أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - فيلم -أنا التي تحمل الزهور الى قبرها- يحكي تجربة المنفى والحنين السوري للوطن















المزيد.....

فيلم -أنا التي تحمل الزهور الى قبرها- يحكي تجربة المنفى والحنين السوري للوطن


علي المسعود
(Ali Al- Masoud)


الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 20:16
المحور: الادب والفن
    


"هالة العبدالله " المؤلفة والمخرجة والمنتجة والبطلة المعتقلة سابقاً في سجون النظام السوري تزيل الصدأ والغبار عن الذاكرة لتشرق الصور من جديد، و التي تبدأ الحكاية على متن طائرة تجتاز المسافة بين باريس حيث تقيم، ودمشق مدينتها التي غادرتها قبل 25 سنة برفقة زوجها الفنان يوسف عبد لكي. وهي التي تخبرنا منذ البداية أن مشاريع أفلامها قد تراكمت في غربتها، وحين شعرت أنها تقف على عتبات الخمسين، قررت أن تضعها في فيلم واحد، تقاسمت أرضه الحميمة مع المخرج عمار البيك . فيلم " أنا التي تحمل الزهور الى قبرها " يحكي الفيلم قصة عدد من السوريين من الجنسين وتجربتهم في المنفى والحنين للوطن بعد اختيارهم القسري له، بسبب ملاحقة النظام القمعي لفترة طويلة مما جعل آثاره عميقة وقاسية في نفوسهم، وكذلك ركز الفيلم على بعض الذكريات والمشاعر الإنسانية التي يحملونها من خلال معاناتهم الطويلة في كل من السجون والمنفى .فيلم تسجيلي يلامس الروح لكل انسان عنده ذكريات وأراد البوح بها، من خلال قالب بصري وشاعري أعتمدته المخرجة هالة العبد الله وكانت موفقة الى حد بعيد بجعل المشاهد يلامس أحاسيس الممثلين وهم يروون ذكرياتهم ومشاعرهم الصادقة . الفيلم من إخراج (هالة عبد الله ) و ( عمارالبيك ) وتمثيل فادية اللاذقاني ، رولا ركبي ، ورغيدة عساف والشاعر نزيه أبو عفش . عنوان الفيلم مقتبس من احدى قصائد الشاعرة الراحلة دعد حداد .
"أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها وتبكي من شدة الشعر “، كان عنوان فيلمها التسجيلي الأول الطويل، وهو مقطع شعري للشاعرة السورية دعد حداد التي انتحرت في تسعينيات القرن الماضي تاركة خلفها حسرة الشعراء، كما عبَّر الشاعر نزيه أبو عفش في حديثه عنها في الفيلم وينشد قصائدها . يبدأ الفيلم هالة مع شخصياتها، بين الأسئلة والصمت وبين الاعتراف ومواجهة الذات، نلمس معها ذاك الخراب الذي تركته الأيام في الأعماق عبر قساوة التجربة. تأخذ بطلاتها إلى النبش والبوح، فتسيل الاعترافات بحجم الغربة بصوت هالة الهادئ التي تشرح عن فيلمها وحلمها، ثم تنتقل إلى شخصياتها وصوت البحر والماء المتدفق / الزمن/ العمر، على خلفية صوت الغربان .خمس نساء، ثلاث منهن عشن تجربة السجن السياسي في مواجهة الكاميرا التي تسقط على وجوههن كالمرآة، يتحدثن عن أفكارهن وتفاصيل من حياتهن، ماتفعله والخواء الداخليين اللذين تركتهما المعاناة وتلاشي الحلم كما تسيل الدموع، وبالصدق الذي يكشف في ذات اللحظة ما يقوله فيلم يحكي عن السجن والمنفى ، الماضي والحاضر ، الحب والموت. فيلم يتحدث أيضا عن أهمية الشعر . الموسيقى الأصلية : مارسيل خليفة أنجزت هالة العبد الله سبعة أفلام