|
مابين النظام الملكي ونظام المماليك في العراق: في الذكرى 67 لثورة 14 تموز 1958 -1
مكسيم العراقي
كاتب وباحث يومن بعراق واحد عظيم متطور مسالم ديمقراطي علماني قوي
(Maxim Al-iraqi)
الحوار المتمدن-العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 10:05
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
0—مقولات عن الموضوع 1—عوامل الثورة والاخطاء 2-- أولويات الثورة : الطموحات والواقع المضطرب 3-- هل سقطت الثورة لعوامل امنية ام لاسباب اخرى وقد كانت غالبية الشعب تؤيدها؟ 4-- هل يتحمل الزعيم قاسم ماجرى بعده من ويلات؟ 5-- هل ان النظام الحالي في العراق يشبه النظام الملكي الذي سقط؟
(0) "العراق أولاً." "جئنا من الشعب إلى الشعب." "الوحدة العربية يجب أن تنبع من إرادة الشعوب، ولا يمكن أن تفرض فرضاً." "جمهورية العراق جمهورية مستقلة وسيدة، لا تخضع لنفوذ أجنبي." عبد الكريم قاسم "عصابات طغام وعربجي." جمال عبد الناصر- عن العراق "العراق جزء لا يتجزأ من الأمة العربية." "إن الوحدة هي قدر الأمة العربية، ولا يمكن لأي حاكم أن يعيقها." "لا يوجد شيء اسمه شعب عراقي وشعب سوري وشعب مصري... كلنا شعب عربي واحد." جمال عبد الناصر
"الثورة تأكل أبناءها." بيير فيرنيو "إن الثورة ليست عشاء، وليست كتابة مقال، وليست رسم لوحة أو تطريزاً؛ لا يمكن أن تكون أنيقة، هادئة، مهذبة، أو لطيفة. الثورة هي عمل عنف." ماو تسي تونغ "الثورة هي لحظة قصيرة من الجنون تعقبها فترة طويلة من الحكم العقلاني." .... "كل ثورة هي سلسلة من المفاجآت الكبيرة." جوزيف إي. ديفيز "الثورات العظيمة ليست مجرد إزالة الفساد، ولكنها تغيير شامل في الروح البشرية." ليون تروتسكي "الثورة ليست تفاحة تسقط عندما تنضج. يجب أن تجعلها تسقط." تشي جيفارا "إنها ثورة لا تُدفع للأمام بمنطقها الخاص بقدر ما تُدفع بضروراتها." جورج جاك دانتون "إن هدف الثورة ليس أن نُخلع طاغية واحداً ليحل محله آخر." توماس بين "الثورة العظيمة ليست شيئاً يمكن أن يبدأ في يوم واحد. إنها نتيجة عمل طويل وتضحيات عظيمة." لينين "في الثورة، لا يوجد سوى نوعين من الناس: أولئك الذين يصنعونها وأولئك الذين يقتلونها." .... "الثورة ليست سريرًا من الورود." جيفارا
(1) مثلت ثورة 14 تموز 1958 في العراق حدثاً محورياً غيّر وجه البلاد وأعاد تشكيل مسار تاريخها الحديث. فقد أطاحت بالنظام الملكي الذي استمر لحوالي 37 عاماً، وأعلنت قيام الجمهورية العراقية. وتباينت الآراء حول هذه الثورة بين مؤيد يراها تحريراً من نفوذ أجنبي ونظام لم يلبِي طموحات الشعب، ومعارض يرى فيها بداية لسلسلة من الانقلابات وغياب الاستقرار والخراب الذي حصل بعد ذلك.
أخطاء النظام الملكي (1921-1958) اسس النظام الملكي الدولة العراقية الحديثة المستقلة عام 1921 لاول مرة بعد سقوط بغداد بيد المغول عام 1258 واقام بلدا محترما في الاقليم موحدا وكان يبدو انه يسير في طريق التطور والنمو, ورغم الإنجازات في البنية التحتية والتعليم والاقتصاد، إلا أن النظام واجه تحديات وأخطاء جوهرية أسهمت في تأجيج السخط الشعبي ومهدت للثورة ومن ذلك:
الارتباط بالانتداب البريطاني: وُلدت الدولة العراقية الحديثة تحت الانتداب البريطاني، وظلت الملكية الهاشمية، خاصةً عبر شخصيات مثل نوري السعيد، تُنظر إليها على أنها وثيقة الصلة بالمصالح البريطانية. أدى توقيع معاهدات الصداقة والتحالف مع بريطانيا، والتي فُسّرت على أنها استمرار للنفوذ الأجنبي، إلى تنامي المشاعر الوطنية والقومية المناهضة للحكومة. ولكن بلدا مثل العراق دون حامي دولي هل كان يمكن له ان يستمر دون كوارث اقليمية او داخلية!؟ لقد سحقت بريطانيا كل حركات التمرد الداخلي في العراق وصنعت عراقا موحدا قويا في النهاية معترف به من قبل ايران وتركيا واعادت الموصل للعراق رغم ان وقف اطلاق النار عام 1918 كان خارج تلك المنطقة!
الفشل في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي: شهد العراق في العهد الملكي فجوة طبقية واسعة. تركزت ملكية الأراضي الزراعية في أيدي عدد قليل من كبار الإقطاعيين وشيوخ العشائر، بينما كان الفلاحون يعيشون في ظروف بائسة. لم تُحقق الإصلاحات الزراعية الكافية، ولم تُوزع ثروة النفط المتزايدة بشكل عادل على جميع شرائح المجتمع. وبعد تطبيق قانون الاصلاح الى الان تم تدمير الزراعة العراقية كليا وتحول الفلاحين لسكن المدن وترييفها وسيطرة الريف على المدينة والعشائر على المدن والقيم المتخلفة على قيم التطور والتحضر ونشات المليشيات من تلك البيئات وتستمد الاحزاب الحاكمة قواعدها من تلك ايضا!
