|
محاولة لفهم سيكولوجية حكم و ثقافة الهمج
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 10:42
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
هل المجتمع الذي يقتل فيه الناس بعضهم البعض "طبيعي" الذي يلقي فيه البعض بشرًا آخرين عزلًا من كل شيء من فوق بناية شاهقة ، هل هو مجتمع طبيعي و هل هؤلاء القتلة هم بشر "طبيعيون" و هل من يصفق لهم هم أيضًا بشر طبيعيون ؟ أعرف أن الصراع في جوهره هو صراع على السلطة أولًا ثم على الثروة بالدرجة الثانية لكن ألا يمكن لهؤلاء أن يخوضوا هذا الصراع بأشكال أكثر إنسانية أو أقل همجية ، هل من يضع تعليق أضحكني على موت أو مقتل و إهانة و تجويع بشر آخرين أيًا كانوا هو إنسان طبيعي نفسيًا ، و أي مرض هذا الذي يصيب فجأة كتلة بشرية بأكملها تقريبًا بغض النظر عن خلفية أفرادها العلمية و الفكرية و عن اختلاف تجاربهم الحياتية ليصبحوا جميعًا من أصغرهم إلى أكبرهم تقريبًا مشاركين في المجزرة سواءً كقتلة أو كمصفقين … هل هذا مرض ثقافي أم نفسي أم عرض لأزمة حضارية أو إنسانية أو إجتماعية أو اقتصادية أو لأزمة في النظام السياسي أم مشكلة مركبة من كل هذا أو بعضه … لا شك أن الثقافة التي تقبل بهذه الهمجية بل تحرض عليها هي ثقافة مريضة ، هذا إذا افترضنا أن تعريف الثقافة هو نشاط إنساني فكري عقلي فوق غريزي رفيع وظيفته أنسنة الإنسان و أنسنة العلاقات بين البشر ، الثقافة التي تعارض قتل المنتسبين إليها بينما تحرض على قتل غير المنتسبين لها هي بهذا المعنى ثقافة مريضة … طبعًا يمكن إيجاد أفكار ، إن صح تسميتها بذلك ، يمكن استخدامها لتبرير هذه الهمجية ، بل يمكن استخدام أفكار مثل الحرية و العدالة بشكل ملتوي لتخدم و تبرر و تدعو إلى القتل و الذبح لكن كيف أن يصبح هذا ممكنًا و مقبولًا و غير قابل حتى للنقد بين أفراد جماعة ما في نفس الوقت بما يشبه حالة سكتة مفاجئة للضمير الجمعي و الفردي الخاص بهذه الجماعة و بكل أفرادها في نفس الوقت … لإيقاف الهمجية نحتاج لفهم تلك الآلية الشيطانية التي تسمح بإطلاق العنان لها … إذا استمعنا لعلماء النفس فإنهم يشخصون المشكلة عند الأفراد غير القادرين على الانسجام مع محيطهم بينما في حالتنا هذه يبدو هؤلاء الرافضين للهمجية التي تحيط بهم العقلاء الوحيدين وسط جنون الهمجية الطاغي… هل الاكتئاب أو العصاب أو حتى الذهان في المجتمع المريض بالهمجية هو حالة مرضية أم أنه الحالة الوحيدة الممكنة لبشر طبيعيين يعيشون وسط بشر غير أسوياء … صحيح أن السوسيولوجي يشخص الهمجية على أنها مشكلة اجتماعية و عالم النفس على أنها مشكلة سيكولوجية و عالم الاقتصاد على أنها تعبير عن أزمة اقتصادية و المؤرخ يراها نتاج لأحداث تاريخية ماضية الخ لكن الأغلب أنها كل ذلك في نفس الوقت ، ما يهمنا هنا هو فهم الآليات النفسية التي يستخدمها البشر في حالتهم الهمجية و هنا لا أقصد حالتهم البدائية بل تلك التي يبررون و يمارسون فيها أفعالًا يعتبرونها همجية إذا مارسها ضدهم بشر آخرون … سنقتصر هنا على الحالة السورية القريبة مني و على الهمج السوريين و مثقفيهم … هنا لا بد من ملاحظة مهمة و هي أنه رغم الاختلاف الهائل بين أفراد المجموعة التي نصفها هنا سواءً من حيث مستوى ثقافتهم أو وضعهم الاجتماعي من مثقفين و سياسيين ( مضطر هنا أن أستخدم هذين الوصفين ) اعتادوا ترديد شعارات و عبارات الحرية و الديمقراطية و العدالة إلى رجال دين ذوي "ثقافة" دينية شديدة الضحالة إلى أميين و عاطلين عن العمل و الثقافة إلى قتلة و مجرمين عاديين لكن هؤلاء ينتمون غالبًا إلى محافظات أو مناطق بعينها في سوريا ، تحديدًا المنطقة الشرقية ، ادلب و ريف حلب و يكاد يغيب عنها أي تمثيل حقيقي للشام و حلب … هل هذا ناتج عن إحساس مشترك بين أفراد هذه المناطق بشعور مضاعف بالتهميش أو الازدراء من بقية السوريين ، لماذا يكره أبناء هذه المناطق الأقليات أكثر بكثير من أبناء دمشق و حلب و سائر السوريين ؟ و إذا كان من الممكن فهم مشاعر الغضب ضد العلويين الذين شكلوا عصب أجهزة الأمن المنفلتة أيام النظام الأسدي فكيف يمكن تفسير نفس المشاعر و الكراهية لدرجةٍ الإجرام ضد الدروز و ضد الأكراد الذين شاركوا جيرانهم العرب السنة في الرقة و دير الزور نفس التهميش من قبل نظام الأسد و ذات الازدراء من سكان المدن الكبرى ؛ ما الذي دفع و يدفع مثقفين من أبناء تلك المناطق ليسيروا خلف مقاتلين و رجال دين و "قادة" أميين ، خلف مقاتلين بلا أفق و بلا ثقافة لمجرد أنهم يقتلون علويين و دروز و يهددون بقتل أكراد … هؤلاء المثقفين و لا رجال الدين لم يكونوا ضحايا لسياسات نظام الأسد الاقتصادية لذلك لا أعتقد أن هذه الهمجية هي تعبير عن غبن اقتصادي اجتماعي لحق بمناطقهم … أعتقد أن هؤلاء المثقفين كانوا على خصومة شديدة مع نظام الأسد لسببين رئيسيين ، الأول هو أنهم تعرضوا للملاحقة و السجن على يد هذا النظام بحيث سيطرت فكرة الثأر عليهم بغض النظر عن أية عواقب أو نتائج ، الثاني و هو باعتقادي لا يقل أهمية عن الأول هو كره ممزوج بالغيرة و الحسد من علاقة العلويين بنظام الأسد و رغبة صريحة أو خفية بالحلول محل هؤلاء في ظل نظام أسدي سني يلعبون فيه نفس الدور الذي لعبه العلويون مع نظام الأسد … و قد يبدو من المفهوم هنا عدم تأثر الشوام و الحلبيين بموجة الهمجية هذه فهؤلاء لا يشعرون بنفس الغيرة من عناصر المخابرات العلويين و لا بالرغبة بالحلول مكانهم في نظام أسدي جديد ، ليس فقط لأنهم كانوا قادرين على "التأقلم" مع هيمنة النظام الأسدي بل لأنهم أيضًا لا يحتاجون لنظام أسدي علوي كان أو سني لكي يحصلوا على امتيازات ما عكس أهل الرقة و الدير و ادلب الذين لا يملكون ميزات الشوام و الحلبيين و لا تعليمهم العالي و لا ملكاتهم التجارية و قدراتهم على التواصل بينما يحتاج أهل هذه المناطق لنظام أسدي يمنحهم تلك الامتيازات المخصصة لقتلته و جلاديه… يبدو أن موجة الهمجية التي تجتاح سوريا هي تعبير عن حالة خاصة بمناطق بعينها وحدت مثقفيها و أمييها وراء قتلة وجدت تعبيرها الأمثل في فكر داعش الذي يجري تبنيه على نطاق واسع من قبل هؤلاء و الذي يختصر و يجسد و يختزل بكلمات و أفكار قليلة تلك الهمجية و مشاعر و رغبات هذه المجموعات بأفضل تمثيل …
سأعرض هنا منشورات فيسبوكية لبعض مناصري موجة الهمجية السائدة اليوم في سوريا كنماذج ك . ن . ناشط حلبي يبرر جرائم الجولاني و هنا نموذجين عن منشوراته التي تكشف عن الآليات التي يستخدمها هؤلاء لتبرير الهجمة الهمجية الحالية
( 1 ) المحللين السوريين و العرب المتخصصين في تفكيك و تدمير "الصحوة الإسلامية" حبذا لو تتواضعوا قليلًا و تصمتوا لدقائق و تحاولوا فهم الحقائق قبل ان تجهروا فورًا مواقفكم و مناهجكم التحليلية الجاهزة . الاحتقان و الغضب و الهيجان السني السوري اليوم أقرب ما يكون لظاهرة إثنية منه لظاهرة ايديولوجية و انا شخصيًا و لست وحيدًا أعرف "سنة" ملحدين او متحررين او نص او ربع متدينين و ناس لا تصوم و لا تصلي و لا تعيش حسب أعراف الصحوة لا من قريب ولا من بعيد و قلبها مليء بالمظلومية و الغضب و عدم القدرة على التجاوز ، هذا جزء من المشهد الحالي أيضًا و من واقع الفاشيات المتصارعة الكارثي في سوريا . تعليق : يستنتج المرء أن ذنب العلويين في نظر ناشطنا الهمام هو أنهم حكموا السنة أو أنهم تجاوزوا وضعهم كمواطنين من الدرجة الثانية أو حتى ما هو أقل من ذلك ، هذا هو باختصار موقف الطليعة المقاتلة إلى داعش و أخواتها من "غير المسلمين السنة" … يمكن فهم موقف العائلات التي تحكمت بالسلطة و الثروة قبل انقلاب حافظ الأسد لكن هؤلاء الساخطين ينتمون إلى طبقات حررها النظام البعثي من قهر و ظلم النخب العربية السنية المدينية التقليدية ، إننا أمام رغبة جامحة و صريحة بنظام أسدي سني يجمع الهمج برجال دينهم بمثقفيهم المفترضين
