مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 8387 - 2025 / 6 / 28 - 17:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مروان صباح/ لم تكن الإغتيالات في سياق الصراع العربي الإسرائيلي مجرد أدوات ظرفية أو تكتيكات عسكرية ، بل شكّلت منذ نشأة دولة الإحتلال منهجاً راسخاً في العقيدة 🪢 الأمنية والسياسية الإسرائيلية ، فمن إغتيال قادة المقاومة في الخارج 🇵🇸 ، إلى تصفية الشخصيات الفكرية والثقافية ، ظلّت إسرائيل 🇮🇱 ترى في القتل وسيلة لحسم المعارك طويلة الأمد ، ولهذا ، لا يبدو مستغرباً🧐 أن يحتفي المجتمع الإسرائيلي بنتائج المواجهة الأخيرة مع إيران 🇮🇷 ، ليس لأن إسرائيل حققت نصراً عسكرياً واضحاً ، بل لأنها كرّست مجدداً ما تسميه “تفوقها الاستخباراتي” من خلال عمليات الاغتيال النوعية ، وفي هذا السياق ، يعود إلى الأذهان تعليق غولدا مائير ، رئيسة الوزراء الإسرائيلية الأسبق ، بعد إغتيال الكاتب والروائي والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني في عام 1972 🇵🇸 ، حين قالت : “ اليوم ، تخلّصت 🇮🇱 من لواء فكري مسلح ؛ فقلمه 🖊📝كان أخطر ‼ من ألف فدائي 🥷 ” (أنظر : عبد الرحمن ، 2016، إسرائيل والاغتيال السياسي ) ، هذا التصريح يكشف بوضوح كيف تنظر 👀 المؤسسة الصهيونية إلى الكلمة بوصفها سلاحاً يجب إسكاته 🤫 .
صعود التيار اليميني المتطرف في إسرائيل 🇮🇱 منذ ثمانينيات القرن الماضي ، وتحديداً بعد إتفاق كامب ديفيد (1978) ، شكّل تحوّلاً سياسياً عميقاً 🧐 في بنية النظام الإسرائيلي ، فقد أظهر المجتمع الإسرائيلي آنذاك ميلاً نحو خطاب أكثر تشدداً ورفضاً للتسويات ، وهو ما أنعكس لاحقاً في تراجع هيمنة حزب العمل وتقدّم قوى اليمين القومي والديني ، مثل “الليكود” و”شاس” و”الصهيونية الدينية” " أنظر : شلحت ، 2020، تحولات المجتمع الإسرائيلي "، هذا التحوّل جعل من الإغتيال أداة دائمة في مواجهة كل من يعارض المشروع الصهيوني ، سواء كانوا مقاتلين أم مفكرين ، وفي ظل هذه التحولات ، دخلت الإدارات الأمريكية 🇺🇸 في أزمات متكررة مع الحكومات الإسرائيلية اليمينية ، لا سيما حين حاولت واشنطن الدفع نحو تسوية سياسية عادلة بين الفلسطينيين 🇵🇸 والإسرائيليين 🇮🇱 ، إذ غالباً ما أصطدمت هذه الجهود برفض إسرائيلي مدعوم من قوى اليمين المتطرف التىّ ترى في أي تسوية مساساً بجوهر المشروع الصهيوني " أنظر : معهد كارنيغي ، 2021 ، السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل " .
من جانب آخر 🧏♂ ، يُلاحظ تراجع التيار العلماني الإسرائيلي ، الذي كان في وقت من الأوقات منفتحاً على فكرة💡🤔 التعايش مع المحيط العربي والإسلامي ☪ ، وقبول الحد الأدنى من قرارات الشرعية الدولية 🇺🇳، ومنها حق العودة وتقرير المصير للفلسطينيين ، لكن هذا التيار أُضعف تدريجياً ، سواء بسبب عوامل ديمغرافية " ازدياد نسبة المتدينين القوميين " ، أو بفعل سياسات ممنهجة لتهميش الأصوات المعارضة داخلياً " أنظر : هوروفيتز، 2019 - إسرائيل بين العلمانية والدين " ، مع ذلك ، ثمة خلط شائع – وأحياناً مقصود – بين مواقف بعض العلمانيين الإسرائيليين الراغبين في الأنفتاح على الإقليم ، وبين تصورهم لأي حل سياسي ، فليس كل علماني إسرائيلي مستعد للقبول بقرارات الأمم المتحدة 🇺🇳 المتعلقة بالقضية الفلسطينية 🇵🇸 ، أو الإعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية 🕌، بل إن جزءاً كبيراً من هؤلاء ، وإن أبدى انفتاحاً ثقافياً أو اقتصادياً ، لا يزال يتبنّى سردية الدولة اليهودية بوصفها فوق القانون الدولي 📕 🇺🇳 .