غياب الحريات السياسية وقمع المعارضة: تميز العهد الملكي بقمع الحريات السياسية، وحظر الأحزاب المعارضة (خاصة الشيوعيين والقوميين)، وسجن النشطاء بل واعدم قادة الحزب الشيوعي عام 1949!!. أدت هذه السياسات إلى شعور الشباب والمثقفين والقوى السياسية بأن التغيير السلمي مستحيل.
المشاركة في حلف بغداد: كان انضمام العراق إلى حلف بغداد (معاهدة دفاعية موالية للغرب) في عام 1955، والتي كان نوري السعيد مهندسها الرئيسي، نقطة تحول كبرى. فقد اعتبرت القوى الوطنية والقومية العربية، المتأثرة بالمد الناصري، هذا الحلف خيانة للقضية العربية وتبعية للغرب، مما زاد من عزلة النظام داخلياً وإقليمياً. ولكن الم يكن حلف بغداد قد ضمن حلفاء اقوياء للعراق وعزز قدرات البلاد العسكرية والاقتصادية وكفى شر ايران عن العراق الذي ظهر فيما بعد! ام ان الشعارات والعواطف المتقدة عند العراقيين كانت اهم من مصالح البلد!
ثورة 14 تموز 1958: الإصابة والخطأ
جاءت الثورة بقيادة تنظيم "الضباط الأحرار" الذي ضم ضباطاً من مختلف التوجهات، وتم تنفيذها على يد العميد الركن الزعيم عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام عارف. أطاحت الثورة بالنظام الملكي، وأعلنت الجمهورية العراقية، وانسحاب العراق من حلف بغداد.
هل أصابت الثورة؟ (إيجابياتها من وجهة نظر المؤيدين):
التحرر من النفوذ الأجنبي: حققت الثورة مطلباً وطنياً وقومياً بإنهاء النفوذ البريطاني المباشر والارتباط بالاسترليني وإلغاء المعاهدات التي كانت تعتبر مهينة للسيادة العراقية.
إقامة الجمهورية: أسست الثورة نظاماً جمهورياً، وهو ما كان يمثل طموحاً لكثير من النخب والقوى السياسية التي رأت في الملكية رمزاً للعهد البائد. وبذا اصبحت السلطة ملعبا لكل من هب ودب في النهاية فبعد تهافت العسكر على السلطة اصبحت ميدانا لكل من لايعرف له اصل وفصل وكفاءة او ولاء للعراق!
الإصلاحات الداخلية الأولية: بدأت الثورة بإجراءات إصلاحية جذرية، مثل قانون الإصلاح الزراعي الذي هدف إلى توزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء، وتأميم الشركات الأجنبية، وتحسين الخدمات العامة، وتوجيه جزء من عائدات النفط نحو التنمية الوطنية والاقتصاد والتعليم والاسكان.
استعادة الكرامة الوطنية: شعر كثير من العراقيين باستعادة الكرامة الوطنية والسيادة الكاملة بعد عقود من الحكم الذي يُنظر إليه على أنه مرتبط بقوى خارجية.
هل أخطأت الثورة؟ (سلبياتها وأخطاؤها):
الاستفراد بالسلطة وغياب الديمقراطية: على الرغم من رفع شعارات الحرية والديمقراطية، إلا أن قيادة الثورة، وعبد الكريم قاسم على وجه الخصوص، سرعان ما استبدت بالسلطة. لم تُؤسس لنظام ديمقراطي حقيقي، بل فضّلت الحكم الفردي وقمعت المعارضة، بما في ذلك حلفائها السابقين من الشيوعيين والقوميين، مما فتح الباب أمام صراعات دموية. ولكن هل كان الوضع العراقي ومازال مهيئا لديمقراطية حقيقية! الديمقراطية الحقيقية تحتاج الى شعب واعي وثقافة ووطنية وتلاحم .. ويبدوا ان تلك العناصر تزداد ابتعادا مع تزايد السكان والمشاكل والازمات والحروب ومرور الوقت!
التطهير والانقسامات الداخلية: شهدت مرحلة ما بعد الثورة عمليات تصفية واغتيالات لشخصيات من النظام الملكي وأنصاره بنطلق محدود، وأدت الصراعات بين التيارات القومية والشيوعية والإقليمية إلى انقسامات حادة داخل المجتمع والجيش والى تصفيات واعدامات، مما أضعف الدولة الوليدة.
الصراع على السلطة: لم تتمكن قيادة الثورة من توحيد صفوفها، وسرعان ما نشأ صراع بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، انتهى بإبعاد عارف، ثم بسلسلة من المحاولات الانقلابية التي قادت في النهاية إلى سقوط قاسم في انقلاب 8 شباط 1963 الدموي. هذا الصراع المستمر على السلطة بين العسكريين والقوى السياسية أدى إلى دورة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية التي استمرت لعقود.
تأثيرها على الأقليات: أثرت الثورة على بعض الأقليات العراقية، ففي حين شهد الكرد بعض المكاسب الأولية، سرعان ما توترت العلاقة مع تزايد التوجهات القومية العربية، والدعم الغربي والايراني وشركات النفط وربما الكويت وتدهورت أوضاع بعض الأقليات الأخرى في فترات لاحقة.
شخصية الفرد العراقي وتأثير السياق السياسي عند الحديث عن "شخصية الفرد العراقي" في سياق هذه الأحداث، يمكن فهم كيف أن السياق التاريخي والاجتماعي والسياسي للعراق قد شكل سلوكيات وتفاعلات الأفراد والمجتمعات:
أثر الاستبداد وغياب المؤسسات: عقود من الحكم الاستبدادي (سواء في العهد العثماني، أو الملكي، أو الجمهوري الذي أعقب الثورة) حالت دون بناء مؤسسات ديمقراطية قوية تحترم التعددية وتحل النزاعات سياسياً. هذا أدى إلى أن يصبح اللجوء إلى القوة والانقلابات أسلوباً معتاداً للتغيير السياسي، مما يعكس عدم ثقة عميقة في الآليات الديمقراطية.
