أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - الحُزنُ عائلتي السعيدة.. الحُزنُ أهلي الطيّبون














المزيد.....

الحُزنُ عائلتي السعيدة.. الحُزنُ أهلي الطيّبون


عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)


الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 01:56
المحور: سيرة ذاتية
    


لستُ سعيداً.. ولَم أكُن يوماً كذلك.
لا أتذَكَّرُ أنّ أُمّي كانت سعيدةً يوماً .
وها هي.. في هذهِ الأيّامِ بالذات، ما تزالُ تقُصُّ علينا قصصاً قصيرةً عاشتها، وتتذكّرُ كُلّ تفاصيلها الصغيرة طيلة تسعينَ عامّاً، بينما تنسى ما يحدثُ لنا، ولَها، في الدقائقِ التسعِ الأخيرةِ من هذا الوقتِ المُريب.
ماتَ أبي، في التاسعةِ والثلاثينَ مِنَ العَيشِ المُرِّ، وهو حزين.. مُخلِّفاً أحدَ عشرَ طفلا، و"حِصاناً" وحيد.
(حسيبةُ) بنت خالتي (بدريّة).. كانت تُعاتِبُ اللهَ دائماً على كثافةِ حزنها الذي لا ينتهي ولا يُحتمَل، وتَرفَعُ كفّها نحوهُ غاضبةً من خذلانهِ لها.. وكانت تبكي بصمتٍ بينما تُطلِقُ في وجهِهِ سؤالها الواخزِ والأثير: ألا تراني وترى ما بي.. أينَ أنتَ يا ربَّ العالَمين؟
خالتي (بدريّة).. التي انحنى ظهرها، ثُمّ انكَسَرَ قلبها فوق ماكنةِ الخياطةِ "سُنجُر".. "سُنجُرَ" التي كانت "القَلَمَ" الذي تكتبُ من خلالهِ وقائع تاريخٍ طويلٍ من الكَدِّ والهَمّ.. (بدريّةُ) التي كانت لعقودٍ طويلةٍ مواظِبةً على "لَظمِ" الإِبَرِ على "بازةِ" الروح، ومُصِرّةً على أن نتقاسَم معها موائدَ الصبرِ العامرةِ بالمِلحِ الأسمرِ والخبزِ الأسوَدِ و"البُطُنِجِ" الأخضرِ والبصلِ اليابس.
خالتي (نورية).. كانت "حليمتنا السعديّة" التي تمنحُ "حليبها" العذبَ بسخاءٍ شاسع، ودونَ مقابل، لكلِّ من يطرقُ أبوابَ خيمتها المفتوحةِ على السماواتِ السَبعِ والجِهاتِ الأربَع.. حتّى إذا كان طَيراً.. حتّى إذا كانَ نملة.. وظَلّت تخبز خبز "تنّورِها" الفائِرِ بالخيرِ، وتُطعِمُنا "طاساتَ" اللبنِ الرائبِ، وتضحَكَ بحبورٍ في وجوهنا العابِسةِ، إلى أن طاَلَتها سكاكينُ الفقدان من كُلّ جانب.
خالي (نجم).. كانَ عندما يرانا اطفالاً يتامى، يبدأُ بالمزاحِ معنا ليجعلَ أيتامَ شقيقاتهِ يضحكون.. وعندما نبدأُ بالضحك، كان يختبيءُ من يُتمِنا العميق، وهَجرِنا المُبكِّرِ غير الجميل، ليبكي وحيداً مع الحَمامِ الفاخِتِ ورائحةِ القَمح، في معمل "الدامرجي".
عمّي(حميد)، وعمّي (محمد).. علّمونا أن لا نحزنَ أبداً، وذهبوا، وحدهم، لاصطيادِ أحزاننا القادمة، بعيداً عن شَطِّ "العطيفيّةِ" الذي أحبّوهُ جدّاً.. حيثُ السمكُ، حتّى السمك، بعيونهِ التي تسألُ أسئلةً كثيرة، كان يبدو حزيناً جداً على مصائرهم ومصائرنا التي لا نستَحِقّ.
(خالد) ابنُ خالتي (خيريّة)، و(لطيف) ابن خالتي (بدريّة).. كانا يُبصِرانِ الحزنَ طافحاً على "دشاديشنا"، وبعدها على"بناطيلنا" الرخيصةِ، ثُمَّ على وجوهنا الصَبيّة، وكانا مثلنا يَتيمينِ وحزينينِ.. وإلى هذه اللحظة، بعد إن ماتا، مازالا يُردّدان من هناك، حيثُ هما الآن، ونسمعهما بوضوحٍ هائل: لا تَحزنوا.. لا تحزَنوا، إيّاكُم أن تحزَنوا، سواء أكان اللهُ معنا، أم لم يكن معنا في كلِّ حين .
هذا أنا.. الحُزنُ أهلي.. الحزنُ عائلتي السعيدة.
أنتُم أيضاً، لستُم سعداء.
حتّى إذا استلقيتُم على قفاكُم من الضحكِ، وأصبحتُم بلا قفا، فإنّكُم لستُم سعداء.
بلدي ليسَ سعيداً، ولَم يكُن يوماً كذلك .
لَمْ يكُن سعيداً في زمن الآشوريّينَ، والبابليّينَ، والسومريّينَ، والأكّديّينَ، والغساسنة، والروم، وملوك فارسَ، و"الخِرفانِ" البيضِ و"الخِرفان"السود، و"الذئابِ" النَذلَةِ التي لا لونَ لها، والخلفاء العثمانيّين، والمندوبينَ الساميّينَ البريطانيّين، وملوك الحجاز، والجمهوريّينَ الثوريّين، والديموقراطيّين – التعدّديّين – الاتّحاديّين -"المُجاهِدين".
