أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد عبد الكريم يوسف - السقوط نحو الأعلى














المزيد.....

السقوط نحو الأعلى


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8413 - 2025 / 7 / 24 - 22:57
المحور: كتابات ساخرة
    


لم يكن السيد "مُتسلّق" مهيأً للإدارة، رغم أنّه كان يردد هذه الكلمة أكثر مما يتنفس. كان مهندسًا "مركونًا في الزاوية" – مصطلح لطيف للإشارة إلى كائن حي يشغل مساحة مكتبية دون أي وظيفة حقيقية – ثم قفز فجأة، وبفعل فاعل غامض، ليصبح رئيس "مركز غير فعال" من مراكز الشركة بسبب سنوات الحرب. الحرب، يا سادة، كانت شماعة لكل شيء في البلاد؛ تسببت في نقص المياه، غلاء الأسعار، وحتى في تعيين المتسلقين "مُتسلّق" في منصب قيادي بدل متسلق سابق.

لم يكد "مُتسلّق الأول" يتمكن من تمييز باب مكتبه عن باب المرحاض، حتى جاءه النبأ العظيم: "أنت محافظ!". نعم، محافظ لإحدى المحافظات! بدا الأمر وكأنه ترقية عكسية؛ كلما زادت عدم كفاءته، ارتفع في السلم الوظيفي.
وفي الشركة، بدأت مهزلة البحث عن خليفة. طُلبت أسماء المرشحين، فتم ترشيح مدير المشاريع غير المكتملة (الذي كان يعرف كيف يفك ويركب كل شيء إلا فك رموز البيروقراطية)، ومدير المادة السائلة التي تجري عروق المدير الأول (الذي كان يدير السوائل بنفس كفاءة الأس في سباق فورمولا 1)، ومدير التزوير والتخصيص (الذي كان يخصص حيزا رقميا لأشياء لم تحدث قط، فالأرقام والجداول هي الأهم). لكن الجهات الوصائية، في حكمتها اللامحدودة، طلبت "مرشحين إضافيين". وفجأة، هُمس لمدير الذاتية أن "رشّح نفسك!" لقيادة المؤسسة العريقة المتخصصة في نقل السوائل من مئة عام، ولم يتردد رئيس "مركز غير فعال" من مراكز الشركة – الذي كان يعيش حياته السابقة كـ"مُتسلّق" – لحظة في ترشيح نفسه.

كانت المفاجأة الصادمة (والتي لم تصدم أحداً بالفعل) هي استبعاد جميع المرشحين الأخرين، ليظل "الفارس الهمام" رئيس المركز هو المرشح الوحيد! لتبدأ حكاية غريبة لم تعهدها الشركة في تاريخها العريق.

مر على هذه الشركة الكريمة العديد من المديرين، كل منهم كان أسطورة بطريقته الخاصة:

السيد غوردن: عبقري الإدارة، الذي قيل إنه كان يدير الشركة وهو ينام بعين واحدة ويحلم بالثروة بعين أخرى وفق ما تعلمه من الشركة الأوم في الخارج.

عبد الكريم مشنوق: رجل التأميم والتعريب، الذي حول كل شيء في الشركة إلى "عربي أصيل"، حتى أجهزة الكمبيوتر التي كانت تتحدث باللغة الإنجليزية بدأت تتأوه باللهجة الشامية.

حنا المنان: رجل التوازن، الذي كان يوازن بين المصالح المتضاربة بطريقة لم يفهمها أحد سوى حنا نفسه.

رشيد الضابط: العسكري العبقري والإداري غير المسبوق، الذي كان يدير الشركة كما يدير كتيبة عسكرية، بصرامة وضبط وربط لدرجة أن الموظفين كانوا يحيّونه في الصباح الباكر تحية عسكرية.

قمر الليل: الشيوعي الأحمر! ولك أن تتخيل مزايا أن تختلط الهندسة بالشيوعية واللون الأحمر. كان يشرئب الديالكتيك برأسه ليقلب الطاولة على الواقع، فكانت الاجتماعات تتحول إلى جلسات جدل فلسفي وتنظير حول وسائل الإنتاج وعلاقات الملكية، بينما تتوقف خطوط الإنتاج. وينشغل بحرب منافسيه الأوائل والمنافسين ويتناسى العمل.

منير المنير: رجل التطوير المقصود والمعتمد، الذي جاء بمعونات "بحراً وجواً" من القوى المحلية، مدعوماً بروح القبيلة. من أهم إنجازاته أنه غيّر العطلة من يوم الأحد إلى يوم الجمعة. لقد "ختن الشركة" – كما قال البعض – وهل من السهل أن تختن شركة عمرها مئة عام؟

سبع الليل: هجين من كل ما سبقه، صاحب المقولة الخالدة: "أنا صاحب القلم، وبه أفعل ما أريد". كانت هذه المقولة تطبق بحذافيرها، لدرجة أن أقلام الحبر كانت تباع في السوق السوداء.

