أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض سعد - الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (4)














المزيد.....

الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (4)


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8387 - 2025 / 6 / 28 - 15:04
المحور: الادب والفن
    


أكتب… وكأنني أنقذ نفسي من الغرق.

أكتب… وكأن الكلمات الحرة الصادقة هي آخر حبل نجاة في هذا الطوفان الجارف من التزييف واللامعنى .

أكتب لأن الصمت، في زمن التشويه، لم يعد حيادًا، بل صار جريمة.

هل يُغفر لكاتب أن يصمت حين يُهان وطنه؟

هل يُعذر مثقف إذا سكت حين تُجزّ الحقيقة أمامه كالشاة وينحر الصدق كالابل ؟

وهل من الجائز أن نُقايض ضمائرنا بالسلامة، وعقولنا بالرواتب، وحروفنا بالمجاملات والامتيازات ؟

لا والله… ؛ إننا بذلك نكون قد قتلنا أوّل ما وهبنا الله: الكلمة.

الكلمة التي علّمها آدم، وفهم بها الخلق، وميّز بها الخبيث من الطيب.

الكلمة التي لم تكن يومًا مجرّد حروف، بل وعدٌ، وعهدٌ، وثورة.

يا صاحبي، إنّ الكتابة الحقّة ليست “نشاطًا ثقافيًا” في صالون مخملي، ولا منشورًا يحصد اللايكات، ولا مرآة لغرورنا المعلّب.

الكتابة التي أعنيها، هي تلك التي تُربك، وتُخيف، وتُوقظ، وتُطارد الطمأنينة الزائفة في عقل القارئ، وتنتزع أقنعته قطعةً قطعة .

حين أكتب عن العراق، لا أمارس الحنين، بل المحاسبة .

وحين أستحضر مآسيه، لا أثير الشجن، بل أحرّض على التغيير.

العراق لا يحتاج مزيدًا من الرثاء، بل يحتاج من يصرخ في وجه التاريخ: “قف، لقد سُرقت الحقيقة والحاضر والمستقبل !”

إننا في بلادٍ، صار فيها الماضي كذبة، والحاضر لعنة، والمستقبل مجهولًا مبهمًا مروّعًا.

في بلادٍ، حيث الطفل يولد حاملًا طائفته قبل اسمه، والشاب يشيخ قبل أن يحلم، والمثقف يُستبدل بـ”مؤثر”، والمنبر الديني يُستثمر سياسيًا، والسياسي يزني بالوطن ثمّ يخطب في شرفه … .

فكيف لا أكتب؟

كيف لا أستشيط من الغضب، وذاكرتي مثقلة بصور المذابح، وسجلات الإعدامات، وقبور المجهولين؟

كيف لا أكتب، وأنا أرى أبناء الوطن يُصنّفون ويُقسّمون ويُهانون، ثم يُطلب منهم أن يُحبّوا جلّاديهم؟

أكتب… وأنا أعلم أن الحرفَ الحرّ لا يجد منصّة، بل يجد حبلًا مشنوقًا، أو نافذةً مغلقة، أو طعنة من “صديق”.

أكتب… لأنني قررت أن لا أكون شاهد زور في جنازة وطنٍ يتداعى.

الكتابة الحقيقية — كما قال سارتر — شكلٌ من أشكال الحرية.

لكنها أيضًا، في عالمنا، شكل من أشكال الشهادة والهلاك .

وما أكثر الكُتّاب الذين اغتيلوا، لا لأنهم حملوا سلاحًا، بل لأنهم كتبوا سطرًا لم يُعجب السلطة او قوى الظلام ، أو كشفوا فضيحة أزعجت الطائفة، أو انتصروا للمهمّشين، لا للنافذين… .

لا يوجد قلم نظيف لا يُلاحق، ولا عقل حر لا يُخوَّن، ولا كلمة حقّ لا تُداس في البداية… ؛ ثم تُرفع لاحقًا كأيقونة بعد أن تُسفك الدماء.

