مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 15:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ كانت المحمولات المجردة 💁♂، ومهما تكاتفت الأشخاص أو الأحداث ، قليلاً أو كثيراً ، في سبيل إضفاء إستقرار على نظامٍ معين ، تبقى المواقف الكبرى في فلسطين 🇵🇸 كاشفة ، تسقط الأقنعة 😷 وتفضح الزيف 🤦♂، لكن اللافت في هذا السياق هو ذلك التوافق الواسع في توظيف الأحداث وتحويلها إلى محطات احتفائية سنوية تُضخّم رمزيّاً بما يخدم سرديات سياسية قائمة ، وخلافاً لما فعله جمال عبد الناصر عقب هزيمة يونيو 1967 ، عندما خرج إلى الشعب المصري 🇪🇬 والأمة العربية عبر الشاشة الصغيرة معلناً استقالته 📺 ، ومتحمّلاً المسؤولية الشخصية عمّا تعرض له الجيش المصري خلال ستة أيام من الحرب " محمد حسنين هيكل ، الانفجار: حرب يونيو 1967 – خلفياتها وأسبابها الحقيقية ".
أما بنيامين نتنياهو 🇮🇱 ، فقد فعل العكس تماماً 💯، إدراكاً منه بأن الشعب الإسرائيلي واليهود في العالم لن يخرجوا إلى الشوارع مطالبين ببقائه أو بالعدول عن استقالة لم يقدِم عليها أصلاً ، إذ أعلن أن المسؤولية تقع بالكامل على عاتق الأجهزة الأمنية والعسكرية " Netanyahu Blames Security Officials for October 7 Failures”, ومع ذلك 👈 ، فإن ما يشترك فيه نتنياهو وعبد الناصر هو عدم الإعتراف بالهزيمة : فعبد الناصر وصفها بـ”النكسة” التىّ يمكن تجاوزها ، في محاولة لتبرير الفشل ، ومن حيث لا يدري ، أسّس لمدرسة في الإنكار 🏫 ، سرعان ما تطورت إلى ما يُعرف اليوم بالسردية السياسية التي تتبنى نظرية الانحناء والاستسلام " Edward Said, The Politics of Dispossession: The Struggle for Palestinian Self-Determination, Pantheon Books, 1994.] " .
وفي هذا السياق ، لم يكن التخلي عن غزة والفلسطينيين 🇵🇸 مجرد حدثٍ طارئ ، بل نتيجة لمسار طويل أنتهى بالأمة العربية والإسلامية ☪ إلى ترديد المثل الشعبي : “كل واحد يدبّر رأسه ” عبد الوهاب المسيري ، الصهيونية والعنف : رؤية معرفية جديدة " ، وبالعودة إلى ثورة يوليو 52 ، فقد جاءت نتيجةً لتفشّي الفساد في الجيش المصري ، الذي تكبّد خسائر فادحة في حرب 1948 وبسببها ضاعت فلسطين 🇵🇸 التاريخية ، وهو أمر تكرّر بعد نحو 20 عاماً ، حين تسبب فساد هيئة الأركان العامة في الإطاحة بعبد الحكيم عامر " خالد محيي الدين ، الآن أتكلم " ، ورغم أن الإسرائيليين تمكنوا سريعاً من إعادة تنظيم صفوفهم ، وبفضل الجسور العسكرية والاستخباراتية والمالية التىّ أقامتها واشنطن 🇺🇸 وعواصم الغرب مع تل أبيب ، وشنّوا عدواناً يهدف 🎯 إلى تنفيذ إبادة جماعية " Rashid Khalidi, The Hundred Years’ War on Palestine, Metropolitan Books, 2020. " ، فإن رفض إسرائيل 🇮🇱 الاعتراف بهزيمة 7 أكتوبر هو ما يجعل جيش الإحتلال غارقاً في مستنقع غزة ، فلا يمكن محو صورة الهزيمة من الذاكرة الإسرائيلية إلا بتحقيق نصرٍ كامل وسحقٍ تام للمقاومة الفلسطينية ، وهو ما لم يحدث ، بل إن كل عملية تنفذها المقاومة ضد جنود وضباط الاحتلال تُعدّ في نظر الشارع الإسرائيلي استكمال للهزيمة ، وتُسجَّل كخسارة لا تخدم مصالحه ، بخلاف ما تروّج له حكومة نتنياهو بأنها مجرد “نكسات ضرورية” Why Israelis Are Losing Faith in Victory in Gaza”, Haaretz, March 2025. "…
