|
حين تختطف البراءة بأيدي قوى الشر والظلام الدواعش ، أطفال سنجار نموذجا
خالد محمود خدر
الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 17:25
المحور:
المجتمع المدني
الطفولة ليست مجرد مرحلة عمرية عابرة ، بل هي البذرة الأولى التي نغرسها في تربة الحياة ، وإذا كان الطفل لا يختار بيئته ولا ظروفه ، لكنه يستحق أن يحيا في أمان، وأن ينمو محاطا بالحب، والتعليم، والرعاية ، لتثمر لاحقا إنسانا يحمل قيما، ومجتمعا يُبنى على السلام والمحبة بين الناس. وبهذا تكون رعاية و حماية الطفولة مسؤولية إنسانية وقانونية وأخلاقية سواء من قبل العائلة ، المجتمع أو الدولة .
كل يد تمتد بالعنف إلى طفل، وكل نظام يغفل عن تعليمهم وحمايتهم ، وكل أعمال عنف أو حرب تتسبب باختطافهم او تشريدهم و تحرمهم من دفء الأهل و تفصلهم عن بعض ، هي جريمة في حق الإنسانية كلها.
حماية الطفولة هي الضمان الوحيد لمستقبل لا تعود فيه القسوة قانونا، ولا الجهل قاعدة، ولا الخوف والاضطهاد كابوسا ملازما لأحلام الأطفال الصغار.
أن الذي وقع مع أطفال سنجار الايزيديين أثناء غزوة الدواعش لقضاء سنجار في محافظة نينوى / شمال العراق ، يمثل حدثا مأساويا لا تقوى القلوب على وصفه ، ذلك أن آلالاف منهم خُطفوا مع امهاتهم على أيدي عناصر تنظيم داعش الإرهابي ، ليزُجّوا بعدها في معسكرات غسيل العقول وفق أفكارهم السوداء والتدريب على القتال والتفخيخ والتفجير او يباعوا في أسواق النخاسة التي أقاموها في المدن التي سقطت لحين تحت ايديهم.
هكذا سُلبت براءتهم تحت رايات الظلم السوداء لداعش ، وهكذا تم اقتلاعهم من دورهم وقراهم ومجتمعهم وهويتهم، وحتى من لغتهم و أسمائهم ، مثلما وبالنتيجة جُرّدوا من دفء العائلة التي أبادوا افرادها بين قتيل ومختطف او مختطفة ونازح ، مثلما جردوا هؤلاء الأطفال بالنتيجة من حقوقهم في التعليم، والأمن، واللعب، والضحك، ليُصاغ لهم قدر على أيدي قساة القلوب امتهنوا الشر والرذيلة ، على الهوية الدينية ، كون ضحاياهم من أبناء المعتقد إلايزيدي.
ما جرى لهؤلاء الأطفال لم يكن مجرّد مأساة، بل وصمة عار في جبين كثيرين من أبناء المناطق المجاورة، ممن باعوا ضمائرهم وانخرطوا في صفوف الدواعش الغزاة، كاشفين عن أحقاد دفينة مبنية على الهوية الدينية. نسوا جوارهم، وتخلّوا عن أبسط القيم الإنسانية، فشاركوا في جريمة خطف الطفولة من مجتمع مسالم لم يبادلهم يوما إلا بالمحبة والسلام.
استغلّوا غياب الدولة، لينفثوا سمومهم ويخلعوا عن أنفسهم كل ما كانوا يتغنّون به من قيم ومبادئ. والأشد إيلاما هو فشل الضمير الإنساني ، محليا وعالميا ، في حماية أضعف الخلق من عصابات تكفّر الحياة والطفولة، وظلّوا لفترة طالت صامتين، يراقبون مشاهد القتل والسبي والخطف، في وقت كان يفترض فيه أن تكون حماية الأطفال، لا سيّما في زمن النزاعات والجرائم الجماعية ذات الطابع الديني أو القومي، واجبا وطنيا، وإنسانيا ودينيا وأخلاقيا لا يقبل التهاون أو التأجيل. فكل طفل يُختطف هو مستقبل يُسرق، وكل صرخة خوف تُهمل هي دعوة مبكرة لخراب قادم.