الصراعات الهوياتية: يعيش العراق مجتمعاً متعدد الأعراق والأديان والمذاهب. أدت الصراعات على السلطة، وتأجج المشاعر القومية (العروبية أو الكردية) أو الطائفية، إلى استقطاب المجتمع وإضعاف الهوية الوطنية الجامعة، مما انعكس على ولاءات الأفراد.
الثروة النفطية وتأثيرها: ساهمت الثروة النفطية، التي أصبحت تحت سيطرة الدولة بعد الثورة، في تعزيز طبيعة الدولة الريعية التي تعتمد على النفط بدلاً من الضرائب، مما يقلل من حاجة الدولة للمواطنين ويضعف آليات المحاسبة والشفافية. كما أنها تُغذي الصراعات على السلطة للسيطرة على هذه الموارد.
المد القومي والثوري: تأثر الفرد العراقي بالتيارات القومية العربية والثورية التي اجتاحت المنطقة في منتصف القرن العشرين (مثل الثورة المصرية بقيادة جمال عبد الناصر)، مما غذى تطلعاته نحو التغيير الجذري والتحرر من النفوذ الأجنبي، حتى لو كان الثمن هو عدم الاستقرار وضياع الدولة! ونشهد الان نفس الفعل وان بشكل مدمر تشكيلات الاسلام السياسي الفاسد والمنحرف والعميل لايران او غيرها.
(2) أولويات الثورة : الطموحات والواقع المضطرب
كانت ثورة 14 تموز 1958 في العراق حدثاً زلزالياً حمل في طياته طموحات عريضة بتحقيق سيادة وطنية حقيقية، وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وإعادة تموضع العراق على الساحة الإقليمية والدولية. وقد ركزت القيادة الثورية، ممثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم، على افكار ومباديء تتمثل في جوهرها ب "العراق أولاً"، "القضاء على الإقطاع"، و"التحرر من النفوذ الأجنبي". الخ فهل تحققت فعلاً، أم أن الواقع رسم مساراً مختلفاً؟
الأولويات المعلنة للثورة: أعلن بيان الثورة الأول عن أهداف واضحة تعكس تطلعات الضباط الأحرار، والتي يمكن تلخيصها في:
الاستقلال والسيادة الوطنية: إنهاء الارتباطات والمعاهدات التي قُيدت بها سيادة العراق (مثل حلف بغداد والمعاهدة العراقية البريطانية).
بناء دولة قوية ومستقرة: إرساء نظام جمهوري قادر على حماية مصالح العراق الداخلية والخارجية.
تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية: القضاء على الإقطاع، وتوزيع عادل للثروات، وتحسين مستوى معيشة الفقراء.
تحرير ثروات العراق: السيطرة على النفط وإدارته لصالح الشعب العراقي.
مواجهة العدو الداخلي والخارجي: يُفهم من الخطاب الثوري أن العدو الداخلي كان يتمثل في الفساد، الطبقة الإقطاعية، وكل من يُعتقد أنه مُوالٍ للقوى الأجنبية. أما العدو الخارجي فكان يتمثل في "الاستعمار" ومؤامراته.
كانت هذه الأولويات تهدف إلى بناء عراق قوي، سيد على قراره، وعادل اجتماعياً، ويتمتع بمكانة إقليمية ودولية مرموقة.
الواقع بعد الثورة: تحالفات وصراعات وأعداء جدد على النقيض من الطموحات المعلنة، شهدت فترة ما بعد الثورة، سلسلة من التحديات المعقدة والتحولات التي أظهرت أن تحقيق تلك الأولويات كان أصعب بكثير مما كان متوقعاً، بل أدت في بعض الأحيان إلى نتائج عكسية:
مواجهة الإقطاع وتأرجح السياسات النفطية:
صحيح أن الثورة أجهضت قوة الإقطاع عبر قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958، الذي حدد ملكية الأراضي وأعاد توزيعها. لكن تطبيق القانون واجه تحديات كبيرة وتعقيدات، ولم ينجح في تحويل العراق إلى جنة زراعية بالسرعة المأمولة. وانتهى الامر الى خراب زراعي!
في قطاع النفط، اتخذ قاسم خطوات جريئة نحو استعادة السيطرة الوطنية، أبرزها القانون رقم 80 لسنة 1961 الذي سحب من الشركات النفطية الأجنبية (خاصة شركة نفط العراق IPC) الأراضي غير المستغلة التي كانت تحت سيطرتها، مما قلص مناطق امتيازها بشكل كبير. هذا أدى إلى صراع مرير مع الشركات النفطية الغربية، التي لم تتحالف مباشرة مع الإقطاعيين بالمعنى التقليدي، بل استخدمت ضغطها الاقتصادي والدبلوماسي ضد النظام الثوري.
العدو الخارجي: الغرب وإيران ودول الجوار:
الموقف الغربي: لم يتقبل الغرب، وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة وحليفهم شاه ايران، الثورة بسهولة. رأوا فيها تهديداً لمصالحهم النفطية والاستراتيجية في المنطقة. كان هناك قلق غربي من توجهات قاسم المناهضة للغرب وتقاربه مع الكتلة الشرقية وبعض الحركات القومية الراديكالية. لم تتوقف محاولات زعزعة استقرار النظام عبر دعم بعض القوى الداخلية أو التآمر الخارجي.
تأثير إيران: شهدت العلاقة بين العراق وإيران توتراً كبيراً بعد الثورة، خاصة بسبب مطالبات العراق بضم الكويت، ونزاع شط العرب، ومافهم ان الثورة العراقية ستؤثر على اقطاعيي ايران وعلى وضع الاكراد في إيران. هذا التوتر دفع إيران إلى دعم المعارضة الكردية في العراق، وهي التي اشتركت في اقامة جموهرية مهاباد في ايران عند احتلالها من بريطانيا والاتحاد السوفيتي! وتحولت العلاقة إلى تنافس وعداء بدلاً من التعاون الذي كان قائما في العهد الملكي.
