عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)
الحوار المتمدن-العدد: 8406 - 2025 / 7 / 17 - 04:51
المحور:
الادب والفن
حمل محمد رضا حسين أول دمية على خشبة المسرح، كانت يده تحرك أكثر من خشب وقماش، كانت تبني وعيًا طبقيًا ناعمًا، يتسلل إلى الطفولة ليُدرّب على الرفض. لم يكن المسرح عنده مجالًا للترفيه بل حقلًا لإنتاج موقف.
كان مسرح العرائس مشروعًا ثقافيًا مضادًا لخطاب ينتزع الطفولة مبكرًا من عفويتها ليحقنها بخطاب الخضوع، الطفولة وجدت عبر مشروع محمد رضا حسين ما يعيد لها الحق في الحلم. هذا الفن دخل الحقل التربوي دون أن يُجرد من بعده الطبقي، ودون أن يُفرّغ من محتواه النقدي.
بدأ تكوين أول لبنات مسرح العرائس الحديث في العام 1976، وذلك بالتوازي مع صعود الدولة الأمنية في السودان. حيث قدم وفد من الخبراء الرومانيون لتدريب الفنانين السودانيين، غير أن المتدرب محمد رضا حسين تجاوز فكرة "النقل الفني" إلى مستوى التحويل التاريخي. لم ينقل نموذجًا أوروبيًا، بل استخدم التقنية ليخوض بها صراعًا ثقافيًا داخل السياق المحلي. اختار أن تكون "ود الحطاب" أولى التجارب، لا بوصفها مشروعًا فنيًا فحسب، بل كتجسيد لصراع رمزي ضد ثقافة السلطة.
في مسرحياته، تحوّلت العرائس إلى طبقة ناطقة. البنية السردية لم تكن بريئة من الانحياز؛ انحازت للحق الجماعي، للصدق، للمقاومة، للعدالة. لم تكن صراعات الخير والشر أخلاقية في جوهرها، بل طبقية في مضمونها. كانت تعبيرًا دراميًا عن صراع القوى المنتجة للمعنى مع القوى المسيطرة على أدواته. الطفل لم يُعامل كموضوع سلبي، بل كذات يمكنها أن تفكر وتختار وتنحاز.
هذا المشروع لا يمكن فصله عن تاريخ المسرح المدرسي الذي سبق نشأته. مدارس السودان في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي شهدت محاولات محدودة لتطويع المسرح ليخدم المنهج، لكن محمد رضا حسين وضع الفن خارج قبضة السلطة التربوية، وربطه بقيم تتجاوز الانضباط والنظام، نحو التضامن والاختلاف والإبداع الجماعي.
المجتمع الذي أُنتج فيه هذا الفن كان مقسمًا على أسس طبقية واضحة. النخبة الثقافية آنذاك ركّزت على المسرح الأكاديمي، والطبقة الوسطى كانت مشدودة إلى الدراما الاجتماعية. أما مسرح العرائس، فحُشر في الهامش. محمد رضا حسين لم يختر هذا الفن بدافع الهروب من المنافسة، بل اختاره لقدرته على اختراق بنية المجتمع دون وسائط معقدة. الدمية تصل، تتكلم، تؤثر، وتخلق علاقة مباشرة مع المُتلقي الطفل، في لحظة لا تحرسها الأيديولوجيا الرسمية بعد.
تجربته لم تخرج من فراغ. في خلفيتها تقف أفكار مثل التي طرحها أنطونيو غرامشي حول الهيمنة الثقافية، ودور "المثقف العضوي" في كسرها. مثّل محمد رضا حسين هذا المثقف الذي لا ينتظر موقعًا مؤسسيًا، بل يخترق البنية الثقافية القائمة بفعل فني شديد التركيز والوضوح.
في كل عرض من عروضه، كانت هناك محاولة لتجاوز الفن كـ"شكل" إلى الفن كـ"موقف". لم ينظر إلى الطفل ككائن ساذج، بل كحليف مستقبلي في معركة طويلة ضد البؤس، ضد الطغيان، ضد اقتصاد السوق الذي يحوّل الإنسان إلى سلعة. العرائس لم تُحرّك من أجل الضحك، بل من أجل التفكير، من أجل الفهم، من أجل الرفض.
"لا يمكن الحديث عن تحوّل اجتماعي دون تحوّل في أجهزة إنتاج الوعي."
النضال مستمر،،
#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)
Imad_H._El_Tayeb#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