أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء عدنان عاشور - من زمن العروبة إلى لحظة القُطرية: حين يغدو الاقتصاد هو المعبود الجديد














المزيد.....

من زمن العروبة إلى لحظة القُطرية: حين يغدو الاقتصاد هو المعبود الجديد


علاء عدنان عاشور
محامي وكاتب وباحث في السياسة والأدب والفلسفة والإقتصاد والقانون .

(Alaa Adnan Ashour)


الحوار المتمدن-العدد: 8355 - 2025 / 5 / 27 - 08:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في لحظة سياسية تتسم بالغموض والتحول، يبدو أن العالم العربي قد قرر – أو أُجبر – أن ينظر إلى الداخل أكثر من الخارج، وأن يُعيد ترتيب أولوياته على إيقاع المصالح الاقتصادية والأمنية. لم تعد مفاهيم "الوحدة العربية" و"القومية" تحتل موقع الصدارة، بل أفسحت المجال لمفردات من قبيل "الاقتصاد الوطني"، و"التنمية المستدامة"، و"الاستثمار الأجنبي". فهل نحن نشهد نهاية حقبة وبداية أخرى؟ هل القُطرية هي قدر العرب الجديد؟ أم أنها مرحلة عابرة في دورة تاريخية أعمق؟

من القومية إلى القُطرية: انقلاب في البوصلة

منذ منتصف القرن العشرين، وبالتحديد في خمسينيات وستينيات القرن، شكّلت القومية العربية تيارًا جارِفًا. كانت القاهرة صوت العروبة، وكانت بغداد ودمشق وصنعاء تعجّ بأحلام الوحدة والكرامة. كان مشروع جمال عبد الناصر حجر الزاوية في هذه الرؤية، حيث لم تكن العروبة مجرد شعور عاطفي، بل مشروعًا سياسيًا يهدف إلى كسر الهيمنة الغربية، وتحرير فلسطين، وتحقيق التكامل الاقتصادي والاجتماعي بين شعوب الأمة.

لكن هذا المشروع تعثّر. انكسارات 1967، ثم التحولات البنيوية في الاقتصاد والسياسة بعد الانفتاح والساداتية، فتفاقم الانقسامات بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990، وصولًا إلى موجات "الربيع العربي" وما بعدها، كلها عوامل أدّت إلى تآكل الحلم القومي، وفتحت الباب واسعًا أمام القُطرية كخيار شبه إلزامي للدول التي وجدت نفسها محاصرة داخليًا ومهددة خارجيًا.

الاقتصاد أولًا: المال يحكم

ما يميز المرحلة الحالية أن البوصلة السياسية باتت تُضبط على إيقاع الاقتصاد. لم تعد الوحدة هدفًا، بل الاستقرار الداخلي، وجذب الاستثمارات، وضمان الأمن الغذائي والمائي، وتحقيق التنمية. الدول الخليجية تمضي في خطط تنويع اقتصاداتها، دول المغرب العربي تغازل أوروبا اقتصاديًا، ودول المشرق تعيد بناء ما تهدّم بفعل الحروب، كلٌ على حدة.

ووسط كل هذا، لم يعد هناك متسع لشعارات "الوحدة" و"الهوية الجامعة". أصبحت الدول العربية تتحدث لغة الأرقام والمؤشرات، لا لغة الشعر والخطابة. في السابق، كانت الأمة تتطلع إلى "الكرامة"، أما الآن فالتطلّع نحو "النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي".

قد يكون هذا التحول مفهومًا، وربما حتى ضروريًا في ظل العولمة وتبدل أولويات الشعوب. لكن الخطورة تكمن في أن هذا التحول لا يُواكبه أي مشروع سياسي عربي بديل. فغياب الحلم القومي لم يُعوَّض برؤية إقليمية تجمع بين الواقعية والمصير المشترك، بل أدّى إلى تفكك أكبر، ومجال أوسع للتدخلات الأجنبية، وسباق محموم نحو التحالفات العابرة للحدود العربية.

القُطرية: هل هي خيار واعٍ أم اضطرار ظرفي؟

ثمّة من يرى في القُطرية تطورًا طبيعيًا لشعور كل دولة بمسؤولياتها الداخلية، خصوصًا بعد انهيار المركز القومي الموحد. فالتحولات الديموغرافية، والضغوط الاقتصادية، والتحديات الأمنية، جعلت من السياسات المحلية أولوية مطلقة. لم يعد ممكنًا الحديث عن وحدة عربية في ظل انقسامات مذهبية وعرقية وجهوية تعصف بعدد من الدول.