الشيء بالشيء يقارن في هذا الزمان الذي كثرت فيه وقائع الاحداث المفاجئه ، وطريقة التعامل معها بشكل مباشر أو غير مباشر ، في أماكن مختلفة من دول الشرق الاوسط ومع اناس مختلفين منتمين لمعتقدات واثنيات و اعمار مختلفة ليبان الموقف ودرجه الانتماء للإنسانية والوطن أو انحيازه للتعصب الطائفي والاثني.
قبل الدخول في توضيح جانب مما وقع لأطفال الايزيديين في حملة ابادة الدواعش لايزيدي سنجار، اسوق نموذجين للتعامل مجتمعيا مع حادثي مأساة وقعت لطفلين ، الاول في المغرب والثاني في سورية: في الاول من شباط عام 2022 سقط الطفل ريّان أورام ذو الخمسة أعوام في بئر عمقها أكثر من 62 مترا ، قريب من منزله في قرية واقعة شمال المغرب ، وبقي عالقا فيه على عمق 32 مترا لمدة خمسة أيام. في سعي حثيث لإنقاذه بدأت عملية إنقاذ كبيرة ، زُود الطفل أثناءها بأنبوب أكسجين على مدار الساعة في محاولة لإنقاذه ، و شارك فيها المتطوعون من السكان المحليين والهلال الأحمر وأفراد من قوات الوقاية المدنية وسخرت السلطات المغربية كل إمكانياتها من الآليات والمعدات المطلوبة على مدار الساعة واستدعت عشرات المهندسين والمختصين في حفر الآبار والأنفاق، وأمنت سيارات إسعاف ومروحية لنقل الطفل إلى المستشفى وفرقة أمنية لتأمين محيط البئر لكنّ العملية انتهت بالوصول إليه ميتا بعد أيام خمس من محاولة الوصول إليه. اكتسبت قضية الطفل ريان شهرة وتعاطفا عالميا، وتابع الملايين من الناس عملية إنقاذه التي نُقلت على الهواء مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات التلفزيون. كما حظيت قصة ريان بتغطية إعلامية كبيرة وحازت اهتماما رسميا وتعاطفا تعدى حدود قريته، وأصبحت قضيته قضية رأي عام في المغرب وخارجه، رثاه العديد من رؤساء الدول والسياسيين والمنظمات الدولية والفنانون وحتى أندية رياضية عديدة. وفي العام التالي أُنتِجَ فيلم وثائقي عن الحادثة تحت عنوان: ريان أثر الفراشة ، الذي فاز بالجائزة الفضية في مسابقة تيلي أواردز العالمية. شخصيا ، كم كنت وقتها اتمنى ان تظفر جهود المغاربة بسلامة الطفل ريان وعودته إلى اهله حيا ، وكنت اتابع اخبار انقاذه بأمل إخراجه حيا من البئر الذي سقط فيه ، ولكن للاسف شاءت الأقدار ان لا تتكلل جهود كل المغاربة بالنجاح ، إذ سرعان ما اعلن الديوان الملكي المغربي ، حيث كان يدير حملة الانقاذ ، عن وفاة ريان. ما أريد أن أقوله هنا، أنه كم سيذكر العالم ان الشعب المغربي وحكومته وملكه قد استنفروا طاقاتهم وإمكاناتهم من أجل انقاذ الطفل ريان. و أن المجهود الجماعي المشترك أبان أن المغاربة قد وضعوا بتكاتفهم لُبنَه إضافية لبناء لحمتهم الوطنية و برهنوا بحق عمق انتمائهم لوطنهم ومواطنيه وأطفالهم.
ايضا الحدث المأساوي للطفل السوري آلان الذي غرق في بحر ايجه في أيلول من عام ٢٠١٥ وانتشرت صورته على نطاق واسع وهو منكب على وجهه بعدما جرفت المياه جثمانه إلى الشاطئ، وأصبحت هذه الصورة رمزا لمحنة اللاجئين السوريين الهاربين من حرب مستمرة في بلدهم وتعاطف معهم بسببها مئات الملايين في أنحاء العالم مجتمعيا ودوليا.
