علاء عدنان عاشور
محامي وكاتب وباحث في السياسة والأدب والفلسفة والإقتصاد والقانون .
(Alaa Adnan Ashour)
الحوار المتمدن-العدد: 8348 - 2025 / 5 / 20 - 11:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتكرر في الخطاب السياسي والإعلامي مقارنات بين ما يحدث في غزة وبين تجارب نضالية تاريخية مثل الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي أو مقاومة فيتنام للاحتلال الأميركي. يُراد من هذه المقارنات منح الفلسطينيين وسام البطولة، وتثبيت صورة "الضحية الصامدة" في الوعي الجمعي العربي والعالمي. لكنّ هذه الاستعارات التاريخية، رغم ما فيها من شحنة عاطفية، تخفي وراءها واقعًا أكثر قسوة وتعقيدًا.
الظروف الدولية في خمسينيات القرن الماضي، حين دعمت كتل كاملة من العالم نضالات التحرر الوطني، لا تشبه في شيء السياق الراهن. اليوم، يقف الفلسطيني في مواجهة آلة احتلال مدعومة بلا حدود من القوى الكبرى، بينما يتعامل جزء كبير من النظام الدولي مع المسألة الفلسطينية بوصفها عبئًا يجب التخلص منه، لا قضية عدل يجب إنصافها.
فهل يجوز أن يُفنى شعبٌ بأكمله من أجل إنجاز لا يتجاوز رمزية "الصمود"، بينما الواقع السياسي يتراجع، والخرائط تُرسم من دون أن يُستشار الفلسطيني في مصيره؟ هل تُقاس البطولة بعدد الضحايا، أم بقدرة الشعوب على تحويل التضحيات إلى إنجازات ملموسة تُوقف نزيف المعاناة؟
في قلب هذه المأساة، تظهر مفارقة مرّة: يُطلب من الفلسطيني أن يموت ليُثبت أنه حيّ. أن يتحمّل الحصار والدمار والجوع، كي يُقال عنه إنه بطل. لكن البطولة، حين تتحول إلى فخ رمزي، تستهلك حياة الناس بلا أفق، وتحوّل المقاومة إلى تكرار مأسوي بلا نهاية.
الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى خطاب العزاء المستمر، بل إلى مشروع سياسي واقعي، يعيد بناء الوحدة الوطنية، ويستثمر الصمود في مفاوضات نزيهة، ويُعيد تعريف "الإنجاز" لا بوصفه صمودًا أبدياً، بل خروجًا من جهنم المعاناة نحو أفق حياة كريمة.
الأسطورة لا تُبنى بالموت فقط، بل بالحياة التي تخلق معنى للموت. والحرية لا تُنال بالدم وحده، بل بالعقل، والحكمة، والإرادة التي تعرف متى تقاتل، ومتى تفاوض، ومتى تحتفظ بما تبقى من الروح لتعيد بناء الإنسان قبل أن يُفنى الوطن.
#علاء_عدنان_عاشور (هاشتاغ)
Alaa_Adnan_Ashour#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