أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حسب الرسول الطيب - عندما تغيب شمس الحق: ديالكتيك الثورة في أغنية الجنوب اللبناني وواقع السودان














المزيد.....

عندما تغيب شمس الحق: ديالكتيك الثورة في أغنية الجنوب اللبناني وواقع السودان


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8401 - 2025 / 7 / 12 - 08:38
المحور: الادب والفن
    


في البدء كانت الكلمة، ثم صارت الكلمة سلاحاً. تلك ليست استعارةً شعريةً بل تجلّيًا ماديًّا للصراع الطبقي، كما كشف ماركس في «الأيديولوجيا الألمانية»: «الأفكار السائدة في أي عصر ليست سوى أفكار الطبقة السائدة». أغنية «غابت شمس الحق» لجوليا بطرس، الآتية من جغرافيا الجنوب اللبناني، لا تعبر البحر كمنتج فني محايد، بل تصل السودان بوصفها أيديولوجيا مضادة تقوّض سرديّات الهيمنة وتُوحِّد الهوية الثورية لجماهير مقهورة تبحث عن لغتها الخاصة. فكما قال بريخت: «الفن ليس مرآة تعكس الواقع، بل مطرقة تشكله».

«غابت شمس الحق وصار الفجر غروب» لا يصف مفارقةً شعريةً، بل يقدّم تشخيصاً مادياً لحالة الاغتراب التي يعيشها العامل السوداني. هنا تفقد قوةُ العمل معناها الإنساني، فتتحول الشمسُ إلى رمزٍ لقيمة العمل المسلوبة، ويغدو الفجرُ وعداً مسروقاً يقتات عليه رأس المال الطفيلي المُعولم. إنّه ما عبّر عنه ماركس حين رأى أنّ العامل «يَشعر بنفسه حُرّاً فقط في وظائفه الحيوانية… أما في وظائفه الإنسانية فإنّه يَشعر بنفسه مجرَّدَ حيوان».

«والعدل مصلوب عم ينزف السلام» يكشف، على طريقة غرامشي، كيف تُنتِج الطبقة المسيطرة سلاماً ليبرالياً تُغطي به مجازرها. عبر الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية والبنك الدولي تُسوَّق «التسويات» سلعةً رمزيةً، فيُطالب الضحية بمصافحة الجلاد تحت شعار العدالة الانتقالية. هنا تتدخل الأغنية باعتبارها أيديولوجيا مضادة: تسمّي الجريمة باسمها («باعوك الكلام») وتُنزع الشرعية عن البنية الخطابية التي تروّج للاحتواء بدل التحرير.

«بنرفض نحن نموت قولوا لهن رح نبقى» ليس تحدياً عاطفياً؛ إنّه إعلان تمرّدٍ جماعيٍّ على مواتٍ رمزيّ تحرسه الطبقة الحاكمة. في أم درمان وود مدني، في أحياء الدمازين وقُرى كردفان، يتحوّل الشعار إلى نواة وعيٍ طبقي؛ فهو يعيد تعريف «القوة» و«الحقيقة» من زاوية المهمَّشين، مطالباً بملكيّة الأرض والثروة والقرار. هكذا تُنتِج الأغنية رؤيةً بديلةً للعالم: رؤيةً تؤسَّس على الصمود والكرامة والحقّ في التملّك، وتكسر التوهّم القائل بحتمية الخضوع.

في سياق تتكاثر فيه الانقسامات الإثنية ويُستدرَج فيه الوعي إلى متاهات العنصرية، تؤدّي الأغنية وظيفتها كبوتقة هويةٍ ثوريةٍ جامعة. الكلمات تُبلور سردية قمعٍ ومعاناةٍ يتقاسمها الجميع، من مناجم الذهب في دلقو إلى أسواق نيالا. أداء جوليا، بوصفها امرأةً تسائل حجب الصوت النسائي في مجتمعٍ ذكوريّ، يُثير موجة تعاطف تتجاوز الجندر لتكشف بُعدَه الطبقي. وتُرسِّم الأغنية حدود الوعي بين الشعب الذي «يشقى» في مواجهة من «يبيع الكلام» ويصلب العدل. تَكرار عبارة «بنرفض نحن نموت» يُحوّل الرفض الفردي إلى قرارٍ جمعيٍّ بالمقاومة يؤسّس لفعلٍ ثوريٍّ مشترك.

الأغنية الثورية تتحرّك في فضاءٍ محفوفٍ بمخاطر الاحتواء الرأسمالي: إنتاجٌ في استوديوهات خاصة، توزيعٌ عبر منصات تتحكّم فيها شركات تقنية عابرة للقارات، واستهلاكٌ ضمن سوقٍ يُعيد صياغة المعنى بما يناسب الربح. لذا يصبح الاستقلال المادي للأغنية شرطاً لبقائها أداة هجومية لا سلعة مُدجنَّة؛ ومن هنا تتشكّل مهام «البروليتاريا الثقافية» – فنانون ومنتجون يقاومون بوسائلهم الرمزية شروط السوق، ويُسهمون فعلياً في تفكيك البنية الاقتصادية للاحتكار الإعلامي.

