عبد الحسين سلمان
باحث
(Abdul Hussein Salman Ati)
الحوار المتمدن-العدد: 8362 - 2025 / 6 / 3 - 16:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الكاتب . ابن ورّاق Ibn Warraq
ا(مواليد 1946) هندي، وهو اسم مستعار لكاتب مجهول . وهو مؤسس معهد علمنة المجتمع الإسلامي Secularisation of Islamic Society ، وكان باحثًا أول في مركز الاستقصاء، مُركّزًا على نقد القرآن . هو نائب رئيس World Encounter Institute.
ترجمة عبد الحسين سلمان عاتي
في كتاب النازيين والإسلاميين وصناعة الشرق الأوسط الحديث In Nazis, Islamists, and the Making of the Modern Middle East (2014)، يزعم باري روبين Barry Rubin وفولفغانغ شوانيتز Wolfgang Schwanitz بشكل مقنع أن المفتي الأكبر الحاج أمين الحسيني (المعروف أيضًا باسم "الحسيني"، 1895-1974) كان شخصية مهمة في تأسيس السياسة العربية والإسلامية الحديثة والذي "لعب دورًا محوريًا في بقاء الحركة الإسلامية خلال الخمسينيات والستينيات"، مما جعل من الممكن "إحياء الحركة في السبعينيات لاكتساب الهيمنة في إيران وتركيا ومعظم العالم الناطق بالعربية وإيران بحلول أوائل القرن الحادي والعشرين". هذا وحده يبرر إدراج الحسيني في هذه الدراسة، ولكن يجب أيضًا أخذ تعاونه مع النازيين، والذي أساء تفسيره بعض العلماء المعاصرين مثل ماتياس كونتزل، Matthias Küntzel , الذي يجب ان يؤخذ في الاعتبار
يزعم مؤرخون مثل كونتزل Küntzel , أن معاداة السامية الإسلامية الحديثة كانت مستمدة بالكامل من النازيين. ولكن كما يؤكد روبن وشوانيتز Rubin and Schwanitz , مرارًا وتكرارًا، فإن الحسيني، والإسلاميين اللاحقين مثل البنا وسيد قطب وآية الله الخميني، قد استمدوا جميعًا من خلفياتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم لنشر معاداة السامية. دعا الحسيني إلى الإبادة الجماعية حتى قبل أن تفعلها الحكومة النازية. حثهم نداءه عام 1937 إلى جميع مسلمي العالم على تطهير أراضيهم من اليهود، والذي تُرجم إلى الألمانية عام 1938 . وحث الحسيني على استخدام القوة ضد جميع اليهود في الشرق الأوسط، مقدّمًا نسخته الموازية لعقيدة هتلر، ومهّد الطريق للحجج المعادية للسامية التي يستخدمها القوميون العرب المتطرفون والإسلاميون حتى يومنا هذا. وبعد نصف قرن من الزمان، كانت كل خطبة وخطبة من حماس، وحزب الله، والنظام الإيراني، وجماعة الإخوان المسلمين، وتنظيم القاعدة، تعكس جميع النقاط الرئيسية التي ذكرها الحسيني، في إعلانه.
في تحليله، يوضح روبين وشوانيتز Rubin and Schwanitz , أن الحسيني "جمع بين الكراهية الإسلامية التقليدية لليهود وحججٍ مُؤطرة بمفاهيم سياسية حديثة". كان يستشهد باستمرار بالقرآن والسيرة والأحاديث النبوية لتوضيح ادعاءاته: اليهود ملعونون وأشرار؛ طُردوا من مصر لاستغلالهم الشعب المصري؛ (مستشهدًا بكتاب الطبري) حاولوا قتل موسى؛ عاقبهم الله على خطاياهم؛ نشروا الأمراض؛ كرهوا محمدًا، وحاولوا تشويه سمعته، وأخيرًا حاولوا تسميمه؛ إنهم يسعون إلى تدمير الإسلام. وينتهي خطاب المفتي العام اللاذع على النحو التالي :
أُقدّم لإخواني المسلمين في جميع أنحاء العالم التاريخَ والتجربةَ الحقيقيةَ التي لا ينكرها اليهود. تُثبت آياتُ القرآنِ والأحاديثِ أن اليهودَ كانوا ألدَّ أعداءِ الإسلامِ، وأنهم ما زالوا يسعونَ إلى تدميرِه. لا تُصدِّقوهم، فهم لا يعرفون إلا النفاقَ والمكر. تماسكوا، ناضلوا من أجلِ الفكرِ الإسلامي، ناضلوا من أجلِ دينِكم ووجودِكم! لا يهدأُ لكم بال حتى تُحرَّرَ أرضُكم من اليهود. لا تتهاونوا مع مخططِ التقسيم، ففلسطينُ أرضٌ عربيةٌ منذُ قرونٍ وستبقى عربيةً...ا.ه
يخلص روبين وشوانيتز إلى أنه "من الخطأ اعتبار الحسيني ورفاقه المتطرفين مجرد مستوردين لمعاداة السامية الأوروبية أو متأثرين بالنازيين. فقد تطورت أفكار المجموعتين بالتوازي انطلاقًا من تاريخيهما وثقافتيهما السياسية... وقد اجتمع الجانبان على أساس مصالح مشتركة ورؤى عالمية متشابهة".