طويلة، وثلاثة أفلام قصيرة، ورسخت اسمها كمخرجة سورية مهمة بعد فيلمها الأول، بعنوانه الشعري، ولعلها أرادت أن نحمل الزهور ونقف على أحلامنا الفائتة للانطلاق نحو القادم الأجمل . أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها" فيلم تمت حياكته بطريقة معاكسة لما هو تقليدي. حيث لا وجود لإخراج بالمعنى التقليدي للكلمة، بل إنه عبارة عن مشاهد متفرقة جمعت عن كثب ووضعت إلى جانب بعضها. حركة الكاميرا كانت مرتجلة أما عملية المونتاج فقد كانت حادة غير سلسة . تتحدث رغدة بشكل معبّر عن الوحدة التي عانت منها عندما خرجت من السجن لتجد زملائها القدامى إما غادروا البلاد أو تفرقوا. تقود رولا الفلم إلى ذروته العاطفية عندما تتحدث عن أن رائحة المطر عندما يهطل على الأرض في فرنسا يرجعها ويذكرها بسورية. إن جملة العواطف التي تُشحن بها هذا الكلام واستخدامها لكلمة "الأرض" مراراً وتكراراً، لا تجعل المشاهد يشم رائحة الأرض فقط، بل يتذوقها أيضاً. وأثناء عملية إخراج فلم كان ضرورياً أن يشترك عمار في صنعه، تحاول المخرجة السورية هالة جاهدة لكي تشير للجميع أن كل الأشخاص الذين اشتركوا في الفلم فقدوا روح الشعر من حياتهم .
‏بعد أن لم تتمكن المخرجة هالة من العودة ولو مرة واحدة إلى مسقط رأسها في سوريا منذ مغادرتها في عام 1981، فا لتجات الى الشعر ملجأ لها في إعترابها القسري ، بدأت تصوير فيلم في فرنسا مع عمار البيك الذي يعمل كمصور . تجري مقابلات حميمة مع الأصدقاء الذين لا يزالون منفصلين عن وطنهم مع اقتراب الشيخوخة ، وتتضمن مشاهد تظهر العملية الإبداعية لزوجها الرسام ، المنفي منذ خمسة وعشرين عاما. صور الكاميرا، بلقطاتها المتكررة المحمولة باليد ولقطاتها المقربة للغاية التي يبدو أنها ترفض منظورا موضوعيا، تنزلق بحرية عبر الزمان والمكان، وتكشف عن الشعر والرغبة في خلق الشعر في الحياة اليومية بينما تندب مرور الوقت الذي لا هوادة فيه وتعطي صوتا لحب الوطن . في حديثها عن فيلمها تقول المخرجة ( هالة عبد الله ) : " من ‏ قصيدة لدعد حداد، الشاعرة السورية التي توفيت عام 1991 : شرعت في مهمة ، أنا أبحث ، آخذ كاميرا صغيرة ، وأصور ‏‏صديقاتي وأصور ‏‏رحلتي‏ ، وأصور ‏‏الأشخاص‏‏ الذين ألهموني ، صديقاتي‏‏ في مواجهتي ‏‏رحلتي‏‏ ‏، ‏ نحن أربع نساء ، لم نبلغ 50 عاما بعد ، لكن اللحظة تقترب ، نحن ، وكل واحدة بمفردها ، سنقول إن الحياة المنجزة لا تعني تحقيق حلم " .‏
عنوان الفيلم عبارة عن بيت مستعار من الشاعرة السورية دعد حداد التي رحلت عام 1991 . "أنا التي تأتي لحمل الزهور إلى قبرها ... تعبر هذه الكلمات عن الزخم الشعري والشخصي والسياسي في نهاية المطاف الذي يحمل هذا الفيلم الوثائقي ، أول فيلم لهذه المخرجة الشابة في الأربعينيات من عمرها، وهي منتجة منذ عام 1984 (بين فرنسا وسوريا ولبنان) ، عندما كانت طالبة ، درست الهندسة الزراعية "للمشاركة في الثورة الزراعية الضرورية لبلدي" ، كما تقول . في سن العشرين، في سوريا، سجنت هالة العبد الله كمعارضة سياسية. عندما تخرجت ، في عام 1981 ، انتقلت إلى فرنسا .