أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - قمع الطبقات الصاعدة بأدوات متبدلة














المزيد.....

قمع الطبقات الصاعدة بأدوات متبدلة


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 06:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يعد الزبير باشا (1) مرآة كاشفة لواقع سوداني محاصر بالخيانة، والتشويه، وتصفية الخصوم، وتفكيك الأرض، وتزييف العدالة. باستعادته اليوم، نفضح استمرار البنية القامعة بصور محدثة، تنبع من ذات المنطق الكولونيالي والطبقي الذي قوض أحلام الاستقلال الحقيقي، وواصل اغتيال أي مشروع وطني متحرر.

الزبير لم يكن مجرد مغامر أو تاجر، بل ممثلًا لطبقة محلية صاعدة، حاولت بناء كيان سلطوي يتجاوز البنى القبلية التقليدية دون أن يرتقي إلى نموذج الدولة الحديثة. كيانٌ منفتح على التجارة العابرة للإقليم، ومرتبط بشبكة مصالح محلية وإقليمية. لم يكن مشروعه اشتراكيًا ولا شعبيًا، لكنه حمل إمكانات نشوء برجوازية وطنية، تصطدم موضوعيًا بمصالح الإمبريالية. فكان الاصطدام حتميًا، وتمت تصفيته ليس بالرصاص، بل بتجريده من أي بعد سيادي، عبر وصمه بـ"تاجر الرقيق"، كتقنية أيديولوجية لتشويه مسعاه، تمامًا كما تُستخدم اليوم تهم الإرهاب والتخريب لتجريم كل تمرد على علاقات التبعية.

التهمة لم تكن سوى أداة سيطرة أولى: تحويل التاريخ إلى سلاح، وتشويه المقاومين ليبدو القاتل ضحية والمذبوح مذنبًا، وهي آلية مستمرة تُنتجها المراكز الإمبريالية وتعيد تدويرها النخب المحلية. تُكتب ضد الزبير كما تُكتب اليوم ضد الشباب الثائرين، في الشوارع أو المعتقلات أو المنافي أو معسكرات النزوح.

الابن الذي وُعِد بالأمان ثم أُعدِم، لم يكن فقط سليمان الزبير، بل آلاف الأبناء الذين يُعدمون الآن دون محاكمات، لا على مشانق ظاهرة بل في زنازين الإخفاء، وتحت نيران القصف، وفي مسالخ الفقر، وعلى جبهات الحروب بالوكالة. الإعدام هو نفسه، أما الوسائل فصارت أكثر عصرنة. نفس الغدر، نفس خيانة العهود، نفس الذبح باسم "الدولة"، بينما الدولة ليست سوى جهاز قمع طبقي، كما أوضح إنجلز، يخدم مصالح المسيطرين ويقمع بها الطبقات المسحوقة.

الأرض التي رسّخ الزبير نفوذه بحمايتها، تُستباح اليوم بعقود لا تُرى، وجيوش لا تنطق بالعربية، ومؤسسات تمارس السيادة باسم "التنمية". لم تعد المدافع الإنجليزية تعبر من سواكن، بل تُنشأ القواعد العسكرية هناك بصمت، وتُوقّع الاتفاقيات لبيع الأرض والثروات بلا ضجيج، ويُموّل النهب من خلف واجهات "دعم الفقراء". السيادة تُنتزع اليوم لا بالحروب، بل برساميل "المجتمع الدولي"، حيث لا يقل اليوم البنك الدولي فتكًا عن جنرال الاحتلال.

ما يعمّق الجراح هو استمرار الإيمان بعدالة المستعمر، الوهم القاتل بأن من نهب البلاد ودمّر بناها يمكن أن يتحول إلى ضامن للإنصاف أو شريك في البناء. الزبير، رغم كل ما جرى له من اعتقال وغدر وإعدام ابنه، ظل يعتقد أن ما حدث كان "سوء فهم" بريطاني. هذه الثقة لم تكن ضعفًا فرديًا، بل انعكاسًا لهزيمة فكرية كبرى، تتكرر اليوم في خطاب النخب التي لا تزال ترى في المبعوث الأممي، أو في بيان الخارجية الأمريكية، مفتاحًا للحل.

حين يتحوّل المستعمِر إلى مرجع أخلاقي، والجلّاد إلى وسيط للسلام، تُبرَّر كل خيانة باعتبارها "سوء تقدير"، وتُختزل كل نكسة في "إخفاق تواصلي". هكذا يُمسَخ التاريخ، وتُطمَس الوقائع، ويُفرَغ النضال من محتواه، لصالح رجاء أجوف في مؤتمرات تُدار من العواصم ذاتها التي خططت لتقسيم السودان وتمكين أدوات التبعية.

العدالة لا تأتي من فوهة بندقية استعمارية ولا من تقارير أممية، بل تُنتزع بالصراع الطبقي، وبوعي ثوري لا يقبل أنصاف الحلول ولا ينتظر اعترافًا من جلاده. أعدموا سليمان ولم يعتذروا، وأهانوا الزبير ولم يعوّضوه، كما يُذبح أبناء اليوم دون مساءلة، ويُذل الآباء ببيروقراطية اللجوء، ومهانات النزوح، وآلام التشريد.