يبدوا ان الشعوب بحاجه احيانا لهزات يبان منها عمق الضميرالحي ودرجة الحس الانساني من عدمه واقعا ، ليكون وقع القدر كما يقال ، بمثابة امتحان لهم ولانتمائهم الوطني والإنساني ، ويغدوا ريان عنوانا لوطن يفوح من سفوح جباله ووديانه ومدنه وقراه عطرا (ريانا) ، ليعتبر أثره الوصول لموقع الحادث وقت المأساة او مواكبة تفاصيله ، مقياسا يقاس به درجة الانتماء للوطن والإنسانية جمعاء. انتماء جذب كل المغاربة لطفل عزيز عليهم يئن في بئر أو مثل ما انجذاب العالم للطفل السوري آلان الذي كانت تتجاذبه أمواج البحر لتلفظه اخيرا ميتا على الشاطئ. ولعل عزاء والدٓتي الطفلين سيكون بكل المغاربه او بكل السوريين الذين افتدوا وقدموا امكانياتهم و انفسهم قربانا لطفليهم.
بعد هذا أشير: كم طفلا (ريانا) ايزيديا وقع أسيرا او عانى جوعا وعطشا لايام كثيرة على سفوح جبل سنجار وهو يلهث خوفا من متابعة الدواعش له ولوالديه ، ليلفظ اخيرا انفاسه. وكم طفلا ايزيديا اختطف من أحضان والدته على هويته الدينية فقط ، وكم طفلا ايزيديا بعدها سقط في بحر ايجه مع عائلته وهم ينشدون النجاة من هول المأساة التي حلت بهم بسبب داعش ، دون أن يسأل جادا عنهم أحدا في كل ذلك وغيره منذ إحدى عشر عاما ، مع انه اي بئر كان بئر الدواعش ، ( بئر) يُشحن بدماء الضحايا بعد ذبحها او قالها غدرا ، بخلاف كل آبار الدنيا التي تمنح الماء للحياة.
كم طفلا ايزيديا جروه و جردوه الدواعش من والديه واخوانه و اسمه وانتمائه الديني والاجتماعي والقومي ، واقتلع من ارض اجداده ، ليبدأوا معه ثانية بعد كل هذا رحله مأساة وعذاب تتوزع بين الترهيب والترغيب ، بين القتل والتدريب والتربية على معتقدهم وحملات تعذيبهم و شرهم وكرههم للحياة ، بدأً من اقحامه على (طفولته) في معسكرات تدريب على الشر والعنف كي يقتلوا فيه محبة الحياة والناس فيها ، ثم يدخلونه على طفولته في معسكرات تدريب على السلاح وأعمال الشر لأعداده لعمليات انتحارية ينهون به حياته وحياة الكثيرين.
كم طفلا ايزيديا اختطف وبيع وفق حسابات الغنائم في أسواق نخاسة داعش. اسواق نخاسة لبيع الأطفال ومعهم امهاتهم. تجارة بالمغلوبين على أمرهم يخجل الإنسان من الإتيان عليها ، منذ أن عرف معنى الانسانية ، يوم حرم الاتجار بالبشر فكيف بالأطفال.
هكذا تم بيع الاطفال وأمهاتهم في سوق النخاسة وسط لا مبالاة الكثير المقتدر ، ممن يشاهدون الحدث المأساوي عن قرب و عن بعد ، دون تكليفهم بالقيام بأي رادع ولو بكلمة حق تبرد قلوب اولئك المفجوعين بأنفسهم وأولادهم.
هكذا وجد الطفل الايزيدي نفسه يباع ويشترى وينقل من عائله داعشية الى اخرى باسمه الجديد ولغته الجديدة ومعتقده الجديد ليبدأ في كل دار جديد رحله معاناه جديده وفق غاياتهم من شراءه وتلذذهم دنيويا بما اقترفوه من جرم ، حدا قالت احدى النساء ، وهي تعمل للاسف كمعلمة ، ممن اشترت طفلا من هؤلاء انها بذلك تضمن الجنه ورضا الله وهي قد لقنته معتقدها وتبنته كونها عاقرا. هذه المرأة رفضت تسليمه لعائلته بعد إخباريه عنها من أبناء منطقتها وردت لرجال الأمن الوطني ، بعد تحرير محافظة نينوى. و نقلت تفاصيل ذلك شاشات التلفاز ومواقع التواصل وقتها.