التآمر الكويتي والناصري: أثار إعلان قاسم في عام 1961 مطالبة العراق بالكويت (التي كانت قد نالت استقلالها للتو) غضباً رسميا كبيراً في العالم العربي مدفوع الثمن – خوفا من عراق اقوى - وعلى المستوى الدولي. ردت الكويت بطلب المساعدة من بريطانيا وجامعة الدول العربية. كما دخل نظام قاسم في صراع أيديولوجي وسياسي مرير مع التيار الناصري القومي العربي، الذي اتهمه قاسم بالتآمر عليه ودعم الانقلابات، ما أدى إلى صراعات داخلية خطيرة وخطاب تحريضي متبادل. هذه الخلافات كشفت عن أعداء وتحالفات إقليمية معقدة لم تكن الثورة مستعدة لها بشكل كامل.
العدو الداخلي: التمرد البرزاني والصراعات الداخلية:
على الرغم من أن الثورة في بدايتها وعدت بحقوق الكرد، وتم استقبال المله مصطفى وعشيرته من روسيا بحفاوة وتم منحهم الامتيازات الكبيرة, إلا أن العلاقة سرعان ما تدهورت بسبب خلافات حول مفهوم الحكم الذاتي ونوايا برزاني ومن خلفه، وتزايد حدة الخطاب القومي من كلا الجانبين. في ايلول 1961، اندلع التمرد الكردي بقيادة مصطفى البارزاني، والذي تحول إلى صراع مسلح استنزف موارد الدولة وأضعف الاستقرار الداخلي بشكل كبير. جاء ذلك بعد عدة اشهر من مطالبة قاسم بالكويت في حزيران 1961! وبذا فتح باب جهنم على العراق من جديد وكان قد اغلقه النظام الملكي بدعم بريطاني واقليمي وايراني!
لم يتمكن النظام الثوري من القضاء على النزاعات الداخلية بين الفصائل السياسية (القوميين، الشيوعيين، البعثيين، المستقلين)، بل تفاقمت هذه النزاعات إلى صراعات دموية أسهمت في إضعاف النظام وفتح الباب أمام الانقلابات المتتالية. كانت الحريات السياسية قد فهمت على انها انفلات المقود وبدات الاحداث العنفية في كركوك والموصل من قبل اكراد الحزب الشيوعي وغيرهم ضد خصومهم, وتم تنظيم مسيرة انصار السلام في الموصل المحافظة القومية لسبب غامض! وتم استخدام عيد ثورة 14 تموز لتصفية اعداء الاكراد في كركوك!
(3) هل سقطت الثورة لعوامل امنية ام لاسباب اخرى مع ان غالبية الشعب كان يؤيدها؟ لقد استندت الثورة في انطلاقتها على تأييد شعبي واسع، مدفوعاً بالسخط على النظام الملكي وعلاقته ببريطانيا، والفساد، والظلم الاجتماعي. لكن هذا التأييد بدأ يتآكل تدريجياً نتيجة لمجموعة من العوامل المترابطة التي أدت في النهاية إلى انقلاب 8 شباط 1963 الذي أطاح بعبد الكريم قاسم:
اخطاء قاسم الكبرى: في اعادة تعيين المتامرين السابقين على راس المؤسسة العسكرية! وابعاد الشيوعيين عن تلك المراكز واعادة المله مصطفى البرزاني من روسيا الخ وعدم تشكيل جهاز امني كفوء وان قيل بان هناك تقارير امنية تفيد بوجود مخطط للاطاحة به وقد اهملها الزعيم, وكان العفو عن من حاول اغتياله قد ادى الى تشجع منفذي الانقلاب بدعم مصري وامريكي وبرزاني وكويتي ربما! وعدم الوصول الى حل مقبول مع الكويت التي عرضت تنازلات كبرى للعراق وقد رد عليها قاسم بان ارض العراق لاتسترى ولاتباع!
الاستبداد والانفراد بالسلطة: كان عبد الكريم قاسم قائداً كاريزماتياً، لكنه سرعان ما اتجه نحو الحكم الفردي والاستبداد.
تهميش الشركاء: أبعد رفاقه في "الضباط الأحرار" (مثل عبد السلام عارف الذي التف حوله القوميون وهو رجل طائفي ارعن ليس بمستوى القيادة- وحتى صدام اشار الى ذلك يوما ووصفه بالطرطور وان قاسم كان اثكل) والمكونات السياسية التي دعمت الثورة في البداية، كالحزب الشيوعي العراقي والقوميين العرب، ثم بدأ بقمعهم على حد سواء ولم يكن القمع كاملا لكل من تامر ضده وهذا احد اخطاءه.
غياب المؤسسات الديمقراطية: فشل النظام في بناء مؤسسات سياسية وديمقراطية حقيقية تُمكن من تداول السلطة سلمياً، أو احتواء الخلافات السياسية ضمن إطار قانوني. هذا أدى إلى أن يصبح السبيل الوحيد للتغيير هو الانقلاب العسكري. كان الرجل قادرا على الفوز باي انتخابات حرة لو شكل له اطارا سياسيا ولكن هل كان ذلك سيمنع الانقلابات!؟
الصراعات الأيديولوجية الحادة: شهدت فترة قاسم صراعاً مريراً بين التيارات الأيديولوجية المختلفة التي كانت تتنافس على شكل العراق الجديد:
القومية العراقية مقابل القومية العربية (الناصرية): سعى قاسم إلى تعزيز مايمكن تسميته ب"القومية العراقية" كبديل عن "القومية العربية" التي كانت تجتاح المنطقة بقيادة جمال عبد الناصر في مصر. هذا الموقف أثار عداء القوى الناصرية داخل العراق، والتي كانت ترى في قاسم عقبة أمام الوحدة العربية، مما أدى إلى محاولات انقلابية عديدة بدعم من الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا).