في خطابٍ ألقاه في أكتوبر/تشرين الأول 1944 أمام أئمة فرقة إس إس البوسنية التي كانت تقاتل في صفوف النازيين، صرّح الحسيني:
"إنّ ما يقرب من ثلث القرآن يتناول اليهود. ويدعو القرآن جميع المسلمين إلى حماية أنفسهم من اليهود ومحاربتهم أينما وجدوا".
الحسيني، الإسلام، والعنف
بشكل عام، أُغفل دور الحسيني كأبٍ للحركات الراديكالية العربية الحديثة العنيفة، وذلك لتحالفه مع النازيين والجانب الخاسر في الحرب العالمية الثانية، وتورطه في الهزيمة المُذلة التي لحقت بالعرب على يد الإسرائيليين عام 1948 . كان مُرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالقضية الفلسطينية، بينما كان في الواقع قائدًا للقوى العربية الراديكالية الدولية، الإسلامية والقومية. مع وصول القوميين إلى السلطة، نُسي دور الحسيني السابق في الحفاظ على وحدة الفصيلين. وكما ذُكر سابقًا، كان الحسيني مسؤولًا عن بقاء الإسلام الأصولي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وانتعاشه في سبعينياته.
اعترف مسلمون من دول إسلامية عديدة بقيادة الحسيني، وجاؤوا لتقديم واجب العزاء في القدس، مقره الشخصي. وكان على اتصال وثيق بجماعة الإخوان المسلمين من خلال محمد مصطفى المراغي. في عام 1931 نظّم الحسيني المؤتمر الإسلامي العام في القدس، الذي أسفر عن تشكيل المؤتمر الإسلامي العالمي وانتخابه رئيسًا له. تبرعت عدة فروع دولية بأموال للمكتب الرئيسي في القدس.
في البداية، ركّز الحسيني على بناء دولة موحدة قوية، قومية وإسلامية، ولعب بكلا الورقتين، فحظي بدعم جماهيري واسع من جمهور متدين لم يكن مستعدًا لقبول القومية العلمانية. كما أقنع النازيين بأنه زعيم المسلمين والعرب في العالم. كان أبرز تكتيكات الحسيني والفصيل المتطرف في هذه المرحلة "جعل التشدد معيارًا للشرعية. وأصبح الموقف الأكثر تطرفًا هو الموقف السائد الشرعي؛ بينما صُوّر أي موقف أكثر اعتدالًا على أنه خيانة للإسلام والشعوب العربية. وباستخدام هذا المعيار، استطاع الحسيني وحلفاؤه ابتزاز الحكومات العربية وترهيبها، مهددين بتشويه سمعة أو حتى اغتيال أي شخص يرغب في المساومة مع الغرب أو معارضة أهدافه".
استطاع الحسيني أيضًا فرض إرادته على كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية. وأصبح هو وحلفاؤه الآن في وضع يسمح لهم بالتأثير على الجماهير وحشدها من خلال الخطب الدينية في المساجد، والخطب الحماسية، و"ترويع الجماهير، والمظاهرات". كما شيطن الحسيني البريطانيين والأمريكيين، وصوّرهم كأعداء للإسلام، وأقنع أتباعه في الوقت نفسه بأن ألمانيا ستحكم العالم قريبًا. وكانت النتيجة تحالفًا بين العرب الفلسطينيين، والقوميين السوريين والعراقيين، والإسلاميين المصريين مع نظام هتلر.