على هذه الخلفية السياسية ، تصنع هالة العبد الله فيلمها الأول ، مع المخرج السوري الشاب عمار البيك. لكن بلا شك ، تأخذنا هالة العبد الله إلى ما هو أبعد من ذلك ، من خلال مذكراتها ، ولقاءاتها ، وذكرياتها ، وتجولها. صور الحياة اليومية الممزوجة بمقابلات مع أصدقاء فنانين منفيين أيضا، لحظات قوية مع ابنتها، وحماتها، وزوجها الرسام، وما إلى ذلك، لقد صنعت هذا الفيلم في عام 2006 عرض الفيلم في مهرجان مهرجان البندقية السينمائي عام 2006 - ونال جائزة الأفلام الوثائقية . تصف المخرجة تلك اللحظة : " في سبتمبر 2006 عندما رأيت العلم السوري يرفرف فوق قصر السينما في مهرجان فينيسيا، لم أفكر يومها أنه لا يحق لعيوني أن تدمع تأثرا وانفعالا لأنني لست مواطنة سورية صالحة بنظر الرقيب السوري .كان وجود ذلك العلم يومها يعلن عن وجود فيلمي “أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها” . خلال 75 عاما من عمر هذا المهرجان العريق، كانت هذه هي المرة الأولى التي يُختار فيها فيلماً سورياً للمشاركة . وحصل فيما بعد على جائزة اتحاد الوثائقيين الايطاليين في المهرجان نفسه .
تتناوب شهادات ووجع الأصوات النسائية - أصوات فادية لاذقاني ورولا رولا ركبي ورغيدة عساف . كل واحدة تتحدث بطريقتها الخاصة عن السجن والنفي الذي مروا به . فيلم من شأنه أن يؤكد على أهمية الشعر . تعود المخرجة ، بعد سنوات طويلة من المنفى إلى بلدها سوريا. هناك ، زارت أحد معلميها السابقين ، الرسام الدمشقي إلياس الزيات ، الذي كان أيضا مرمما للأيقونات . تصر على أن يرينا أيقونة لا تزال لم تمسها أي ترميم: مستطيل تحول سطحها إلى اللون الأسود بالكامل والخشن بسبب الغبار والدخان . تقول: "أريد أن أظهر كيف نكشف النقاب عن هذا السطح ، وكيف تكشف الألوان تدريجيا عن نفسها لتحدث في هذه المساحة السوداء". يلقي هذا المشهد الضوء على بنية الفيلم ذاته ، الذي تم تصوره على أنه سلسلة من الصور والمشاهد ، التي يجسد المواضيع المختلفة - المنفى ، والنضال السياسي ، والسجن ، والحب ، والصداقة ، والفن التي يحملها جمال الصورة (بالأبيض والأسود) للأماكن والأشخاص الذين تم تصويرهم (لقطات مقربة لوجوه الأصدقاء الثلاثة مع شهادات مؤثرة) ترسم صورة دقيقة ومعقدة لسوريا من خلال صورة لا تقل دقة . كيف ننسى قصة هذه الفتاة الأرمنية الصغيرة في طابور طويل من الفارين من الإبادة والتي فجأة تنفصل عن إخوانها من البشر لتلجأ تحت عباءة الصوف لراعي سوري يراقب القافلة التي كانت الناجية الوحيدة منها تمر ، فتاة صغيرة تبين أنها جدة يوسف ، زوج المخرج؟ قرب نهاية الفيلم، كيف لا نشعر بالضيق عندما يصل يوسف إلى مطار دمشق، في استقباله أصدقاؤه ووالدته التي لم تره منذ 24 عاما؟ . "أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها" عنوان مقتبس مقطع شعري من قصيدة لدعد حداد، الشاعرة السورية المتمردة التي رحلت في ظرف غامض عام 1991 :
أنا إبنة الشيطان
إبنة هذه الليلة المجنونة
أنا أكثر الناس عتقاً
أنا خمري في شراييني
أنا من تحمل الزهور إلى قبرها
وتبكي من شدة الشعر
أغمضوا عيونكم
سأمر وحيدة كحد الريح
حين هطول دموعكم .
