أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء عدنان عاشور - الأسرى في بلادنا... بين قدسية النضال وتجارة الوطنية .














المزيد.....

الأسرى في بلادنا... بين قدسية النضال وتجارة الوطنية .


علاء عدنان عاشور
محامي وكاتب وباحث في السياسة والأدب والفلسفة والإقتصاد والقانون .

(Alaa Adnan Ashour)


الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 09:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في ثقافتنا الوطنية، لطالما ارتبطت صورة "الأسير" بالبطولة والتضحية. الأسير هو ذاك الذي واجه العدو، ورفض الخنوع، ودفع ثمن مواقفه سنوات طويلة خلف القضبان. لهذا، حين يعود إلى أحضان شعبه، يُستقبل استقبال الأبطال، وتُرفع صوره في الساحات، وتُخلّد حكاياته في كتب النضال.

لكن بين هذا التقديس المستحق في بعض الحالات، وبين واقع بات ملتبسًا، تُطرح أسئلة موجعة: هل بقيت صفة "أسير محرر" نابعة من موقف مبدئي صرف؟ أم تحولت، في بعض الحالات، إلى بطاقة عبور نحو الامتيازات؟ هل ما زال الاعتقال علامة نضال دائمًا، أم أصبح في بعض الأحيان وسيلة مختصرة لتحقيق مكانة اجتماعية أو مادية؟

من التضحية إلى الامتياز: تحوّلات في المعنى

من حيث المبدأ، لا يُجادل عاقل في عدالة قضية الأسرى، ولا في حجم المعاناة التي يتكبدونها داخل زنازين الاحتلال: حرمان، تعذيب، عزل، محاكمات غير عادلة، وشبح الموت الذي يرافقهم في كل لحظة. لكن حين تتحول هذه المعاناة إلى مورد رزق مضمون، ووظيفة مرموقة، ودخل شهري يفوق ما يجنيه طبيب أو مهندس شاب قضى سنوات عمره في التحصيل الأكاديمي... يصبح من المشروع أن نتوقف قليلًا.

فالمعادلة التي يتم ترسيخها اليوم - من دون نقاش كافٍ - تقوم على ربط الوطنية بالربح، والنضال بالعائد. في بعض الأوساط، يكفي أن تحمل لقب "أسير سابق" لتُفتح أمامك الأبواب: من الوظيفة الحكومية إلى التعيينات في منظمات المجتمع المدني، مرورًا بالمكانة الاعتبارية في المجتمع المحلي. وهذا في حد ذاته ليس إشكاليًا إذا تم بضوابط، وإذا أُعطي لمن يستحق حقًا، لكن المشكلة تكمن في التعميم والتسييس والاستثمار المصلحي للقب الأسير.

أسرى بلا نضال... ونضال بلا أسرى

في السنوات الأخيرة، ظهرت شريحة من "الأسرى الجدد"، ممن دخلوا السجون لأسباب هامشية أو حتى مفتعلة، بعضهم اعترف لاحقًا - همسًا أو علنًا - أن اعتقاله لم يكن إلا وسيلة لحجز مكان في قائمة المستفيدين. لا تخلو المجالس من أحاديث عن "شباب يتعمدون المواجهة ليُعتقلوا"، وعن "رحلات محسوبة إلى السجن" تضمن لهم مستقبلًا أفضل من انتظار وظيفة بعد التخرج.

هذا الانزياح في المفاهيم يخلق واقعًا خطيرًا: فبدل أن تكون الوطنية ناتجة عن قناعة راسخة، وموقف أخلاقي، ومشروع نضالي طويل الأمد، تتحول إلى "مهنة" أو "فرصة". وبدل أن يُكافأ الشرفاء، يُساوون بآخرين لا يملكون من النضال إلا عنوانه.

شباب على الهامش... وعدالة اجتماعية غائبة

في المقابل، هناك آلاف الشباب من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل، ممن لم يُسجنوا، ولم يحملوا صفة "مناضل"، لكنهم حَمَلوا همّ الوطن بطريقتهم: عبر العلم، والعمل، والبناء، والمثابرة. هؤلاء لا يحظون بذات الدعم ولا بذات الاحترام. والنتيجة: فئة مهمشة تُنظر إلى نفسها بوصفها "خارج اللعبة"، بلا نفوذ ولا سند.