صوت جوليا بطرس، الممهور بخبرة المقاومة في الجنوب اللبناني، لا يصل السودان كلحن متمرد فحسب؛ بل يعرّي قمع النساء السودانيات الذي يتقاطع مع قمعهن الطبقي. فالثورة المنشودة لا تُسقِط الاستبداد إن أبقت على النظام الأبويّ. الأغنية هنا تُنضد الجندر داخل سؤال التحرّر، فتجعل من مطلب النساء – العاملات في المصانع، والطالبات في الجامعات، والفلاحات في الحواكير – بعداً لا ينفصل عن برنامج الاشتراكية السودانية القادمة.

«من ويل الحروب من لوعة الحرمان، مع كل اللي صار رح تبقى لنا الدار» تستحضر الدار باعتبارها ذاكرةً جمعيةً ومِلكيةً مغتصبة. إنّها الأحواض الزراعية التي سُوِّرَت للشركات الخليجية، والمراعي التي حُوِّلت لإقطاعيات الجنرالات. استعادتها تتجاوز البعد الرمزي إلى جدول عملٍ اشتراكيٍّ: إعادة توزيع الأرض، وتحرير العمل من الاستلاب، وردّ فائض القيمة إلى منتجيه.

«ويرجع شجر الغار يزهر كرامة بأرضك» ليس وعداً أخضرَ عابر، بل رسمٌ لمَعالم اشتراكيةٍ مُتجذّرة في تربة السودان: كرامة العمل، سيادة الجماعة على مواردها، وتَشارُكية الجمال بعد رفع اليد العسكرية والطفيلية عن الطبيعة والبشر. فحين يزهر الغار، لا يزهو الرمز وحده؛ بل يثمر تاريخاً جديداً تُدوّنه الطبقة العاملة والفلاحون بعرقٍ لا يُسرَق.

بهذا التكوين، لا تُغنّي «غابت شمس الحق» الثورة، بل تُشارك في صناعتها، فهي تشقّ صدوعاً داخل جدار الهيمنة، وتمنح الجماهير أدوات فهم العالم وتغييره. وكما كتب ماركس: «الثورة ضرورية، ليس فقط لأن الطبقة الحاكمة لا يمكن الإطاحة بها بأي طريقة أخرى، ولكن أيضاً لأن الطبقة التي تزيحها لا تستطيع التخلص من قذارة القرون إلا في ثورة». هنا، حين يُحاصَر السودان في عتمة الحروب، يُصبح اللحن مساراً لفجرٍ لا يُطفِئُه رصاص، وصوتاً يُعيد شمس الحق إلى الأفق بيدٍ تهتف: حرية، سلام، وعدالة.

«حين تُغنّي الشعوبُ المغتصَبةُ أسماءها جهراً، يسقط قناعُ التاريخ الزائف، ويخطّ العمّالُ بأظافرهم لحنَ المستقبل.»

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 3. القانون النقابي – عندما يصبح التشريع أداة قمع برجوازية
- تشريح الحلم الممنوع: -قارئة الفنجان- كمرآة للهزيمة الجماعية
- 2. النقابة في مرآة الهيمنة الدولية - من الشرعية الأممية إلى ...
- النقابات في السودان – من أدوات الترويض إلى جبهات الثورة
- -البيضاء-: الغموض كتكتيك مقاومة ضد الحداثة التشخيصية
- الفراغ المعبأ بالحزن
- خطاب الكراهية الجزء العاشر والأخير: من الكلمات إلى السلطة: ا ...
- آلة الوعي الزائف: وسائل التواصل كأداة قمع طبقي
- 9. نحو خطاب تحرري بديل: من هندسة الكراهية إلى هندسة الوعي
- 8. خطاب الكراهية والعدالة الانتقالية: من طمس الجريمة إلى إعا ...
- كشة (1) لم يمت: الوعي الماركسي في وجه الثورة المضادة
- يامنة: تطواف على جناح الحنين المقاوِم
- 7. البرجوازية الصغيرة وخطاب الكراهية: بين الخوف والانتهازية
- 6. مناهضة خطاب الكراهية: من الوعي إلى السلطة
- المثقف الطرفي في فضاء ما بعد الاستعمار
- اللاعنف كأداة إمبريالية: تفكيك وهم التغيير السلمي في الثورة ...
- 5. اقتصاد الكراهية: كيف تتحول الأيديولوجيا إلى سلعة في السوق ...
- صمت الفلوت وهستيريا العنف
- 4. بنية إنتاج الكراهية في السودان
- 3. خطاب الكراهية ضد النساء: الجندر كساحة للصراع الطبقي في ال ...


المزيد.....




- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...
- الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة -بن بينتر- الب ...
- مليون مبروك على النجاح .. اعتماد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حسب الرسول الطيب - عندما تغيب شمس الحق: ديالكتيك الثورة في أغنية الجنوب اللبناني وواقع السودان