في المحصلة 💁♂ ، يتضح أن الإغتيال لم يكن مجرد خيار أمني لإسرائيل ، بل جزء أصيل من بنيتها الأيديولوجية والسياسية ، يزداد ترسيخاً كلما صعد اليمين المتطرف ، وكلما تراجعت القوى الداعية إلى التعايش والسلام 🕊 الحقيقي 😱 …
يتساءل كثيرون 🙋 ⁉ : هل عكست تصريحات الأطراف المعنية بالصراع الأخير بين إسرائيل 🇮🇱 وإيران 🇮🇷 واقع ما جرى فعلياً 🙆♂ على الأرض 🌍 🪐 ؟ أم أنها كانت مجرد محاولة لإعادة بناء الثقة 🪢 الداخلية من خلال عروض دراماتيكية صاخبة 🙇♂ ، كما تقتضي طبيعة المنابر السياسية التي غالباً ما تستخدم الضجيج 🗣 وسيلة لحجب صمت 🤫 الفشل 🤷♂والتستر على الجرائم (Lynch, 2020)؟ ، وفي مثل هذه الأزمات ، من الطبيعي أن تسعى كل جهة لتسويق رواية الإنتصار ، فقد كرّر الرئيس الأمريكي ترمب 🇺🇸 🏡 حديثه المتفاخر بتدمير المواقع النووية الإيرانية 🇮🇷 ☢ ، وواصل في الوقت نفسه تذكير الإيرانيين بأنه “لجم” إسرائيل عن إغتيال مرشدهم الأعلى ، في محاولة لإظهار نفسه كفاعل رئيسي في معادلة الردع الإقليمي (BBC News, 2024) ، وعلى الجانب الآخر ، لم يتوانَ نتنياهو عن تقديم خطاب نصر استهلاكي لشعبه ، في ظل ضغوط أمنية واقتصادية متزايدة (Haaretz, 2025).
أما إيران 🇮🇷 ، فلم تتأخر هي الأخرى في نسج روايتها الخاصة ، فقد ألقى المرشد الأعلى علي خامنئي خطاباً وصف فيه ما حدث بأنه “نصر مؤزر” على إسرائيل 🇮🇱 ، مستنداً إلى حجم الرد الصاروخي 🚀 وقدرته على كسر هيبة الردع الإسرائيلي (Al Jazeera, 2025) ، وفي السياق ذاته ، يجدر التوقف عند سلاح الجو الأمريكي الذي أستخدم قنابل GBU-57 ، وهي قنابل موجهة ضخمة تزن نحو 30 ألف رطل ، صُممت لإختراق التحصينات والمخابئ الأرضية 🌍 👇، وتشير☝تقارير إستخباراتيّة إلى أن هذه القنابل دمرت فعلياً عدداً من المنشآت النووية الإيرانية الحساسة (The Washington Post, 2025) ، إلا أن الرد الإيراني لم يكن أقل وقعاً 🤨 ؛ فقد تمكنت منظومتها الصاروخية 🚀 🇮🇷 من إصابة مراكز حيوية داخل إسرائيل 🇮🇱 ، مخلّفة تأثيراً نفسياً واقتصادياً عميقاً 🧐 على المجتمع الإسرائيلي (The Guardian, 2025).