اما الاطفال من الاناث ، فقد مروا بمعانات سيسجل التاريخ البشري من هول وقعها ان الانسان لا زال يحوي بين انواعه أصنافا لا يقبل ان ينتمي لها أو يسمى بأسمها حتى وحوش الغاب من هول وحشيتهم ودمويتهم وساديتهم وشذوذهم .
أقول هذا متذكرا ذلك الطفل الذي كان يبكي ويشتكي بلغه الاطفال لأمه الايزيدية من الجوع والالم ، وسط تكرار الدواعش لمنعه من ذلك البكاء الذي يصم اذانهم التي لا تقبل او تستسيغ سماع غير اصوات رصاص الغدر وعويل الفتيات السبايا بين ايديهم . ولكن مع هذا الطفل وجدوا له ولوالدته المختطفة المهانة الجائعه الحل ، ولكن بطريقه اخرى اكثر بشاعة ، إذ سرعان ما اخذوا الطفل عنوة من والدته بعد ان اشبعوا كليهما ركلا واستهانه وتعذيبا ثم اقتادوه الى طرف من اطراف ذلك المكان ، لياتوا لوالدته بعد ساعات ويقدموا لها وجبه غذاء من اللحم والرز وهي التي حرمت طوال وجودها بينهم من لقمه الخبز، الا بما يبقيها حية لينفذوا ساديتهم ويتفننوا بأساليب تعذيبهم وخبثهم معها. اما هذه المرة وبعد أن شبعت الام من وجبة الغداء التي قدمت لها ، اقترب منها احد الدواعش الذي ينتظر بلهفه خلاصها من تناول طعامها وقال لها: اتعرفين ماذا تناولت ، فاجابته بما قدم من غداء ، ولكنه قال لها ان اللحم الذي تناولتيه هو لحم ابنك الذي ذبحناه جزاء بكائه المتواصل وعدم امتثاله لمنعه. وهنا جن جنون والدته حدا فقدت معه منذ ذلك اليوم عقلها بالكامل واصبحت تهيم على وجهها كل يوم ، ولا زالت هكذا حتى بعد تحريرها بفديها بمبالغ مالية من بقايا أهلها والخيرين.
من جانب آخر كان هناك طفل آخر منسيّ على تخوم مذابح الإبادة. في الثالث من آب عام 2014. كان طفلٌ إيزيدي في الرابعة من عمره، يواجه وحيدا وحشية ما لا يستطيع الكبار احتماله. لا أحد يعرف اسمه، ولا اسم قريته، ولا ملامح مَن كان يناديهم بأمي وأبي. فُقدت هويته كما فُقدت عائلته في زحمة الموت الجماعي الذي اجتاح سنجار، في يوم أسود من أيام الجينوسايد. زحف الصغير نحو جبل شنكال، أو ربما تسلل إليه كما يتسلل اليُتم إلى أعمار الطفولة. لم يذق الطعام ولا الماء لثلاث ليال دامية، وكان البكاء ملاذه الوحيد في حضرة الصمت الثقيل. وفي اليوم الرابع، خفت صوته، ثم انطفأت عيناه، وانهار الجسد الضئيل تحت وطأة الجوع والخوف والخذلان. مات الطفل… دون اسم، دون شاهِد، دون قبر يُزار أو ذاكرة تحميه من النسيان. دفنوه في التراب بصمت، كما تُدفن الأسرار الثقيلة. ومنذ ذلك اليوم، ظل هذا الصغير شاهدا مجهولا على جريمة لا تزال مفتوحة الجراح.
بتاريخ 2014/8/3 كانت الطفلة سارة جميل نائف ابنة عم الشهيدة جيلان برجس نائف (التي فضلت ، بعد اختطافها ، الانتحار على تسليم جسدها للأشرار) ، جنينا في رحم والدتها ، عندما غزا الدواعش سنجار واعدموا والدها و اختطفوا والدتها واشقائها وشقيقاتها اسوةً بالعديد من افراد عوائل اعمامها وغيرهم. بعد عدة اشهر من الاختطاف ، انجبتها والدتها. في عام 2015 تم تحريرها اسوة بافراد عائلتها. في عام 2016 تم نقل عائلتها الى المانيا عن طريق الجسر الجوي للتأهيل النفسي للناجيات. بتاريخ 2023/8/20 وبمناسبة الذكرى التاسعة لإستشهاد ابنة عمها جيلان ، زارت الطفلة سارة وللمرة الاولى منزل والدها الشهيد في قريتها تل عزير ، وهي تبكي وتنوح على ما تعرضت اليه وعائلتها على أيدي وحوش القرن الحادي والعشرين.
