أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - السيد التقدمي والسيناريو السيء















المزيد.....

السيد التقدمي والسيناريو السيء


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 08:05
المحور: الادب والفن
    


1
هنالك مقولة لصلاح أبو سيف، رائد الواقعية في السينما المصرية: " السيناريو الجيد يصنع فيلماً جيداً ". لم يكن بلا مغزى، أن أبو سيف قد تعاون مع الأديب الكبير، نجيب محفوظ، في عدد مهم من الأفلام؛ بوصف هذا الأخير، صاحب القصة أو المؤلف للسيناريو. مخرجون آخرون، مثل حسن الإمام، استفادوا من الحبكة المتقنة في روايات وقصص أديب نوبل، لكنهم أفرغوها من أفكارها ورمزيتها طالما أن هدفهم هوَ صنع فيلم تجاري يحقق الربح.
فيلم " السيد التقدمي "، كانَ من الأعمال المبكرة، التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما في سورية. تم عرض الفيلم عام 1974، ولمرة واحدة. إذ تم سحبه، لاحقاً، لما قيل عن تجاوزه للمحظورات، سياسياً. مؤلف السيناريو، هوَ العراقي قيس الزبيدي ( 1939 ـ 2024 )، الذي أقام في دمشق لفترة طويلة، عمل في خلالها بالإخراج أيضاً. مخرج الفيلم، نبيل المالح، كتب الحوار وساعد أيضاً في إنجاز السيناريو. فوقَ ضعف السيناريو والحوار، فإن المخرج عهدَ أيضاً ببطولة الفيلم لممثلَيْن ضعيفيّ الموهبة، هما الفلسطيني سليم موسى واللبنانية نضال الأشقر. هذه الأخيرة، فضلاً عن أدائها المتشنج، كانت ملامحها في غاية البلادة. أما زميلها، فإنه بدا في مشاهد الفيلم أشبه بالروبوت. حضور الفنان الكبير، عبد الرحمن آله رشي، كانَ يمكن أن ينقذ الفيلم لولا السيناريو السيء.
حبكة قصة " السيد التقدمي "، يُمكن مقارنتها مع مثيلتها في عدد من الأفلام المصرية، سواءً الكلاسيكية أو تلك الأحدث عهداً. ففي فيلم " الرجل الثاني "، المنتج عام 1959، نجد البطلة تتعاون مع البوليس عقب معرفتها بأن زعيم العصابة قد قتل شقيقها. موضوع الصحفي، المهتم بكشف فساد أحد الرجال المتنفذين، عولج في فيلم " غروب وشروق "، إنتاج عام 1970. فيلم " إمرأة من زجاج "، الذي عُرض عام 1977، كانَ مقنعاً أكثر من فيلمنا السوري. لقد كانَ أيضاً أحد عناصر حبكته، هوَ حادث سيارة يقع لرجل مع امرأة متزوجة ( حبيبته فيما سبق ) وزوجها رجلٌ متنفذ.
2
شارة فيلم " السيد التقدمي "، المترافقة مع موسيقى صاخبة ( تأليف الملحن سهيل عرفة )، كأنما هيَ مقدمة لوضع المُشاهد في حالة التشويش، التي ستصاحب أحداث القصة. هذه الأحداث، تبدأ بمشهد حملة إنتخابية للرجل المتنفذ فارس بك ( الفنان عبد الرحمن آله رشي )، تحمل صوره من قبل جمهور كبير من الشبان. من خلال نافذة مكتبه، كان الصحفي عادل ( الممثل سليم موسى ) يعلّق على مشهد تلك الاحتفالية، بالقول أنه سيقوم بفضح فارس بك، بوصفه رجل فاسد يتعامل في صفقات مشبوهة تضر إقتصاد البلد. في المشهد التالي، نرى زوجة البك ( الممثلة نضال الأشقر ) مع عادل في سيارة سبور في طريق بمنطقة ما من ريف مدينة دمشق. نفهم من الحوار بينهما، أنهما تحابا من قبل. فيما كان يخبرها عن فساد رجلها، إذا بجثة تسقط من أعلى الجبل على مقدمة السيارة. صاحب الجثة، المدعو سليم ( الفنان عبد السلام الطيب )، يلوحُ أنه كانَ بصدد تسليم أوراق تفضح فساد البك بمقابل الحصول من عادل على مبلغ ألفي ليرة. هنا، يستوقفنا أمران: كيفَ من الممكن لصحفي، ربما لا يتجاوز راتبه مائتي ليرة، أن يمتلك هكذا مبلغ كبير؛ بله وسيارة سبور، فوق ذلك؟ وما يثير العجب أكثر، ما نفهمه من سياق أحداث الفيلم عن الشك بأن عادل قد أخذ الأوراق المطلوبة من جيب القتيل: فإذا كانت حبكة الفيلم تتمحور حول هذه الأوراق، ومقتل من يحتفظ بها، فكيفَ يمكن أن تبقى في جيبه ولا تكتشف من قبل رجال فارس بك، الذين أرتكبوا الجريمة؟ أيضاً كان تصرفاً بعيداً عن المنطق، إتفاق عادل مع مدام فارس بك أن يتحمل هوَ مقتل سليم بوصفه حادث سيارة. فلِمَ سيفعل ذلك، طالما أنه على يقين بأن أعوان فارس بك من قتلوا الرجل، فضلاً عن أن أحداً لم يشهد الحادث أصلاً؟
