج مشاعر التوتر، الاعتماد، وحتى التنافس الخفي بين شخصين في عالم محفوف بالمخاطر. هنا يكمن جمال السرد، في تركيزه على التفاصيل الصغيرة في الشخصية، لا على المؤثرات الكبرى وحدها. ومع ذلك، تظل الحبكة الرئيسية ذات الطابع النمطي إلى حد ما، حيث تتكرر قصة "العميل الخاص الذي يبحث عن زوجته المختفية" ضمن إطار تهديدات استخباراتية دولية. في ظل ثراء الموضوعات الممكن تناولها في سياق التكنولوجيا المتطورة، يختار المسلسل الطريق السهل أحيانًا، مما قد يقلل من عنصر المفاجأة ويضعه في فخ المسلسلات الإجرائية التقليدية التي تعتمد على قصة جديدة في كل حلقة.

من منظور أوسع، يعكس Intelligence حالة التوتر المعاصر بين الإنسان والتكنولوجيا؛ فالفكرة التي تحضر في نسيج السرد ليست فقط قدرة التحكم في البيانات، بل السؤال الكبيرهو كيف يحافظ الإنسان على هويته وإنسانيته حين يصبح مزيجًا من اللحم والآلة؟ هل نقترب من عصر يتحول فيه البشر إلى امتدادات إلكترونية؟ وهل يمكن أن تبقى مشاعر الحب والولاء والعاطفة صامدة في وجه هذا التحول؟

يبدو أننا نحتاج إلى مزيد من الجرأة والإبداع لكي نتجاوز حدود الأكشن والتشويق إلى مساحات أعمق من التفاعل الإنساني والتأمل الفلسفي. قد يروق لمحبي المسلسلات التقنية الذين يبحثون عن مشاهد مطاردات وابتكارات بصرية، لكنه لم يقدم بعد رؤى جديدة تكسر القوالب التقليدية للقصص التجسسية.أو لما يحدث على صعيد الذكاء الأصطناعي وبسرعة لم نصل إليها دراميا بعد. فهل المهم أكثر هو الوصول إلى التطور القادم من التخابر؟



#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السرد الرمزي العربي في رواية- الولد الذي حمل الجبل فوق ظهره ...
- هل التحليل الجيومتري الديناميكي في لوحة جبران طرزي يعزز الإي ...
- مأزق الكاتبة في مجتمع متصلب
- هل يُمكن لشعب أن يرث نبياً دون أن يرث رؤيته؟
- الكوميديا السوداء في مواجهة القمع الأنثوي في عصر تيك توك ويو ...
- كم يمكن أن نُفرّط في حرياتنا مقابل الشعور بالأمان
- ما بين قوانين النقد الصارمة و- لعبة العفريتة-
- هل من رسائل مخفية يمكن استنتاجها في رواية أوراق شمعون المصري ...
- سردية اعترافية لراوٍ عاشق ومقاوم في رواية
- عبء الماضي ومهمة المستقبل في قصة الشامة ل ميخائيل شولوخوف
- -حياة غير مكتملة-: حين يُبعث الغفران وسط رماد الحزن
- بارتلبي ورفض عالم هيرمان ميلفل الحديث والكئيب
- تيار الوعي بين الحب والصداقة والعالم الهش في رواية قلب ضعيف ...
- صوفيا رواية حرة تُحلق بنا فوق سماء الغيب
- سردية القهر والانتحار في هلوسات ترشيش للروائي حسونة المصباحي
- بنية القلب الواعي في هندسة العلاقة الإنسانية
- الطيار الذي أسقطه الزمن ق في رواية -لا لون هناك-لمحسن الغمري
- نسمات أيلول- كوميديا اجتماعية تسلط الضوء على تقلبات الحياة ا ...
- رواية -عزازيل و الانتقال بين العوالم المادية والروحية
- -عقد ونصف العقد- لجمانة حداد بين نصل الحبر ومِداد التجربة


المزيد.....




- الهوية المسلوبة.. كيف استبدلت فرنسا الجنسية الجزائرية لاستئص ...
- أربعون عاماً من الثقافة والطعام والموسيقى .. مهرجان مالمو ين ...
- غزة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي
- السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو ...
- -مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف ...
- السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا ...
- المخرج علي كريم: أدرك تماما وعي المتلقي وأحب استفزاز مسلمات ...
- وفاة الممثلة كيلي ماك عن عمر ناهز 33 عامًا بعد صراع مع السرط ...
- ليدي غاغا تتصدر ترشيحات جوائزMTV للأغاني المصورة لعام 2025
- عشرات الإعلاميين والفنانين الألمان يطالبون بحظر تصدير السلاح ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - التطور القادم من التخابر