كيف 🤷♂ يمكن إقناع أولئك الذين يتبنون عبارة “لا تشوبنا شائبة”؟ أولئك الذين يرون في هويتهم الفكرية ممارسة تبريرية دائمة ، أقرب إلى منطق الأطفال الذي يرفض الاعتراف بالخطأ ، ويفضل الاحتماء بإنكار الواقع ، هذا النمط من التفكير ، حين يتحول إلى ظاهرة اجتماعية ، يُنتج بيئة تنمو فيها كل أشكال القوة الزائفة ، وتذبل فيها براءة الطفولة ذاتها ، وفي أعقاب ال7 من أكتوبر ، وهو اليوم الذي شكل تحولاً فارقاً في الصراع العربي–الإسرائيلي ، بدأت الأصوات داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تعترف ، ولأول مرة بهذا الوضوح ، بأن ما جرى لم يكن مجرد “خلل أمني”، بل فشل ذريع ، الجنرال ديفيد زيني ، وغيره من الجنرالات السابقين والحاليين ، وصفوا هذا اليوم بأنه “أخطر مسمار في نعش الكيان الإسرائيلي ⚰ ”، في إشارة إلى حجم الفشل الاستراتيجي الذي تَكشّف ، والاضطرابات العميقة التىّ تمزق المؤسسات الإسرائيلية من الداخل .
ورغم أن بعض العرب ، ومعهم حكومة نتنياهو ، وصفوا هذا اليوم بالنكسة ، إلا أن النكسة الحقيقية 😱 ليست في الحدث ذاته ، بل في العجز عن قراءة انعكاساته المستقبلية ، هنا 👈 يتجلى جوهر الخلاف داخل إسرائيل 🇮🇱 : بين تيار يرى ضرورة الاعتراف بالهزيمة ، وفشل تحقيق أهداف العدوان ، وتيار حكومي بقيادة نتنياهو يحاول الإلتفاف على الفشل عبر تصديره كمنطق سياسي جديد ، يقوم على التدمير المطلق لغزة وقتل الأبرياء ، لتغليف الفشل بانتصار زائف ، إن ما تقوم به حكومة نتنياهو لا يعدو كونه إنتاج سردية إنكار ، تهدف إلى جرّ البلاد إلى قاع “النجاة بالخرافة”. لكنها في الحقيقة 😳 ، لا تفعل سوى ترسيخ الهزيمة بوصفها واقعاً يومياً ، فالفشل حين يُنكر ويتحول إلى أيديولوجيا حكم ، فإنه يغدو نظاماً في حد ذاته ، لا فرق فيه بين نكسة وانتصار ، طالما أن السردية قادرة على تزييف الوعي العام ، تماماً 🤝 كما هو قائمة في الوطن العربي .
لكن ما بعد الحريق 🔥 ليس دائماً خراباً ، فإذا كانت غزة 🇵🇸 تحترق اليوم ، فإن ذلك ، برؤية مغايرة ، قد يكون بوابة لولادة جديدة ، تماماً💯 كما عبّر الشاعر والمفكر خليل حاوي في قصيدته “العنقاء 📝 ”، حين قال إن تجدد الحياة لا يكون إلا عبر نار 🔥 تتغذى من رماد الموت 💀: “ إن يكن ، ربّاهُ – لا يُحيي عروقَ الميِّتينا غيرُ نارٍ تلدُ العنقاء ، نار
🔥 تتغذى من رمادِ الموتِ فينا ، في القرار
فلنعانِ من جحيمِ النارِ ما يمنحُنا البعثَ اليقينا
أمماً تنفضُ عنها عفنَ التاريخ ، واللعنة ، والغيبَ الحزينا” ، فخليل حاوي ، الذي درّس الفلسفة ونال الدكتوراه في فكر جبران ، لم يكن يكتب شعراً فقط ، بل كان يرسم ملامح نهضة روحية ، والآن ، في قلب النار المشتعلة في غزة 🇵🇸 ، قد تكون بذور عنقاء جديدة تتخلق من رماد الإحتلال ، ومن الفشل العربي الذي تحوّل إلى استبداد .