عدالة المستعمر خرافة خطِرة؛ لا تُنصف الماضي، ولا تُصلح الحاضر، بل تُعيد إنتاج الهيمنة باسم القانون، والسيطرة باسم "حقوق الإنسان"، والتدخل العسكري باسم "الاستقرار".

ورغم الخراب، لا تزال النخب متمسكة بالوهم ذاته: تنتظر من مجلس الأمن، والمانحين، ورعاة المبادرات من جدة إلى واشنطن، أن يصوغوا المستقبل. لكن لا خلاص يُمنح من فوق، ولا سيادة تُهدى، ولا وطن يُكتب بقرارات السفراء.

قراءة الزبير تعني إدراك أن مشروعه كان لحظة صدام مبكر بين مركز إمبريالي وطرف يبحث عن سيادته. المطلوب ليس رثاء الزبير، بل تحويل سرديته إلى درس تأسيسي، نقرأ فيه جذور الهزيمة ونشتق منه شروط الخلاص.

"من لا يعي تاريخه، يُقاد إليه مقيدًا بسلاسل الحداثة الكاذبة."

النضال مستمر،،

1. الزبير باشا رحمة (1830–1913) شخصية سودانية بارزة في القرن التاسع عشر، جمع بين الطموح السياسي والحنكة العسكرية والقدرة على بناء سلطة محلية واسعة النفوذ. برز كأحد كبار التجار وزعماء الجهادية في إقليم بحر الغزال، حيث أسس ما يشبه دولة مستقلة بجيش وإدارة، ومد نفوذه إلى أجزاء واسعة من جنوب وغرب السودان.

اصطدم الزبير لاحقًا بالمصالح الاستعمارية البريطانية والمصرية، فتم استدعاؤه إلى القاهرة بحجة التفاوض ثم اعتقاله. ورغم وعود الأمان، أُعدم ابنه سليمان الزبير الذي قاد مقاومة ضد الحكم المصري-الإنجليزي. وقد حُمّل الزبير لاحقًا مسؤولية تجارة الرق، وهي تهمة اختلف حولها المؤرخون، واستخدمت سياسيًا لتقويض مكانته وتشويه مشروعه المحلي.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا ظريف الطول: الأغنية التي حملت الوطن على كتفيها
- 13. من يكتب تاريخنا؟ دراسات بلا قاعدة وتنظير بلا جذور
- فلوت الطبقة لا النخبة
- 12. تأريخ ناقص، وعي مأزوم: في نقد التصور التاريخي لتجربة الح ...
- 11. رافعة وليس بديلا
- قدمت لهم الوعي ما استطعت
- مشروع بلا طبقة: وهم التغيير الجذري في خطاب النخبة التنموية
- 10. نقابات الظل: التنظيم في اقتصاد اللا-نظام
- قصائد تشبه الناس
- 9. من التمثيل النسائي إلى التنظيم الجندري الثوري
- 8. من النقابة إلى الجبهة الطبقية: وحدة القطاعات في وجه الرأس ...
- عرائس ضد الخضوع
- حينما يصبح صوت المرأة أداة للثورة
- 7. مستقبل النقابات: لا إصلاح بلا ثورة ولا ثورة بلا تنظيم طبق ...
- الأب فاريا: المعرفة المصادَرة وبذرة الوعي الطبقي في «الكونت ...
- 6. النقابات والثورة: من أكتوبر إلى ما بعد ديسمبر
- «بيت برناردا ألبا»: المأساة الطبقية في عباءة الشرف
- 5. البيروقراطية النقابية: طبقة طفيلية تعيش على تناقضات العما ...
- من العجز إلى البصيرة الطبقية: قراءة في القوقعة الفارغة للمجذ ...
- 4. اللجان التمهيدية: اختراق الدولة لجسد الطبقة العاملة


المزيد.....




- الرئيس الإسرائيلي خلال زيارة للجنود في غزة: نحن دولة تلتزم ب ...
- مسؤول إيراني: وفد فني للوكالة الدولية للطاقة الذرية سيتوجه إ ...
- صفقة تبادل.. إطلاق سراح جندي أمريكي سابق أدين بقتل ثلاثة فنز ...
- خبير عسكري: مشاهد المقاومة تثبت كذب القادة العسكريين الإسرائ ...
- أنباء عن تفويض وفد إسرائيل بإنهاء الحرب ولقاءات مرتقبة لويتك ...
- -ريفييرا غزة- و-السيادة الإسرائيلية في الضفة- يناقشها الكنيس ...
- سجال فلسطيني إسرائيلي في اجتماع لمجلس الأمن بشأن غزة
- ماذا أراد الكنيست من تصويته على مشروع قانون ضم الضفة؟
- القوات السورية تغلق الطرق إلى السويداء بعد اشتباكات عنيفة
- -لم يلبِ التوقعات-.. مصادر لـCNN عن رد -حماس- بشأن انتشار ال ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - قمع الطبقات الصاعدة بأدوات متبدلة