الخوف من الشيوعية: اعتمد قاسم في فترة ما على الحزب الشيوعي العراقي كقوة موازنة للقوميين، مما أثار مخاوف كبيرة لدى القوى المحافظة، والطبقات الوسطى، والمؤسسات الدينية وحتى بعض ضباط الجيش الذين كانوا يخشون من تحول العراق إلى دولة شيوعية ودول الجوار وقد غذى ذلك طفولية قطاعات واسعة من المحسوبين على الحزب الشيوعي!. وعندما بدأ قاسم بالتضييق على الشيوعيين لاحقاً، خسر جزءاً كبيراً من قاعدته الشعبية أيضاً.
3. التمرد الكردي (1961): على الرغم من الاعتراف بالحقوق القومية الكردية في بداية الثورة، إلا أن العلاقات تدهورت سريعاً مع قيادة الحركة الكردية بقيادة مصطفى البارزاني. اندلع القتال المسلح في شمال العراق عام 1961 ، مما استنزف جزءاً كبيراً من موارد الجيش العراقي وجهوده، وحول جزءاً كبيراً من تركيز النظام من البناء إلى الصراع العسكري الداخلي. هذا الصراع أضعف النظام عسكرياً وسياسياً.
التوترات الإقليمية والتدخل الخارجي:
مطالبة الكويت: إعلان قاسم المفاجئ بضم الكويت عام 1961 وضع العراق في عزلة إقليمية ودولية. أدى هذا القرار إلى حشد دولي ضد العراق، وتدخل عسكري بريطاني لحماية الكويت، مما ادى الى استنزف موارده. الكويت وان كانت تاريخيا جزءا من العراق هي لقمة لايستطيع نظام مثل نظام الزعيم في ظروف العراق ان يبتلعها ولكنه كان قادرا على الوصول الى انصاف الحلول مع الكويت وهذا مارفضه ردا على كال التنازلات والاغراءات الكويتية! لقد تحولت الكويت الى عامل مدمر للعراق وبورة خطيرة خصوصا بعد عام 2003!!
المؤامرات الغربية والعربية: كانت القوى الغربية (بريطانيا والولايات المتحدة) ودول عربية معينة (خاصة مصر وسوريا) ترى في نظام قاسم تهديداً لمصالحها أو لأيديولوجياتها. تشير العديد من المصادر إلى وجود دعم ومؤامرات من هذه الجهات ضد نظام قاسم، بما في ذلك دعم للحركات القومية المعارضة.
الفشل في تحويل الدعم الشعبي إلى قاعدة سياسية مستقرة: على الرغم من الدعم الأولي، لم يتمكن قاسم من تحويل هذا التأييد إلى قاعدة سياسية مستقرة ومؤسسية. لم يسمح بتأسيس أحزاب سياسية قوية ومستقلة، أو برلمان منتخب يُمثل الشعب ويُمكن أن يكون صمام أمان ضد الانقلابات.
اعتماده على الشعب مباشرة، دون وجود هياكل سياسية منظمة، جعله عرضة لتقلبات الرأي العام وسهل على خصومه استغلال أي تراجع في شعبيته. لم يفكر حتى في بناء حزب قاسمي كما حصل في تجارب دول اخرى! ينظم العمل الجماهيري ليدعم الثورة والنظام وربما كان متاثرا بالنظام البريطاني ومؤسساته المستقلة وان كان وضع العراق وتخلف نسبة كبيرة من السكان تقف عائقا امام اي ديمقراطية حقيقية ولكنه كان قادرا على الفوز بسهولة في اي انتخابات وربما راى ذلك تبذيرا للمال وعدم قناعة في النظام الانتخابي السابق! واحتمال تكراره!
(4) هل يتحمل الزعيم قاسم ماجرى بعده من ويلات؟
إن تقييم ما إذا كان عبد الكريم قاسم يتحمل مسؤولية الويلات التي حلت بالعراق بعد سقوطه في انقلاب 8 شباط 1963 هو سؤال تاريخي معقد، ولا يمكن الإجابة عليه بنعم أو لا قاطعة. فبينما يرى البعض أنه زرع بذور الفشل المستقبلي، يرى آخرون أنه كان ضحية لظروف داخلية وخارجية لم يتمكن من السيطرة عليها، وأن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على من جاء بعده.
يمكن تفصيل الحجج المؤيدة والمعارضة لتحميله المسؤولية:
حجج تحميل عبد الكريم قاسم جزءاً من المسؤولية (مسؤولية غير مباشرة): إرساء سابقة الانقلاب العسكري: جاء قاسم إلى السلطة عبر انقلاب عسكري، وهو ما أرسى سابقة خطيرة في الحياة السياسية العراقية. مع ملاحظة ان انقلاب بكر صدقي الاول عام 1936 لم يكن ضد وجود النظام الملكي بل من اجل تغيير الوجوه الحاكمة. لقد أظهر أن القوة العسكرية هي الطريق الأسرع للوصول إلى الحكم، بدلاً من العملية السياسية الديمقراطية. هذا فتح الباب لسلسلة من الانقلابات العسكرية اللاحقة التي أطاحت بأنظمة حكم وشخصيات، وأدخلت البلاد في دوامة من عدم الاستقرار مع ملاحظة ان النظام الملكي وصل لمرحلة الاستعصاء على التغيير السلمي كما هو حال النظام العراقي الحالي الذي يتالف من ايتام وابناء ايتام النظام الملكي ومزدوجو الجنسية متعددي الولاءات الخارجية.
لقد حكم بشكل فردي متزايد، ورفض تقاسم السلطة مع القوى السياسية الفاعلة التي ساندت الثورة (مثل القوميين والشيوعيين)، ثم بدأ بقمعها الواحدة تلو الأخرى. وهل كان ذلك ممكنا عن طريق محاصصة مثلا! كما هي المحاصصة الاجرامية الحالية؟ وهل كانت تلك القوى الراديكالية تقبل بانصاف الحلول! كان القوميون يريدون الوحدة الفورية مع سوريا ومصر ولو قبل الزعيم ذلك لانتهت الوحدة كما انتهت الوحدة السورية المصرية! وكان الشيوعيون يريدون العراق تابعا لموسكو ولو كان ثمن ذلك محاربة العالم باجمعه وايران!