اما الاطفال الايزيديين الذين توفوا عطشا على سفوح جبل سنجار ايام حمله ابادة الدواعش في ٣ آب ٢٠١٤ ، فإن مأساتهم ستبقى علامة على بعد الانسان عن انسانيته ، والكل في العالم يتفرج عليهم عبر شاشات التلفاز والقنوات الفضائية دون رد يروي غليلهم ويعيدهم الى الحياة. ولم تجد عوائلهم أمام عطشهم لأيام طوال وبعدها وفاتهم غير دفنهم في اقرب حفرة تمكنوا من حفرها على عجالة وهم الذين كانوا لا يزالوا ملاحقين من قبل الدواعش.
توجد الالاف من قصص مآسي الأطفال الايزيديين في حملة ابادة داعش للمكون الايزيدي. كل قصة تصلح أن ينتج لها فلما وثائقيا يترجم حجم الألم الذي تعرض له كل طفل ايزيدي من سنجار.
كم كان الايزيديين وقت الإبادة، بحاجة الى عشر العدد من الرجال الذين جاءوا لإنقاذ ريان من البئر او آلان من البحر ، لينقذوهم من ذبح داعش وبطشه في تلك الأيام الحارة من شهر آب التي كانت لا تطاق.
المثير للغرابة والأسف ، ان أكثرية الدواعش الذين غزو سنجار كانوا من ابناء جيرة الايزيديين والوطن ، ممن ركبوا موجة داعش وانتموا لها ، الذين سرعان ما تنكروا ، في أول فرصة شر أتيحت لهم ، لمبادئ الجيرة والنخوة والعلاقة الأسرية التي تسمى عند الايزيديين بإخوة الدم أو الكرافة عندما كان يتم ختان أطفالهم الذكور في أحضان هؤلاء الجيرة أو بالعكس ، ولكن يبدوا واضحا ان الدم الايزيدي ليس ( ريانا ) ليجد من يتسارع لأنقاذه مثل ريان المغربي ، بل أنه طفلا مستباح دمه ليقتل و يذبح ذبح النعاج على هويته الدينية بحسابات الكفرة بالحياة والإنسان.
أيها العالم الذي تُرهف سمعك لكل صيحة هل سمعتم بمَلاحم أطفال من سنجار؟ هل سمعتم عن اطفال قاتلوا الموت بصبرِ الجياع والعطشى المرعبين من ملاحقة الضباع لهم ولوالديهم وعموم اهلهم على الهوية الدينية .
ولكنهم كانوا أطفالا تشبثوا بالحياة بين نتوءات و ممرات جبل سنجار وعلى سفوحه وفوق قممه وتشعباته طلبا للنجاة ، حتى لفظ الكثير منهم أنفاسه الأخيرة شهيدا بلا شاهد، وضحية بلا ضريح. اما من تمكن من هؤلاء الاطفال النجاة مع أهله على الجبل ، فقد وجد طريقه الى سوريا ، والوصول بعدها لمخيمات النزوح ، في محافظة دهوك ، التي شب فيها أو أصبح يافعا بعد أحد عشر عاما على حملة الإبادة ، ليصبح شابا سنجاريا لا يتذكر من سنجار غير أنها عنوانه الابدي ، رغم أن أغلبهم لا زال نازحا بعيدا عنها.
ولمن لم يسمع بهذا وغيره الكثير ، اقول دونوا في صفحاتكم العنكبوتية، بكلمات تبحث عن هؤلاء الأطفال وقصصهم المأساوية ، عن حقيقة ما جرى لهم وما تعرضت عوائلهم إليه من حوادث جرت ومآسي حلت ، وأنتم ساكتون متفرجون او صامتون بلا قرار.