هنا يصبح السؤال ملحًّا: هل نُكافئ التضحية أم نكافئ السجن؟ هل نقدّر النضال أم نقدّر العنوان؟ وهل يمكن للوطن أن يُبنى حين تكون مفاتيح التمكين مرهونة بتجربة الاعتقال فقط، لا بالكفاءة ولا بالاستحقاق؟

قدسية النضال لا تعني عصمته

من الخطأ الشائع أن نُحيط مفهوم الأسير بهالة من القداسة التي تعفيه من النقد أو المساءلة. فحين يتحول الإنسان إلى رمز، يفقد جزءًا من بشريته، ويصبح محاطًا بسياج من الصمت. لكن الوطنية الحقة تتطلب النقد، بل وتفترضه واجبًا. فليس كل من دخل السجن بطلًا، وليس كل من لم يدخل السجن خائنًا. نحتاج إلى مراجعة جريئة، تعيد الاعتبار للفكرة لا للرمز، وللجوهر لا للمظهر.

نحو إصلاح المفهوم والمنظومة

لا يمكن لهذا الخلل أن يُصحح إلا بإعادة تعريف "الأسير" ضمن سياق وطني متكامل: فالمعيار يجب أن يكون النضال الحقيقي، لا مجرد تجربة الاعتقال. يجب أن تُربط الامتيازات بالاحتياجات لا بالصفات. ويجب أن تتوزع الموارد بعدالة بين من ناضلوا بالسلاح، ومن ناضلوا بالفكر، ومن ناضلوا بالعلم، ومن اختاروا أن يخدموا الوطن من خلف مكاتبهم ومختبراتهم ومزارعهم.

إنَّ بناء وطن حرّ لا يكتمل بالأساطير، بل بالحقائق، ولا يتحقق بالشعارات، بل بالعدالة.



#علاء_عدنان_عاشور (هاشتاغ)       Alaa_Adnan_Ashour#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحسين .....
- ثعلبة .....
- ذاكرةٌ تمشي على أرصفة الروح
- كتاب في الشعر الجاهلي .....
- غزة، بين رمزية النضال وسراب الإنجاز: هل يُفنى الشعب كي تُكتب ...
- نحن الشرارة التي أضاءت العالم
- إلى معلمة الفنون ....
- عالم ما بعد الصراع: أمريكا أولًا بوابة الاقتصاد العالمي .
- لا أريد أن أحزن ....
- -بين الأيديولوجيا والبراغماتية -: آن أوان إنقاذ ما تبقى من ف ...
- على عرش الفكرة
- النساء الناضجات
- الممرضة
- أمل
- أجمل قبلة
- السديم
- وطن حزين
- ضمائر المطر
- السطحية و الجهل في أسلوب رائد الحواري في النقد ....
- أحبك أحبك ...


المزيد.....




- كان متشبثًا بحافة جرف.. شاهد نقل متسلق مصاب إلى بر الأمان بم ...
- أمجد الشوا: المساعدات التي دخلت إلى غزة هي كمية لا تذكر بالن ...
- -مظاهرات مناهضة للشرع في سوريا-.. ما سياق الفيديو المتداول؟ ...
- انطلاق الجولة الخامسة من المفاوضات النووية بين إيران وأمريكا ...
- وزارة الداخلية السورية تطلق عملية إعادة هيكلة شاملة للمنظومة ...
- -كنت أتمنى أن تعيش الأجنة، ليبقى لي أحد في العالم-
- الحوثيون يستهدفون مطار بن غوريون بصاروخ باليستي يؤدي لتوقف ا ...
- نتنياهو يتخطّى إدارة الجيش ويعيّن زيني رئيسًا للشاباك رغم ال ...
- بريطانيا تدرس الإخصاء الكيميائي لمرتكبي الاعتداءات الجنسية
- المغرب.. هزة أرضية بقوة 4.5 درجة


المزيد.....

- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء عدنان عاشور - الأسرى في بلادنا... بين قدسية النضال وتجارة الوطنية .