لم يسمح بتأسيس برلمان منتخب أو نظام حزبي فعال، مما أغلق منافذ المعارضة السلمية ودفع القوى السياسية إلى العمل السري والتآمر. ولكن هل كان لمثل تلك التجربة يمكن ان تنجح!
تأجيج الصراعات الأيديولوجية والسياسية: شهدت فترة حكم قاسم صراعاً مريراً بين التيار القومي العربي (الناصري والبعثي) الذي كان يطمح للوحدة مع مصر، وتيار قاسم الوطني العراقي الذي ركز على "العراق أولاً"، بالإضافة إلى تصاعد نفوذ الحزب الشيوعي في فترات معينة. فشل قاسم في إدارة هذه التناقضات، بل ساهمت سياساته المتأرجحة في تأجيجها، مما أدى إلى انقسامات حادة داخل المجتمع والجيش، ومهد الطريق للعنف السياسي.
تصاعد القضية الكردية: رغم الاعتراف الأولي بحقوق الكرد، إلا أن الخلافات مع قيادة الحركة الكردية تصاعدت إلى تمرد مسلح واسع النطاق في عام 1961. هذا الصراع استنزف موارد الدولة، وأضعف الجيش، وخلق جبهة داخلية مفتوحة لم تُغلق تماماً إلا بعد عقود، وساهم في تعميق الانقسامات الوطنية ثم فتحت من جديد بعد غزو صدام للكويت وادت الى نتائج كارثية! من سن هذا الدستور الاعور الذي رهن ارادة البلاد بثلثي المحافظات الكردية الثلاثة! واليات الحكم المعقدة التي تعتمد على الثلث المعطل في استنساخ للنظام اللبناني العقيم!
العزلة الإقليمية والدولية: أدت مطالبة قاسم بضم الكويت عام 1961 إلى عزلة العراق إقليمياً ودولياً، وجعلته هدفاً لتدخلات القوى الإقليمية والدولية التي رأت في نظامه تهديداً لمصالحها. هذا الضغط الخارجي ساهم في إضعاف نظامه وجعله أكثر عرضة للسقوط. مع ان الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الشرقي انذاك كانت صديقة للعراق وقد رفض الاتحاد السوفيتي ادخال الكويت في الامم المتحدة حتى سقوط الثورة واعلان البعثيين والقوميين الاعتراف المجاني باستقلال الكويت مقابل عدة ملايين من الجنيه الاسترليني!
حجج عدم تحميله المسؤولية الوحيدة أو تخفيفها: إرث تاريخي من عدم الاستقرار: لم يكن العراق في عام 1958 دولة مستقرة ديمقراطياً. فقد ورث قاسم إرثاً من النظم الاستبدادية، وضعف المؤسسات، والانقسامات الاجتماعية والسياسية العميقة (قبل الملكية وبعدها). كانت البلاد مهيأة للانقلابات والصراعات حتى قبل وصوله إلى السلطة.
الظرف الإقليمي والدولي المعقد: كان العراق جزءاً من منطقة مضطربة للغاية خلال الحرب الباردة، وصعود القومية العربية، وصراعات المحاور. لم يكن قاسم يعمل في فراغ، بل كان محاطاً بقوى إقليمية ودولية تسعى لفرض نفوذها وتغيير الأنظمة التي لا تتماشى مع مصالحها (مثل الجمهورية العربية المتحدة التي دعمت الانقلابات ضده).
أفعال المسؤولين اللاحقين: إن الويلات الكبرى التي حلت بالعراق (مثل حكم حزب البعث الشمولي بقيادة صدام حسين، الحروب الطويلة مع إيران والكويت، الحصار الاقتصادي، الغزو الأمريكي) هي نتيجة مباشرة لقرارات وأفعال اتخذتها أنظمة حكم لاحقة، خاصة نظام حزب البعث. لا يمكن تحميل قاسم وحده مسؤولية سياسات اتخذها آخرون بعد سنين من رحيله.
دوافع وطنية وإصلاحات حقيقية: لا يمكن إنكار أن قاسم كانت لديه دوافع وطنية قوية، وسعى بجدية لتحقيق إصلاحات اجتماعية واقتصادية (مثل قانون الإصلاح الزراعي) وتحرير ثروات العراق النفطية، والتي كان لها تأثير إيجابي على حياة ملايين العراقيين.
(5) هل ان النظام الحالي في العراق يشبه النظام الملكي الذي سقط.... وكيف حمى النظام الحالي نفسه من السقوط عبر الحرس الثوري العراق وزاد من الفساد والارهاب
إن مقارنة النظام الحالي في العراق بالنظام الملكي الذي سقط في عام 1958، والحديث عن آليات حماية النظام الحالي لنفسه من السقوط، وما إذا كان ذلك قد زاد من الفساد والإرهاب، يتطلب تحليلاً معقداً يأخذ في الاعتبار الاختلافات الجوهرية والتشابهات المحدودة، بالإضافة إلى الديناميكيات المعاصرة.
هل النظام الحالي في العراق يشبه النظام الملكي الذي سقط؟ هناك اختلافات جوهرية بين النظام الحالي والنظام الملكي، وبعض التشابهات السطحية أو غير المباشرة:
الاختلافات الجوهرية:
طبيعة الحكم: النظام الملكي كان نظاماً وراثياً دستوريا، حيث السلطة كانت تُورث ضمن العائلة الهاشمية. بينما النظام الحالي هو جمهورية برلمانية (اسمياً)، تُفترض فيه المشاركة الشعبية عبر الانتخابات وتداول السلطة مع عزوف الغالبية الساحقة عن ذلك.