في وقت كان بإمكانكم أن تسمعوا أنين سنجار، أنين الأطفال، أنين من عاشوا لأجل الحياة… وماتوا لأنكم اخترتم ألا تعلموا.
إنهم ليسوا مجرد اطفال. إنهم في قصة كل منهم ملاحم حيّة ، يبحث أبطالها عن عزيمة الحياة في اجساد صغيره، عن بطولة لا تريد تصفيقا، بل إنصافا.
مات الكثير من أطفال سنجار على أيدي الاشرار الدواعش لكن بموتهم كتبوا شهادة دامغة على عصرٍ نسِيَ فيه العالم معاني القرابة، والنخوة، والإنسانية. وبات هولاء الاطفال يُنادون من بين رماد الإبادة : أين أنتم؟ حين كنا نذبح في صمتٍ… وأنتم تصغون للعابر من الأخبار؟ لنعيد للطفولة معناها ، ولنعمل من أجل ألا تتكرر الإبادة ثانية بحملة غزو أخرى لسنجار وسهل نينوى.
رغم انه في سنة 2017 ، أعلنت الحكومة العراقية طرد التنظيم المتطرف من كامل محافظة نينوى قبل أن تعلن الانتصار على مسلحي داعش الإرهابي في نهاية العام نفسه ، الا ان مصير نحو 1616 من الفتيات ومثلهم من الأطفال لا يزال مجهولا ، وما تزال أيضا عمليات تحديد هويات الضحايا في 93 مقبرة جماعية غير مكتملة.
و مازال مصير نحو الفي طفل مختطف مجهول المصير ، و حسب المصادر والمعلومات ، العشرات منهم في تركيا والمئات لدى العوائل العراقية الذين انضموا لداعش او دخلوا اسواق النخاسة ليشتروا الاطفال الايزيدية كعبيد او اسيري عوائل الدواعش الذين هربوا اثناء تحرير المناطق الى تركيا وسوريا في مخيم الهول وأعيد إلى مناطقهم قبل ايام الى العراق 15000 داعشيا ، في مؤشر جديد على أن قضيتهم قيدت ضد مجهول. الأطفال الإيزيديون الذين لا يزالوا مختطفين مفقودين ، لم يعد يعرفون أو يتذكرون هويتهم الدينية ، ولا لغة اهلهم المحكية ، لأنهم كانوا صغارا جدا وقت الاختطاف. فبات من يتحرر منهم يأتي إلى أحضان من تبقى من أهله وهو يتكلم معهم بلغة ثانية وبلهجة من اختطفه أو اشتراه عبدا أسيرا ، وبالكاد يتذكر ملامح شخص واحد أو شخصين تبقوا من اهله . ويمكن ملاحظة ذلك في الفيديوهات التوثيقية المعروضة على قناة اليوتيوب ومواقع التواصل التي تعرض بين فترة وأخرى حالات كهذه ،يتم فيها تحرير طفلا منهم بعد إبلاغ او معلومات ترد الجهات الأمنية المعنية في العراق.
تبقى القضيه الأهم في كل وطن هي الإنسان ، ولا بد لمجتمعاتنا إن أرادت التقدم والتغيير أن تضع الإنسان كقضية اهم وفق إنسانيته وليس عرقه ومعتقده واثنيته ، لأن في ذلك فقط يكون معيار التقدم والانتماء الإنساني.
تفتقر الأرض العراقيه الى الكثير من مَن يحملون رسالة إنسانية بعنوان حقيقي ، اذ لا يزال يُسمع بوسائل الإعلام كلاما تفوح منه رائحة الطائفية والتمييز الديني والمذهبي والعرقي بكل أشكاله ، وقد وظفوا هؤلاء أهدافهم وأقوالهم باتّجاه رؤيتهم الخاصة ونظرتهم الضيقة وبالتأكيد لأجندات أخرى ، ولكن ليس بينها مصلحة الوطن وشعبه بمختلف أطيافه.
يلزم الجميع الكثير من الوقت والطاقة الفكرية لغسل تلك العقول التي لا ترى في الوطن إلاّ مشروعاً دينيا او عرقيا خاصا مقاسا على مخيلتهم وما حصل مع الايزيديين والمسيحيين عند غزوة داعش لسنجار وسهل نينوى في آب 2014 يؤكد بعمق واسف ذلك.