عمر البسام: آخر "الحكام" قبل مديرنا الجديد، كان "عريسًا من جهة أمنية" ورجل "التغيير العشوائي". لم يكن أحد يفهم خططه، لكن الجميع كانوا يخشونها. صعد "سيد السقوط نحو الأعلى" إلى سدة الإدارة. في يومه الأول، جمع القادة وتعرف عليهم. "أنا عريس من جهة أمنية، ورجل التطوير والتغيير!" هكذا أعلنها، وكأنه يخبرهم عن اكتشافه للقارة المفقودة.
كانت أولى خطواته "التطويرية" هي خلع منافسه مدير الذاتية، رغم كفاءته المشهود لها، وجلب مكانه من "لا يفقه بالإدارة". أما مدير التدريب، ذلك الشخص القوي المحبوب من الجميع، فقد تم "إسقاطه نحو الأعلى" – على مذهب "ارتفع وممنوع عليك التدخل بأي شيء" وجلبوا مكانه عبقريا آخر من مكان مجهول على أنه خبير الخبراء فأوقف التدريب بهدم تعميم الجهالة. لقد كان هذا تكتيكًا عبقريًا: امنح شخصًا منصبًا عاليًا، ولكن اجعله بلا صلاحيات، وهكذا تتخلص منه بأناقة!

هدد "سيد السقوط نحو الأعلى" مدير المشاريع غير المكتملة ومدير السوائل بالتغيير، وغير "مروان البسام"، أحد أعمدة فروع الشركة في مكان بعيد، مما اضطره للاستقالة. ثم استقال مدير التدريب احتجاجا على النقيع الجديد. بدأت قواعد اللعبة تتغير. استبدل الخبرات بأناس "أغرار أو طامحين للوصول، لا فرق بين الاثنين". وبالتدريج، بدأ "تسارع مُعامل الانحدار" في الشركة. يقولون: في المعارك على القائد ألا يغير الخيل. أما أنا فأقول: "الشهادة المناسبة ليست دائمًا الشخص المناسب". وعلى القائد أن يغير خيله في أي وقت في حال عدم كفاءتها وأن يبقي الخيل الكفوءة حتى لو لم يعجبه لونها وفئة دمها.

وخلال فترة لم تتجاوز العامين، أصبحت الشركة تجسيدًا حيًا لمقولة "السقوط نحو الأعلى". وكلما سقطت الشركة أكثر، ارتفع "سيد السقوط نحو الأعلى" في سلم المجد الوظيفي، ليبقى السؤال الوحيد: هل سيتسلق إلى الفضاء الخارجي قبل أن تصل الشركة إلى الحضيض؟



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيلسوف ريتشارد بروم يتحدث عن الطيور والجمال وإيجاد طريقك ا ...
- التدريب الافتراضي بالمحاكاة والتوأمة الرقمية من أركان نجاح ا ...
- الذاكرة في العمل الاستخباراتي، محمد عبد الكريم يوسف
- الفيلسوف تيم هارفورد يتحدث عن الإقناع والاقتصاد الشعبي (الحل ...
- نحو خطة وطنية لإدارة الكوارث
- الفيلسوف نعوم تشومسكي يتحدث عن اللغة والليبرالية اليسارية وا ...
- الفيلسوف راي داليو يتحدث عن الاستثمار والإدارة والنظام العال ...
- الفيلسوف جيريمي غرانثام يتحدث عن الاستثمار في التكنولوجيا ال ...
- الفيلسوف بيتر سينجر يتحدث عن النفعية والتأثير والأفكار المثي ...
- داخل غرف المخابرات السرية (الذاكرة البصرية والسمعية)
- حوار مع المفكر جون غراي يتحدث عن التشاؤوم والليبرالية والتوح ...
- ثمن هيبة إيران النووية
- الأفكار المتناقضة حول الحرية
- نبذة مختصرة عن تاريخ الشرق الأوسط الحديث
- ثورة التجسس
- ‏تجديد النظام العالمي
- ‏ملامح سياسة ترامب في الشرق الأوسط
- ‏تحذير للشباب: قولوا لا للذكاء الاصطناعي
- نحو خطة زطنية لمكافحة الحرائق
- مدرسة شملان - كتاب في حلقات (6)


المزيد.....




- السطوة الناعمة لهوليود.. كيف غيّرت أميركا شكل السينما العالم ...
- محللون إسرائيليون: نخسر معركة الرواية في كارثة الجوع بغزة
- -أشبه بأفلام التجسس-.. كيف وصلت طائرات بوينغ إلى إيران رغم ا ...
- صدر حديثا : صور من ذاكرة قروية للأديب والباحث مسعود غنايم
- -كل ما نريده هو السلام-.. مجتمع مسالم وسط صراع أمهرة في إثيو ...
- -ميغان 2- دمية القرن الجديد التي أعادت تعريف رعب الدمى في ال ...
- هل يحب أولادك أفلام الرعب؟ أعمال مخيفة مناسبة للأطفال
- -وحشتوني يا أهل الأردن-.. أحلام تشوق جمهورها لحفلها في مهرجا ...
- مايا ويند: هكذا تتواطأ الجامعات الإسرائيلية مع نظام الفصل ال ...
- منع فرقة -كنيكاب- الأيرلندية من المشاركة في مهرجان -سيجيت-.. ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد عبد الكريم يوسف - السقوط نحو الأعلى