ربما آن الأوان لأن نعترف : لا 🙅♂ يمكن أن تقوم سردية حياة على إنكار الموت ☠ ، ولا يمكن لإسرائيل أن تواصل السير فوق جثث الأبرياء متذرعة بـ”الأمن”، وهي تنزف من داخلها ، فالنكسة الحقيقية 😱 ليست في الخسارة العسكرية ، بل في العجز عن أن تولد من جديد …
مرّ أكثر من قرن ، والمنطقة العربية تشهد تحوّلات دراماتيكية اتسمت بالمآسي والارتباكات السياسية والانتكاسات المتكرّرة ، وما يربط هذه التجارب المتفرقة ، هو الارتياب المزمن الذي يُخيّم ⛺ على المجال السياسي العربي ، ويفرض نفسه كعنصر حاسم في سلسلة من الانهيارات ، كان آخرها ما جرى في إسرائيل 🇮🇱 في ال7 من أكتوبر 2023 ، لقد شكّل ذلك التاريخ نقطة تحوّل في الوعي الأمني الإسرائيلي ، إذ شهدت البلاد انهياراً استخباراتي وعسكرياً مفاجئاً ، لا يقلّ عنفاً في رمزيّته عن إنهيار الجبهة المصرية في يونيو 1967 ، ورغم محاولات إرجاع المسؤولية إلى شخصيات تنفيذية كعبد الحكيم عامر في الحالة المصرية 🇪🇬 ، أو رونين بار ، رئيس جهاز الشاباك في الحالة الإسرائيلية 🇮🇱 ، فإن التأمل 🧘 🤔 الجاد يقودنا إلى أن المشكلة لا تكمن في القادة الميدانيين فحسب ، بل في بنية القيادة السياسية ذاتها ، المتمثّلة في عبد الناصر آنذاك ، وبنيامين نتنياهو اليوم (Morris, 2004 Bergman, 2018) .
لكن الفارق الجوهري لا يتجلى في الأوضاع العسكرية أو طبيعة العدو ، بل في قدرة الشعوب على إعادة تشكيل علاقتها بالحاكم على أساس عقلاني ، منفصل عن العاطفة ، وهنا 👈 يبرز المثال الفرنسي 🇫🇷 ، بوصفه نموذجاً لدولة ديمقراطية عريقة 🗽 🗳 ، إستطاعت أن تُخضع القيادة للمساءلة ، حتى عندما يتعلق الأمر برمز وطني كبير مثل شارل ديغول 🇫🇷.
فديغول ، بطل المقاومة الفرنسية 🇫🇷 في الحرب العالمية الثانية ، واجه موجة إحتجاجات واسعة عام 1968 قادها الطلبة والعمال ، مطالِبة بإصلاحات جذرية في بنية النظام السياسي والاجتماعي ، ورغم مكانته الرمزية ، قرّر ديغول الإستجابة بتقديم إستفتاء شعبي 📦 حول توسيع صلاحيات اللامركزية في فرنسا 🇫🇷 ، مع تعهده الصريح بالتنحي إذا لم يحظ المشروع بدعم شعبي كبير (Rioux, 1987) ، وبالفعل ، لم يحقق الاستفتاء نسبة القبول الكافية ، فتنحّى في صمت 🔕 🤫 ، وغادر قصر الإليزيه ، دون أن يُحرّك خروجه موجة من التظاهرات المؤيدة ، وهو ما يعكس وعياً شعبياً عميقاً 🧐 بعلاقة الحاكم بالمحكوم ، ولقد شكّل هذا الموقف علامة فارقة في تاريخ الجمهورية الخامسة ، ليس فقط من حيث إحترام القائد للإرادة الشعبية ، بل من حيث قدرة المجتمع على الفصل بين التاريخ الرمزي للأشخاص وضرورات التداول الديمقراطي للسلطة (Kuisel, 1981) .