كم يلزم الكثير من الوقت كي يفهم أنّ الأحقاد لن تصنع وطنا والتفرقه لن تبني انسانا من الداخل، بل الاقتداء بالأمم والمجتمعات المتطوِّرة، ليجدوا أن السياسة والقانون وُجِدا لبِناء المجتمعات وأن الدين وجد لخدمة الإنسان وليس العكس.
القضيه في هذا الوطن كانت وستبقى قضيّه الإنسان ، واذا كان في المغرب ريانا واحدا هب الجميع مغربيا لنجدته ، فيلزم في العراق كل الأمم مجتمعه لنجدة من وقع في اأتون الإبادة و ابار التفرقه والارهاب واولهم اطفال الايزيديين.
عليه لابد لمجتمعاتنا إن أرادت التقدم والتغيير أن تضع الطفولة والإنسان القضية الأهم لأن هذا هو معيار التقدم والبقاء.
ب. د. خالد محمود خدر
#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليكن الجميع القدوة الحسنة كي لا تُختطف الأوطان والإنسان مرة
...
-
التغير المناخي في العراق وأثره في تفاقم الأزمة المائية
-
نيكولا تيسلا عبقري سبق زمانه وأقلق عقول الحكومات/ الجزء الرا
...
-
نيكولا تيسلا عبقري سبق زمانه الذي أقلق عقول الحكومات / الجزء
...
-
نيكولا تيسلا عبقري سبق زمانه وأقلق عقول الحكومات / الجزء الث
...
-
نيكولا تيسلا عبقري سبق زمانه وأقلق عقول الحكومات / الجزء الا
...
-
حين تُصبح النوايا الطيبة خطرا قاتلا على أصحابها من ابناء الا
...
-
العقل البشري بين التهميش والتفعيل: كيف يُصنع الغباء الاجتماع
...
-
في ذكرى مأساة الإبادة الجماعية الحادية عشرة لايزيدي سنجار ،
...
-
أزمة المياه والجفاف تضع العراق على مفترق طرق خطير لا تفيد مع
...
-
في الذكرى الحادية عشر للإبادة الجماعية للمكون الايزيدي في سن
...
-
شخصيات مجتمعية خدمت ولا تزال تخدم اهلها بإخلاص وتترك أثرا عم
...
-
نظرة وتحليل عن بعد لنموذج حي من التعايش السلمي يصلح أن تحتذى
...
-
أحد عشر عاما على الإبادة الإيزيدية وأكثر من نصف المختطفات ال
...
-
أحد عشر عاما على الإبادة الإيزيدية وأكثر من نصف المختطفات ال
...
-
التعدد والاختلاف ثراء لا تهديد مثلما ثقافة الاعتذار والتسامح
...
-
حين تكون هجرة الأقليات قدرا من صنع البشر
-
قصة من القصص المأساوية في الإبادة الإيزيدية / قصة الام العجو
...
-
قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الثالث والاخير
-
قراءة جديدة في مذكرات الأرقش / الجزء الثاني
المزيد.....
-
قانون التظاهر يثير جدلاً واسعاً في العراق.. منظمات حقوقية تح
...
-
حكومة نتنياهو تواجه أزمة إنكار المجاعة في غزة بعد فيديو يظهر
...
-
جدعون ليفي: نتنياهو يواصل ارتكاب أسوأ جرائم الحرب في غزة بدع
...
-
جدعون ليفي: نتنياهو يرتكب أسوأ جرائم الحرب في غزة بحماية من
...
-
تفسير دخول قطاع غزة المرحلة الثالثة من أزمة الجوع والتهديد ب
...
-
عائلات الأسرى الإسرائيليين تندد بتصعيد الاحتلال وتطالب بصفقة
...
-
محكمة فيدرالية تمنع عملاء الهجرة من تنفيذ -اعتقالات عشوائية-
...
-
والد الطفل عاطف أبو خاطر يصف معاناة غزة ويطالب بوقف المجاعة
...
-
عشرات آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب ويطالبون بصفقة ت
...
-
عشرات آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب ويطالبون بصفقة ت
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|