في حين أن الرابطة الألمانية العثمانية السابقة "كانت مبنية على الدفاع عن الوضع الراهن في الإمبراطورية العثمانية مع تدمير مستعمرات منافسيهم، فإن التحالف النازي العربي القومي والإسلامي الجديد ... سعى إلى تغيير سياسي واجتماعي ثوري في جميع أنحاء الشرق الأوسط". كان المتطرفون، بتصلبهم وعنفهم، على خلاف واضح مع السياسيين والقادة المعتدلين الذين شككوا في إمكانية نجاح النهج المتشدد، لكن الحسيني كان يعتقد أنه قادر على الفوز لأن الله كان في صف المسلمين. وهذا يشير إلى كيفية تحديد تكتيكات الحسيني المؤثرة لمستقبل الشرق الأوسط: "استمر النهج الأساسي للحسيني ورفاقه عبر مسيرة قادة مثل عبد الناصر وعرفات وعائلة الأسد والقذافي وصدام حسين وبن لادن، وكذلك مع الإسلاميين الإيرانيين مثل الخميني ومحمود أحمدي نجاد".
اشترط الحسيني وقف هجرة اليهود من ألمانيا لدعمه لهتلر، وتفاوض بالمثل مع الحلفاء، فأي هجرة من ألمانيا تعني الهجرة إلى فلسطين. واضطر البريطانيون أيضًا إلى منع هجرة اليهود إلى فلسطين للحفاظ على دعم المفتي العام والعرب غير الواضح. وبالتالي، يُمكن محاسبة الحسيني عن حق على دوره في المحرقة.
شنت ألمانيا النازية حملةً منظمةً في الشرق الأوسط، حثّت فيها النخبة في تلك البلدان على تبني مشاعر مؤيدة للنازية ومعادية للسامية. "في بيروت وبغداد، والقاهرة والقدس، وكابول وطهران، وطرابلس وتونس، نسقت فروع الحزب النازي المحلية بين الجيش وأجهزة الاستخبارات التابعة للأمن الألماني (SS) ورجال الأعمال والأكاديميين لنشر نفوذ نظام هتلر. كما كانت هناك فروعٌ للحزب النازي في الإسكندرية وبورسعيد، وحيفا ويافا، وأضنة وأنقرة وإسطنبول وإزمير". وكانت سياسة النازية تتمثل في دعم الجماعات الإسلامية والقومية المتوافقة أيديولوجيًا، مثل جماعة الإخوان المسلمين، وحزب مصر الفتاة الفاشي، وقوات الحسيني في فلسطين، وجماعات أخرى مختلفة في العراق وسوريا.
في إيران، كان نواب صفوي، الذي أصبح لاحقًا الزعيم الإسلامي المتطرف الرئيسي وأقرب حليف للحسيني، من بين الطلاب الذين استفادوا من التدريب الألماني. لكن النفوذ الألماني الأكبر كان في العراق، حيث كان القوميون العراقيون يأملون في الحصول على مساعدة لتنمية اقتصادهم. بصفته ممثلًا للاستخبارات العسكرية الألمانية (أبفير)، كان البنا يتلقى حوالي ألف جنيه مصري شهريًا منذ عام 1939 , وربما قبل ذلك، من مكتب الأخبار الألماني في القاهرة.
في يونيو/حزيران 1940، عندما بدا أن الحرب تتجه لصالح ألمانيا، كتب الحسيني إلى فرانز فون بابن Franz von Papen ، السفير الألماني في تركيا، عارضًا عليه دعمه. وعلى عكس القوميين، حلم الحسيني بخلافة إسلامية يكون فيها خليفةً على الأمة الإسلامية. وكان هدفه على المدى القريب إنشاء دولة مستقلة تمامًا تضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق، يقودها بنفسه. وبعد أن أنشأ الحسيني شبكة شعبية في جميع أنحاء العالم العربي والدول الإسلامية الواقعة شرقًا، نجح في توحيد القوميين والإسلاميين، مؤقتًا.
