للاإيمان الشباني
الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 02:47
المحور:
الادب والفن
رشيد سحيت، شاعر مغربي من مواليد مدينة قلعة السراغنة سنة 1975، يحمل في أعماقه شغف الشعر وروح القصيدة العربية الأصيلة. تخرج من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بشهادة الإجازة في شعبة التاريخ والجغرافيا، تخصص جغرافيا سنة 1999. لم يكن العلم الجغرافي سوى بوابة لفهم تضاريس الذات والكون، إذ سرعان ما اتجه نحو الأدب، ليصبح فاعلًا ثقافيًا وجمعويًا بارزًا في المشهد المغربي.
في قصيدته يمتزج الإيقاع العمودي بجرأة التعبير الحديث، فيولد نصه على تخوم التقليد والتجديد، جامعًا بين جمالية اللغة وصدق الإحساس، ليغدو صوته تعبيرًا شعريًا متجددًا، ينتمي إلى زمن القصيدة بكل تحولاته. أسس رابطة أدباء النهضة، إطارًا أدبيًا يسعى إلى إحياء روح الشعر وتكريس القيم الجمالية والفكرية، وجمع الكلمة الحرة من مختلف الاتجاهات، إيمانًا منه بأن الأدب يملك القدرة على بناء الإنسان والمجتمع.
لقّب بـ"المهلهل"، في إحالة إلى الشاعر الجاهلي الذي جعل من الكلمة سلاحًا، ومن الشعر مقاومة. حمل رشيد سحيت هذا النفس الملحمي في كتاباته، متقمصًا روح الشاعر الذي لا يلين أمام العتمة، ويظل باحثًا عن المعنى العالي في زمن الفوضى. نال عدة جوائز مهمة، من أبرزها تتويجه بلقب "سلطان القصيدة العربية" من طرف جمعية الرصد العربية في أواخر الألفينيات، وجائزة المرتبة الأولى في المسابقة الشعرية المنظمة بشراكة بين الجمعية نفسها والمدرسة العتيقة الزاوية الرحالية ضمن فعاليات مهرجان اللغة العربية.
نشط في الحقل الجمعوي والثقافي، فكان عضوًا في جمعية منتدى العشرة، وعضوًا سابقًا في كل من جمعية الرصد العربية وجمعية اللسان الحر. شارك في تنظيم والمساهمة في العديد من التظاهرات الثقافية الوطنية والمحلية، ممثلًا صوت الشعر الحر الملتزم، حاملًا رؤيته التي تمزج بين الوفاء للتراث والانفتاح على آفاق التعبير الجديدة.
أصدر ديوانًا شعريًا بعنوان "على رقصاته ترسم الحروف" سنة 2014، كما أن له مخطوط ديوان آخر بعنوان "جدوى البوح"، إلى جانب رواية غير منشورة بعنوان "من أنت؟" في جزأين، تنتظر طريقها إلى النور. كتاباته، سواء في الشعر أو السرد، تلامس قضايا الوطن والهوية والوجود بلغة عذبة نابضة، تؤمن بأن الكلمة ما زالت قادرة على الإضاءة في زمن الظلال، وأن القصيدة هي بيت الروح، ومأوى الحالمين.
رشيد سحيت ليس مجرد شاعر، بل حامل لمشروع شعري وإنساني يرى في الأدب نبراسًا، وفي الحرف رسالة لا تنكسر.
القصيدة الأولى: العرّافة العاشقة
قالت أرى لك في الهوى طلا كذا
عطشًا بقلبك ما أظنه قد يُبل
ورسائلًا برح المداد سطورها
وقصائدًا أبياتها لم تكتمل
صورًا على عتبات قلبك لا تُرى
وعلى سواقيه الوفى لمّا يزل
وبداخل المحراب وشمٌ ما لها
وجدائلٌ غجريةٌ ليست تمل
وعلى الوريد مشت تعانق بعضها
أحلامكم مذبوحة قبل الأجل
أبكيتني قالت وما لي قدرةٌ
أخرستني وغدًا يداخلني الوجل
كلّ يعيش بذاته الشجن الذي
يهوى نفوسًا لا يداعبها الأمل
القراءة والتحليل:
في هذه القصيدة، يظهر الشاعر رشيد سحبت في مقام العارف العاشق، الممزوج بنبوءة وجدانية تنطق بها "العرّافة"، والتي ليست سوى استعارة أنثوية تجسّد وعيًا خفيًا بالحزن والعشق والخذلان.