ومع ذلك ، لم يُنسَ دور ديغول في التاريخ الوطني ، فقد خُلّد أسمه لاحقاً عبر تسمية العديد من المرافق العامة ، من مطار 🏟 ✈“شارل ديغول” في باريس ، إلى متاحف ومحطات قطارات 🚆🚂 ، في إشارة إلى أن التكريم لا يعني تأبيد السلطة ، بل الإعتراف بأثر التجربة من منظور تاريخي ، وفي المحصلة ، تُظهر هذه النماذج أن إستقرار الدول لا يتأتّى من الزعامات الفردية ، ولا من رفع الشعارات الثورية ، بل من نضج العلاقة بين الشعوب وقادتها ، ومن وعي المجتمعات بقدرتها على ممارسة الرقابة والمحاسبة خارج الأطر العاطفية والشخصانية …
بعد أكثر من 600 يوم على العدوان الإسرائيلي ، ورغم توظيف تل أبيب لكامل ترسانتها العسكرية المتفوقة وقدراتها الاستخباراتية الهائلة ، تبقى ضربات المقاومة الفلسطينية 🤛 🇵🇸 العامل الأكثر تأثيراً في تقويض سردية النصر التىّ يحاول نتنياهو تسويقها داخلياً وخارجياً ، فالكمائن المتواصلة حتى اليوم ، ومشاهد الاشتباك المتكررة ، تنسف ادعاءاته بـ”الحسم السريع” و”الضربة القاضية”. بل تكشف هشاشة البنية السياسية والعسكرية لكيان الاحتلال ، الذي يبدو ، شيئاً فشيئاً ، وكأنه يعيد إنتاج نموذج الأنظمة العربية الأكثر وهناً 👈 وارتباكاً ، في هذا السياق ، يشير☝المحلل الإسرائيلي “يوآف ليمور” في صحيفة يسرائيل هيوم (أبريل 2024) إلى أن “ إسرائيل 🇮🇱 عالقة في مستنقع غزة … بلا أفق ولا نصر واضح”، معترفاً بأن الواقع الميداني يناقض كل الروايات الرسمية التي تروّجها القيادة السياسية ، وما يزيد الصورة قتامة أن العدوى انتقلت فعلياً إلى النظام العربي ذاته ، فقد ظنّت المقاومة الفلسطينية – وربما بتقدير رومانسي أو قاصر – أن عملية ال7 من أكتوبر ستفتح أمام الأمة بوابة البعث والخصوبة والحياة ، وستحرك المياه الراكدة في وجدان عربي متكلس حتى المتجمد ، ظنّت أن لحظة العبور ستكون لحظة تموزية ، كما في جنوب لبنان صيف 2006 ، لحظة كسرٍ للجمود واليأس ، لكن ما حدث كان العكس تماماً👌 : إنتصرت مقاومة “الانتقاد” على النقد الصريح ، وعلَت أصوات التبرير على صوت المحاسبة ، فالإعلام الرسمي العربي ، في معظمه ، لم يتوانَ عن مهاجمة أي خطاب نقدي أو تحليلي مستقل ، وأعتبر ذلك “تحريضاً ” أو “مزايدة” ، يقول عزمي بشارة في إحدى مقابلاته (قناة العربي ، نوفمبر 2023): “الأنظمة لا تتحمل المقاومة لا بالسلاح ولا بالكلمة … فالمراجعة خطر‼، لأنها تهدد شرعية قائمة على الوهم”.
في ظل هذا المناخ ، لم نعد قادرين حتى على كتابة ✍ مقال 📑“من كعب الدست”، كما يقول التعبير الشعبي ، أو خوض نقاش عقلاني مع أدوات أي نظام ، فهؤلاء يتم انتقاؤهم بناءً على جهلهم ، لا كفاءتهم ، كلّما زادت درجة الحماقة ، زادت فرص التقدّم في دوائر السلطة والإعلام ، وهكذا ، تحوّل الشعب الفلسطيني 🇵🇸 إلى قربان يومي يُقدَّم لأمة هشّة 🤫 ، لا تملك حتى الجرأة لحماية أطفال غزة من الذبح … من الوريد إلى الوريد ، وقد وصف تقرير هيومن رايتس ووتش (يناير 2024) ما يحدث في غزة بأنه “عقاب جماعي غير مسبوق ، وسط صمت عربي رسمي يثير الأسى 🙇♂🤷♂أكثر من الغضب 😠 ” .
في النهاية ، تبقى المقاومة – بدمها وألمها – هي الكاشف الأخلاقي والواقعي لفشل الأنظمة ، وهي المرآة التى نكره أن ننظر فيها ، لأنها تظهر حجم العجز ، لكنها ، برغم كل شيء ، تذكّرنا بما يمكن أن نكونه… لو أردنا … سلام 🙋♂ ✍
#مروان_صباح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