بحلول مارس/آذار 1941 , هتلر قبل الحسيني زعيمًا فعليًا للمسلمين في الشرق الأوسط بأكمله، وقدّم دعمه الكامل للمفتي العام، مشيدًا بالعرب كحضارة عريقة. قدّم الألمان للحسيني مئة ألف رايخ مارك ، مع عشرين ألفًا إضافية شهريًا تُدفع بالتساوي بين ألمانيا وإيطاليا.
كانت القوى الموالية لألمانيا تتزايد في الشرق الأوسط. تأسس حزب البعث، وهو حزب قومي عربي قائم على النموذج الفاشي، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1940 , وكان لكتاب ألفريد روزنبرغ Alfred Rosenberg , المعادي للسامية الصادر عام 1930 حول النظرية العرقية، "أسطورة القرن العشرين" The Myth of the Twentieth Century ، تأثيرٌ كبير على مؤسسي الحزب.
كما يشير روبين وشوانيتز، كان اليهود، بالنسبة لكلٍّ من هتلر والحسيني، هم الأشرار الرئيسيون المسؤولون عن الحالة المزرية التي وصلت إليها بلدانهم وحضاراتهم:
بالنسبة للإسلاميين، كان عداءهم لليهود وغيرهم من الكفار متجذرًا في قراءتهم للنصوص الإسلامية، لكنهم حددوا نقطة التحول الحديثة [في تراجعهم الأخير] في قرار عام 1924 , بإلغاء الخلافة. متجاهلًا حقيقة أن هذا النظام لم يكن فعالًا لقرون، جادل الحسيني بأن حل الرابطة العالمية الفريدة للإسلام يُعدّ انتحارًا، لا سيما في ظلّ صدامه مع الديمقراطيات الأنجلو-أمريكية و"مؤيديها اليهود".
... فبينما ألقى هتلر والنازيون باللوم على اليهود في مصير الألمان و"الآريين" عمومًا، فعل الحسيني والقوميون المتطرفون والإسلاميون الشيء نفسه فيما يتعلق بمصير العرب والمسلمين. لم يكونوا بحاجة إلى النازيين ليعلموهم هذه الفكرة. فقد سبق لهم أن اختلقوا قصصًا مستمدة من تقاليدهم الدينية والثقافية والتاريخية.
طلب الحسيني مساعدة هتلر في القضاء على اليهود في فلسطين، وتوسل إليه أن يمنعهم من مغادرة ألمانيا. كان هتلر قد سمح لـ 537 ألف يهودي بمغادرة ألمانيا بين عامي 1933 و1941، ولكن مع خطاب الحسيني المعادي للسامية وإصراره على إبادة اليهود "ما زال حاضرًا في ذهنه"، اتخذ هتلر قرارًا بإعداد "الحل النهائي للقضية اليهودية".
بطل مسلم راديكالي حقيقي
بعد الحرب، أفلت الحسيني من الملاحقة القضائية كمجرم حرب، لأن القوى الغربية ارتأت أن هذه الملاحقة ستضر بمكانتها الجيوسياسية في الشرق الأوسط. اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين، وسائر العالم الإسلامي، الحسيني بطلاً مسلماً حقيقياً لتطرفه السابق.
كتب البنا:
يجب أن يُستقبل الحسيني بحفاوة أينما حل، تقديراً لخدماته الجليلة لعزة الإسلام والعرب... يا له من بطل، يا له من رجلٍ مُعجز! نود أن نعرف ماذا سيفعل الشباب العربي، والوزراء، والأغنياء، وأمراء فلسطين، وسوريا، والعراق، وتونس، والمغرب، وطرابلس، ليكونوا جديرين بهذا البطل. نعم، هذا البطل الذي تحدى إمبراطورية وحارب الصهيونية، بمساعدة هتلر وألمانيا. لقد رحل هتلر وألمانيا، لكن أمين الحسيني سيواصل النضال....ا. ه
بعد عودته إلى مصر، واصل الحسيني نضاله باسم الإسلام مع العرب المتعاونين مع النازية، والذين أصبحوا الآن قادةً عسكريين له، مثل القاوقجي، وعبد القادر الحسيني، وسلامة. في عام 1939 , أرسل النازيون إلى العرب أسلحةً كانت مخبأة في الصحراء المصرية. استعادها الحسيني بمساعدة الإخوان المسلمين، واستخدمها لتدريب قوات الجهاد المقدس، التي شكّلها عبد القادر، الذي قاتل في العراق مؤيدًا للنازية، في معسكر تدريب سري قرب الحدود الليبية.
