أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - سردية المقاومة: حصن الأمة الأخير في زمن الهيمنة والتطبيع














المزيد.....

سردية المقاومة: حصن الأمة الأخير في زمن الهيمنة والتطبيع


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 12:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في زمن يتسم باختلال موازين القوى وهيمنة المنظومات الغربية على القرار العربي والإسلامي، تبرز "سردية المقاومة" كرافعة وجودية وثقافية وسياسية تسعى إلى إعادة تشكيل وعي الأمة والدفاع عن ثوابتها في وجه العولمة النيوليبرالية والاستعمارية المتجددة. لم تعد المقاومة مجرد فعل عسكري أو رد فعل على عدوان قائم، بل تحولت إلى منظومة فكرية وأخلاقية متكاملة، تحمل في طياتها خطابًا مضادًا للهيمنة، وسعيًا لصياغة بديل حضاري متجذر في الذاكرة الجمعية للعرب والمسلمين. فهذه السردية، بما تحمله من رموز وشخصيات ونصوص وتجارب، تمثل حجر الزاوية في حماية الهوية وإعادة إحياء الشعور بالكرامة في ظل نظام دولي يسعى إلى تفكيك كل ما هو أصيل وتحويل الشعوب إلى كيانات تابعة وهشة ومستلبة الإرادة.

تنبع قوة سردية المقاومة من قدرتها على الالتحام بالوجدان الشعبي ونسج علاقتها بالتراث والدين والتاريخ والواقع المعاصر. إنها سردية ترفض الانفصال بين الماضي والحاضر، بل تجعل من الذاكرة التاريخية منطلقًا للفعل التحرري الراهن، وترى في الاحتلال – سواء كان عسكريًا أو اقتصاديًا أو ثقافيًا – جريمة مستمرة لا تسقط بالتقادم. لذا، تُعدّ هذه السردية حاجزًا نفسيًا وروحيًا ومعرفيًا أمام محاولات الغرب والصهيونية تطبيع الذل والاحتلال في الوعي الجمعي، وتسويق الاستسلام كخيار عقلاني. وبهذا المعنى، فإن سردية المقاومة ليست مجرد أداة للدفاع، بل مشروع وجودي لإعادة الاعتبار للذات الجماعية، وإعادة إنتاج المعنى في عالم تسعى فيه قوى الهيمنة إلى تجريد الشعوب من قدرتها على الحلم والتحدي.

في هذا السياق، تحولت المقاومة إلى خطاب ثقافي يواجه السرديات المفروضة من الخارج، كخطاب "السلام مقابل الأمن"، أو "التنمية مقابل السيادة"، أو "التطبيع مقابل الاندماج العالمي"، وهي سرديات تهدف في جوهرها إلى تفكيك بنية الأمة وتصفية قضيتها المركزية، وعلى رأسها قضية فلسطين. فالرواية المقاومة تؤكد على أن فلسطين ليست مجرد أرض محتلة، بل رمز كلي لمعركة الأمة مع منظومة الظلم والاستعمار، ومختبر لمدى قدرة الشعوب على رفض الهيمنة وابتكار أدوات التحرر. من هنا، فإن التمسك بسردية المقاومة هو تمسك بالحرية والعدالة والكرامة، وتمرد على محاولات اختزال الإنسان العربي والمسلم في مجرد مستهلك أو تابع ضمن خارطة المصالح الغربية.

ولعل ما يزيد من راهنية هذه السردية هو الطابع "الهجين" للهيمنة الغربية المعاصرة، والتي لم تعد تقوم فقط على الاحتلال العسكري، بل باتت تُمارَس من خلال أدوات ناعمة مثل الإعلام، والتكنولوجيا، والمؤسسات الدولية، والسياسات النيوليبرالية، والأنظمة الوظيفية التابعة. في مواجهة هذا التعقيد، تأتي سردية المقاومة لتُعيد بناء الإنسان الحر الذي لا يخضع للمركزية الغربية، وتُنتج خطابًا تحرريًا متجذرًا في السياق العربي الإسلامي، قادرًا على توجيه الوعي وتحصين الأجيال ضد الاستلاب. إنها سردية تُقاوم لا بالسلاح فقط، بل بالمعرفة، والشعر، والمسرح، والسينما، والمناهج، وكل أوجه التعبير التي تصوغ الوجدان وتمنح الإنسان معنى لوجوده.