خيبة جيل من المثقفين
( نحن نستحق حياة أفضل )
حكاية هذا الجيل الذي بدأ بطموحات وأحلام هائلة، وإنتهى إلى عذابات وانكسارات بحجم تلك الأحلام . بهذا المعنى، يمكن النظر إلى الفيلم كأنه مرثية لجيل، وعنوان الفيلم لا يوارب، كذلك التأكيد على لوحة يرسمها يوسف عبد لكي (زوج المخرجة) في الفيلم، والتي تمثّل قبضة يد مصممّة لكنها مقطوعة ، تقول إحدى الشخصيات: "نحن نستحق حياة أفضل". حكاية نساء ثلاث ينتمين إلى جيل واحد تعرّض للنفي والهجرة أو السجن، وهو يروي تجاربهن . من الواضح طبعاً أن المخرجة العبد الله تنتمي إلى هذا الجيل، فهي الأخرى تعرّضت للسجن والغربة، وما حكايتها مع السينما ومشروعها السينمائي المتأخّر إلا جزء من الحكاية لذلك الجيل . وقضت في وقت مبكر، وقد استُلّ عنوان الفيلم من قصيدة لها، وإستدعت المخرجة الشاعر نزيه أبو عفش لنستمع منه إلى تلك القصيدة (أنا التي تحمل…) ليعيدها مراراً وتكراراً ويعتبر هذه القصيدة ( نشيد الأنشاد)، شعر الراحلة(دعد حداد )عالي بمعايير الشعرية الانسانية " وأنا امام مثل هذا الشعر ، صراحة لا أستطيع أن أكون حيادي" كما يقول " نزيه أبو عفش الشاعر . أما الفيلم الآخر، فيمكن أن يكون عن التشكيلي السوري البارز الياس زيات، وقصة ترميمه الأيقونات وإعادة بعثها من جديد. هناك بالطبع فيلم عن الفنان التشكيلي المعروف "يوسف عبدلكي "، الذي صوّر عمار البيك بعض مشاهده بالفعل، قبل أن يتخلّى عنها لفيلم مشترك مع هالة. هناك أيضاً حكاية هالة، التي يمكن أن ترويها بمفردها: عن تجربتها في صناعة الأفلام مثلاً، وأي عقبات تواجه سينمائية مثلها في بلدها وخارجه. وهناك، أخيراً، حكاية أم يوسف، التي نجت من المجزرة وهي بعدُ طفلة .فاديا: الطبيبة النفسية الهادئة ذات الابتسامة الخجولة والنظرات الحادة والشعر المجدول. أما رولا، مديرة الفندق التي تنفخ دخان سيجارها الفاخر،فإنها تتصرف بحركات تغوي الآخرين حيث طلت أظافرها بلون لامع داكن، حتى أنه يبدو كاللون الأسود . راغدة: الطبيبة النسائية الساخرة ذات سعال المدخنين القوي والروح الشفافة المرحة ، ولكن تعابير الوجه تفضح عن حزن يمتد من زمن الأحتلال العثماني والاحتلال الفرنسي وصولا الى نطام الأسد القمعي . سوف يدرك المشاهد شيئاً فشيئاً أن فاديا ورولا وراغدة كن قد سُجينات سابقاً. وكذلك هو الحال بالنسبة لصانعة الفلم هالة العبد الله وزوجها الرسام السوري يوسف عبدلكي الذي سرد حكايته للمخرج عمار البيك . يسافر عمار إلى باريس حيث أقام يوسف في المنفى على مدى عشرين عاماً. يصوّره عمار وهو يرسم ويتذوق القهوة ويتحدث على الهاتف. يجول في أحد الأيام إحدى الساحات العامة برفقة ابنته . يشارك في المظاهرات مطالباً بالحرية والديمقراطية، يفتح يوسف