لكن هناك من يطرح سؤالًا مقلقًا: هل نحن أمام قُطرية مؤقتة، أم أننا نؤسس لعصر جديد تصبح فيه الروابط العربية مجرد تراث ثقافي، بلا مضمون سياسي أو استراتيجية جامعة؟ وهل الاقتصاد – على أهميته – قادر وحده على أن يمنح الشعوب معنىً وهويةً ومكانًا في هذا العالم المتغير؟

ما العمل؟ سؤال مؤجل منذ عقود

في خضم هذا المشهد، لا بد من وقفة نقدية. صحيح أن التجربة القومية لم تكن خالية من الأخطاء، لكنها كانت تحمل مشروعًا جامعًا. أما اليوم، فالتجزئة تتعمّق، والهوية تتآكل، والمستقبل يُرسم خارج الطاولة العربية.

المطلوب ليس عودة شعارات الماضي، بل إعادة صياغة مشروع عربي حديث، عقلاني، يربط بين المصالح القُطرية والمصير العربي المشترك. مشروع يُدرك تعقيدات الاقتصاد العالمي، ويحتكم للواقعية السياسية، دون أن يتخلى عن الهوية والروابط الجامعة. فالعالم لا يحترم إلا الكيانات القوية المتماسكة، ولن يكون للعرب مكانٌ في معادلاته الكبرى إذا بقوا أسرى الجزر المعزولة.

خاتمة

إن الميل نحو القُطرية ليس خطيئة بذاتها، لكنه يصبح كارثة إذا ما أُفرغ من أي رؤية عربية جامعة. المال مهم، لكن لا يصنع حضارة وحده. أما العروبة، فهي ليست مجرد ماضٍ نتغنى به، بل إمكانية مستقبلية تُنتظر، شريطة أن نملك الجرأة على مراجعة الذات، والخيال السياسي اللازم لصناعة الغد.



#علاء_عدنان_عاشور (هاشتاغ)       Alaa_Adnan_Ashour#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الساحر الأسمر
- ريال مدريد في القلب ...
- الزمن الجميل
- في محراب العقل: مرثية المعتزلة
- هنادي .....
- الأسرى في بلادنا... بين قدسية النضال وتجارة الوطنية .
- الحسين .....
- ثعلبة .....
- ذاكرةٌ تمشي على أرصفة الروح
- كتاب في الشعر الجاهلي .....
- غزة، بين رمزية النضال وسراب الإنجاز: هل يُفنى الشعب كي تُكتب ...
- نحن الشرارة التي أضاءت العالم
- إلى معلمة الفنون ....
- عالم ما بعد الصراع: أمريكا أولًا بوابة الاقتصاد العالمي .
- لا أريد أن أحزن ....
- -بين الأيديولوجيا والبراغماتية -: آن أوان إنقاذ ما تبقى من ف ...
- على عرش الفكرة
- النساء الناضجات
- الممرضة
- أمل


المزيد.....




- شاهد كيف يحدد ترامب الجدول الزمني لكل شيء تقريبًا بـ-خلال أس ...
- ماذا نعلم عنه؟.. مقتل ضابط روسي بارز بانفجار داخل روسيا
- مسؤول إسرائيلي يكشف لـCNN الموافقة على اقتراح أميركي لوقف إط ...
- كيف يساعد الغرب روسيا في تمويل حربها على أوكرانيا؟
- في تحد للسلطة.. نساء إيران تحملن -نعش الحجاب- إلى مثواه الأخ ...
- الخارجية الروسية: نأمل أن تحذو كييف حذو موسكو في جدية التفاو ...
- موسكو: فريق ترامب يتعامل مع روسيا بعقلانية وبراغماتية أكثر
- العليمي يروي لـRT قصة أربع طائرات دمرتها إسرائيل في مطار صنع ...
- -مبعوث الرب-.. منشور غامض من الرئيس الأمريكي يثير الجدل
- -الاعتراف بدولة فلسطين مطلب سياسي-.. ماكرون يدعو لتشديد المو ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء عدنان عاشور - من زمن العروبة إلى لحظة القُطرية: حين يغدو الاقتصاد هو المعبود الجديد