الأساس السياسي: اعتمد النظام الملكي بشكل كبير على النخب التقليدية (الإقطاعيون، شيوخ العشائر) وكانت توجهاته غالباً قومية عربية مع ارتباط بالغرب. أما النظام الحالي فهو قائم على المحاصصة السياسية والطائفية، ويضم ممثلين لمكونات طائفية وعرقية مختلفة، وتأثير وسيطرة قوى إقليمية (خاصة إيران) فيه واضح. يعتمد النظام الحالي في بقاءه على الدعم الايراني والامريكي وعلى العشائر ورجال الدين والمليشيات وليس الشعب الذي يقاطع الانتخابات بشكل متزايد وربما الى نسبة 80%
تعددية القوى المسلحة: لم يشهد العهد الملكي وجود هذا الكم الهائل من القوى المسلحة المتعددة الولاءات (الرسمية وشبه الرسمية وغير الرسمية) كما هو الحال في العراق اليوم. الجيش كان هو المؤسسة العسكرية الأساسية. ولذا دمروا الجيش عام 2003 وحلوه واضعفوه وجعلوا عمله السيطرات والمسيرات الدينية وحماية وجوه النظام!
التشابهات (غير المباشرة أو ناتجة عن تحديات مماثلة):
الاعتماد على الريع النفطي: كلا النظامين اعتمد بشكل شبه كلي على إيرادات النفط والنظام الملكي كان اقل اعتمادا مع قلة السكان والانتاج الزراعي الكبير وبدء التصنيع والمشاريع الكبيرة، في النهاية ثروة النفط والاعتماد الكلي عليها أدى إلى دولة ريعية لا تعتمد على الضرائب من مواطنيها، وبالتالي تقل المحاسبة الشعبية للحكومة وتدمر فيه عناصر القوة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
النفوذ الخارجي: بينما كان النظام الملكي يُتهم بالتبعية لبريطانيا، فان النظام الحالي مدين بوجوده للنفوذ ألا مريكي والإيراني، مما يثير تساؤلات حول السيادة الوطنية المفقودة.
الفجوة بين النخبة والشعب: في كلا النظامين، كانت هناك فجوة متزايدة بين النخب الحاكمة والجمهور الواسع، مما أدى إلى تزايد السخط الشعبي على الأداء الحكومي والفساد.
ضعف المؤسسات: رغم وجود هياكل دستورية، عانى كلا النظامين من ضعف في المؤسسات الحاكمة، مما أثر على فعالية الدولة وقدرتها على تطبيق القانون وتقديم الخدمات.
كيف حمى النظام الحالي نفسه من السقوط؟ النظام الحالي في العراق يمتلك آليات معقدة لحماية نفسه، تختلف جذرياً عن آليات الملكية، وغالباً ما تكون هذه الآليات هي نفسها مصدراً لتحدياته:
نظام المحاصصة والتوافق (Consociationalism/Muhasasa):
يُعد هذا النظام، الذي يوزع السلطة والمناصب والامتيازات والفساد بين المكونات الرئيسية (الشيعة، السنة، الكرد) بناءً على التوافق، آلية حماية رئيسية. فلكل مكون حصة في السلطة، مما يقلل من احتمالية شعور أي طرف بالإقصاء الكامل ودفعه إلى الإطاحة بالنظام.
هذا النظام، رغم استقراره الشكلي، فانه قد أدى إلى الفساد وسوء الإدارة الذي انتج الارهاب لأنه يُشجع على الولاء للطائفة أو الحزب بدلاً من الدولة، ويُعقد بل ويمنع عملية اتخاذ القرار.
الدعم الخارجي والضمانات الإقليمية/الدولية:
تلقى النظام الحالي دعماً كبيراً من الولايات المتحدة التي أشرفت على تأسيسه بعد عام 2003، ولا يزال يحظى بدعم دولي لضمان استقرار العراق الوهمي.
كما أن إيران تلعب دوراً محورياً في دعم بعض القوى السياسية والفصائل المسلحة داخل النظام، مما يُساهم في استقراره من وجهة نظرها. هذا الدعم الخارجي المزدوج، رغم كونه مصدراً للتوتر، يمنح النظام شبكة أمان ضد الانهيار الكامل.
تعدد الفاعلين المسلحين (الحشد الشعبي وغيره):
الحشد الشعبي (Popular Mobilization Forces - PMF): تشكل في عام 2014 بفتوى الجهاد الكفائي من السستاني للانضمام للقوات المسلحة وقد تلقفته ايران لتاسيس حرسها الثوري المنفلت في العراق لحماية المصالح الايرانية الخطيرة في العراق ونظام حكم فاسد ذو صفة شيعية دينية لمواجهة تنظيم داعش، وتم لاحقاً دمجه رسمياً ضمن منظومة القوات المسلحة العراقية، بقانون برلماني مرر من قبل شيعة ايران مخالف للدستور ذاته, لكن العديد من فصائله تحتفظ بولاءات سياسية ودينية قوية وتعمل بدرجات متفاوتة من الاستقلالية وتنتج يوميا الخراب والدمار الممنهج للعراق.
آلية للحماية: لعب الحشد دوراً ثانويا في هزيمة داعش، وهو يُعتبر الآن قوة أمنية تساهم في حماية وتابيد نظام الفساد والعمالة وتهدد النظام ذاته. وجود هذه القوى (بجانب الجيش والشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب والبيشمركة) يجعل من الصعب على أي طرف داخلي واحد تنفيذ انقلاب شامل أو إسقاط النظام بسهولة، بسبب توازن القوى المعقد. كما ان الشعب العراقي لم يستطع يوميا نا يسقط اي نظام حكم طوال تاريخ الدولة العراقية الحديثة!
تفتت المعارضة وضعف البديل:
رغم الاحتجاجات الشعبية المتكررة، تفتقر المعارضة العراقية (سواء المدنية أو السياسية) إلى قيادة موحدة أو رؤية بديلة قوية وواقعية تحظى بإجماع واسع، لان ايران استهدفت القيادات الوطنية المستقلة مما منع عليها حشد زخم كافٍ لإسقاط النظام بعد الضربات الايرانية الخطيرة ضد ثورة اكتوبر عام 2019 وقوانين القمع التي صدرت بعد ذلك والقمع الذي مارسته المليشيات الايرانية بادارة قاسم سليماني شخصيا.