لكن… هل يهمّ؟

هل نكتب لنُصفّق؟ أم نكتب لنعري الواقع ونوقظ الغافلين؟

وهل معنى الحياة في أن نعيش طويلًا؟ أم أن نعيش صادقين، ولو كلفنا ذلك أعمارنا؟

أنا أكتب لأجل الذين لا صوت لهم.

لأجل تلك الأمّ التي تنتظر ابنها في السجون منذ عقد ولم تسمع خبراً.

لأجل الشهداء الذين شوّهت أسماءهم في نشرات الأخبار،

ولأجل أطفال الشوارع الذين يتوسدون الأرصفة ويأكلون من نفايات المدينة التي تنام في أحضان اللصوص.

الكتابة قدر، نعم…

ولكنها ليست قدراً أعمى، بل رسالة.

رسالة تبدأ من الذات — من أن تكون صادقًا مع نفسك —

ثم تمتد إلى الإنسان… كل إنسان.

يا صديقي، إن أردت أن تعرف الكاتب الحقيقي،

فلا تسأله عن بيانه، بل عن جراحه.

ولا تبحث في معجمه، بل في ضميره.

وانظر إلى ما كتبه ساعة الهزيمة، لا ساعة النصر،

إلى ما كتبه عندما خسر، لا عندما صُفّق له.

لأن الكلمة لا تُختبر في الرخاء، بل في الشدة.

وإن لم تكن الكتابة نارًا تأكل صاحبها قبل أن تنير الطريق، فهي حيلة لا تُغني ولا تُسمن من جوع.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (3)
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (2)
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (1)
- العراق أولاً: الوطنية كميزان للعلاقات الخارجية والانتماء الح ...
- الهوية العراقية بين التعدد والتماسك
- الجولاني: عميل بصيغة -ثائر-.. من سجون الاحتلال إلى حضن الاست ...
- أنت لستَ فاهمًا، ولا أنا جاهلٌ
- معاداة الشيعة.. عقدة مستعصية و عداء بلا منطق و-إيران- مجرد ذ ...
- الهوية المستلبة : استغلال الاغلبية العراقية بين الطقوس الدين ...
- دور الأموال في تغيير القناعات وشراء الذمم : الانتخابات بين ا ...
- في زمن العبث والانكسار... حين يغدو الزيف قانوناً
- عصابات الجولاني في خدمة الاستكبار : من تواطؤ معلن إلى عدوان ...
- تداعيات الاعتداءات الإسرائيلية على ايران
- بين سحر الجماعة وكآبة الهُوة الفردانية
- الحرب الاقتصادية : سلاح صامت دمّر العراق بصمت أشد من دوي الم ...
- عينٌ في كفّ الشرطي... والعراق أعمى ؟!
- حين تُصبح الجماعة عبئًا... عُزلة الإنسان كخلاص
- إبراهيم الناجي الكوفي.. درويش الدعوة وصوفي المنافي
- لأنك عراقي .. انتخب
- هدايا صدام للرئيس المصري حسني وزمرته : كرمٌ مشبوه على حساب ا ...


المزيد.....




- روبرت ريدفورد وهوليوود.. بَين سِحر الأداء وصِدق الرِسالة
- تجربة الشاعر الراحل عقيل علي على طاولة إتحاد أدباء ذي قار
- عزف الموسيقى في سن متأخرة يعزز صحة الدماغ
- درويش والشعر العربي ما بعد الرحيل
- -غزة صوت الحياة والموت-.. وثيقة سينمائية من قلب الكارثة
- -غزة صوت الحياة والموت-.. وثيقة سينمائية من قلب الكارثة
- بائع الصحف الباريسي علي أكبر.. صفحة أخيرة من زمن المناداة عل ...
- لماذا انتظر محافظون على -تيك توك- تحقق نبوءة -الاختطاف- قبل ...
- فاضل العزاوي: ستون عامًا من الإبداع في الشعر والرواية
- موسم أصيلة الثقافي 46 يقدم شهادات للتاريخ ووفاء لـ -رجل الدو ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض سعد - الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (4)