عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8398 - 2025 / 7 / 9 - 09:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ومن وسائل العدو الصهيوني للهيمنة على الأردن، ما يختار له التل في كتابه الصَّيحة، عنوانَ:"تدمير القطاعات الرئيسة" في بلدنا، بدءًا بالبرلمانات المزورة.
نبدأ هذه الحلقة بمعلومة مهمة لكل أردني يوردها الدكتور التل، سيعلم القارئ لماذا اخترنا البدء بها، إذا استمر بقراءة سطورنا حتى النهاية. يقول المؤلف، إن لدى الولايات المتحدة الأميركية عِلْمًا يُسمى "جيري مندرينج". خلاصة هذا العلم، "كيف يمكن من خلال قانون انتخاب وإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية إخراج الشخصيات الوطنية التي تتمتع بشعبية واسعة، والتي يُعد نجاحها مؤكدًا في الانتخابات الحرة والنزيهة، من اللعبة واسقاطها أو تحجيمها في الانتخابات". من هنا، يعبر التل بوابة "الانتخابات النيابية" خاصتنا، بدءًا بمعلومة ليست مفاجئة لأردنيين كُثُر، إذ يقول:"جميع المجالس النيابية في الأردن باستثناء مجلس 1989 كانت مزورة، وبالتالي، فإن جميع ما صدر عنها من قوانين لم تمثل إرادة الأمة وإنما مثلت إرادة الهيئات التي زورت تلك الانتخابات، ومصالحها. وعندما بدأ التخطيط لتوقيع اتفاقية وادي عربة مع الكيان العدو، خططت الهيئات ذاتها لإيجاد طريقة تضفي الصفة التشريعية على تلك الاتفاقية المشؤومة".
ويقول التل في السياق:"تزوير الانتخابات ليس فقط بتزوير الهويات أو البطاقات الانتخابية أو وضع ورقات مزورة في صناديق الاقتراع، فهذه مرحلة من مراحل التزوير، يليها مرحلة أخرى هي طريقة إعلان النتائج. أما التزوير الحقيقي فيبدأ بتزوير القانون والدوائر الانتخابية".
بعد مرور ثلاثة عشر يومًا على حل مجلس النواب الحادي عشر، المُنتخب سنة 1989، أقرت حكومة عبدالسلام المجالي قانون الصوت الواحد المؤقت. ويرى التل أن الهدف من ذلك واضح، "يريدون من البرلمان المزور الجديد أن يمرِّرَ أمرًا خطيرًا يرفضه الشعب وكافة القوى الوطنية، وهو اتفاقية وادي عربة". ويستذكر التل قبول الأخوان المسلمين المشاركة في انتخابات 1993 بموجب قانون الصوت الواحد، حيث سقط عدد كبير من رموزهم. ويؤكد أنه اقترح عليهم مقاطعة البرلمان، لأن وجودهم فيه مع ممثلي قوى وطنية يشكل أقلية رمزية تعزز مسرحية الديمقراطية مقابل الأغلبية المزورة. ولا يمكن لهذه الأقلية أن تمنع تمرير أمر خطير ترفضه الأمة، كما أن بقاءهم في البرلمان يعطيه صفة شرعية تحرمهم مستقبلًا من القول بأن البرلمان وقراراته غير شرعية ولا تمثل الأمة.
إذن، البرلمان المزور المنتخب وفق قانون الصوت الواحد، أي برلمان 1993، سيمرر، وهو ما حصل بالفعل، أخطر قضية في تاريخ الأردن، وهي اتفاقية وادي عربة، وتتعلق بوجود الأردن. ويلخص التل رؤيته لهذه الإتفاقية المشؤومة بأربعة نقاط:
-تفتيت الأردن وتقسيمه إلى ثلاثة أقاليم بإسم اللامركزية، وبث الفتنة بينها وتأليبها بعضها على بعض.
-تصفية القضية الفلسطينية، وخلق فتنة أردنية فلسطينية.
-دمج الكيان العدو في المنطقة والدخول معه في فيدرالية على أشلاء فلسطين.
-إضفاء الشرعية البرلمانية لتحويل الأردن من منطقة فاصلة إلى منطقة واصلة، وجسر تعبر منه اسرائيل إلى العمق العربي ومنابع النفط.
ويطرح التل سؤالًا، في سياق البحث عن سُبُل مواجهة ما سيقدم البرلمان المعني آنذاك، كما أنف بيانه: كيف يمكن أن نوقف ذلك؟
في الإجابة يقول، إن إعلان مقاطعة الانتخابات وحدها لا يكفي، لأن هذا سيعطي للهيئة الحاكمة وبرلمانها المزور فرصة ذهبية لتمرير كل ما سبق. ويرى أن الحل يكمن في إعلان تشترك فيه القوى الوطنية كافة، بأن البرلمان المزور غير شرعي، ولا يمثل الأمة، وأن كل ما سيصدر عنه من قرارات أو اتفاقيات غير شرعية، ولا تُلزم الأمة بشئ. ويضيف إلى ذلك، الدعوة إلى تشكيل برلمان شعبي انتقالي يمثل كافة القوى الوطنية ليكون في مواجهة البرلمان المزور، وتشكيل حكومة ظل موسعة تشترك فيها القوى الوطنية كافة. ويؤكد ضرورة التزام البرلمان الشعبي وحكومة الظل بفضح محاولات تصفية الأردن ودمجه مع اسرائيل.