لَمْ يكُن الحلاّجُ سعيداً، ولا الجُنَيدِ البغداديّ، ولا معروف الكَرخيّ، ولا الحافظ خليل، ولا يوسف عمر، ولا سعدٍ الحِلّي، ولا عبد المحسن السعدون، ولا عبد الجبار عبد الله، ولا السيّاب، ولا يوسف الصائِغ، ولا طه باقر، ولا محمد سلمان حسن، ولا جان دمّو.. ولا جاسم "أبو المُوَلّدة"، ولا نوري"أبو الزِبِل"، ولا قدّوري"أبو الغاز".
ليسَ لدينا "فَرّاشٌ" سعيد.. مِن حسّوني"الفرّاش" في مصلحة البريد والبرق والهاتف، الى دُريد "الفرّاش" في المفوّضيّة "العليا - المُستقّلة" للانتخابات.. وليسَ لدينا "مَلِكُ سعيد"، مِن فيصل الأوّلِ في العراق "القديم"، إلى"ملوكِ الطوائفِ والمُكوّنات" في العراقِ"الجديد".. ولا رئيسُ جمهوريّةٍ سعيد، مِن (عبد السلام عارف)، إلى (عبد اللطيف رشيد).. وجميعُ رؤساء الحكوماتِ لدينا لم يكن بوسعهم أن يكونوا سعداء، أو أنّهُم أصلاً لا يستَحِقّونَ السعادةَ.. لا نوري السعيد، ولا عبد الكريم قاسم، ولا عبد الرحمن البزاز، ولا إبراهيم الأشيقرِ الجعفريّ، ولا محمد شياع.
المسلمون ليسوا سعداء، والمسيحيّون كذلك، والصابئةُ المندائيّون، والايزيديّون، والبهائيّون، والعربُ و الكُردُ والتُركمانُ، و الشَبَكَ والفَيْليّون .
اليهودُ لم يكونوا سعداء بيننا.. لقد"فرهَدناهُم"هُنا، وهَجَّرناهُم من هُنا، فذهبوا الى اسرائيلَ، ليكونوا أكثر سعادةً هُناك .
نحنُ جميعاً لسنا سعداء، ولَم نكُن يوماً كذلك.. منذُ كان "أبونا" آدم سعيداً، فطرَدوهُ من الجنّة، وجاء إلى هُنا، وكان حزيناً جدّاً، فجلَسنا كُلُّنا حولَهُ في "القُرنَةِ" لنواسيه، مثل شيخِ عشيرةٍ ساخط، لأنّ أبناء عشيرته لَم يُقاتِلوا معهُ ببسالةٍ ضدّ جميع الأعداء .
لا أدري لماذا لَم يُطرَدُ آدمُ الى اليمن .
لأنّهُ لو كانَ قد طُرِدَ الى اليمن.. لما كانَ العراقُ حزيناً الى هذه الدرجة ..
ولَما كانَ اليمنُ "سعيداً" الى هذا الحَدّ .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)       Imad_A.salim#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كُلُّ عامٍ وأنتُم بخير
- الحُزنُ أهلي في كُلِّ حين
- من شِدَّةِ الوحشةِ.. من فَرطِ الخُذلان
- نموذج عراقي لتسويةِ الخلاف بين مُحافِظ البنك المركزي ورئيس ا ...
- حكوماتُ المركز وفأسُ الرواتب في إقليم كردستان (2)
- حكوماتُ المركز وفأسُ الرواتب في إقليم كردستان
- حكوماتُ المركز وفأسُ الراتب في إقليم كردستان
- حقائق وأوهام السياسات الاقتصادية في العراق بصدد قيمة الدينار ...
- فيلمُ العراقِ العجيب في سينما غرناطة
- لماذا نحنُ نَنقُصُ والليالي تزيد
- الكهرباء غير الوطنيّة في الديموقراطيّة العراقيّة
- أسئلةٌ ساذِجةٌ جدّاً وحكوماتٌ ذكيّةٌ جدّاً
- بُكاءٌ قصيرُ الأجل في حَضرةِ العائلة
- بداياتُ النهايات غيرُ السعيدةِ في بقيّةِ أيّامي
- تفاصيلُ موتٍ سعيد.. مُحزِنٍ جدّاً
- القيامةُ قامت وانتهى الأمر
- القيامةُ قامت.. وانتهى الأمر
- جيفارا في كُلِّ بيت.. وجيفارا في كُلِّ شارع
- العراقُ والعراقيّونَ والنصيبُ واليانصيب
- توقعات النمو الاقتصادي في العراق والبلدان العربية 2025-2026


المزيد.....




- ردود فعل على مقتل قائد -المجاهدين- أسعد أبو شريعة من عائلات ...
- -الدوما-: رفض نظام كييف استلام جثث جنوده يدحض الصورة التي رس ...
- بريانسك: إسقاط 10 مسيرات أوكرانية استهدفت المقاطعة
- مسيّرات روسية تدمّر منظومة حرب إلكترونية غربية هامة لقوات كي ...
- قط -كاشخ- بأناقة البشت والثوب يسرق الأضواء في السوشيال ميديا ...
- -يديعوت أحرونوت-: حريق في كنيس الخاخام الأكبر السابق إسحاق ...
- قافلة مغاربية من تونس إلى رفح للمطالبة بوقف العدوان على غزة ...
- -يديعوت أحرونوت-: جيشنا في غزة كالبط في ساحة الرماية وحرب ال ...
- برلماني إيراني يتوعد إسرائيل بردود أقوى بعد عملية -الملفات ا ...
- واشنطن بوست: الخلاف بين ماسك ومساعدي ترامب كان يتصاعد منذ أش ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - الحُزنُ عائلتي السعيدة.. الحُزنُ أهلي الطيّبون