( 2 ) كله كوم و أنه بكوكب مصر كمان الناس ماسكة بخوانيق بعضها شي مع السلطة و البدو بسوريا و شي مع فصائل السويدا ، كوم تاني . يا جماعة شو بدكم فينا ؟ خليكم إنتوا المتروبول التاريخي المؤثر و خلينا نحن أطراف نائية لم تصل إليها الحضارة فيها صراعات اكزوتيكية غير مفهومة هاربة من القرون الوسطى اريحلكم و الله . تعليق : هذا أفضل ما قيل في تبرير الهمجية و المذبحة
م . ح . ص . ، طبيب ناشط كاتب معارض يساري سابق من الرقة يعيش في أوروبا منذ 2004 ، قتلت داعش أخاه و غيب جيش الإسلام زوجة أخيه مع ذلك فهو لا يذكر هؤلاء بأي سوء و يهاجم فقط الأقليات من علويين و دروز و أكراد و يأخذ على الجولاني لا قتله مدنيين عزل بل عدم استعانته "بعلمانيين سنة" إن كان من الممكن استخدام مثل هذا الوصف ، يقدم م . ح . ص . نفسه كبدوي لكنه يتجاهل ثأره الشخصي مع داعش و أخواتها و قد كان الله رحيمًا بالرجل فماذا لو وصل أحد خصميه اللدودين البغدادي أو زهران علوش أو البويضاني المسؤولين عن قتل أخيه و خطف زوجة أخيه إلى السلطة بدلًا من سيده الجولاني
لي عودة قريبة إلى ذات الموضوع أي سيكولوجية الهمجية لمحاولة تفكيكها استنادًا إلى فكرتي الاستلاب في مجتمع طبقي عند ايريك فروم في كتابه المجتمع السوي و كتاب المرض بالغرب لجورج طرابيشي
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مثلث السلطة و رجال الدين و العسكر
-
الطلب على الهمجية و الدفاع عنها ، مجازر الساحل و السويداء نم
...
-
رأيتم ما هو الجهاد
-
ملامح الفاشية في حكم الهمج في دمشق
-
مصير سوريا الجولاني
-
سوريا : تغير كل شيء و لم يتغير شيء
-
الحرباء السورية و السلطة الجولانية
-
نقض ثقافة المواطنة عربيًا و سوريا-
-
فشل الحداثة في الشرق الجزء الأول
-
نتنياهو حامل مشعل الحرية في شرقنا البائس
-
باسل شحادة و عمر عزيز ، حابب خبركم إنو اتحررنا
-
الدور الوظيفي للديمقراطيين العرب
-
نهفات سورية
-
تقسيم سوريا كحل وحيد لمسألة سورية اخترعها شبيحة الجولاني
-
الدور الوظيفي للمثقفين الثوريين
-
النموذج السوري للعدالة الانتقالية
-
الحرباء
-
النظام ما بعد الأسدي
-
العار
-
افعل ما تريد ، بعيدًا عنا
المزيد.....
-
أوكرانيا تُعلن تدمير مقاتلة روسية.. وتتحدث عن تكلفتها على مو
...
-
من موقع سري في الحرب الباردة إلى وجهة سياحية.. اكتشف قاعدة ص
...
-
تلقت لقاحي الكزاز وداء الكلب.. سيدة تروي قصة تعرضها لعضة -فأ
...
-
هل انتهت الحرب الباردة حقاً؟
-
خطة نتنياهو بشأن غزة في مهب الريح - مقال في الإندبندنت
-
هدنة هشّة وتوتر متصاعد في السويداء ومبعوث ترامب يحذر من العن
...
-
في تعليق على نشر ترامب للغواصات النووية: -الكرملين- يدعو إلى
...
-
جنون السيلفي .. شاب يتعرض لصدمة كهربائية مروعة فوق قطار في ك
...
-
قوات سوريا الديمقراطية تشتبكت مع قوات حكومية بحلب
-
مداهمات إسرائيلية جنوب سوريا قرب الجولان
المزيد.....
-
عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو
...
/ بندر نوري
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|