محفظة أوراق بنية اللون ليُخرج منها لافتات تظاهرة مزخرف عليها اسم سورية. تتلوها مظاهرة صغيرة (حكايات، ذكريات، قصائد، أحاديث متفرقة وسرد قصصي غير مترابط). يمكن القول أن الفلم عبارة عن مجموعة من الذكريات والحكايات أكثر منه عملاً سينمائياً متكاملٌ بحد ذاته ، حتى المخرجة ذاتها لا تترك بطلاتها وحيدات في ساحة الاعتراف، بل تشاركهن ذلك وتروي تجربتها الذاتية، بدءاً من الأحلام والمشاريع المؤجلة، إلى تجربة سجنها وعلاقتها مع يوسف عبدلكي الرسام السوري المعروف وزواجهما. والدته هي إحدى نساء هالة، تحكي قصة الجدة الأرمنية التي نجت بأعجوبة من مجازر الأرمن وهي طفلة، إذ خبأها بدوي في عباءته وأخذها إلى الدار, لتكون الناجي الوحيد من عائلتها كاملة، تلك الوحدة طبعت حياتها وانغرس الألم في تفاصيلها، بذاك الطعم الحاد العالق في فمها، ما أورثها العزلة والصمت، ذات الصمت الذي نراه لدى شخصيات هالة الأخرى . تقول المخرجة هالة : "في هذا الفيلم أردتُ أن أحقّق أفلامي في سوريا وليس في الغربة . لكن، بعد خمس وعشرين سنة، عندما رأيت عمر الخمسين يقترب، والعودة النهائية إلى البلاد تبتعد، تنبّهتُ إلى أن مشاريع أفلامي تتراكم فوق ظهري، وأن الوقت حان لأتخلّص من هذا الحمل. إن فيلماً واحداً يمكن أن يجمعها، هذا الذي أبدأ اليوم به ". تعيد المخرجة هالة بطلاتها إلى ما قبل خمسة وعشرين عاماً، لنجد ذلك التشابه في المرارة لديهن، والحسرة عند إدراك حجم التغيرات، فالزمن كالألم يحفر بصمت . كثير من اللقطات تستوقف المشاهد، كظهور يوسف عبدلكي وهو يعمل على لوحة رأس السمكة في صحن، وبقيت عينها مفتوحة كشاهد ، أو ينظر بتمعن الى لوحته كبيرة لقبضة اليد رمزا للصمود والتحدي ولقطة أخرى للطريق إلى القامشلي، حيث نرى الأشجار مجزوزة الرؤوس.
أما عن موضوع الفيلم من خلال السطور التي كتبتها هالة عن فيلمها : " في هذا الفيلم تتحول خريطة بلادي سورية الى أصدقاء وطرقات للإستطلاع ، أنني أحكي مع هذه الطرقات، أبث لها بشكوكي وقناعاتي وأنا أبحث عن أمكنة لتصوير أفلامي المعلقة منذ عشرين سنة ، صديقاتي يجلسن على كرسي الإعتراف أمام كاميرتي، يعبرن عوضاً عني ويخففن من كثافة الضباب أمام عيوني ، إنني ألتجىء للبحر. هو طفولتي الممحية، هو القبر المقدس للشعر . إنني ألتجىء للبحر. هو طفولتي الممحية، هو القبر المقدس للشعر . الفيلم يفتح صفحة من صفحات التاريخ السوري ، ويمضي بنا ما بين الشخصيات، بعضها نعرفه حق المعرفة: يوسف عبد لكي، نزيه أبو عفش، مارسيل خليفة وإلياس الزيات، وبعضها الآخر نجهله تماماً أو نكاد: فاديا لاذقاني، رولا ركبي، راغدة عساف، ليلى عبد لكي، ندى سركيس. . يتمحور الفيلم في جوهره على حكاية ثلاثة من النساء (رولا، فادية، رغيدة). نساء من جيل السبعينيات، سقطت أحلامهن ، من دون أن يدرين أي ذنب اقترفن. تتساءل إحداهن: ليش هيك صار؟ . وخلف تلك الملامح المتماسكة والواثقة والقوية، تتوارى المرأة بكل توقها للحياة والحب والفرح. مشاهد درامية متعدّدة يصلها الفيلم، وأهمها تلك اللحظات التي تحاول، مع الثلاث صديقات استعادة الصورة التي كن عليها قبل 25 سنة، فتحضر الدموع المنفلتة على الرغم من صاحباتها، عندما ينتبهن إلى أن تجربة السجن والفقد والغربة وقد دمّرت أجمل ما فيهن. وتداخل الأزمنة والانتقالات المفاجئة بين الأمكنة والشخصيات والموضوعات، فمن باريس مثلاً إلى دمشق ، ومن الياس الزيات وهو يتحدث عن ترميم الأيقونات القديمة، إلى رولا وهي تحدثنا كيف طوعتها الحياة وكسرت أحلامها، إلى حياة سوداء تعيشها العاملات في مصنع التبغ، إلى نزيه أبو عفش وهو يتحدث عن شعر دعد حداد، إلى فاديا وهي تصف الشعور بالألم، ثم أم يوسف وهي تحكي قصة والدتها الأرمنية التي نجت وهي طفلة من مذبحة أودت بكل عائلتها، بعد ان هربت واختبأت في عباءة رجل سوري .
‏رحلة الوجع والإغتراب السوري عبر المشهد السوري، تضم مقابلات مع ثلاثة معارضين غادروا سوريا منذ فترة طويلة إلى فرنسا. تقدم المخرجة صورة شعرية لأصدقائها الذين اختاروا الذهاب إلى المنفى. تنتمي هالة عبد الله إلى جيل جديد من المخرجات العربيات اللواتي يعرض أعمالهن حاليا في العديد من المهرجانات العالمية . منعت المخرجة هالة عبد الله من دخول سوريا قبل 25 عاما. فيلمها الوثائقي الشهير هو دراسة شخصية مكثفة لبلدها الأصلي سوريا حيث لا تفكر فقط في الشعور بالخسارة الذي يتعامل معه العديد من مواطنيها ، ولكن أيضا في قدرتهم على الصمود الهائلة. يدمج الفيلم الوثائقي مقابلات مع ثلاثة من صديقاتها الذين غادروا سوريا منذ فترة طويلة إلى فرنسا مع صور لزوجها يوسف عبد الكي، وهو رسام يجتمع مع والدته بعد فترة طويلة.‏ تبدأ هالة عبد الله في رحلة عبر المناظر الطبيعية السورية ويستقر بالقرب من البحر ، وتفكر في تأثير الشعر على الحياة اليومية. إنها تسجل قصص حياة المناضلين السوريين شبه المنسية، وتحفر بشكل أعمق في عالمهم، عالم الأشخاص الذين اختاروا العيش في بلد ألاغتراب، حيث ذهبوا إلى المنفى الداخلي .
تم إنتاج هذا الفيلم الوثائقي منخفض الميزانية من قبل المخرجين أنفسهم بدعم من ‏‏ ‏ (فرنسا). "بالنسبة لنا ، كان عمل هذا الفيلم تحديا. لم نكن نريد انتظار التمويل. أردنا أن نكون أحرارا ، وسمحت لنا هذه الحرية بالتحدث عن الحب والجنس بالطريقة التي فعلناها. لا تزال هذه الموضوعات من المحرمات في سوريا. فيلم مثل لغز أبيض وأسود يحكي عن السجن والمنفى ، الماضي والحاضر ، الحب والموت. فيلم من شأنه أن يقول أهمية الشعر " .