لقد قُتل عبد القادر موسى كاظم الحسيني وهو يقود جيش الحسيني الرئيسي في حرب فلسطين عام 1948، لكن الحسيني استمر في ترهيب القادة العرب لقبول موقفه المتشدد: "ومثل الحسيني وحركته، فإن معظم القوى الأخرى التي تدفع نحو التعنت والحرب بشأن القضية الفلسطينية جاءت أيضًا من نفس الفصيل العربي والإسلامي المتطرف الذي تعاون مع النازيين: جماعة الإخوان المسلمين في مصر وسوريا وكذلك القوميين المتشددين والإسلاميين في سوريا والعراق".
بعد الهزيمة الكارثية التي مُني بها العرب على يد إسرائيل حديثة النشأة عام 1948 , كرّس الحسيني السنوات الخمس والعشرين التالية لترويج الفكر الإسلامي المتطرف، انتقامًا ليس فقط من الغرب وإسرائيل، بل من القوميين العرب أيضًا. حافظ على حيوية الحركة، رغم قمعها الوحشي من قِبل شركائها القوميين المتطرفين السابقين، ساعيًا إلى إنشاء حركة إسلامية متطرفة عالمية - وهو هدف لم يعد يبدو مستحيلًا اليوم. بدأ الحسيني بتأسيس رابطة دعوة الجهاد في القاهرة عام 1951 , التي أعادت توطيد علاقاته مع جماعة الإخوان المسلمين وحزب مصر الفتاة الفاشي.
توحيد الجهود
لا شك أن الحسيني كان وراء اغتيال قادة معتدلين من الأردن ولبنان كانوا يسعون إلى إحلال السلام مع إسرائيل. كما ساعد النازيين الألمان السابقين، الذين نجح في تحويل بعضهم إلى الإسلام، على اكتساب هويات ووظائف جديدة في الشرق الأوسط. (ينسى البعض أن ما يقرب من أربعة آلاف ألماني متورط في جرائم حرب هربوا إلى الشرق الأوسط، حيث وجدوا الترحيب والعمل. أما عدد مجرمي الحرب الألمان الذين فروا إلى أمريكا الجنوبية فكان أقل بكثير: ما بين 180 و800).
حافظ الحسيني على علاقاته في باكستان، حيث نظّم اجتماعات سنوية لمؤتمره الإسلامي العالمي من عام 1949 إلى عام 1952 . وفي إيران، عزز مكانته لدى الإسلاميين، مثل نواب صفوي، العميل النازي السابق. وفي مؤتمر العالم الإسلامي العالمي الذي عُقد عام 1953 في القدس الشرقية، التقى الحسيني بالإيرانيين عبد القاسم الحسيني رجل الدين الإسلامي البارز، وصفوي، زعيم جماعة فدائيو الإسلام الإسلامية المتطرفة، وشجعهما. كما أعاد بناء صداقته مع المصري سعيد رمضان، الذي عمل مع الحسيني وجماعة الإخوان المسلمين. وكان حاضرًا أيضًا سيد قطب، المنظر الأيديولوجي الرائد للإخوان المسلمين، والذي سيصبح فيما بعد الأب الروحي للفكر الإسلامي الحديث.
رغم التراجع القصير للجماعات الإسلامية نتيجة إعدام صفوي، وانسحاب الكاشاني من الحياة السياسية، وسجن قطب وإعدامه في نهاية المطاف، كان من الواضح أن الحسيني قد زرع بذور الثورة والعنف، إذ "كان الخميني أحد تلاميذ الكاشاني؛ وقد ألهم مثال صفوي الجماعات الإسلامية الإرهابية الثورية في إيران... إن جماعة الإخوان المسلمين، وفروعها الأكثر تطرفًا، بل وجميع الجماعات الإسلامية الثورية في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، مدينةٌ بالكثير لفكر الحسيني وقطب المُبتكر".
