علاء عدنان عاشور
محامي وكاتب وباحث في السياسة والأدب والفلسفة والإقتصاد والقانون .
(Alaa Adnan Ashour)
الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 16:04
المحور:
الادب والفن
في البلدة القديمة، حيث لا يمرّ الزمن إلا وهو يعتذر، تنهض نابلس من نومها كل صباحٍ وهي تلبس عمرها كأنّه ثوب عرسٍ قديم، مهترئ لكنه لا يزال يفوح بالمجد.
كلّ حجرٍ فيها يحمل بصمة من مشى، ومن عبر، ومن أحبّ ثم غاب.
تبدو الأزقّة هناك كأفكارٍ تأمّلت طويلاً في جدوى الفقد، فصارت تتنفس بالحكمة.
ما أجمل حارات القريون والياسمين والحبلة…
ليست أسماءً فقط، بل إشاراتٌ في دفتر الكون، تذكّرنا أن المكان ليس جغرافيا بل مصير، وأن الإنسان ليس إلا ظلّ صوته بين الجدران.
في القريون، تختلط رائحة الطين بندى الأرواح، وتتماهى الحجارة مع خفق القلب، كأن المدينة تكتبك كلما مشيت.
أما الياسمين، فليس زهراً هنا، بل فكرة…
فكرة الجمال حين يمرّ خفيفاً على الوجع، دون أن يعتذر.
حارة الياسمين تقول لك: "هاك، شمّني كما تشاء، لكن لا تسألني لماذا تدمع العين فجأة."
وفي الحبلة، الحارات تضيق كأنها تضغط عليك لتخرج منك ذاتك، لتجعلك تسأل:
"من أنا إن لم أكن ابن هذا الركن، وهذه الزاوية التي لمستها يد جدّتي ذات زمن؟"
هناك، تتعرّى من وهم الحداثة، وتعود كائناً بدائيًا يتقن لغة الرغيف والحنان.
عطر الزعتر فيكِ، يا نابلس، ليس نكهةً فحسب، بل فلسفة بقاء…
رائحة تقول: "نحن هنا، وسنبقى، لأن الذاكرة أقوى من الفقد، ولأن الخبز لا يُخبز فقط في الأفران، بل في قلوب من لم يغادروا رغم الغياب."
والخبز المحمص…
آه، كم يشبه الإنسان، خارجه يابس من قسوة الأيام، وداخله طريّ، يذوب إذا اقتربت منه بمحبة.
هو ليس طعامًا بل تذكير بأن القسوة قشرة، وأن اللين حقيقةٌ لا تُرى إلا حين تجوع الروح.
ثم الكنافة، يا لدهشتها…
هي ليست مجرد حلوى تُؤكل، بل لحظةُ صمتٍ يتجلى فيها المعنى.
تأسر الروح لأنها تختصر تناقض الوجود: بين النار والقطر، بين الاحتراق واللذة، بين الانتظار والدهشة.
من يأكلها يدرك فجأة أن السعادة، كالكنافة، لا تُصنع إلا على نارٍ هادئة.
نابلس، يا ميتافيزيقيا المدن، يا سؤالًا بلا جواب، يا ذاكرةً تتقن الفلسفة أكثر من أي كتاب.
أنتِ لستِ مكانًا نعيش فيه، بل مكانًا يعيش فينا…
كأنك فكرة، حلم، أو وطنٌ صغير ينبت في القلب كالأمل، ويرفض أن يموت.
#علاء_عدنان_عاشور (هاشتاغ)
Alaa_Adnan_Ashour#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