في الخلاصة : تعود المخرجة ، بعد سنوات طويلة من المنفى ، إلى بلدها سوريا لتنقل لنا حكاية جيل أكلت عمره سنوات السجن والغربة ، وكذالك عودة الفنان التشكيلي يوسف الشهيرة إلى دمشق بعد ربع قرن من الغربة . وتحضر ابنتهما ليلى، ونتعرّف إلى أم يوسف، تتناول المجازر العثمانية بحق السوريين الأرمن ، وحكاية جدّته الأرمنية الناجية من المذابح ، ويستدعي الشاعر نزيه أبو عفش ذكرى دعد حداد، المرأة الشاعرة، التي طواها الموت باكراً، وقصف تجربتها، فيتوقَّف ملياً منبهراً أمام قولها أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها، وتبكي من شدة الشعر ، ويرى فيها نبرة من نبرات الشعر العظيم .

لمشاهدة الفيلم على الرابط :
I Am the One Who Brings Flowers to Her Grave - Hala Alabdalla
https://www.youtube.com/watch?v=vEVBgoyC7gQ



#علي_المسعود (هاشتاغ)       Ali_Al-_Masoud#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلم -المعلم الذي وعد بالبحر- درس عظيم في التربية والتعليم و ...
- فيلم - تاكسي طهران - شهادة جريئة ضد القمع والرقابة في إيران
- فيلم - المحطة الأخيرة - يكشف لمحة عن إنسانية الكاتب (ليو تول ...
- الفيلم الأيراني - المسلخ - تصوير حياة الإيرانيين اليومية تحت ...
- - فيلم الحرب - تصوير واقعي وصادم لوحشية وقسوة الحروب ‏
- -طهران للبيع - فيلم يلقي نظرة مؤثرة على التحديات التي يواجهه ...
- فيلم -ضع روحك على يدك وامش- وثائقي عن صمود غزة يتحول إلى مرث ...
- الفيلم الهندي - باجرانجي بهايجران- - يحمل رسائل أنسانية وأخل ...
- الفيلم الكوري - الرابعة مساءاً - دراسة عميقة في السلوك البشر ...
- فيلم - طوارئ- سيرة ذاتية لأنديرا غاندي - متخم بالأحداث التار ...
- - ذبذبات من غزة‏‏- فيلم وثائقي يصور وجع الطفل الفلسطيني الأص ...
- وداعا .. شاعر الوجع العراقي ... موفق محمد ..صاحب - الكوميديا ...
- -الفيلم الجيكي- أمواج- يفتح نافذة على تاريخ أحداث ربيع براغ ...
- - المراهقة-مسلسل يحكي قصة المراهقة المعاصرة في عصر التكنولوج ...
- فيلم - ولد في غزة - صور صادمة بعيون الأطفال لجرح فلسطيني
- فيلم - علي ونينو- خطاب إنساني من أجل التعايش بين الأديان علي ...
- الفنانة - شيرين نشأت - أعمالها تلامس أزمة الهوية الإيرانية
- التطهير العرقي للأرمن في أذرييجان محور فيلم - بين الحدود -
- -هستيريا - فيلم ألماني يتناول حوادث حرق القرآن
- الفيلم البلجيكي ( غير شرعي ) يطرح قضية الأبعاد القسري للمهاج ...


المزيد.....




- 5 منتجات تقنية موجودة فعلًا لكنها تبدو كأنها من أفلام الخيال ...
- مع استمرار الحرب في أوكرانيا... هل تكسر روسيا الجليد مع أورو ...
- فرقة موسيقية بريطانية تقود حملة تضامن مع الفنانين المناهضين ...
- مسرح تمارا السعدي يسلّط الضوء على أطفال الرعاية الاجتماعية ف ...
- الأكاديمي العراقي عبد الصاحب مهدي علي: ترجمة الشعر إبداع يوط ...
- دراسة تنصح بعزف الموسيقى للوقاية من الشيخوخة المعرفية.. كيف؟ ...
- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - فيلم -أنا التي تحمل الزهور الى قبرها- يحكي تجربة المنفى والحنين السوري للوطن