وتحت عنوان "شهد شاهد من أهله"، يستحضر المؤلف ما ورد على لسان رئيس الوزراء الأسبق الراحل مضر بدران المؤكِّد لصحة استشرافه بشأن المعلومة التي بدأنا بها، ونعني عِلم "جيري مندرينج" الأميركي لتزوير الانتخابات. فقد قال بدران، في مقابلة أجراها معه محمد خير الرواشدة:" قانون الصوت الواحد، هو نصيحة أميركية بامتياز. لما لمع نجم فكرة قانون الصوت الواحد، كنت قد استقلت من الحكومة، في حزيران 1991...لقد سمعت عن الأمر، وأنا خارج الحكومة، بالصدفة أو بالتدبير لا أعلم، جاءني السفير الأميركي في عمان روجر هاريسون، وطلب مقابلتي. لم أستغرب الأمر، فعادتهم دائمًا الاتصال برجالات الحُكم، ليستقصوا عن معلومات أو تحليلات، وذلك بقصد أعرفه جيدًا، وهو كتابة تقاريرهم عن البلد...بدأ الحديث عن قانون الانتخاب الملائم للحالة الأردنية، وبدأ يتحدث عن قانون الصوت الواحد، الذي سألته عن معناه، وأجابني باسهاب. وسألته حول كيفية أن ينتخب أبناء دائرة لها تسع مقاعد مثلًا، مقعدًا واحدًا. مباشرة فهمت المعادلة، والكلام ما يزال لمضر بدران، وقلت له: لكن ما راح تمشي الفكرة، فقال: إنها ستمر بالضرورة". يعني بصريح العبارة، السفير الأميركي يتحدى مضر بدران، ويقول له وجهًا لوجه: قانون الصوت الواحد سيمر!!!
ونترك لقارئنا العزيز أن يتوصل بذكائه إلى الإستنتاج المطلوب والصحيح، من هذا اللقاء !
يقول بدران، على عهدة المؤلف، إنه طلب لقاء الملك حسين وتحدثا عن الصوت الواحد ودستورية القوانين، ويقول إنه قال للملك ضمن ما قال خلال اللقاء:"جاءني السفير الأميركي، وتحدث لي عن الأمر، وتحداني بأن القانون سيمشي، فهل نحن اليوم، تحت رحمة أوامر الأميركيين؟!
ويتابع بدران الكلام، كما يروي التل:"وتابعت من دون توقف، أنت تشتكي من الاسلاميين، وتخشى معارضتهم لأي مشروع اتفاق سلام، وهذا حقك، وتخشى أن يزيد عددهم في البرلمان، وأيضًا هذا حقك، لكن لكل مشكلة حل. قال الملك حسين: وما الحل؟ قلت: كم تريد عددهم في البرلمان، 20 نائبًا، 18 نائبًا، 16 أو 14، وبقي صامتًا، حتى وصلت لرقم 12 نائبًا.
قال الملك: نعم هذا الرقم مناسب.
قلت، والكلام لبدران: الأمر عندي، وأنا سآتي لك بموافقتهم على ترشيح 12 نائبًا للبرلمان، وسيكون هذا عن طريق التفاهم والتوافق، وليس عن طريق قانون، يضر بنا وبحياتنا السياسية، وبنهج التحول الديمقراطي.
قال(الملك حسين): إذا، على بركة الله، أنا سأسافر إلى لندن لمدة أسبوعين، وبعد العودة سنشكل لجنة سياسية، على غرار لجنة الميثاق الوطني، من أجل صياغة قانون انتخاب، وما سيخرج عن اللجنة سأوافق عليه".
يقول بدران إنه غادر مكتب الملك حسين، وسيطر عليه التفكير بسؤال: كيف أتعهد للحسين بشئ، وأنا لست ضامنًا لموافقة الأخوان المسلمين عليه؟
ويكمل بدران: وأنا بالسيارة اتصلت بالقيادي اسحق الفرحان، وطلبت إليه أن نلتقي في بيتي، ومباشرة قلت له، بأننا على طريق محادثات سلام، وأن أي مجلس نيابي قادم، سيكون في مواجهة مثل هذا الاستحقاق، وسيمر السلام "غصب عن المجلس وعنكم إن كنتم أعضاء فيه"، ومن أجل ذلك عليكم ألا تعطلوا القرار، بوجودكم اللافت عددًا ونوعًا في مجلس النواب، وعليكم أمام ذلك أن ترشحوا 12 نائبًا، وعليكم أن تعلموا بان تلك حصتكم في مجلس النواب القادم، وهذا من مصلحتكم، تعارضون القرار لكن لا تعطلوه.
قال الفرحان: سيكون ذلك. قلت: أريد قرارًا من مجلس شورى الأخوان، وليس قرارًا فرديًّا منك، وأنا أنتظر أن ترد علي بالسرعة المطلوبة. بعدها بنحو ثلاثة أيام اتصل معي اسحق الفرحان، وقال: اتُّخذ القرار من شورى الجماعة بالإجماع...
ونُكمل مع بدران، كما يسرد التل: "بعدها، جلست أنتظر عودة الحسين من السفر، وفي اليوم المعلن لعودته جلست على التلفزيون الساعة الثامنة...وإذ بالملك الحسين يقول عبر شاشة التلفزيون بأنه تابع وراقب خلال أيام سفره، ما يقوله الأردنيون عن قانون الانتخاب، وأنه اطمأن لفكرة أن الشعب يطالب بقانون الصوت الواحد".
وعليه نختم بالتساؤل: هل اقتنع المرحوم مضر بدران، قبل أن يأخذ المولى أمانته، أن السفير الأميركي كان واثقًا من تحديه له بأن قانون الصوت الواحد "راح يمشي"؟!!! يتبع
#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