بينما كانت جماعة الإخوان المسلمين على وشك الاستيلاء على السلطة في مصر عام 2011 كتب طارق رمضان، المفكر الإسلامي المرموق الذي يعيش ويُدرّس في الغرب، مقال رأي في صحيفة نيويورك تايمز يزعم فيه أن جماعة الإخوان المسلمين وجده، زعيمها، لم يكونا يومًا متعاونين مع النازية. بل أصرّ على أن جماعة الإخوان المسلمين منظمة مناهضة للفاشية، سعت إلى محاكاة "النموذج البرلماني البريطاني" خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. لكن روبن وشوانيتز أثبتا عكس ذلك بدقة :
من الواضح أن الإخوان المسلمين كانوا يحصلون على تمويل وتسليح جيدين من النازيين قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية. وبالتعاون مع الألمان والحسيني، خططوا لانتفاضة لدعم غزو الجيش الألماني لمصر، ولقتل يهود ومسيحيي القاهرة. وكان السبب الوحيد لفشل هذه المؤامرة هو أن البريطانيين أوقفوا التقدم الألماني وأجبروا الملك فاروق على استبدال السياسيين الموالين لألمانيا في الحكومة. وكان أحد جوانب حملة الإخوان المسلمين لتصوير أنفسهم على أنهم معتدلون في أوائل القرن الحادي والعشرين هو إعادة كتابة تاريخهم.
لاحظت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام 1953 تعاون سعيد رمضان، صهر حسن البنا ووالد طارق رمضان، مع الحسيني. عمل رمضان عميلاً للحسيني، ناقلاً رسائل إلى الكاشاني الإيراني. وفي وقت لاحق، اختار الحسيني سعيد رمضان خلفاً له لقيادة الحركة الإسلامية في أوروبا. كان رمضان تلميذ الحسيني، وورث في نهاية المطاف "شبكة المفتي السابق الإسلامية، وقاعدته المالية، وأصوله المؤسسية في سويسرا وأماكن أخرى". عيّنه الحسيني عضواً في أمانة مؤتمر العالم الإسلامي، وبعد عامين أميناً عاماً له. انتقل رمضان إلى سوريا، حيث واصل عمله مع الحسيني وجماعة الإخوان المسلمين. ساهم الحسيني في تمويل مجلته "المسلمين"، وهي منصة لأفكار جماعة الإخوان المسلمين السورية.
عندما بدأت الأنظمة القومية العربية بقمع الإسلاميين، انسحب هؤلاء إلى أوروبا، حيث شنّوا حملةً لا هوادة فيها من الدعاية الإسلامية، فبنوا المساجد، وأسسوا المعاهد الإسلامية، وسيطروا على الجمعيات والمجلات الإسلامية. وقد أثمرت عقودٌ من نشاط سعيد رمضان ونشاطه عن تولي أعضاء الإخوان قيادة العديد من المجتمعات الإسلامية بحلول عام 2000. كان هم رمضان الرئيسي هو الحفاظ على السيطرة على مسجد ميونيخ الذي بناه السوري المولد علي غالب همت والأوزبكي نور الدين نمانجاني. وعندما تولى همت القيادة عام 1973، تمكّن رمضان من تأسيس المركز الإسلامي في جنيف بتمويل من المملكة العربية السعودية. وظهر مركزٌ مماثلٌ في لندن، لكن مركز ميونيخ ظلّ الأهم بالنسبة للإسلاموية والإخوان في ألمانيا الغربية.
إن أوجه التشابه الأيديولوجي بين النازيين والإخوان المسلمين، بل وجميع الحركات الإسلامية، لافتة للنظر، ويزيد من تفاقمها تعاون الإخوان مع النازيين. وتكشف مقارنة تصريحات وتصريحات كبار المنظرين الإسلاميين عن تشابهها مع بعضها البعض، ومع تصريحات الحسيني. فعلى سبيل المثال، كتب سيد قطب :
لقد عاد اليهود إلى الشر، فأعطى الله المسلمين سلطانًا عليهم. ثم طردهم المسلمون من شبه الجزيرة العربية كلها... ثم عاد اليهود إلى الشر، فبعث الله عليهم عبادًا آخرين، حتى العصر الحديث. ثم سلط الله عليهم هتلر. واليوم عاد اليهود إلى الشر مرة أخرى، متمثلًا في "إسرائيل" التي أذاقت العرب، أصحاب الأرض، الويلات.
يرى كثير من الإسلاميين أن المحرقة حظيت بموافقة إلهية. .
https://www.newenglishreview.org/articles/grand-mufti-haj-amin-al-husaini-and-the-nazis/
#عبد_الحسين_سلمان (هاشتاغ)
Abdul_Hussein_Salman_Ati#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