هذا التوازن ⚖ في الألم لا يخلو من دلالات ، ويدفع المراقب إلى طرح سؤال 🙋 محوري : هل تملك إيران 🇮🇷 القدرة التقنية واللوجستية على إعادة بناء منشآتها النووية في وقت وجيز ؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب 👍 ، فإن السؤال الرديف يصبح 🙋 : كيف ستتمكن الحكومات الإسرائيلية ، الحالية والمستقبلية ، من ترميم ثقة الجمهور الإسرائيلي بعد عامين من المعاناة ، بين فشل استخباراتي ، والاعتماد على المساعدات الخارجية ، والاحتماء المستمر بالملاجئ ، في ظل رعب متصاعد منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى”؟ (Foreign Affairs, 2025) …
حتى اللحظة👇، لا تزال حالة الاحتقان السياسي والأمني في الشرق الأوسط تتفاقم ، مُهدّدة بانفجارٍ 💥 إقليمي واسع النطاق ، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه ، ليس بنَسخ الوقائع ، بل بإعادة إنتاج السياقات ذاتها التي تولّد العنف والفوضى ، في ظل غياب الحسم ، واستمرار النزاع بصيغة أهلية بين أطراف داخلية ، تُخفي في عمقها 🧐 صراعاً على الهوية والمصير .
وبالعودة إلى تجارب التاريخ ، نجد أن السيناريو الألماني 🇩🇪 بعد الحرب العالمية الأولى يُقدم نموذجاً موازياً لما يجري في إسرائيل 🇮🇱 اليوم ، فبعد أن فشل الإمبراطور الألماني 🇩🇪 في حسم الحرب لصالح بلاده ، دخلت ألمانيا في أزمة سياسية واقتصادية خانقة ، مهّدت الطريق لصعود التيار القومي المتشدد بقيادة أدولف هتلر ، الذي استغلّ حالة الإحباط الشعبي والتمزق المجتمعي ليؤسس لنظام سلطوي قائم على العنصرية والهيمنة (Evans, 2003) ، وفي المشهد الإسرائيلي المعاصر 🎬 ، تبرز ملامح صراع داخلي مشابه بين التيار العلماني ، الذي يرى أنه تحمل كلفة الحروب الأخيرة على مختلف المستويات ، وبين تيار ديني متطرف لا يملك سوى الخطاب العقائدي كوسيلة للحشد والتعبئة ، هذا التيار ، الذي تتصدره أحزاب كـ”شاس” و”يهودوت هتوراة”، بات يتمدد بشكل واضح ، خاصة بعد تمكين الحريديم داخل مؤسسات الدولة ، وفرض رؤيتهم على الفضاء العام ، في ظل دعم حكومي متزايد .
لقد أصبح واضحاً 🤦♂ أن اليمين الديني المتطرف في إسرائيل 🇮🇱 لا يكتفي بتغذية الصراع الخارجي مع الفلسطينيين والعرب 🇵🇸☪ ، بل يتجه إلى تفكيك الداخل الإسرائيلي ذاته ، عبر تعميق الانقسامات الأيديولوجية ، وتقويض فكرة “الدولة الجامعة”. ووفقاً للباحث “آفي شلايم”، فإن المشروع الصهيوني في نسخته الليبرالية - كما أرادها تيودور هرتزل - كان يقوم على رؤية تستوعب كل الأطراف داخل الدولة ، لا على إقصائهم (Shlaim, 2001) ، فاليوم، لم تعد تلك الرؤية فاعلة ، بل إن وصية هرتزل التىّ دعت إلى إيجاد أرضية مشتركة للتعايش بين المتدينين والعلمانيين ، تبخّرت تماماً 👌 ، فقد صار الحريديم يصفون العلمانيين بالكفار، ويطالبون بدولة تُدار على أسس الشريعة اليهودية ✡ ، في قطيعة واضحة مع أسس الديمقراطية 🗳🗽ومفهوم “المواطنة الجامعة”.
وما يزيد المأزق تعقيداً هو الدعم الأمريكية 🇺🇸🙇♂ اللامشروط لإسرائيل ، حيث تُغلب الإدارة الأمريكية المصالح الاستراتيجية على المبادئ ، رغم أن التيار الديني المعتدل ما زال يمثل الغالبية في المجتمع الامريكي 🇺🇸🗽، في مواجهة تيارات دينية متطرفة تشارك الخطاب ذاته مع بعض الحركات الإسرائيلية ، وإن تحالف الولايات المتحدة 🇺🇸 مع حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل 🇮🇱 لا يهدد الفلسطينيين 🇵🇸 وحدهم ، بل يعرّض بنية الدولة الإسرائيلية نفسها للتآكل من الداخل ، فالتاريخ يخبرنا أن الدول التىّ تُخضع العقلانية السياسية للمطلقات المتطرفة ، وتُقصي شرائحها المجتمعية تحت ذرائع طائفية ، سرعان ما تنزلق نحو التفكك والإنهيار .