زيادة الفساد والإرهاب: صحيح أن النظام الحالي شهد مستويات غير مسبوقة من الفساد والإرهاب، ولكن العلاقة مع آليات الحماية معقدة:
الفساد: له علاقة بالمحاصصة: ان نظام المحاصصة هو المحرك الرئيسي للفساد، حيث تُستخدم المناصب الوزارية والإدارية كغنائم حزبية وطائفية، وتُسخر الموارد لخدمة مصالح الفصائل والأحزاب بدلاً من المصلحة العامة. هذا يُغذي شبكات المحسوبية والزبائنية.
غياب الرقابة الفعالة: على الرغم من وجود هيئات رقابية، إلا أن ضعف استقلاليتها وتغلغل النفوذ السياسي فيها يُعيق عملها في مكافحة الفساد بفاعلية بل ان هيئة النزاهة تحولت الى هيئة لابتزاز الفاسدين وغلق الدعاوي.
النفط: استمرار الاعتماد على النفط يُقلل من حاجة الدولة للمواطن كمصدر للضرائب، وبالتالي يُضعف آليات المحاسبة الشعبية، ويُشجع على نهب الثروات.
الإرهاب:
تنظيم داعش: شهدت فترة ما بعد 2003، وتحديداً بين 2014 و2017، ظهور تنظيم داعش الإرهابي وسيطرته على مناطق واسعة من العراق. هذا كان أكبر تهديد أمني تعرض له النظام وقد كان داعش منتجا لفساد النظام وطائفيته ومخططات ايران التي تحدثت عنها طويلا فيما سبق.
دور الفصائل المسلحة (بما فيها أجزاء من الحشد): بينما لعبت فصائل الحشد الشعبي دوراً ثانويا في دحر داعش قياسا للقصف الامريكي والغطاء الجوي والاستخباراتي والدعم الاوروبي ودور الجيش والشرطة الاتحادية ومكافحة الارهاب، إلا أن وجود هذا العدد الكبير من الفصائل المسلحة، التي تتباين ولاءاتها وتتلقى دعماً خارجياً وتنهب مقدرات البلاد ، يُشكل تحدياً لأمن الدولة وسيادتها. بعض هذه الفصائل ترتكب انتهاكات منظمة ، وتشارك في صراعات داخلية وخارجية منفلتة ، أو تتنافس على النفوذ الاقتصادي، مما يُساهم في حالة من عدم الاستقرار أو "الإرهاب" غير المنظم الذي يُضاف إلى خطر المجموعات المتطرفة الاخرى وتعتبر عاملا لتنفيذ المخططات الايرانية في العراق والمنطقة.
#مكسيم_العراقي (هاشتاغ)
Maxim_Al-iraqi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العوامل التي تصوغ الإيمان والإلحاد: تحليل نقدي لتدخلات القوى
...
-
فضائحية مقتل هشام الهاشمي: في جمهورية الاغتيالات والإفلات من
...
-
المازوشية والسادية الدينية: مفارقة الانقياد والهيمنة
-
الهيمنة عبر الافتراء: تحليل سيكولوجي لسلوك التلفيق الديني ضد
...
-
جراثيم العفن (العراقية) لفرانز فانون... النفط والديون والانف
...
-
العصاب الجماعي للملالي في مسرحهم الكوميدي...ولاشرقية ولاغربي
...
-
رفسات البغل الايراني المحتضر ضد العراق وستراتيجية الالهاء!
-
ماالعمل للعراق وقواته المسلحة امام دروس الحرب الحديثة المفزع
...
-
سودانيات هادفة 14- حكومة انفاس الحرائق والعطاب والخراب والدي
...
-
الحشد الثوري الايراني: بين الفساد والإرهاب والعمالة، ودعوات
...
-
رادارت العراق الشهيدة بكربلاء الجديدة- توقعات صحف عالمية حول
...
-
ايران تبدا بتدمير قدرات العراق العسكرية الهزيلة اصلا بعد الا
...
-
ملاحظات حول الحرب الايرانية الاسرائيلية الاولى ودروس للعراق
...
-
متلازمة النجف (ستوكهولم) والارتباط الاحتلالي الصدمي عند طغم
...
-
امتيازات شولتز وامتيازات مماليك الطغم الاجنبية الجاثمة على ص
...
-
الميليشياوي المصنّع و صناعة المليشيات في المشروع الايراني ال
...
-
التحالفات الاستراتيجية التاريخية بين الفرس واليهود قبل اول ح
...
-
هل سقطت نظريات الصبر الاستراتيجي والجبهات المتعددة لمحور الم
...
-
كارل ماركس في أمريكا وطفرته الرابعة!
-
العراق الرسمي خلال الحرب, ضركة في سوق الصفافير
المزيد.....
-
شبير أحمد شاه -مانديلا كشمير-
-
كلمة للرفيق جمال براجع إثر اختتام أشغال الدورة 11 للجنة المر
...
-
وفاة الأمين العام للحزب الشيوعي السوري عمار خالد بكداش
-
اشتباكات عنيفة بين جماعات من اليمين المتطرف ومهاجرين في بلدة
...
-
لحظة مامداني.. آمال جديدة ومخاطر مستجدة لليسار في مدينة نيوي
...
-
الشرطة تقتل المتظاهرين في كينيا
-
الشيوعي العراقي يدعو لاعتماد 14 تموز عيداً وطنياً لتأسيس الج
...
-
اشتباكات عنيفة بين جماعات من اليمين المتطرف ومهاجرين في إسبا
...
-
الشيوعي العراقي: ليكن يوم 14 تموز عيدًا وطنيًا
-
بن غفير: لا أريد إسقاط الحكومة من أجل اليسار
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|