محقق النيابة ( الممثل اللبناني وليد شميط )، يدخل على الخط لاستجواب عادل. هذا الأخير، يعترف بأنه تسبب بالحادث ـ كذا ـ بشكل غير مقصود. المحقق، ما لبثَ أن أخبرَ عادل بأن فارس بك قد دفع له الكفالة. البك، حينما يلتقي مع عادل، يعرب عن إعجابه به كصحفي جريء ونزيه. يقول له أيضاً، أن دفعه للكفالة كان من أجل ألا تتورط زوجته بالموضوع. ثم يقترح على عادل أن يذهب معه إلى قصره في بلودان، لقضاء بضعة أيام هناك. منى، سكرتيرة البك ( الفنانة إغراء )، تجتمع منفردة مع عادل وتفهم منه أن معلمها هوَ من قتل أخاها غير الشقيق، سليم. فتقول لعادل، أنها ستتعاون معه لكشف فساد البك. والدها، ما عتمَ أن ظهرَ ليأمرها بالعودة للقصر. بدون مقدمات، يهجم على عادل ويهم بطعنه بسكين. ومع أن مبرر المشهد، أن الشاب متهم بقتل ابنه، إلا أنه من غير المنطقيّ أن يرتكب جريمة لهذا السبب. بل وخاصة، حينما نعلم من سياق الأحداث لاحقاً، أن القتيل سليم هوَ ابن زوجة الرجل وليسَ ابنه. في هذا السياق، كانَ أيضاً تصرفاً غير منطقيّ في الفيلم، أن يحاول عادل قتلَ أحد رجال فارس بك لما كانَ هوَ يحاول الهربَ من القصر عن طريق الحديقة: فلو كانَ مُستسْهِلاً هكذا تصرفٍ أخرق، فلِمَ لمْ يقم بقتل فارس بك نفسه ومنذ البداية؟
سيناريو الفيلم، المشوش والبعيد عن الواقعية، سيفاجئنا بأن الأوراق المهتم فارس بك بالحصول عليها، هيَ بدافع خشيته من أن تؤثر على حملته الإنتخابية.. وأين؟ في بلد مثل سورية البعث، التي كان يُجرى فيها الإنتخابات بشكلٍ صوريّ فيما أن أسماء الفائزين تعدّ مسبقاً. لا بل إن عادل، يقول للبك أنه واثق من إمكانية نشر تلك الأوراق وفضحه على الملأ: " لأن البلد فيها حرية صحافة! ". والمعروف، أنه كان في البلد ثلاث صحف، حَسْب، تنطق جميعها باسم الحكومة.
في المشهد الأخير من الفيلم، يحضر المحقق إلى قصر البك. إجتماعه ببقية الأشخاص، المعنيين بحادثة مقتل سليم، وطريقة عرضه لنتائج التحقيق، جعلته يشبه ـ كاريكاتورياً ـ شخصية محقق روايات أجاثا كريستي. إلا أن محققنا يصل إلى نتيجة، أن عادل هوَ من قام بقتل سليم عمداً، كون الطب الشرعيّ أثبت أنه جرم وليسَ حادث سير. هنا، تقوم مدام فارس بك بإعطاء والد منى صوراً تظهر ابنته مع البك في أوضاع معاشرة جنسية بصفتها عشيقته. عندئذٍ، يقر الرجلُ بأنه هوَ مَن قتل ابن زوجته بأمر من فارس بك. هذا الأخير، تتم تبرئته من لدُن المحقق ـ بكل بساطة: " البلد ستخسر رجلاً عظيماً، له أفضال على إقتصادها، لو أن القانون أدانه لمجرد قتل شخص نكرة مثل سليم! ".
نبيل المالح، مخرجٌ موهوب ولا شك. لو أنه أضطرَ، لسببٍ ما، لإنتاج " السيد التقدمي " للقطاع الخاص، لكانت رداءة الفيلم أمراً مفهوماً. ولكنه فيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وجاء بعد ثلاثة أفلام جيدة أخرجها المالح. هذا يؤكد ما ذهبنا إليه في مقدمة المقال، بأن السيناريو الجيد يصنع فيلماً جيداً؛ والعكس صحيح، بطبيعة الحال.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رشو آغا؛ العنصرية في السينما
- سائق الشاحنة: تدشين السينما الواقعية السورية
- المخدوعون؛ تأريخ الخيانة
- الفهد؛ قصة أصيلة أم منتحلة
- سينما المقاولات، سورياً
- المغامرة؛ الحكاية التاريخية سينمائياً
- دور الكرد في تأسيس السينما السورية
- من معالم السينما السورية: الكومبارس
- إغراء؛ ماذا بقيَ من إرثها الفني
- تشريح الذات: كانَ خريفَ الخبل
- تشريح الذات: كانَ صيفَ الخفّة
- تشريح الذات: كانَ ربيعَ العشق
- تشريح الذات: كانَ شتاءً كئيباً
- تشريح الذات: كانَ صيفاً فاتراً
- تشريح الذات: كانَ ربيعاً عارياً
- تشريح الذات: كانَ خريفاً دافئاً
- أنهارٌ من زنبق: الخاتمة
- النملة الممسوسة
- أنهارٌ من زنبق: النهر السابع
- المطاردة


المزيد.....




- يجتمعان في فيلم -Avengers: Doomsday-.. روبرت داوني جونيور يش ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...
- كيف تُغيّرنا الكلمات؟ علم اللغة البيئي ورحلة البحث عن لغة تن ...
- ما مصير السجادة الحمراء بعد انتهاء مهرجان كان السينمائي؟
- وفاة الممثلة الإيطالية ليا ماساري عن 91 عاما
- البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخ ...
- الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم
- -محاذاة الغريم-... كتاب جديد في أدب الرحلات لعبد الرحمن الما ...
- -أصيلة 46- في دورة صيفية مخصصة للجداريات والورشات التكوينية ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - السيد التقدمي والسيناريو السيء