أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة السكارى .















المزيد.....

مقامة السكارى .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8398 - 2025 / 7 / 9 - 09:57
المحور: الادب والفن
    


رائعة ام كلثوم , ألأطلال , قام رياض السنباطي بتلحين المقدمة الموسيقيّة من مقام راحة الأرواح وتخللها صولو على القانون من مقام الراست , بينما يبدأ الغناء من مقام راحة الأرواح في الكوبليه الأول , ثم ينتقل إلى مقام الصبا المعروف بحزنه عند (( يَا حَبِيبًا زُرْتُ يَوْمًا أَيْكَهُ )) , ويستمر الغناء من مقامات الكرد والنوا عند (( أَعْطِنِي حُرِّيَّتِي أَطْلِقْ يَدَيَّا )) , وينتهي اللحن بقفلة عالية عند (( فَإِن الحظ شاء )) , ألا ان ام كلثوم سقطت من على خشبة المسرح , وهي تقول كلمة (( سكارى )) , ذلك المقطع التطريبي لحد الهياج , عندما هجم مستمع جزائري على السيّده أم كلثوم في غفلة من رجال الأمن ليقبّل قدميها حيث وصل الى ذروة النشوة من كلمة (( سكارى )) فأوقعها على أرض المسرح.

ما معنى سكارى؟ ومِسْكِيرٌ وسَكِرٌ وسَكُورٌ : كثير السُّكْرِ , الأَخيرة عن ابن الأَعرابي , وأَنشد لعمرو ابن قميئة : (( يا رُبَّ مَن أَسفاهُ أَحلامُهُ أَن قيلَ يَوماً إِنَّ عَمراً سَكور)) , وتقول الأمثال عن الخمر : (( حيث لا يوجد خمر لا يوجد حب )) , (( الحب مثل الخمر يتحسن مع مرور الوقت )) , (( وجبة بدون خمر مثل يوم بدون شمس )) , (( الخمر يبهج الحزين , ويحيي العجوز, ويلهم الشاب , ويجعل التعبان ينسى تعبه )) , ويقول ابو نؤاس : (( ألا فاسقِني خمراً , وقل لي: هيَ الخمرُ , ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهرُ , فما العيْشُ إلاّ سكرَة بعد سكرة , فإن طال هذا عندَهُ قَـصُرَ الـدهـرُ , وماالغَبْنُ إلاّ أن تـرَانيَ صاحِيا و ما الغُنْـمُ إلا أن يُتَعْـتعني الســكْرُ , فَبُحْ باسْمِ من تهوى ’ ودعني من الكنى فلا خيرَ في اللذّاتِ من دونها سِتْر , ولا خيرَ في فتكٍ بدونِ مجانة , ولا في مجونٍ ليس يتبعُه كفرُ)) .

هناك (( خميس السكارى )) , وهي عادة شعبيّة وليست دينيّة , وفي اللغة السريانيّة: (( خـَمـْشي شابا دْسَــكاري )) , وهو تقليد شعبيّ وعادة قديمة في الشرق المسيحي وربما في الغرب أيضاً , فحواه أنه في يوم الخميس الذي يسبق الصوم الأربعيني (الصوم الكبير) أشيع بأنه في ليلة هذا الخميس يتوجب على رجال القرية وخصوصاً من الشباب المتزوجين أو العزاب تناول الخمر (أو العرق) وهو المشروب الروحي الوحيد الذي كان متوفراً في تلك الأيام , علماًأنه كان يـُحَضـَّر ويـُصَنـَّع في بيوت القرية , فتعمر الموائد خصوصاً باللّحم المشوي الذي يتوجب التخلص منه خلال هذه الأيّام قبل الصوم , ويتزاور الأصدقاء والأقارب لعقد جلسات السهر في هذه الليلة التي سوف تطول أيّام عودتها , لأنهم مقبلون على الصوم , وفي هذه الليلة يشاع أنه من لايتناول الخمر يسقط أقرب المحبوبين إليه من سطح الدار, وهذه هي العبارة السريانيّة في النص الأساسي لهذه العادة : (( أديو خـَمْشي شابا دْسـَكاري , أيما دْلا شاتي أْمْنـَبْـلا بَـخـْتيه مْـكاري )) .فالمتزوج يقال له سوف تسقط زوجته , والخاطب خطيبته , والعازب حبيبته إذا كان يحب , أو أمه أو أخته , وطبعاً هذا الإدعاء بعيد عن الحقيقة ولكن يستخدمه البعض كذريعة لإرضاء نهمه في شرب الخمر, ولأنه أيضا سوف يبتعد عن تناوله طيلة أيام الصوم الكبير, حيث لا يحل شرب الخمر خلال أيام الصوم ,أمّا اليوم فلا زالت هذه العادة يذكرها الكثيرين لأجل التسلية.

كتب علي عزت بيجوفيتش : (( الشخص اليقظ بين السُّكارى مُضحك ومثير للسخرية , ففي مجتمع السكارى يكون السكارى هم الأغلبية التي تحدد معيار الحالة السوية , ويصبح اليقظ شاذًّا )) , وهو ماتطرق له ألأخطل الصغير : ((أدب الشراب إذا المدامة عربدت فى كأسها أن لا تكون الصاحي )) , يقول القدّيس شربل : (( يا ليتنا نسكر فقط بالله )) , (( سكارى التصوف )) , تعبير مجازي يشير إلى حالة الاتحاد بالله أو القرب منه التي يعيشها الصوفي , حيث يصف الصوفيون هذه الحالة بالنشوة والفيض الروحي الذي يغمر قلوبهم ,وهي ليست سكرًا بالمعنى الحرفي للخمر , بل هي استعارة لوصف حالة الصفاء والتوحد مع الذات الإلهية , والسكارى في هذا السياق , لا تعني السكر بالمعنى المادي للكحول , بل هي استعارة لوصف حالة النشوة والذهول التي يشعر بها الصوفي نتيجة لقربه من الله.