افتتاحية القصيدة تجعل من الحب طلسما: "طلا كذا"، أي أن العشق هنا لا يمكن تقييده بمفهوم واضح، فهو عطش أبدي لا يرتوي، ورسائل لا تنتهي، بل لم تكتمل بعد، وكأن اللغة نفسها عاجزة عن استيعاب حجم الوجد.
يحمل النص طابعًا تأمليًا، حيث تُعرض صور الحب على شكل أطياف على "عتبات القلب"، وسواقيه ما زال ينساب فيها الوفاء، في حين أن "الوشم داخل المحراب" يحيل إلى أثرٍ روحي عميق، وربما يشير إلى عشق مقدس لا يمحى.
الصور الغجرية وجدائلها تكشف عن انبهار الشاعر بالمرأة الحرة التي لا تُملّ، لكنها تُهلك، فهي تسير على الوريد، موضع الحياة، وتذبح الأحلام قبل أوانها، كأنها قدر محتوم.
"أبكيتني قالت"، لحظة اعتراف حزينة من الأنثى التي لا تملك سوى الحزن، فتُختم القصيدة بنبرة فلسفية حزينة ترى أن كل إنسان يحمل شجنه وحده، وأن بعض النفوس لا يُداعبها الأمل، أي أنها خُلقت للعزلة أو للحزن الهادئ النبيل
القصيدة الثانية: تعالي
أرقت وصاحبت عيني الحدادا
بدار ما أردناها سوادًا
أديق الجرح ملحًا لا أبالي
وأصبح في الوريد الهم زادًا
وأخرص كل ساكنة بقلبي
إذا ما اشتد بي الشوق اشتدادًا
وأرسم تحت نعلي وجهها الحلو
كي تزداد في البعد ابتعادًا
فقد أدركت أنه لا يحق
لفانٍ أن يُشف له الفؤادًا
وأن الحق عدل لا يُجافي
عبيدًا يحفظ العهد اعتقادًا
وأن الحب كفر لو رضيت
بغير الحق معشوقًا مرادًا
القراءة والتحليل:
في قصيدة "تعالي"، نتأمل تجربة وجودية تتقاطع فيها مشاعر العشق بالخيانة أو الخذلان، لتتحول القصيدة إلى مقام عتاب لامرأة، أو ربما لعشق ضائع.
يبدأ النص بالأرق، ملازمًا لعيني الشاعر، مقرونًا بالحداد، إذ الدار التي كان يفترض أن تكون نورًا أضحت سوادًا. مشهد سوداوي يوحي بانكسار الحلم.
ثم يقول إن الجرح أضيف إليه "ملح"، لكنه لا يبالي، وهذه مبالغة شعرية تُظهر درجة الصلابة أو اليأس، أو كليهما. فالهم أصبح زاد الوريد، ما يدل على أن الألم أصبح مكوّنًا أساسيًا من جسده ووجوده.
يتصاعد التوتر حين يقول إنه يُخرس كل ساكنة بقلبه إذا اشتد به الشوق، كأنه يمنع نفسه من الإحساس، كي لا تسيطر عليه الذكرى، ويتوج المأساة حين يرسم "وجهها الحلو تحت نعليه"، في رغبة دفينة لنسيانها عن طريق الإهانة الرمزية.
ثم ينتقل إلى تقرير فلسفي/صوفي، حين يعلن أن "الفاني لا يُشف له الفؤاد"، أي أن من يزول لا يستحق هذا القلب. والحق، في تصوره، لا يُجافي العبد الذي يحفظ العهد إيمانًا لا رياء.
وفي الختام تأتي الجملة الأقوى: "وأن الحب كفر لو رضيت بغير الحق معشوقًا مرادًا"، وهنا يتحول الحب إلى قضيّة أخلاقية، فالحب الذي يخالف "الحق" (ربما الحق الإلهي، أو القيمي، أو العاطفي) لا يستحق أن يُسمى حبًا، بل يصبح "كفرًا".
انه يكتب من قلب العاصفة، ويجيد استخدام الصور القوية ذات الطابع الروحي والفلسفي، حيث يدمج بين الغنائية والتأمل. قصائده تُبنى على توتر داخلي، فيها حزن وجودي يقترب من ملامسة تجارب "الخذلان الرفيع" و"الرجاء الضائع"
يُلاحظ اعتماد الشاعر على اللغة الكلاسيكية الواضحة، مع انزياحات شعرية جميلة وصور مبتكرة مثل:
"وجدائل غجرية ليست تمل"،
"أرسم تحت نعلي وجهها الحلو"،
"أحلامكم مذبوحة قبل الأجل"،
وغيرها من الصور التي تعكس نضجًا تعبيريًا وشاعرية متماسكة.
#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