ولأن الهيمنة تسعى دومًا إلى "تفريغ" القيم من مضامينها وتقديمها في قوالب مشوهة، فإن سردية المقاومة تعمل على إعادة تعريف المفاهيم المركزية في الثقافة العربية والإسلامية: كالحرية التي تُربط بالإيمان، والسيادة التي تتصل بالعدل، والوحدة التي تُبنى على الحق لا على الإذعان. وفي هذا الإطار، تساهم هذه السردية في استنهاض مشروع حضاري متكامل يعيد إلى الأمة قدرتها على الفعل والاستباق، لا الاكتفاء برد الفعل. وهي بذلك لا تواجه القوى الخارجية فحسب، بل تواجه أيضًا التواطؤ الداخلي، والأنظمة التي تماهت مع منظومة الهيمنة وفقدت شرعيتها من خلال عدائها لقيم المقاومة.

ختامًا، إن سردية المقاومة هي الحصن الأخير أمام طوفان التذويب والاستسلام، وهي الصرخة التي تُعيد للإنسان العربي والمسلم شعوره بالكرامة، وقدرته على التحدي، وإيمانه بأن المستقبل لا يُمنَح، بل يُنتَزع. إنها ليست مجرد سردية سياسية، بل مشروع لإحياء المعنى في زمن عبثي، حيث يُحتفى بالخيانة وتُجرَّم البطولة، وتُقلب المفاهيم رأسًا على عقب. ومن هنا، فإن الحفاظ على سردية المقاومة، وتجذيرها في الثقافة والإعلام والتعليم، هو فعل مقاومة استراتيجي بحد ذاته، وركيزة من ركائز بقاء الأمة وصمودها في وجه العاصفة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعتزلة واحتدام العقل والعقيدة: رحلة في قلب الخلافات الكلام ...
- فلسفة المعرفة العلمية: تفكيك اليقين وبناء المعنى في عالم متغ ...
- القرآن الناطق بالعقل: الجذور التأسيسية لعلم الكلام الإسلامي
- غرس الانقسام : كيف أعاق الكيان الصهيوني وحدة الأمة العربية
- في رحاب الوعي: من ديكارت إلى هايدغر، ومن سبينوزا إلى هوسرل
- من ميادين المعارك إلى خوارزميات السيطرة: كيف يعيد الذكاء الا ...
- العقل الأداتي في الفكر المعاصر: قراءة نقدية في أطروحة يورغن ...
- برمجة الضمير: حين تعاد صياغة الأخلاق في زمن الخوارزميات
- العقل في مواجهة المادة: رؤية كانط الأخلاقية في زمن النزعة ال ...
- الظلال النووية : الصراع الأمريكي الإسرائيلي ضد طموحات إيران ...
- الاقتصاد الخوارزمي : حين يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل قوانين ...
- تحوّلات الدولة الفاشلة: عندما يفقد القلم والعنف والسلطة معنا ...
- الرقابة الذكية والأمن العام: بين الحماية والهيمنة
- الدولة الإسلامية بوصفها دولة الوقت: نحو تخييل سياسي يتجاوز ا ...
- اللعب بالنار: التحالف الأمريكي الإسرائيلي يفتح أبواب الجحيم ...
- باكستان وإيران تحالف المواقف في زمن الانهيارات الطائفية
- التحالفات المرتبكة: الحرب الإسرائيلية الإيرانية تحت مجهر الس ...
- جذور الحكمة ونُظُم الحياة: أديان شرق آسيا وصناعة الوعي الجمع ...
- المدن الذكية في العالم العربي: بين الحلم الرقمي والتحديات ال ...
- الذكاء الاصطناعي في المشهد الاتصالي: من أداة مساندة إلى لاعب ...


المزيد.....




- السعودية.. ضجة وفاة -الأمير النائم- بين تداول تصريح سابق لوا ...
- مصر.. رد علاء مبارك على تعليق ساويرس عن عمر سليمان نائب حسني ...
- سوريا.. السفارة الأمريكية بعد لقاء مع مظلوم عبدي: الوقت قد ح ...
- أسرار الحياة المزدوجة لـ-السلطان- زعيم المخدرات المولع بالبو ...
- هجوم على النائب العربي أيمن عودة.. كسروا زجاج سيارته وبصقوا ...
- بالفيديو.. الجزيرة نت داخل سفينة حنظلة المتجهة لكسر حصار غزة ...
- إسرائيل تستهدف صيادين حاولوا دخول بحر غزة
- تداول فيديو لـ-الشرع بين أنصاره على تخوم السويداء-.. ما صحة ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يشيد بعملية -مطرقة منتصف الليل-
- العشائر السورية تعلن إخراج كافة مقاتليها من السويداء


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - سردية المقاومة: حصن الأمة الأخير في زمن الهيمنة والتطبيع