السكر الصوفي , قال المخالف: (السُكر يقع من الصوفي لكن سُكر من نوع خاص , يسقط معه التمييز و تبقى حلاوة الإيمان , يصدر مع هذا النوع من السُكر العجيب أقوال مخالفة للشرع و محرمة , أنصب خيمتي على جهنم , و لكن لا جناح عليهم في ذلك , ثم ساق من كلام ابن تيمية ما نصه : (( وفى مثل هذا المقام يقع السكر الذي يسقط التمييز , مع وجود حلاوة الإيمان كما يحصل بسكر الخمر وسكر عشيق الصور, وكذلك قد يحصل الفناء بحال خوف أو رجاء , كما يحصل بحال حُبِّ فيغيب القلب عن شهود بعض الحقائق , ويصدر منه قول أو عمل من جنس أمور السكارى , وهي شطحات بعض المشائخ كقول بعضهم : ( أنصب خيمتى على جهنم ) , ونحو ذلك من الأقوال والأعمال المخالفة للشرع , وقد يكون صاحبها غير مأثوم , وإن لم يكن فيشبه هذا الباب أمر خفراء العدو, ومن يعين كافرا أو ظالما بحال ويزعم أنه مغلوب عليه , ويحكم على هؤلاء أن أحدهم إذا زال عقله بسبب غير محرم , فلا جناح عليهم فيما يصدر عنهم من الأقوال والأفعال المحرمة , بخلاف ما إذا كان سبب زوال العقل والغلبة أمرا محرما )) .

السكر الصوفي مقام من مقامات التصوف , ومرتبة من مراتب المريدين السالكين في طريق الله سبحانه وتعالى , إنه سكر عقلي , والسكر العقلي سكر العارفين الذين يتوخّون منه نشوة عارمة تفيض بها نفوسهم , وقد امتلأت بحب الله حتى غدت قريبة منه كل القرب , وقد أوردوا في شعرهم منذ وقت مبكر الكأس والشراب، فلقد شوهد داود الطائي(164ه) مبتسما، فلما سئل عن دواعي ذلك قال : (( عجبت لمن يقول : ذكرتُ ربي أمــوت إذا ذكـرتك ثم أحـيا فأحيا بالمنى وأموت شوقا شربت الحب كأسا بعد كأس وهل أنسى فأذكرُ مانسيتُ؟ ولولا حسن ظني ما حييت فكم أحيا عليك وكم أموت؟ فما نفد الشراب وما رويت)) .

كان أبن الفارض صوفيا غلبه السكر, واستبدت به النشوة , يسمع فيستخفه الوجد , وتغشى أعضاءه الحركة , ويقهره وارد السمع , فلا يملك له صرفا فيسوح في سبل الفناء , يطوي واردات البقاء , ليظل في شهود المشهود , هوعالم من التلاقي يكسر حاجز المعقول والحس , ولا يصلح البوح به إلا بكسر حسيات اللغة , حتى تنتظم اللغة بما يشبه الازدواجية الدلالية بين البقاء المحس , خطاب العامة , والتجلي المبني على الفناء, خطاب الخاصة الخالصة , وهو بهذا يعبر عن تجربة وجدانية لها مقتضياتها التي تشحن اللغة بحالة من التوتر الدلالي , يظهر بهذه التلويحات والإشاريات الميثوصوفية , وهو يخط طريقا, ويبني ما يمكن أن أسميه منهجا في الشعر الصوفي :
(( شربنا على ذكر الحبــيب مدامــــة سكرنا بها من قبل أن يــُخلق الكرم
لها البدر كأس وهي شمس يديرها هلال , وكم يبــدو إذا مزجــت نــجم
ولولا شـــذاها ما اهتـــديت لحانها ولولا ســــــناها ما تصورها الوهم
ولم يُبق منها الدهر غير حُــشاشة كأن خَفاها في صــــدور النهى كتم )) .

كتب شاعر يساري : (( مخمورون بحب , ثملون بحب , نموت بحب , ونبعث أحبابا على كوثر أسمه سلاما أيها الإنسان )) .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الكتابة .
- مقامة الأنهيار .
- مقامة صدأ الروح .
- مقامة الرحاب .
- مقامة الدهاليز .
- مقامة الخواطر .
- مقامة طباخات الرطب .
- مقامة الزمن الجميل .
- مقامة العيون عيون .
- مقامة الفرهود .
- مقامة سجدة الشعر .
- مقامة المزبلة .
- مقامة حب التوكسيك .
- مقامة شاعر الكأنات .
- مقامة التفاوض .
- مقامة المرارة .
- مقامة الأقنعة .
- مقامة نبوءة القبانجي .
- مقامة القنبرة .
- مقامة الملك الفيلسوف .


المزيد.....




- دنيا سمير غانم تعود من جديد في فيلم روكي الغلابة بجميع ادوار ...
- تنسيق الجامعات لطلاب الدبلومات الفنية في جميع التخصصات 2025 ...
- -خماسية النهر-.. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد
- لهذا السبب ..استخبارات الاحتلال تجبر قواتها على تعلم اللغة ا ...
- حي باب سريجة الدمشقي.. مصابيح الذاكرة وسروج الجراح المفتوحة ...
- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة السكارى .