وبينما يبدو أن خيار الحرب لم يعد حكراً على الجبهات ، بل بات داخلياً ، فإن التجربة الألمانية 🇩🇪 بعد الحرب العالمية الأولى تقف كتذكار مرير على مصير الدول التىّ تُهمل إشارات الإنهيار المبكر ، وتُراهن على خطاب الكراهية كوسيلة للحكم …
على إمتداد قرن كامل من الصراع في فلسطين 🇵🇸 ، ظلَّ السؤال يتكرر 🙋 : هل من ضوء💡في نهاية هذا النفق 🚇 ؟ ولكن مع كل محطة سياسية أو عسكرية جديدة ، تتجدد مؤشرات التشاؤم لا التفاؤل ، فاليوم ، وأكثر من أي وقت مضى ، تشير☝الوقائع إلى أن التطرف الفكري 🤔 في إسرائيل 🇮🇱 قد تجاوز كل أشكال التطرف في الإقليم والعالم ، لا من حيث الخطاب فحسب ، بل من حيث السياسات المتجسدة على الأرض 🌍 وتحديداً بعد تنفيذه الإبادة الجماعية بحق فلسطينين القطاع 🇵🇸 .
لقد مثّل إحتلال إسرائيل 🇮🇱 للضفة الغربية وقطاع غزة 🇵🇸 منذ عام 1967 نقطة تحوّل خطيرة 🛑 ، ليس فقط في إطار الصراع العربي-الإسرائيلي ، بل في بنية النظام السياسي الإسرائيلي نفسه ، فقد أدى هذا الإحتلال طويل الأمد إلى تقويض أسس الديمقراطية الإسرائيلية من الداخل ، إذ باتت الديمقراطية هناك 👉 محكومة باعتبارات أيديولوجية وقومية ودينية متطرفة ، تتناقض مع القيم الليبرالية التىّ تدّعي إسرائيل تبنّيها (بابيه ، 2006).
وبالتالي ، فإن المعضلة المركزية 🤷♂ لا تكمن 😦 في ما جرى في 7 أكتوبر 2023، ولا في نضال الشعب الفلسطيني المشروع ، بل في الفكر الصهيوني المتطرف الذي بات يحكم إسرائيل 🇮🇱 ويقودها نحو مزيد من العنف والعنصرية ، هذا الفكر 🤨 لا يعاني من عزلة ، بل يحظى بدعم غير مشروط من قِبل الولايات المتحدة 🇺🇸 والإتحاد الأوروبي 🇪🇺 والغرب عموماً ، سواء على الصعيد العسكري أو الدبلوماسي أو الاقتصاديّ ، ما يمنحه شعوراً دائماً بالإفلات من المحاسبة (غولد، 2018) ، وما يزيد الطين بلة أن هذا التطرف لا يُنظر 👀 إليه كتهديد من قِبل إيران 🇮🇷 ومحورها فقط ، بل باتت أطراف عربية وإقليمية ☪، كتركيا 🇹🇷 وعدد من الدول العربية ، ترى فيه الخطر الأكبر على أمن المنطقة واستقرارها ، وتهديداً وجودياً لمستقبلها السياسي والاجتماعي (سير، 2021).
إن مواجهة التطرف لا تكون بمساواة الضحية بالجلاد ، ولا بتجاهل البنية الفكرية التىّ تُنتج هذا العنف الممنهج ، وإذا أراد المجتمع الدولي 🇺🇳 أن يرى نوراً ☀ في نهاية هذا النفق 🚇 ، فعليه أولًا أن يعيد النظر 👀 في دعمه غير المشروط لإسرائيل ، وأن يعترف بأن الخطر ‼ الحقيقي 😳 ليس في مقاومة الفلسطينيين ، بل في التطرف الإسرائيلي الذي بات يهدد الجميع… بلا استثناء … والسلام 🙋♂ ✍
#مروان_صباح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